١؛ حَليبٌ وأعينٌ نَابِضةْ.

17.1K 1K 1.1K
                                    

السادس من آيار عام 2015 م

ضربات مهولة تطرق بلا توقف تمامًا كتلك الكائنة بالسيمفونية الخامسة لبيتهوفن. نوتات تعلو وتهبط متعرجة بدون هدى، تصل لأعلى نقطة في اللحن ثم تهبط بقسوة لتصطدم بالقعر.

يبدو تشبيهًا خالصًا لا يرمى في محتواه سوى لجنون الحياة التي يعيش الكل تحت جناحيها، هي بالفعل ليست سوى سيمفونية مليئة بالضربات، بالصعود والهبوط.

حسم أمره منذ البداية وأقسم ألا يتألم، لكن الأمر كان خارج عن إرادته بكل الأشكال، وإن كان كل ما يحيط به هو الجنون، فأهلًا بالجنون، مرحبًا بالجنون الجميل.

بصدر رحب دعاه ليراقصه بخفة على معزوفة كسارة البندق لتشايكوفسكي وإن كانت معزوفة لم تخلق للرقص، فلا ضير من التحامها بأخر ذرات للعقل وترحيبها بالجنون.

كان منذ أمدٍ شغوفًا بالموسيقى البشرية؛ في جنونهم شيء من الروعة التي لا يمتلكها غيرهم، أي جنون أفضل من جنونهم؟

ولذا يوم امتلك خياره، اختار الجنون على طريقتهم، على طريقة بيكاسو.

أفسد التحام جفنيه الحميمي جدًا وكشف عن لؤلؤتين تتوهجان باللون الأحمر اللامع تسكنان عينيه. نهض عن الأريكة الذي قد أرخى جسده عليها منذ دقائق وهو يستمع للسيمفونية ثم استقام بتلكؤ وتقعد كرسيه أمام مرسمه يحدق بالورقة البيضاء الخالية.

شيء ما فيها يغريه ليفرغ كل ذرات الجنون القابعة بخلايا دماغه على صفحتها، أن يلوث نقاءها تمامًا، أراد بها هذه المرة أن يصعد سلم المجد وثبًا.

المجد أو الجنون الأمر يستوي بينهما، في النهاية المجد طريقه الوحيد أن تسلك الجنون.

جميعهم مجانين، علينا فقط أن نعترف.

احتاج الأمر منه تفكيرًا لدقائق وجيزة كي يخرج بتحليل يقنعه تمام الاقتناع بجهل هذه النظرية البشرية السخيفة.

لِمَ ينعتونهم بالمجانين؟ أوليس العقلاء هم المجانين؟

هل رأيت عاقلًا قد وصل لمقدار النجاح الساحق الذي حققه مجنون؟

أليست من خِصل البشر الانتقاص من النجاح، إذن أليس هذا صك يؤكد السلامة العقلية للمجانين العباقرة وفي المقابل جنون العقلاء؟

هزّ رأسه بابتسامة سخيفة اختلقت لنفسها مساحة فوق ثغره الوسيم، كان نفيًا كليًا ففي الواقع احتمال الجنون يثيره أكثر.

لن يُبرأ العباقرة المجانين؛ كونهم هكذا يعطيهم بريقًا خاصًا ولطالما أحب هو الجنون، هذا

بِيكَاسّو || A war of bloodحيث تعيش القصص. اكتشف الآن