8- هل يبزغ عليّ القمر؟

5.4K 141 7
                                    

بينما كانت تامي ترتدي ملابسها أستعدادا لحفلة العشاء أبت على نفسها أن تبدو مكتئبة , لا يمكن الأستخفاف بعرض الزواج الذي كان يلاقي التفكير الجدي ويبدو أن آدم نجا منه بأعجوبة , مع أنه بعقليته الراهنة لا يقر بذلك , ولشعوره بأنه وقع في زواج ليس من أختياره فأن الفتاة التي ملكت عليه لبّه تتمتع بفضائل لا وجود لها , جميع الرجال يتمنون ما لا يستطيعون نيله , جمال بام البارد الذي أصبح بعيد المنال هو الآن سراب في أفق آدم , بينما هي المتحمسة والراغبة فيه والتي في متناول يده أصبح عيبها الوحيد هو كونها سهلة المنال ..
رسمت لنفسها خطة وهي ترتدي ثوبها الحريري المزركش الأنيق الباهظ الثمن , وراحت تحدث نفسها قائلة:
" عليك ببرود الأعصاب يا تامي , لأن رجلك الجبلي يحب أن يكون هو الصياد ,تثيره المطاردة وتفتنه المراوغة ويزدري المطيعة لينة العريكة , أذا كان لا يستسيغ الحلو فأذيقيه المر قليلا".
هبطت الدرج بتؤدة ودلال وكتفاها الفاتنتان تبرزان من غمامة ثوبها الرقيق ذي الألوان الأزرق والأخضر والبنفسجي , وقد طوّق خصرها حزام أثبت أن القوام الرشيق الذي تغلفه هذه الغمامة ليس ساذجا كما يبدو , بينما أنتعلت خفين بنيين يبرزان من تحت الثوب الذي يطلق حفيفا موسيقيا لدى كل خطوة , نفحة عطر منعشة سبقتها لتعلن مقدما عن حضورها وهي تتجه نحو آدم الذي كان ينتظرها في القاعة وعيناه المكفهرتان مثبتتان على شعار العائلة.
فوق نصف دائرة من النجوم ظهرت عبارات باللاتينية , وقفت تامي على رؤوس أصابعها تقرأها من وراء كتفه بصوت مرتفع وبلفظ محطم خاطىء.
" ما معنى هذه العبارات يا آدم؟".
فقال مترجما:
" سيبزغ علينا القمر ثانية , هذا وعد من الغزاة بالعودة عندما يحين الوقت لجمع المستحقات".
وتذكرت الليلة السابقة , وفي غرفتها التي يغمرها نور القمر كيف أنها عرضت على أحد الغزاة مكستحقاته فرفضها , هل يحقق يوما الوعد الذي يحمله شعار العائلة؟ وهي , هل يبزغ عليها القمر ثانية؟
وتذكرت الليلة السابقة , وفي غرفتها التي يغمرها نور القمر كيف أنها عرضت على أحد الغزاة مستحقاته فرفضها , هل يحقق يوما الوعد الذي يحمله شعار العائلة ؟ وهي , هل يبزغ عليها القمر ثانية؟
أرتعشت عندما هبت الريح حول كاحليها , ومدّت يدها أليه وفيها دثار , آملة في أن تتكىء يداه وهما تلفان كتفيها بالدثار وأن يحرك عطرها مشاعره فيدرك أهتمامها به وتجد لديه أستجابة , ولكن لمسته كانت عابرة وهو يلف كتفها بالدثار وقال بصوت يغلفه البرود:
" فلننطلق أذا كنت جاهزة".
لا شك أن بام أمضت ساعات طويلة على الهاتف , هذا ما دل عليه عدد الأشخاص المنتظرين لأستقبالهما عندما دخلا القاعة الرئيسية في بيت أصغر من فوكس هول ,ولكنه يضاهيه فخامة وقد أزدانت الجدران بصور لآل هاردن تكرّرت ملامحهم في وجوه الذين تجمعوا لتقديم فروض الأحترام لآدم ولألقاء التحية على عروسه.
أول صدمة لتامي كانت عندما أخذت بام بيدها وسارت بها نحو أقرب مجموعة من المدعوين وراحت تجري التعارف بطريقة رسمية , ليدي فوكس , أسمحي لي أن أقدم لك عمتي آن هاردن ,وزوجها عمي طوبي".
ردت تامي كالحالمة على الأبتسامات والتمنيات الطيبة والمجاملات , محاولة طوال الوقت جمع شتات أفكارها لأستيعاب اللقلب الذي أضفى عليها بهذه الطريقة الشائبة ( الليدي فوكس) .
لماذا لم يخبرها آدم بذلك قبلا؟
كان آدم قد توارى بين الجموع تاركا لبام أمر أجراء التعارف الذي قامت به بكل أجلال , مما جعل تامي عاجزة عن كتمان أعجابها , وأخيرا وبعد أن أنجزت بام مهمتها , حملت صحنين من الطعام ألى ركن هادىء حيث أسقطت القناع عن وجهها.
وبطريقة هجومية سألتها:
" كم طالت فترة معرفتك بآدم قبل زواجكما؟".
فردت تامي بحدة متخذة وضعا دفاعيا :
" فترة كافية".
" لم تكن فترة كافية لتكتشفي أنك ستقترنين بلورد , أجل يا عزيزتي , لاحظت دهشتك عندما عرفت عنك بأسم الليدي فوكس , أعترفي أنك كنت حتى تلك اللحظة تجهلين أن آدم يحمل لقبا كهذا".
تململت تامي , ليس من السهل خداع بام.
" لا شك أن آدم نسي أن يخبرني , وربما كان مثلي يعتبر هذه الأمور غير ذات أهمية في المجتمع المعاصر".
أطلقت بام ضحكة لطيفة:
" ولكن عالمنا لم يتبدل نتذ عصور , صحيح أننا عصريون ظاهريا ولكننا بالأاس مجتمع أقطاعي يولي آدم ذات الأجلال والأحترام اللذين لقيهما أول لورد من فوكس وهو حاكم من القطاع الغربي الأنكليزي , قدمت له كل عائلة في هذه المنطقة الولاء , وقد ورث آدم عنه المقدرة القيادية والنزعة ألى أصدار الأوامر والقسوة عندما تدعو الحاجة , ولكن ليس ما يدعوني ألى قول ذلك".
كانت ضحكتها تفوق الثلج برودة , تابعت:
" ألا أذا كان أقترانك باللورد فوكس ليس أكثر من كرة رينارد البلورية".
رفعت عينيها متظاهرة لما يبدو على تامي من حيرة وأضافت:
" لا شك أنك قرأت قصة أيسوب المفروض أن يكون رناارد الثعلب قد أرسل كنزا ثمينا ألى مليكته ولكنه لم يصلها أبدا لأنه لم يكن له وجود ألا في مخيلة الثعلب المحتال , المفروض أن الكرة البلورية تكتشف ما يجري مهما كان بعيدا وتعطي المعلومات عن أي موضوع يطلبه السائل , يمكن تشبيه زواجك بكرة المعلم رينارد البلورية , وعود كثيرة لا تنفذ".
تحية ساخرة وأبتعدت بام تاركة تامي تعمل طعنا بشوكتها في صحن الطعام , كانت دموع المهانة ملحة.
هبت كرامة آل ماكسويل لنجدتها فراحت تجفف دموعها المحتبسة قبل أن تتدحرج على وجنتيها , لو أن ميغ ماكسويل رضخت للهزيمة لما أنجبت لزوجها المتعجرف ثلاث بنات وسبعة أبناء.
ألتفتت تبحث عن آدم فرأت رأسع يشع على جميع الرؤوس , فمشت بأعتزاز والبريق يشع في عينيها بين جموع آل هاردن ألى أن أصبحت بجانبه , نظر أليها وعقد حاجبيه , أدركت أمارات الخطر المنبعث من وجنتيها المتوهجتين فغمرت الهجة قلبها , ليس الزواج قرانا جسديا فحسب , بل هو قران بين عقليتين أيضا وقد أصبح آدم متفهما لمزاجها.
وبسرعة مدّ يده وأمسك بيدها , يجب ألا يدرك الحضور الذين يرمقونهما أنها خطوة دفاعية لأنه تذكر تهديدها بأظهار عواطفها علنا كلما شعرت بأهماله لها.
" هل تستمتعين يا حبيبتي؟".
كادت العبارة العاطفية أن تخنقها وهمست برقة وحنان :
" أنني أستمتع الآن".
وبكل مكر شعرت بأنها كوفئت لدى رؤية وجهه يتجهم.
بينما كان رفاقه يتململون ويتبادلون النظرات المتسائلة المحرجة صدحت الموسيقى فتوجهوا أزواجا نحو القاعة حيث خلت الأرض من السجاد لتصبح حلبة فسيحة للرقص , وبنظرة تفيض حقدا وتخفي رغبته في هزها بكتفيها ألى أن تسترحمه , أمسك آدم بذراع تامي وأتجه بها ألى خارج الغرفة:
" هلمي بنا نرقص".

 اللمسات الحالمة  - روايات عبيرWhere stories live. Discover now