6-لقاء ينتهي بعاصفة

5.4K 120 5
                                    

بعد منتصف الليل بقليل أستيقظت تامي ترتجف بردا , وكانت النار في الموقد قد خبت , وعندما أطلت برأسها من تحت الأغطية كان جو الغرفة أشبه بالجليد , ورأت نور القمر ينساب من خلال الستائر المسدلة , ولاحت لها في الخارج كتل الصخور الضخمة البارزة بأشكالها غير المنتظمة.
لفّت جسدها المرتعد بالأغطية الثقيلة وقد حنّت ألى لحافها الدافىء خفيف الوزن وألى حرارة شقتها في لندن , أحسّت بأنها تعيسة , كسيرة الفؤاد ولم يسبق لها أن شعرت بمثل هذا البؤس في حياتها , بعد العشاء , أستأذن آدم للذهاب ألى أجتماع للمزارعين وأوت العمتان ألى الفراش باكرا , تركوها ولا رفيق لها سوى جهاز للراديو ومكتبة حافلة بكتب قالت العمة فيني أنها تتحدث عن تاريخ الحدود وهي كفيلة بتحسين معارفها .
ألقت نظرة عابرة على عناوين الكتب ولمّا لم تجد ميلا ألى المطالعة أستقرت في مقعد مريح تنتظر عودة آدم , ولكن عند الساعة الحادية عشرة أخذ البرد يزداد تدريجيا في اغرفة وبما أن حطب الموقد أصبح رمادا أضطرت للجوء ألى فراشها.
تشنّجت عندما سمعت صرير الألواح الخشبية التي تكسو الأرض خارج غرفتها , وأصغت ألى وقع الخطى يجتاز البهو ثم يتوقف عند باب الغرفة المجاورة , فأسترخت على وسائدها وشعرت بالأطمئنان لأن آدم عاد ألى البيت.
راودتها فكرة القرع على الباب الفاصل بين الغرفتين ولكنها قاومتها ,ولماذا لا تفعل ذلك ؟ أن آدم هو زوجها وليس من حقه أن يقفل الباب الفاصل بين غرفتيهما في أول ليلة من شهر العسل , وبحركة لا شعورية غادرت فراشها وأندفعت نحو الباب وعندما حاولت فتحه وجدته مقفلا.
راحت تدق الباب:
" آدم , دعني أدخل".
توقفت الحركة في الغرفة المجاورة فجأة وسمعت وقع خطى تقترب :
" ماذا تريدين؟".
كادت أن تتراجع من شدة الخوف فتابع قائلا:
" الوقت متأخر ويجدر بك أن تكوني نائمة".
تحملت الأهانة وقالت من بين أسنانها المصطكة :
" يجب أن أتحدث أليك وأرفض محادثتك والباب مقفل بيننا , فأرجوك أن تفتحه".
همسات آدم الساخطة كانت مسموعة وهو يدير المفتاح , وعندما أنفتح الباب بقي واقفا على العتبة يحدّق مذهولا بقوام تامي المرتعد , وقد غلفه القمر بخيوطه الذهبية الخلابة وبدت فاتنة جذابة في قميص نومها الحريري الشفاف.
" يا لله!".
وأضاف بلهجة مجردة من كل أطراء:
" أليس لديك ما هو أكثر أحتشاما ترتدينه؟".
بلى , كان لديها ما هو أكثر أحتشامل ولكنها أبت الأقرار بذلك , أنتقاؤها لجهازها كلّفها الكثي من العناء , فلا البرد ولا المكان العدائي الذي أنشأ أناسا عدائيين بقادرين على أقناعها بالتخلي عن قميص نومها الحريري لترتدي آخر أكثر أحتشاما.
عندما نظر ألى الأرض أدركت أنه يتهرب من تأثيرها عليه , وسألها بأقتضاب:
" ماذا تريدين ؟ الأحرى بنا أن نكون في الفراش".
صممت أن تكون جريئة , فتشبثت بذراعه وألقت برأسها على صدره وقالت بهمس حنون:
" أجل يا آدم , أنني أشاطرك الرأي".
تتابعت انفاسه بصوت مسموع وأذا بيديه تنقضان على كتفيها وتهزانها بعنف .
قال وهو يصرف بأسنانه:
" تبا لك يا تامي , يجب أن تقلعي عن كل ذلك , أتسمعين ؟ أتريدين أن تثبتي أن تامي ماكسويل تنال كل ما تريد؟".
توردت وجنتاها خجلا , وحبست أنفاسها , ورفعت رأسها ونظرت ألى محياه الغاضب والتحدي يشع في عينيها وقالت :
" أنا تامي فوكس ولا أطلب سوى محبة زوجي والشعور بذراعيه يطوقانني , هل أغالي في الطلب؟".
بقي صلبا لا يلين , وأمسك بذقنها بين أصبعيه وتكلم بنبرة تفيض قسوة :
" طفلة مدللة مثيرة للغضب! العاطفة الوحيدة التي أكنها لك هي المحال , لأن والدك الخرف حقق كل أمنية لك , تتوقعين الشيء ذاته من زوجك! ولكن هذا ليس أسلوبي".
وأشتدت قبضته ألى حد لا يطاق وتابع حديثه:
" أريد زوجة تضع أحتياجاتي في المرتبة الأولى , وتجعلني مركز أهتمامها , وأن تشتغل جنبا ألى جنب في جميع الأحوال الجوية بدون أن تتذمر من البرد أو الأوساخ أو التعب , وأنت لا تتمتعين بشيء من هذه المؤهلات".
وبدت السخرية في عينيه وهو يرمقها من رأسها حتى أخمص قدميها.
" لا شك في أننا سنكون منسجمين في المجالات العاطفية, ولكن ظروفي لا تسمح لي بأتخاذ صديقة , بل أريد أمرأة تكون لي زوجة طوال الأربع والعشرين ساعة باليوم , لا فتاة غريبة أمضي معها هنيهات فراغي".
تجاهلت أحتقاره , وركزت أهتمامها على الشروط التي أبداها فقالت:
" سوف أشتغل معك يا آدم , سأنفذ كل ما تطلبه مني , أجد متعة في الطهي والتنظيف وسأكون مقتصدة ..".
فأجاب ساخرا والضحكة تتكسر بين كلماته:
" ستقتصدين بطلاء أظافرك!".
وهنا تحركت طباع آل ماكسويل , لقد أذلت نفسها كثيرا أمام هذا الجبلي المتعجرف , وزحفت على ركبتيها أرضاء له , ولم تلق منه ألا التهكم والصد , ولكنها لم تشأ الأعتراف بالهزيمة حتى ولو تسلط سيف على عنقها , لم يكن عليها سوى تغيير أسلوبها.

 اللمسات الحالمة  - روايات عبيرWhere stories live. Discover now