الحلقة الثانية والعشرون

609 52 32
                                    

تنفس الضابط الصعداء وربت على كتف محمد قائلًا:
-ياريت تتماسكوا عشان تتعرفوا على الجثة لأنها مش حادثة عاديه دي جـ ـريمة قتـ ـل...

الحلقة الثانية والعشرون
#رواية_سدفة
بقلم آيه شاكر
-قـ... قـ ـتـ ـل!!!!!

قالها دياب بصدمة وعيناه تتذبذبان وجسده يختلج فأطرق الضابط لبرهة بعد أن أومأ رأسه وهو يزم فمه  بأسى، ثم دلف للمشـ ـرحة بينما وقف دياب يعضد أخاه الذي يبكي بح.ـ ـرقة...

خارت قوى محمد بعدما سمع حديث الضابط، فهوى جالسًا على أقرب مقعد، ظل يُحملق أمامه في شدوه يستمع لصوت بكاء والده وصوت دياب الذي يبذل جهد كبير في التظاهر بالتماسك! حتى انتبهوا لأمر الضابط:
-دلوقتي هتدخلوا تتعرفوا عليها!!

وثب محمد وتبعهم متمنيًا ألا تكون هي! فبداخله صوت يخبره بأنها بخير! لم تمت ولن تذهب قبل أن يخبرها بهويته...

دلفوا للغرفة بخطوات متثاقله وكأن الحزن أثقل أقدامهم فأصبحت كالصخر.

فتحت الممرضة ثلاجة الموتى فأغلق محمد مقلتيه قبل أن يُكشف عن وجه الجـ ـثة متمنيًا أن يسمع نفي والده ينتظر أن يسمع ليست هي! لكن وللمرة الثانية يضطر لمواجهة فاجعة من فواجع القدر المؤلمة الأولى كانت لأمه التي توفت بين أحضانه وها هي الثانية لأخته! فتح عينه أثر انهـ ـيار والده وصراخه باسم ابنته:
-بنتــــي... رغده... لا يا رغده... قومي يا بنتي... مين عمل فيها كده؟ مين اللي عمل في بنتي كده...

طفق دياب المروع هو الأخر يُهدأ أخاه والطبيب والتمريض يتابعون المنظر يحاول بعضهم المواساة والمساندة بينما يتابع البقية في سكون وهدوء وكأنهم اعتادوا مثل هذا المشهد وآلفوه فلم يؤثر في قلوبهم.

فتح محمد عينه فأبصر وجهها الشاحب واتسعت حدقتاه فزعًا حين رأى جيدها المنحور بلا رحمة، فانتفض وظل يعود للخلف بهلع ثم ركض خارج الغرفة مروعًا ومنكبًا على وجهه وكأن عينه لا ترى سوى صورة واحدة مقسومة لنصفين وجه والدته الشاحب بعدما فارقت الحياة ووجه أخته المـ ـذبـ ـوحة.

وقف بالخارج يلهث، لم تحمله قدماه فجثى على ركبتيه وهو لا يشعر بأي من حوله تفيض الدموع بغزارة على وجنتيه وتتسارع أنفاسه ومن حوله أناس لا يعرفهم يربتون على كتفه وهو يبكي كطفل صغير.

تذكر كلامها له في الصباح؛ ابتسامتها ووجهها المليء بالحيوية، نظراتها التي تتأرجع بين الدهاء والحنان، تذكر حديث ريم عنها وكيف كانت تصفها بالساذجة الطيبة التي لا تفطن ما تريد، ارتفعت شهقاته وهو يردد بانكـ ـسـ ـار من خلف بكاءه:
-انا بس كنت عايزك تعرفي إني أخوكي! كنت عايز أحضنك ولو مره واحده... ياريت الوقت يرجع وأنا أصلح حاجات كتير...

فقد يعود الماضي ونغير ما به من أهوال ولكن في منامنا وحين نغلق جفوننا ليخفف عقلنا من ثِقل ما مر بنا.

رواية سدفة بقلم آيه شاكر Where stories live. Discover now