الفصل الرابع: للبقاء مع الأيام

36 8 7
                                    

«الحياة كمستنقعٍ، إما أن تغرقَ فيهِ أو تجاهدَ للخروج، البقاء في المنتصف غير ممكن.»


جلست تنظر حولها عبر العتمة التي يخترقها ضوء مصباح الحائط الخافت، شعرها مبعثرٌ وأطرافهُ مبللة بالعرق الذي تصبب منها، وعقلها بحالةٍ مشابهة، وجدت عمها بجوارها يتمدد نائمًا وذراعه ممدودة تحت رأسه، نزلت عن السرير ووقفت على الباب تسترق النظر في الردهة المظلمة، تحركت ذهابًا وإيابًا حتى قررت إيقاظه فهزت كتفه وهي تناديه: «عمي.»

لم يأخذ الكثير من الوقت ليستوعب ويفتح عينيه بسرعةٍ وينهض وهو يردد اسمها متسائلًا فقالت بتوتر: «أريد الحمام، في الخارج ظلام ولا أعرف الطريق.»

نهض وهو يتساءل في نفسهِ عن أي طريقٍ تتحدث وباب الحمام يأتي على يسار باب غرفته، شعل الضوء وأخبرها أن تعلق بنطلونها جانبًا كي لا يتبلل، ثم أغلق الباب ووقف يسند رأسه على الجدار، خرجت بعدَ وقتٍ لم يدركه لأن صحوته غابت خلاله، كانت قد غسلت يديها ووجهها وبدا أنها استغرقت وقتها وتساءل كم نام واقفًا.

عاد برفقتها إلى الغرفة، ثم قاس حرارتها ليطمئن وكانت أقرب للطبيعية، سبعٌ وثلاثون درجةً، سألها إن كانت تشعر بالإعياء والتعب فحركت رأسها نافية، عادت إلى السرير ورأى أن تركها بمفردها لن يعجبها فعاد ليستلقي مكانه بعدَ أن تحقق من الساعة ووجد أن بإمكانه النوم ساعةً أخرى قبل الفجر.

حينَ رنَّ منبه الفجر استيقظ سريعًا لألا تستيقظ فأطفأه ونهض، رنَّ المنبه مجددًا بعد عشر دقائق، ومجددًا... كانت المرة الأولى التي يستيقظ فيها على المنبه الأول من أصل خمس منبهاتٍ، وتساءل في نفسه؛ أكان نائمًا؟

دق الباب على عمر عدة مراتٍ حتى قال أنه استيقظ، فعاد إلى غرفته بعدَ أن صلّى واستلقى على جانب سريره الذي بات ضيقًا جدًا وغير مريح لأن ضيفًا يستحله، سمع تسجيل سلوى الذي تلى تسجيلها المتَجَاهَل وكانت تسأل عن ضحى فكتب يطمئنها أن الحمى زالت عنها، ثم اتصل بعمر كما اعتاد أن يفعل، لن يستيقظ من أول محاولة بالتأكيد ولم يكن الطرق على الباب إلا تمهيدًا، اتصل مرة واثنتين وأربعة حتى فتحَ باب غرفته وقال: «قُمت!» فاستسلم إسلام للغفوة التي كان يقاومها.

عادةً يبدأ يومهُ حينَ يرنُ المنبه وقتَ العمل، ولكنه هذه المرةَ أطفأه وأوقف المنبهات اللاحقة، وعاد ليغفو مستمتعًا بالنوم في وقتٍ ليس بعطلةٍ أو مناسبةٍ، وبينما الجميع في العمل.

خلال وقتٍ قصيرٍ كانت ضحى قد وصلت إلى حدها من النوم فرغم أنها لا تشاء النهوض لأنها لا تعرف كيف تتحرك في هذا البيت إلا أنها لم تعد قادرة على اغماض عينيها أو البقاء ساكنةً أكثر، وانتهى بها الأمر تتسلل من الغرفة إلى الصالة، تحدق بها مليًا دونَ رقابةٍ تحد من فضولها، ولم يكن هناكَ الكثير من الجوانب المثيرة بل تميل الشقة لتكون خفيقة الأثاث وفارغة من الأشياء الصغيرة والثانوية، اتجهت نحو النافذة وتسللت تحت الستارة لترى أنَّها على طول الجدار وعرضه وأنّها ترى كل شيءٍ أمامها فالتصقت بالزجاج تحدق بالشارع، الناس الأتراك، والمنازل التركية، والسماء التركية، كانت في قرارة نفسها تنتظر شيئًا أكبر يشعرها أنها لم تعد في سوريا، لكنها مع ذلكَ وجدت فرقًا كالأسطح القرميدية الحمراء وأشياء أخرى لا تعرف ما هي، وبالنسبة لها ارتبط البحر بتركيا فأصبح من مميزاتها.

جَمرة في فؤادٍ خامدWhere stories live. Discover now