5- لص فظ من الشمال

Start from the beginning
                                    

أما الزواج أو أفلاسه وأفلاس أصدقائه , هذان هما الخياران اللذان كانا أمام آدم , ومثله سلفه أختار أسهل الشرين

وسألت تامي:
" ماذا جرى لجيمس وميغ:
بدا القلق على محيا العمة هونور لدى رؤية الغم المسيطر على تامي وقالت:
" أنك رقيقة القلب بالرغم من طريقة حياتك العصرية , لو كنت أعلم أن الأسطورة سوف تسبب لك الغم لما سردتها عليك , كل ما عرفه الناس عن جيمس وميغ هو أنهما أنجبا ثلاث بنات وسبعة أبناء".
وراحت تضحك وبعد لحظات من الذهول شاركتها تامي الضحك , ضبطت نفسها في البداية ثم تخلت عن تحفظها عندما أدركت قصدها.
قالت وهما تضحكان :
" آه , يا عمتي هونور , ألا يكون من المضحك أن يعيد التاريخ نفسه؟".
صوت فظ قطع عليهما مرحهما:
" حمل آدم أمتعتك ألى فوق , وأنك بلا شك , تريدين أن ترتبي حاجياتك".
هبطت العمة هونور على قدميها :
" كنا قادمتين يا فيني أنا التي أخرت تامي بثرثرتي".
" أصدقك".
قالت أختها مزمجرة وحدقت بتامي وكأنها تتوقع أن ترى رأسا آخر ينبت لها.
ساءها خنوع العمة هونور فقالت بشموخ :
" لا يزال في الوقت متسع , لديكم خادمة ولا شك بأمكانها أن ترتب حاجياتي".
أنتصبت قامة العمة فيني قليلا وقالت :
" لا خادمة لدينا وعليك أن تخدمي نفسك ما دمت هنا".
هزت تامي كتفيها :
"لا بأس , سيري أمامي".
ولكن العمة هونور هي التي رافقتها وقالت لها بلطف :
" أعتقدنا في البداية أنك سوف تشاطرين آدم غرفته , ولكنه أصر على حاجتك ألى غرفة خاصة بك تحتوي على خزائن فسيحة , ولذا وضعنا أمتعتك في الغرفة الملاصقة لغرفته ومع ذلك أشك بتوفر المساحة الكافية لأمتعتك الكثيرة".
تولت تامي الدهشة , تركت ثلاثة أرباع حاجياتها في الشقة بعد أن شدّد آدم عليها بحمل الضروري منها فقط.
كانت في غرفة نومها تطل على سفح الجبل الذي يغمره لون ذهبي تحت أشعة شمس الأصيل , سرير بأربعة أعمدة تكدّست عليه أغطية أثارت شكها بأن الموقد الذي تم أشعاله بسرعة لن يكفي لأبعاد الرياح , التي ستهب عن الجبال التي تكسوها الثلوج فتخترق شقوق الجدران القديمة , الألواح الخشبية التي تكسو الجدران والستائر المخملية السميكة أضفت جوا من الأطمئنان , وكذلك بدت الخزانة كافية لأستيعاب حاجياتها.
وضعت العمة هونور المزيد من الفحم في الموقد وقالت بلطف :
" نصف ساعة ويصبح الفحم جمرا جمرا وعندها تشعرين بالدفء , النار في غرفة النوم رفاهية ولا نوقدها ألا أذا كان في الغرفة مريض".
" ما كان يجدر بك أن تتجشمي المشقة لأجلي".
قالت تامي معترضة وقد هالها العمل الأضافي الذي حمله الكاهلان اللذان ينوءان بالأعياء .
" أنا فتية وصحتي جيدة , أذ كنت وأختك قادرتين على العيش بدون نار فكذلك أستطيع أنا".
" آدم أصر على ذلك يا عزيزتي".
رنة صوت هونور البسيطة أوحت بعدم جدوى الجدل.
" سأتركك لتستبدلي ملابسك ,نصف ساعة ويكون العشاء جاهزا , ستكونين وآدم مستعدين له , ولا شك ".
كان الحمام في الرواق , ولدى دخولها أليه , أنبأتها رائحة صابون ريت افحم بأن آدم سبقها في أستعمال الحمّام الأثري الذي بدت عليه بقع سوداء من كثرة تنظيفه , حنفياته قديمة تتدفق منها مياه فاترة مبعثرة ,وهنا تذكرت حمامها الفخم , قامت بغطسة سريعة وخرجت من الحوض وتناولت منشفة لفت بها أطرافها المرتعشة , وبعد فرك سريع لجسدها أندفعت ألى غرفة نومها وأرتدت أسمك ملابسها وفوقها ثوب صوفي طويل الكمين ياقوتي اللون , تبرجت قليلا وأطلقت مشطا سريعا في شعرها ووضعت قرطين من الياقوت في أذنيها .
كان آدم ينتظر في قاعة الجلوس :
" أراك قد أستبدلت ملابسك للعشاء , كنت أنوي تنبيهك ولكنني نسيت , أنني أعتبر ذلك هدرا للوقت , ولكن العمتين تصران على الرسميات عد الساعة الثامنة مع أنه لا يزورنا أحد , أنهما تتمسكان بالتقاليد القديمة ".
" هذا يروق لي ".
قالت تامي مبتسمة وأخذت كوب المرطبات الذي قدمه لها .
" لا تنتزع علامات الحدود التي وضعها الآباء".
عقد حاجبيه لدى سماعه هذا القول وقد أدهشه أطلاعها على محتةيات الكتاب المقدس.
" أنني أعتبر ذلك أذنا للأموات بالتحكم بالأحياء".
هز كتفيه وقد أذهله منظر الجمال يلتصق به كضلع يضاف ألى ضلوعه:
" العمتان جاهزتان لتقديم العشاء , والأفضل ألا نتأخر عليهما ".
أرتفعت معنويات تامي عندما سارت أمامه ألى قاعة الطعام حيث كانت العمتان تذرعان الأرض جيئة وذهابا.
أطلقت للعمتين أبتسامة خلابة عندما جلست على أحد المقاعد وتقبلت صحنا من السمك المكسو بصلصة الخردل.
" سيكون طعامك هنا بسيطا ولذيذا".
قالتها العمة فيني بلهجة الأتهام تقريبا.
" عندما تتذوقين لحم البقر , سمك سولواي ولحم خروف هردويك الشهي ستحتقرين المآكل الوهمية ,بالمناسبة يا آدم , كيف جرت أعمالك في لندن؟ هل تمكنت من عقد صفقة أفضل للمزارعين؟".
قالتها بطريقة مفاجئة جعلت يده تتوقف بالطعام قرب شفتيه..

بأنتباه شديد أخفض آدم يده التي تحمل الطعام وأجاب:
" أجل , وذلك بفضل والد تامي , عرض شراء كل ما لدينا بسعر أفضل من الذي عرض علينا مؤخرا في المزاد".
" ما الذي دفعه ألى ذلك؟".
طرحت العمة فيني السؤال الذي طالما تردد في خاطره.
أجاب وهو شارد اللب:
" لست أدري , شرحت له كيف أنني وزملائي نواجه خطر الأفلاس بسبب تدنّي أسعار أصوافنا".
وقال مخاطبا تامي:
" هنالك هبوط في سوق الصوف لأن الألياف الأصطناعية التي هي أرخص ثمنا وأكثر متانة تسيطر على السوق , وبنتيجة ذلك فأن الأسعار المعروض علينا ثمنا لأصوافنا هي أدنى بكثير من أكلاف طعام حيواناتنا".
قالت العمة فيني مقاطعة:
" هذا الرجل.......".
" جوك ماكسويل هو والد تامي زوجتي".
زجرها آدم ببرود ظهر الأشمئزاز على محياها لأضطرارها ألى التفوه بالأسم.
" أليس جوك ماكسويل رجل أعمال؟ لماذا وافق على دفع ضعف ثمن ما يلزمه؟".
أجاب آدم متلعثما:
" ربما عطفا منه على مزارعي الجبال , وقد يكون سعيي وراء العدل أصاب منه وترا حساسا".
" هراء".
نهضت العمة فيني تجمع الصحون الفارغة.
" لم يولد السكوتلاندي الذي يفضل العدل على المال , والماكسويل العطوف نادر ندرة الثلج في الصحراء , ولكن ليس فيهم أحمق واحد , آدم , أحترس من المساعدة التي يقدمها ماكسويل , سوف تكتشف أن وراء مساعدته دافعا يثير الشهية ".
الأهانة خنقت تامي فدفعت بصحن الطعام الذي كانت العمة هونور وضعته أمامها وصرخت بغضب نحو العمة فيني :
" كيف تجرؤين على هذا القول؟ والدي هو أكرم الناس قاطبة وهو على أستعداد دائم لمد يد المساعدة ".
" ربما يساعد ذويه وأبناء جلدته ولكنه لا يساعد أنكليزيا وخاصة أذا كان من آل فوكس".
شعرت تامي بأنها تتخبّط في مستنقع من العداء القديم والألتزامات العشائرية وكانت تظنها أنقرضت منذ أجيال , ووجدت صعوبة في كبح جماح غضبها وحاولت الكلام بتعقل:
" لم يعد السكوتلانديون والأنكليز في حالة حرب , الغيرة العمياء والأقتتال العائلي والشرائع العشائرية جميعها أندثرت منذ سنوات عديدة و عندما أصبحت الحدود جسورا تقوم على روابط القربى التي نشأت عن التزاوج فولدت ثقة متبادلة في المعاملات التجارية كالتي ينوي آدم ووالدي أجراءها , وقد شاع التزاوج بحيث أنني أشك بووجود سكوتلاندي حدودي واحد ليست له روابط بعائلة أنكليزية , وليس في هذه المنطقة الريفية والجبال النائية والوديان الموحشة ما يشير ألى أن هذه الأرض كانت يوما ساحة حرب دامية , السطو والسلب أنقرضا منذ أجيال ويصعب التصور أن هذه الأرض كانت للأشراروتفصل بين الأشراف الأنكليز الحدوديين والخارجين على القانون السكوتلانديين".
أدهشها أن تكون العمة هونور هي التي ناقضتها بصوت حالم يتمشى والنظرة التائهة التي في عينيها:
" الأمر ليس كذلك يا عزيزتي ! أرواح ألأسلاف لا تزال تحيط بنا. صرخات الغزاة تحملها الريح لتتحول ألى همس في مناقير الطيور وألى عويل بين أغصان الأشجار التي تدلي برؤوسها ألى المياه الراكدة وليلا , عندما يكون القمر بدرا وتكون الرياح شديدة , بحيث تدفع بالغيوم القاتمة عبر قمم الصخور الشاهقة , تضطرب الحيوانات , وبدون أي سبب ظاهر تنبح الكلاب وتهرب الخراف قطعانا عبر الجبال ,ويقلع الثعلب عن التجول , ويسرع عائدا ألى جحره ,كل ذلك بسبب أصوات الأشباح التي لا يسمعها سواها وقلة ضئيلة من الناس , صليل السيوف , صرخة رجل ينقض على عدوه , الحشرجة الأخيرة لعدو يخترق سيف جسده".
أرتجفت تامي متأثرة بشدة معتقدات العجوز , وعندما ألتقت عيناها عيني آدم قرأت فيهما تحذيرا من التهكم , وأمرا بأن تحذو حذوه فتتحمل عن طيب خاطر , كفت عن الجدال والحزن يخيم عليها , هزمتها مقاومة عنيفة من عقل لا يمكن أن تصل الكلمات أليه.

 اللمسات الحالمة  - روايات عبيرWhere stories live. Discover now