14- عروس من ثلج (الاخيرة)

10.1K 315 26
                                    

غيوم غريبة تتجمع فوق الجبال , ولو كانت تامي من أهالي المنطقة لأدركت أنها أنذار بتبدل الطقس , مجموعة من الغيوم الطويلة المتوازية تشير بكل وضوح ألى أن ريحا عاتية ستهب , ولو كانت العمة فيني هنا لقالت:
" أنها ريح كفيلة بأنتزاع ريش أوزة".
حتى ولو كانت تعلم لما كان لذلك أي تأثير على هربها المريع من أعدائها , أتجهت نحو سفح الجبل والدموع تنهمر على خديها , وأنطلقت نحو الجبال الأكثر أرتفاعا ولم تتمهل ألى أن أخذت قدماها تنزلقان على الأعشاب , أستأنفت الصعود والألم يمزق رئتيها , وكادت أن تبلغ القمة عندما أرغمها ألم أطرافها ورئتيها على الأستراحة , ومن دون أن تبالي بما سيلحق بثوبها من تلف أنزلقت وراء أحدى الصخور الضخمة وفردت ذراعيها على سطحها البارد وألقت برأسها عليها وراحت تنتحب.
أنقضت ساعة كاملة قبل أن تهدأ تماما لكي تعيد النظر في حالتها , أعمت عينيها وأمت أذنيها عن كل أزعاج , ألتصقت بالصخرة وسمحت لعلقها المعذب أن يردد :
" أنتهى زواجك ,آدم يكرهك ويحتقرك , يجب أن ترحلي , أرحلي...... أرحلي....".
كانت قد وصلت ألى هذا القرار عندما أخذت قطرات المطر الأولى تنهمر على وجنتيها الساخنتين.
أرتجفت وشعرت فجأة بالبرد يخترق ملابسها الرقيقة , ألتفتت ألى الوراء وذهلت , على مقربة منها غمامة كبيرة تتقدم , تهديد بطيء زاحف نحوها , غمرت الغمامة القمم وتستمر الآن في الهبوط .
هبت على قدميها وقد أفزعها قصف الرعد وقطرات المطر الضخمة المتسارعة المتساقطة ألى ساقية قريبة , فات الأوان لتتذكر محاضرات آدم على جنون السير في الجبال من دون المعدات اللازمة :
" قد يكون السير على الجبال ممتعا ولكنه شديد الخطر , لا تخرجي بمفردك قبل أن تصبحي أكثر دراية وحتى بعد ذلك يجب أن تكوني شديدة الحذر وتذكري المصاعب التي تنشأ أذا أصابك أدنى حادث".
أرتعدت ثانية أذ تردد صدى تحذيره في مسامعها ونظرت حولها خشية أن يظهر بقامته المديدة , وعمل عقلها في هذا الأتجاه وراحت تعد الجدل الذي سوف تبديه لذلك المستبد أذا برز أمامها " كان نهارا طويلا حارا , الشمس تسطع في السماء الصافية , والحر يتراقص على الصخور , والسواقي تجري طبيعية , كيف كان لي أن أتنبأ بتقلب الطقس؟".
وما أن أنتهت من الجدل حتى كان المطر قد بللها كليا , قبل ذلك بدقائق معدودات كان كل شيء هادئا تماما ومع ذلك فقد هبت الريح الآن وهي ريح عاتية حارة وتنذر بالسوء , وعندما لمع البرق في السماء المتلبدة , أخذت تامي تهبط الجبل راكضة وقلبها يخفق بعنف وقد جفّ حلقها من شدة الخوف , وعندما أسرعت في الجري تحول الطقس الحار ألى جحيم من الأصوات والهياج , فالرعد يقصف والبرق يشق كبد السماء والمياه تنهمر كالشلال.
توقفت تامي وهي تحاول فتح عينيها المليئتين بالمطر , تحول الممر ألى مستنقع منحدر شديد الأنزلاق والسواقي البطيئة تحولت ألى سيول تجرف كل ما يعترض سبيلها , لم تر تامي بدا من أكمال مسيرتها , قبل أن تهب العاصفة كانت قد ألقت نظرة عابرة على سطوح الخيام المنصوبة في الوادي وقالت في نفسها أذا أكملت طريقها فلا بد أن تبلغ شاطىء الأمان.
ولكن ح ما قاله آدم , فقد علق كعب حذائها بجذر شجرة , فتعثرت وسقطت بعنف على كومة من الأعشاب البرية ظنتها لينة فأذا بها تخفي وراءها صخورا حادة كالحراب , شعرت بألم شديد في أنحاء جسدها عندما أرتطمت ضلوعها وكوعاها وركبتاها بعنف بالصخور المستترة فأطلقا صرخة حادة ضاعت في غمرة الأصوات المحيطة بها , وحاولت النهوض ولكنها عادت فسقطت وهي تئن عندما عجز كاحلها الملتوي عن حملها .
أنقضى نصف ساعة قبل أن تسمع صوت صفارة , آدم يحمل صفارة دائما.
كان قد أعطاها صفارة وقال لها أن تحملها كلما سارت على الجبال , ودربها على الأشارات الدولية في حالة الخطر , ست صفرات مدى كل منها عشر ثوان لمدة دقيقة ثم دقيقة أستراحة وبعدها ست صفرات أخرى و الصفارة الآن في أحد أدراج غرفتها.
صرخت بيأس :
" أنا هنا ...... النجدة , أنا جريحة , هنا.... هنا!".
وأستمرت في الصراخ ألى أن أصبح صوتها وكأنها في حلم يتردد صداه في جوانب الحفرة السوداء التي أنزلقت أليها , هنا , أطلقت صرخة أخيرة يائسة قبل أن يتلقفها فراغ لا قرار له.
يا لك من حمقاء صغيرة".
وحشية كلماته تعارضت ورقة يديه اللتين تجوسان جسدها بحثا عن الجروح , طرفت تامي بعينيها بتثاقل وجالت بهما في ملامح آدم التي أثرت عليها العاصفة ورمقته بنظرة حائرة تفيض أمتنانا.
وهمست :
" عثرت عليّ....".
" أصمتي وأشربي هذا ".
ووضع بين شفتيها فوهة زجاجة من الدواء وأرغمها على أبتلاعه , أمسك برأسها بيد والزجاجة باليد الأخرى وراح يسقيها الدواء ألى أن أطمأن ألى تمالكها لقواها وقدرتها على الرد على أسئلته.
" كاحلك متورم كثيرا , هل ألتوى لدى سقوطك؟".
شعرت بأنها مصدر أزعاج له , وأجابت بصوت خافت :
" أجل , لا أستطيع المشي".
" هذا ما خيّل أليّ".
قالها بأقتضاب ولم يحاول ستر حزمه بالأجوبة الرقيقة , المطر الغزير تحول ألى ستار من الضباب , وبرزت ساقية مكان الممر , وأنقشع الغمام المنخفض وبرزت أشعة شمس باهتة.
تحركت عضلات آدم تحت قميصه المبلل عندما أنحنى ليرفعها بين ذراعيه وقد لاح على شفتيه طيف أبتسامة وهو ينظر ألى المرأة المتشنجة التي تختلف كليا عن المرأة الأنيقة التي حياها لدى وصولها ألى المعرض , شعرها الكستنائي المشوش والملتصق بجبهتها أضفى عليها شكل القنفد الكريه وجالت عيناه في أنحاء جسدها الذي برزت مفاتنه تحت ثوبها الرقيق المبلل الملتصق بها.
تتبعت تامي أتجاه نظراته وأعتراها حياء شديد , وحاولت عبثا أبعاد القماش المبلل عن جسدها.
قال بلهجة جافة:
" أي لغز هي المرأة؟ رأيتك أحيانا في ملابس أكثر شفافية من هذه , لماذا هذا الأحتشام المفاجىء؟".
لم تستطع أن تقول ل أن عينيه أصبحتا أكثر جرأة , وأن شفتيه تبدوان أكثر طيشا , وأن شموخ أنفه المستبد يثير حنقها ........ كان الجو بينهما متوترا دائما , ولكنها هذه المرة تشعر بأن تيارا خفيا من المشاعر تجهل أسمه أنتشلها من أعماقها وجعلها أشبه بطفلة مرتبكة , أهو الغضب؟ أهو الحرج؟ أي قوة هائلة تسبب لآدم هذا الأضطراب الداخلي فيكبح جماح عواطفه؟
كان نقلها بين ذراعيه عملا شاقا مضنيا , للمرة الأخيرة تشعر بخفقات قلبه فألقت برأسها على كتفه لتعانقه عناقا سريا حارا وشدّدت من قبضتها حول عنقه لتربت على بشرته السمراء بأصابع مرتعدة , بعد قليل سيصبح أسمها ( الليدي فوكس سابقا) , وهذا الخاطر جعلها تطلق صرخة صغيرة حافلة بالألم.
فقال بقلق:
" ما بك؟".
" لا شيء .......خيل ألي أنني سأعطس".
" يجب أن نسرع لنضعك في حمام ساخن , وتجنبا لأي تأخير , عندما نبلغ ساحة المعرض , سندور حولها ألى السيارة , وأذا حالفنا الحظ نتسلل من دون أن يرانا أحد , ستجد العمتان من يوصلهما بسيارته ألى المنزل".
عبء من القلق زال عن كاهل تامي , كان همها الوحيد هو أن تنصرف من دون أن تقع عيناها على بام ثانية , مجرد فكرة أقرارها بالهزيمة وبأنتصار منافستها حركت فيها كبرياء آل ماكسويل.
كل شيء تم بحسب المخطط , كما تتم دائما رغبات آدم , كان الجميع قد لجأوا ألى الخيام هربا من العاصفة , فكان موقف السيارات خاليا ألا من حارس عجوز شاهد رجلا أسمر مبللا يلقي بفتاة مبللة ألى داخل السيارة.
أطلق آدم العنان لسيارته في شوارع مهجورة , لم يهدر لحظة واحدة لنقل تامي ألى الطابق العلوي وراح آدم يصدر تعليماته الحازمة بينما كان يحملها ألى الحمام .
" أذا جلست على هذا المقعد أتستطيعين أنتزاع هذه الملابس المبللة بينما أعد لك الحمام؟".
" بالطبع ,كاحلي لا يؤلمني كثيرا الآن وأظنه قادرا على حملي".
كان ردها رقيقا جدا .
" أرجو أن يكون هذا درسا لك حتى لا تتجولي في الجبال بمفردك في المستقبل , يمكن تأجيل المحاضرات ألى أن تصبحي في حالة تسمح لك بأن تفهمي أنني عندما أصدر أمرا أتوقع تنفيذه , هيا , أخلعي ملابسك".
وبذلك بعث الحياة في حركاتها البطيئة .
" ألاّ أذا كنت بحاجة ألى مساعدة مني".
أجابت متلعثمة :
" كلا , شكرا , أستطيع ذلك بمفردي".
بدت عليه الحيرة , وقال:
" خسارة ....... سأهبط وأعد لك فنجانا من الشاي , لا تتأخري في الأستحمام".
أمضت فترة أطول مما كانت تنوي لأن أفكارها كانت مشغولة بتفسير أقواله , تكلّم عن المستقبل , أي مستقبل؟ لا مكان لها هنا في فوكس هول , حالما يتحسن كاحلها ستحزم أمتعتها وترحل ألى لندن قبل أن يأمرها آدم بالرحيل.
كانت قد أنتهت لتوها من الأستحمام عندما عاد ولم تبدر منه حتى نظرة متهورة واحدة ,ألقى عليها نظرة عابرة ومع ذلك أعتراها شعور غريب .
" رائع , لقد جففت نفسك , حملت أليك الشاي ووضعت قربة من الماء الساخن في فراشك وسأحماك أليه أذا كنت مستعدة".
تولاها أحراج شديد فألتقطت عباءتها عن الأرض , ثمة نظرات شر يرة تتربّص في عينيه ولم يكن في نيتها أثارته.
وقالت بصوت مرتجف:
" شكرا , أستطيع أن أتدبر أمري بمفردي , يجب ألاّ أرفه نفسي أذا كان عليّ الرحيل حالا ألى لندن".
" خطر لي أنك ستفكرين بذلك , لا داعي , قررت السماح لك بالبقاء هنا".
كان يجب أن تبتهج بهذا القول , لأنها تتمنى البقاء وتعتبر الحياة جحيما من دونه , وبدلا من أن تشكره على غفرانه دفعها الحذر ألى السؤال :
" لماذا".
هز كتفيه وقال:
" أعتدت على وجودك هنا وقد أفتقدك أذا رحلت".
" كما تفتقد قطة صغيرة أو عصفورا غريدا؟".
" لا أحد منهما قادر على رفع ضغط دمي ".
"| أحقا؟".
قالتها وكأنها تنتحب .
" تعني أنك تعتبرني جذابة جسديا وبعد تفكير عميق أرتأيت أنني سأكون مريحة لك أكثر من باميلا".
شعرت بالغثيان عندما لم ينكر آدم أتهامها , كان واثقا جدا منها , ومقتنعا بأنها طوع بنانه فلم يزعج نفسه بخطب ودها , مجرد أفصاحه عن رغبته بالكلام كان كافيا .بقيت تامي مسيطرة على غضبها الجامح وقالت بحذر شديد :
" هل غفرت لي الخدعة التي مارستها عليك؟ وهل تغاضيت عن كوني زوجة عديمة النفع وعن طباعي المتعجرفة؟".
تحرك بسرعة فائقة بحيث لم يتح لها فرصة التهرب من ذراعيه اللتين أمتدتا أليها وشدتاها ألى صدره بوحشية وتمتم بصوت أجش:
" أيتها الصغيرة العنيدة المتعجرفة! ساورتني فكرة أعادتك من حيث أتيت , ألى الرخاء والتسامح والتحرر من الهموم ولكن عندما أضمك أليّ بهذا الشكل ويعبق عطرك في أنفي ويرتد قدّك المياس بين ذراعي وتتساوى خفقات قلبك وخفقات قلبي , أنسى كل جدل ضد أبقاءك هنا ولا أتذكر سوى أن خصرك خلق خصيصا لكي يطوقه ذراعي , كم أنت مفرحة عندما تكونين سعيدة وتهبين نفسك بدون تحفظ , لم أعد قادر علىرفض ما عرضته عليّ بسخاء , أريدك زوجة لي يا تامي!".
" أذا كان هذا ما رضيت به ميغ ماكسويل فأن أنتمائي أليها يخجلني , كرم فائق منك أن تتغاضى عن مساوئي العديدة وأنها لسذاجة منك الظن أنني سأقبل تضحيتك , لا يا لورد فوكس , لا أريد البقاء هنا في معاناة وأن أمضي بقية حياتي ممتنة لك وأحمل ضميري الشرف العظيم الذي أسبغه علي زوجي الغفور , تبا لك".
شعرت بغصة في حلقها , غصة غضب وأسى لأن آدم لم يذكر مرة واحدة العبارة التي تجعلها ترتمي عند قدميه .....عبارة حب.
وقف لا يأتي حركا يحدق في عينيها العسليتين وهو يهضم أهانة رفضها لطلبه , وبعد أن ضاق المكان بالصمت الرهيب سألها:
" ما مدى تأثير ديرك على قرارك هذا؟".
في تلك اللحظة فأنها ما يلمح أليه , بدت شابة صغيرة جدا , تائهة وهي توازن جسمها على قدم واحد لأراحة قدمها من الألم الحاد , وقد برزت وجنتاها المتوهجتان فوق ياقة ثوبها الأبيض وفمها يرتجف من الألم.
قالت بصوت مرتجف:
" لا أفهم أي شأن لديرك بنا".
كانت تعتبر أن الحمام القديم الطراز ضخما ألى أن أضطجع آدم فيه بقامته المديدة ومنكبيه العريضين وقد برز فكاه , أشبه بأسلافه قبل خوض المعركة , أقلقتها رنة صوته المتعبة الحزينة بعد أن كانت تتوقع منه سيلا من العبارات اللاذعة.
" قال هاريس أنك أتيت ألى هنا للتسلية , وأنني برزت في حياتك عندما بدأ نشاطك الأجتماعي يفقد رونقه , كنت مضطربة تبحثين عن سبيل للتحول والهرب من الحياة اليومية الرتية فراقت لك فكرة تمضية فترة مع رجل جبلي , وألمح لي أن زواجنا لم يكن ضروريا لأنك كنت سترافقينني في أية حال ,ولكنه كان يجهل أنه لم يكن لديك الخيار تحت ضغطي وضغط والدك , لا شك أنه أحزنك أصراري على أهتمامي بالمؤهلات , وأنك ندمت على زواجك مني عندما ظهر بيتي ديرك ليؤكد حنينك الشديد لبيئتك , وقد فاجأتكما تلك الليلة متعانقين".
قالها وكأنه يختنق , ووجدت صعوبة في الأحجام عن ضربه .
أخفض بصره وراح يحرك أصابعه وقد حيرته قوة عاطفته التي لو عادت أليها ذكرى الماضي لدفعت به وهو الرجل الرزين ألى التفكير بالعنف , وأطبق قبضة يده بعنف.
" لأول مرة في حياتي أشعر بغريزة الرجل البدائي للدفاع عما هو له".
ورماها بنظرة أستياء ثم تابع قائلا:
" حتى في تلك الفترة الوجيزة من الزمن أصبحت أعتبرك من ممتلكاتي , زوجتي , التي يجب ألا يجرؤ رجل آخر على ملامستها , أمرأتي , التي يجب ألا تسمح بمثل هذه الألفة".
أصغت تامي أليه صامتة ترتعد , ولكنها أرتدت عند أبدائه الملاحظة الأخيرة وقد حز ذلك في نفسها وشعرت بألم حاد في كاحلها.
قالت وهي تكاد أن تختنق:
" وهل صدقت ذلك عني؟ وأصدرت حكمك علي مستندا ألى دليل قدمه لك رجل حقود , وألى تصورك الخاطىء لتصرف بريء تماما ؟".
وأجاب بصوت أجش:
" ليس ذلك فحسب , أليست رغبتك في الرحيل تثبت أتهامات هاريس؟ كنت مرغما على المجيء بك ألى هنا , وكنت أنت راغبة في ذلك , ولكنك تصرين الآن على الرحيل مع أنني طلبت أليك البقاء".
شعرت بعبارات مريرة حادة تغلي في حلقها , أنطلقت ألى غرفتها وقد منعها الألم من محاولة شرح ما أحست به من أهانة لقوله أنه يريدها لغاية في نفسه , آلمها عندما جرت لتخرج الحقيبة من الخزانة , وهو ألم ربما كان كان هائلا في غير هذه الظروف , ولكنه الآن برز من خلال غمامة من الغضب والحياء وصرخ بها :
" لن ترحلي!".
أنطلق هذا الأمر من ورائها , فأستدارت تامي متسلحة بعنفوانها وغضبها لتخوض المعركة.
" أنني ذاهبة ألى منزلي يا آدم فوكس ! عائدة ألى حيث الحب والأحترام وألى شخص يؤمن بي ويجعل كلمتي فوق كل ما عداها , وهذه مواصفات لن أجدها هنا".
جميلة وهي ثائرة , رمته بنظراتها الحاقدة وقالت:
" للأسف , لم يغم عليّ أمتنانا عندما سمحت لي بالبقاء , ولكن بالرغم من كوني سافلة , عديمة النفع , منحطة الأخلاق فأنني أطلب من زوجي ما هو أكثر من تنازل ضاغن , لقد دللتك يا لورد فوكس! عندما أتيت ألى هنا كنت مذهولة , ولم أدرك أن وراء مظهرك الفظ تجويفا فارغا مكن قلبك.
أرتميت عند قدميك ولبيت جميع طلباتك وتحملت كل أهانة وكل صدّ منك على أمل أن تبادلني شيئا من الحب الذي أغدقه عليك, ولكنني مللت الآن , سئمتك وسئمت فوكس هول والمجتمع الريفي الذي يعتبر اللورد فوكس رمزا للكمال وأن كلمته هي القانون , أبقفي جحرك المحروس , أبق متواريا وراء الجدران الصوانية الدافئة التي لا يمكن للمشاعر الأنسانية أختراقها! أقترن بعروس من ثلج وعش سعيدا في لحدك المغلف بالعواطف المكبوتة , باميلا لن تثير فيك هاجس الحب أو الغضب وهذا خير ما يناسبك أذ ليس أفضل من زوجة فاترة لرجل متحجر.
سهمها الأخير أصاب هدفه , أرتد رأس آدم المتعجرف ألى الوراء وكأنه أصيب بضربة مؤلمة , فقام بحركة غاضبة وحاسمة , أنقضت قبضتاه القاسيتان على كتفيها وضغطتا عليهما بقسوة ورأت في عينيه بريقا غريبا , نارا متأججة وزرقة مخيفة , لم تكن من حاجة ألى العبارات التمهيدية , وشدها ألى صدره بعنف.
أبتدأ الأمر بعناق عقابي فيك كل ما أختزنه رجل قوي العزيمة من حقد على نقطة الضعف لديه , كان عناقا ساحقا , كافيا للقضاء على جميع العواطف , غير أنه حرك أحاسيس عاصفة جامحة , لم يلحظ أي منهما هذا التبدل , فالعناق الذي أبتدأ بعاصفة من الكراهية تحول ألى عناق عاطفي حنون وتشبث أحدهما بالآخر وكأنهما غريقان تتلاعب بهما الأمواج الهائجة , تعانقا ثم أنفصلا ليعودا ألى العناق من جديد وفيهما جوع ألى اللقاء وقد نسيا العداء والحقد وهما على أجنحة هذه العاطفة الجياشة.

صبت تامي كل ما في قلبها العاشق من عواطف وأحاسيس , وسرها اشعور بالسيطرة عليه وأدهشها أن تكون همساتها الرقيقة الحنونة قد حولت اللورد المتعجرف ألى عاشق مستعطف متوسل , لم تكن بحاجة ألى أقناع بأنّ ما يجري هو حلم من صنع خيالها نسجته ساعات طويلة من الحنين ألى حدث كهذا , وفيما كان يعانقها بحرارة سمعته يقول بصوت مرتجف:
" أحبك يا تامي , أيتها الساحرة الفاتنة , يا ألهي! أحبك كثيرا , أياك أن تتخلي عني يا تامي , قولي أنك ستبقين!".
أزدادت أقترابا منه وترقرقت عيناها بدموع الفرح وعدم التصديق :
" لن أتخلى عند أبدا يا حبيبي , خاصة أنني عرفت أنك تحبني , ليتك تعلم كم حننت ألى سماع هذه الكلمات , أنتظرت وأبتهلت ولكنني لم أسمع أقرارك ألا الآن".
وفجأة , هي التي أصبحت غير واثقة ومتسائلة , تحاول تهدئة نفسها وتركيز تفكيرها.
" أمتأكد أنت يا آدم ؟ أيمكن أن تكون هذه فترة طيش مؤقت لديك؟ أعلم أنني أجتذبك ولكن هذا لا يكفي , لا يمكن أن تحب وتكره شخصا في آن واحد , ماذا لو ندمت فيما بعد على عبارات تفوهت بها وأنت في أتون العاطفة؟".
منتديات ليلاس
وبحنان فائق جذب رأسها ألى كتفه وكبح جماح نفسه وهو يربت على وجهها المضطرب :
" أذا كان شعوري نحوك هو الأزدراء فأنني أيضا أزدري الطيور المغردة في صباح ربيعي والغمامات السابحة في الفضاء مجتازة القمم الشاهقة , والبحيرات الزرقاء المستكينة بين وديان تحيط الهضاب الخضراء ,وجنح الغراب الأسود وتغريد الكروان , والشمس المنسابة بعظمة وراء الصخور صابغة كل صخرة منها بلونها الذهبي , أنني أكن الأمتنان لكل منها بقدر ما أكن لك من حب , قولي هل هذا يطمئنك؟".
المفروض أن يكون ذلك كافيا , قال لها أن حبه لها يضاهي حبه ليته وحبه للحياة ومع ذلك بقي جزء صغير منها يرتعش.
دفنت رأسها في كتفه وقالت:
"ولكنك صدقت كل ما قاله ستيف عني".
ردّه الخافت دل على أضطرابه :
" شئت أن أصدق أقواله وحاولت جاهدا أن أقنع نفسي بصدقها".
نظرتها أليه آلمته فأكمل متمهلا:
"كنت أعلم أنه ليس من حقي أن أبقيك هنا , فرحت أبحث عن أعذار لكي أعيدك , لا أستطيع أن أوفر لك الحياة التي أعتدت عليها , ولا الرفاهية ولا العيش الهني , ولا الثروة , فأنا رجل فقير بالنسبة ألى والدك , مع أن طموحاتي كبيرة فأنني لا أملك أملا في المستقبل بحيث أستطيع مضاهاته في النفوذ , لا أستطيع أن أوفر لك ما لا تملكين , كرامتي تمنعني من الطلب أليك البقاء كزوجة لي , حبي لك دفعني ألى هذا التصرف".
منتديات ليلاس
أنطلقت زفرة كبيرة من أعماقها , كان يجدر بها أن تدرك ذلك , ما كان يجب أن تتعامى عن كل ذلك وهي تعلم مدى أعتزازه بنفسه وعجرفته الموروثة ورغبته في أعطاء ما هو الأفضل.
" يا آدم العذب الرائع المتعجرف ! ألا تعلم يا أعز حبيب أنك الوحيد الذي يستطيع أن يهلني كل ما أتمنى في هذا العالم؟".
بدت عليه الحيرة وقال:
" ما هو الذي تتمنين ؟ سأحققه لك حتما أذا كان بأستطاعتي".
ألتصقت به ألى أن أصبحت بمثابة ضلع أضافي من ضلوعه ووقفت على رؤوس أصابعها وهمست في أذنه:
" أرجوك يا بارون فوكس, أنني أريد ثلاث بنات وسبعة أبناء".

تمت

 اللمسات الحالمة  - روايات عبيرWhere stories live. Discover now