4-الحب بهجة مشتركة

6.3K 135 6
                                    


كانت سيارة تامي تنهب الأرض نهبا يقودها آدم , بينما جلست هي بجانبه تغمرها سعادة فائقة والشمس تتسلل من النافذة لتستقر على الخاتم الذهبي الذي يزيّن أصبعها , خاتم براق كالأمل المشرق في قلبها , حتى الغيوم التي أخذت تتلبّد في الأفق عجزت عن أخماد جذوة تفاؤلها الذي يرفض الفكرة القائلة أن هناك أمنية تعصاها.
تحققت أغلى أمنياتها أذ أصبحت زوجة آدم , منذ سبع ساعات أصبحت السيدة آدم فوكس , من فوكس هول , كمبريا! وأنتفض كل عرق في جسدها وهي تتذوق فرحة العروس التي ينقلها عريسها ألى دارها الجديدة .
ألقت عليه نظرة ملية وهي تقاوم غثيانا تولاها لبرهة , بينما كان عقلها الباطني يقارن بين ملامح وجهه الوسيم والأألوان القاتمة الأرض التي يجتازان .
منذ ساعة خلّفا وراءهما ما كانت تعتبره آخر معقل للمدنية وعدد الأبنية يتضاءل تدريجيا لتحل التلال محلها , أخذت الطريق تتجه صعودا والتلال التي بدت كتلا رمادية في الأفق ما هي ألا صخور صوانية شاهقة تطل بعبوس وأزدراء على الطريق الشبيهة بسيف يخترق عزلتها.
وتبين لها أن البقع الصغيرة التي كانت تتحرك أحيانا ما هي سوى خراف ترعى فوق هضاب شديدة الأنحدار , ترويها شلالات صغيرة , وتقسمها مربعات من الجدران الحجرية المنخفضة تمتد من قاعدة الجبل حتى قمته , دفعها الفضول ألى قطع حبل الصمت الذي لازمها طوال فترة الرحلة تقريبا فقالت:
" لماذا كان من الضروري أقامة جدران على طول الجبل وعرضه؟".
" ماذا؟".
كان رده أشبه بالأستنكار لقطعها حبل أفكاره و ولكنه عندما أستوعب السؤال أبتسم , وفي تلك اللحظة تبددت الغيوم وأكتست الجبال بثوب من خيوط الشمس الذهبية.
" ميزة هذه الجبال هي تلك الجدران الحجرية التي لا مبرر لوجودها , غالبا ما يتساءل الأغراب عن فائدة تلك الجدران التي لا تحتوي شيئا والمتعرجة في الأفق تحيط بالغابات , وللأسف , معلوماتنا عنها ضئيلة , ولكننا أصبحنا نعتقد أنها نوع من الحدود , سياجات بين المزارع , بين رعية وقطاع , فواصل بين القصور وعامة الشعب , ثبت أنه منذ حوالي الألف عام أقام النساك أول هذه الجدران ,كانوا مزارعين ماهرين وهم أول من صنع مجاري المياه وزرع الأرض هنا".

قالت بدهشة ظاهرة:
" هل تعني أن عمر هذه الجدرانألف عام؟".
فأجاب مؤكدا :
" عمر بعضها ألف عام , والبعض الآخر أقيم منذ حوالي القرن , وفي أيامنا هذه ومع أن صناعة الجدران لم تنقرض , لا تقوم جدران جديدة على الجبال الشاهقة , وبالطبع , يقوم المزارعون بصيانة الجدران القائمة ويبنون زرائب للخراف , بحسب الحاجة , ألا أن عددا ضئيلا منهم يفكر بأقامة سياج حجري جديد على قمم الجبال ".
أنفرجت أسارير تامي تحت دفء أبتسامته المشرقة , سلوكه هذا شجعها على القول :
" أنني جائعة , هل يمكننا التوقف في مكان ما لتناول اطعام؟".
عادت السماء وتلبّدت بالغيوم فحجبت نور الشمس , قال عابسا :
" تأخرت ما فيه الكفاية , ساعة ونكون في البيت وأؤكد أنك تستطيعين الصمود".
أبتلعت رده الجاف , منذ ثلاثة أيام وهو يردد هذه المعزوفة , مبديا ضيقه لكل دقيقة يضطر لتمضيتها في لندن للقيام بترتيبات الزواج , حفلة الزفاف التي تمت في مكتب مسجل العقود تحت أصرار آدم , عمتها الفوضى أذ تمت بطريقة سريعة خالية من الرومنطيقية , ولولا والدها لما كان هنالك أفطار العرس ولا صورة تحتفظ بها كأجمل ذكرى لأهم يوم في حياتها , كان جوك قد نشر خلسة , في أفضل صحف المدينة , نبأ زفاف أبنته بعبارات منمّقة ليخلق أنطباعا بأن الزواج كان متفقا عليه , وبذلك وضع حدا للأقاويل وأظهر ستيف هاريس بمظهر المتجني.
وجدت ذاتها تعترض قائلة:
" ثلاثة أيام ليست هي العمر كله , ألا يمكن الأستغناء عنك لقضاء بضعة أيام بمثابة شهر العسل؟ ألا مدير أعمال لديك؟".
لم يعد يعرها آدم ألتفاتة بل أطلق للسيارة العنان فأندفعت بسرعة فائقة وقال:
" شهر العسل هو للمحبين ونحن لسنا منهم , ولا مدير أعمال لدي , بل لي عمتان مسنتان تساعدانني بقدر الأمكان , وكما تقول العمة فيني عين الكهولة بصيرة ويدها قصيرة".
سبق أن سمعته يتحدث عن عمته ولكن ليس بأسهاب:
" كم تبلغا من العمر ؟ قاما بتربيتك على ما أظن".
أيماءة رأسه أشعرتها بأنها تتدخل في أمور شخصية :
" أنتقلتا للأقامة معنا فور وفاة والدتي بعد مولدي بعامين , وكانتا لا تزالان معنا عندما توفي والدي منذ خمس سنوات وأصبح منزلي مقرهما , ولكونهما لا أقرباء لهما سواي , فقد باعتا منزلهما وأتخذتا من فوكس هول مقرا دائما لهما".
وأضاف متشددا:
" أياك أن تسيئي ألى شعورهما بالأطمئنان أثناء أقامتك القصيرة معنا".
فطمأنته بحماس :
" لا أنوي الأساءة ألى العجوزين العزيزتين".
بدا وكأنه يختنق ثم تنحنح وقال:
" الحديث عن السن محرم , مع أنهما تميلان للعيش في ذكريات الماضي فأنهما لن تشكراك على قولك أنهما هرمتان ".
أنحرفا عن الطريق الرئيسية عند مفترق يحمل لافتة تقول كارليسل وبدلا من أن يكملا السير نحو البلدة الرئيسية في الأقليم فقد سلكا مخرجا عند مستديرة تؤدي ألى منطقة زراعية مارين بمزارع منعزلة وقرى مرتبة , وبعد مسيرة ساعة بالسيارة أخذت الطريق تتجه صعودا ألى أن أوقف آدم السيارة على قمة شاهقة ليتيح لتامي ألقاء نظرة ملية على المناظر الخلابة المنتشرة تحتهما والمحيطة بأبراج ومداخن المدينة الواقعة ألى أقصى يمينهما , ومساحات شاسعة من الجبال الكئيبة ألى يسارهما وشاطىء سولواي أمامهما مباشرة وخيط رفيع من البحر الفاصل بين الجارين الأنكليزي والسكوتلاندي.

 اللمسات الحالمة  - روايات عبيرWhere stories live. Discover now