الفصل التاسع: ما في الدنيا

51 5 26
                                    

«بعض الأيام تساوي حياةً كاملة.»


كان نائمًا على الأريكة لأن ضحى في الأمس نامت على سريره حينَ شعرت بالنعاس ولم يشأ أن يحركها، هاتفه يرن مراتٍ عديدة فيضغط على زر الإغلاق ليؤجل المنبه، مراتٍ كثيرة أهلكه المنبه فأغلقه ونهض، وصل الهاتف في الشاحن وذهب مستغربًا أنه لم يمر على المنبه خمس دقائق لكنه أطفأه عشر مرات، لم يكن مستوعبًا وظن أنه يتخيل وراح يجهز نفسه، تذمر في الحمام لأن منبهًا آخر رن من المنبهات الاحتياطية وسكت ورن مجددًا ثلاث مرات، توضأ سريعًا وخرجَ ليطفئه، كان يرن في موعده وظن أنه توهم سكوته.

الساعة الثامنة والنصف، أخذ هاتفه وقبَّل رأس ضحى ثم خرج، لا تزال نائمة واعتاد تركها كذكل، كان على الدرج حينَ اتصلت سلوى ففتح المكالمة راغبًا بالتصبيح عليها لكنه تلقى شتائمها: «أحمق مصابٌ بدودة نوم، كم مرة يجب أن أتصل، عشرين مرة يا إلهي! عشرين!»

كانت منفعلة فسألها بقلق: «ما الأمر؟ لقد ظننته المنبه!»

هدأت وقالت: «آية، زوجة أخيها اتصلت بي فجرًا وكان هاتفي صامتًا والآن اتصلت آية بي بنفسها، إنها بخير وفي طريقها إلى مرسين!»

ملامحه انشرحت، تفاجأ وتوقف عن الحركة ثم قال بغير استيعاب: «حمدًا لله، حمدًا لله!»

التفت وعادَ ليصعد بخطواتٍ واسعة فأخبرته: «لقد هربها أحدهم برشوةٍ وأموالٍ كهذه، قالت أن فتاةً معها ساعدتها لأنه ملكت واسطة، لقد صفوها فلم يتركو معها منديلًا، أعطيتها رقمك وسأرسل لك رقمها الجديد، لقد باعها المهرب هاتف وخطًا أيضًا، يعيشون على المساكين هؤلاء القذرين!»

دسَّ المفاتح وقال غير مهتمٍ بالجزء الأخير: «حسنًا، أرسلي الرقم، لعل ضحى تحدثها.»

ودعته سلوى وأنهت المكالمة فتوقف يحدق أمامه، فتح الباب ودخل يغلقه بمهلٍ شدي ثم وضع سبابته وإبهامه على صدغه يفرك جبهته بتشتت، نظر إلى غرفته مليًا ثم سارَ إليها وجلس على سريره قرب ضحى، هزها برفقٍ هامسًا: «ضحى، يا ضحى، يا فأرة انهضي!»

تحركت ثم بدأت تصحو ونهضت جالسة وهو يحدق بها بترقب، حرَّكَ هاتفه أمامها وقال مبتسمًا ابتسامة عريضة يمنع دموعَ امتنانٍ وشكرٍ حرقت عينيه من النزول: «احذري من سيتصل مشتاقًا ليحكي مع ضحى؟»

رفعت حاجبيها متمتمة بتردد: «عميمة؟ أو أمي؟»

تركَ الهاتف وشد وجنتيها بخفة: «أمكِ بالطبع، عميمة تشتاق ولكن لن أيقظكِ من أجلها.»

نفرت دموعٌ في عينيها وابتسمت أوسع من ابتسامته تتحرك لتقف على رجليها: «حقًا ماما ستتصل؟ متى سأراها؟»

احتضنها ثم أجلسها في حضنه وشدَّ وجنتها قائلًا: «اليوم إن شاء الله.»

بقيت تحدق بهِ بحاجبين مقوسين غير مصدقة، ثم نهضت وجلست أمامه ففتح هاتفه حينَ وصلته رسالة قائلًا: «دعينا لا ننتظرها ونتصل بأنفسنا!»

جَمرة في فؤادٍ خامدWhere stories live. Discover now