الفصل الثامن : حورية مسعورة!

177 1 0
                                    



لا شك في أن سلمى كانت حورية مسعورة كاملة الأوصاف - على حد تعبير نابوكوف في روايته المثيرة للجدل (لوليتا) .. لوليتا باختصار لمن لم يقرأها رواية تحكي قصة فتاة في الثانية عشرة من عمرها يقوم شخص خمسيني مهوّس جنسيا بالمراهِقات من أعمار التاسعة إلى الرابعة عشر (يسميهنّ الحوريات المسعورات و له مواصفات وشروط يجب أن تتوافر في الفتاة حتى تكون حورية مسعورة على حد تعبيره)

تعالج الرواية اعترافات السيد همبرت بعشقه الشاذ للفتاة لوليتا و تغوص في أعماق صراعه النفسي حتى يظهر لنا كضحية قامت تلك الحورية المسعورة باستغلاله هو ! - تم إخراج الرواية للسينما في عامي 1965 و عام 1997 لنفس اسم الرواية (Lolita) لكني لا أنصح أبدا بمشاهدة الفيلم ما لم تكونوا قد اطلعتم على الرواية لأن الفيلمين قد شوَّها كثيرا في أحداث الرواية الأصلية التي تحكي مكنونات مشاعر السيد همبرت الجنسية بدقة عجيبة و مع لغة أدبية راقية أيضاً! .. وإن كانت نسخة عام 1997 أقرب إلى الرواية كثيرا من النسخة القديمة لذا إن كنتم لا ترغبون أبداً بالاطلاع على الرواية فيمكن مباشرة الذهاب إلى الفيلم الذي يحمل هذا العنوان بنسخة عام 1997


أعود فأقول .. كانت سلمى هي (لوليتاي) أنا!! غير أني لم أكن ذلك (المستر همبرت) المجرم المغتصب الشاذ! ..
مالكم نتظرون إليّ هكذا ؟؟! نعم .. أنا لست مثله ولن أكون يوما بحال هكذا .. ليس لأني أتقارب في العمر مع سلمى ، و لا لأني لم أرغب يوما في جسد سلمى الغض البض الجميل (على حد تعبير مستر همبرت!).. بل لأني كنت أنظر إلى سلمى دائما كصديقة حميمة أُحِبّ أن أُفضي لها بأسراري و مكنوناتي .. أو فلنقل أني كنت كتابا مفتوحا لها .. السيد همبرت انتهت حياته بعد فراق لوليتا بفترة قصيرة لأنه قام هو نفسه بفعل ذلك بطريقة غير مباشرة و لم لو لم يفعل أو لو كان نجى بفعلته و عاش بعد ذلك (و هذا ليس منطقيا على أي حال!) لأنه كان على مؤلفه نابوكوف حتماً أن يبحث له عن لوليتا ثانية و ثالثة لأن هذه هي طبيعة السيد همبرت و لا يمكن بحال أن يكون غير ذلك، أما أنا فقد كانت سلمى (لوليتاي) الوحيدة .. كانت هي (لوليتاي أنا!) و هي فقط! لم يكن بعد (سلمى) سلمى أخرى! .. ولن يوجد! .. و لكن هل كانت سلمى كلوليتا حقاً ؟!...هذا سؤال آخر، بالنظر لكونها حورية مسعورة كما أسلفتُ فنعم ، و كذا من جهة تلاقي طباع سلمى مع لوليتا .. لم لا؟ نعم لقد كانت سلمى تشبه لوليتا كثيراً - و أنا أقصد هنا سلمى الشخصية الحقيقية التي قابلتُها و عشتُ معها حكايتي هذه التي بين أيديكم.. تعلمون أن اختياري لاسم سلمى كان من قبيل الاستعارة حتى لا أُفصح عن اسمها الحقيقي .. ذلك الاسم الذي كلما سمعَتْه أذناي أو صادفَتْ أنثى تحمله تنتابني تلك الرعدة و القشعريرة في بدني كلَّه و يقفز قلبي ككرة التنس فوق مضرب اللاعب المحترف لا أملك لذلك من أمر نفسي شيئا! .. سلمى كانت حقا لوليتا بكل غموضها و تشابك نفسيتها العجيبة التي أجزم أن أحداً لم و لن يستطيع أن يسبر أغوارها لأنه بالتأكيد سيجد نفسه قد هوى في هوّة عميقة أو خاض غمار غابة أمازونية متشابكة الأشجار مترامية الأطراف لا يدري سبيل الخروج منها!
هنا قد يقول قائل متفلسفا ! : إيه يا هذا ! لماذا تسرق الأفكار من تلك الرواية العظيمة ؟؟ ألا يوجد لديك ما تنفتح به قريحتك ؟ .. بالتأكيد لن أرد عليه .. تعلمون لماذا ؟ لسببين بسيطين جدا .. أولهما : أن سلمى حكاية واقعية جرت أحداثها معي حقا و ليست من نسج الخيال كما لوليتا (مع أن لوليتا لها أصل طرفٍ من الواقع الذي اعترف به نابوكوف بعد ذلك عن شرطي أمريكي معاصر لنابوكوف انتشرت حكايته مع طفلة كان يعذبها و يغتصبها وأثارت الرأي العام وقتها)
و أما السبب الثاني هو أن هذه الافتتاحية التي بين أيديكم لهذا الفصل لم أكتبها إلا مؤخرا كاستدارك و تعليق على رواية لوليتا التي أثّرت فيّ حقا و أحببتُ أن أعقَّب عليها هنا .. و صدقوني لم أقرأها إلا مؤخرا (لعله الشهر الماضي من تاريخ هذا المنشور) مع أنها كانت بحوزتي من سنين و بالطبع كنسخة إلكترونية و ليس كنسخة مطبوعة! و هذا أمر استغربته حتى على نفسي فكما تعلمون (أو لا!) أني قارئ نهم منذ نعومة أظفاري و لم يكن يمر عليّ شاردة كتِه إلا و قد ارتشفتُ منها أو قد أكلتها و خاصة إذا كانت لكاتب روسي! .. إيه! أعرف جيداً أسلوب الأدباء الروس في تلكم الروايات التحليلية لنفس البشر! و هذه بالتأكيد لن تكون بدعا! لعلي حدثت نفسي هكذا! أو لعلّي كنت كلما آتي لأقرأها أقول ليس بي طاقة لوجع الدماغ الذي تسببه مثل تلكم الروايات لي بعد الانتهاء من قراءتها و ليس بي من حول لهذه العواصف من التساؤلات و التحليلات التي تتقافز إلى ذهني بعدها ، صحيح أن ذلك كان في السابق عندما كنت مراهقا كان يسبب لي نشوة عارمة و متعة لا توازيها متعة إلا لمن جرّب و عرف .. لكن الآن! .. بعد مثقلات أدران الحياة، فإن ذلك حِمل آخر ليس عندي من صفاء الذهن ما يتسع له!.. أو لعلّي - هذه الأيام - صرت كسولا ولم يعد عندي هذا الشغف بالقراءة كما كنت سابقا.. بالتأكيد الأوضاع و الظروف التي نمرّ بها هذه الأيام و كذلك بلوغي سن (اليأس عند الرجال) كما يقولون! نعم صرتُ الآن كما يقال (ربِّ أوزعني!).. يااااااه! كيف تمر الأيام والسنون! و لا أخفيكم أني لم يعد شيء يهمني ، بل إني قد سئمت تكاليف الحياة حقاً .. و أنا أدعو في صلاتي كل يوم وليلة أن يتوفاني ربي ما علم ذلك خيراً لي ... و الله كما أقول لكم !.. أدعو فقط بشطر الدعاء المتعلق بالموت و أسقط شطره الآخر المتعلق بالحياة .. لست حقا متعلقا بالحياة حتى لو كان في استمراري بالعيش في دنيا الناس ما قد يشي بأنه خير لي - ولست أُغفِل أن الأمر لله كلّه على أي حال!- يكفيني من حياة الناس ما يحفظ لي تماسكي وصلابتي بين الخلق .. ما يعنيني أن أظلّ بينهم ذلك الشخص الوادع الودود الجميل المعشر الطيب القلب .. على أي حال فإني قد أخذتُ من عالم سلمى حظّي من الحياة و من السعادة .. صرتُ أجترُّها قوتا أتقوّت به بقية أيامي في دنيا الناس على هذه الأرض إلى أن يختار ربّ الوديعة وديعته ، و الذي أرجو أن يكون ذلك قريبا جدا و أشد ما أخافه أن يكون أبعد مما أتصور ، فلم أعد ذلك الشخص الذي تحدث له أمور رائعة في حياته بعد الآن!.. لم أعد ذلك الشخص الذي يمكن أن يكون ذا آمال و أحلام عريضة .. أصبحتُ مجرّد بقايا إنسان حالم .. لمَ لا ؟ لعلّني علقتُ في عالم سلمى و لم أستطع الخروج منه حقا.. تريدون أن تحللوا حالتي النفسية وتثبتون أني شخص مريض مهوّس و الدليل هذه الكلمات التي أهذي بها الآن؟ .. لكم ما تريدون ! و لتطِبْ بذلك أنفسكم !! ..
يقول الفلاسفة أن أجمل شيء في الطفل هو خصوبة حس الانبهار و الدهشة لديه ما يجعل من الأطفال عباقرة لا يدرك عبقريتهم إلا كبار العباقرة والفلاسفة.. فعبقرية العباقرة أتت من بقاء هذا الحس لديهم خصبا بعد أن تقدموا في العمر ما جعلهم ينظرون إلى العالم بعين غير أعين بقية الناس! .. لكني فقدت حس الدهشة و الانبهار بالأشياء من زمن بعد أن تلقيت في حياتي من الإحباط و الخيبات الكثير

!سلمى و أنا .. و الأظافرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن