«لحظة واحدة فقط تقدر على خلق منعطفٍ حادٍ في الحياة، من العيش إلى موت.»
السبت آخر يوم عملٍ في الأسبوع، ويبدو أقصر من باقي الأيام لأسبابٍ عديدة، يوم سريع يمضي كخاتمة قصيرة. جهز إسلام ضحى واصطحبها معه إلى العمل لأن الجارة اعتذرت عن هذا اليوم، وهناكَ ضحى كانت جالسة معظم الوقت، ولم يشعر إسلام أنه اصطحبَ معه طفلة إلا أنه لم يكن مسرورًا من الانتباه الذي جذبته فأصبحوا معلمًا سياحيًا لباقي الموظفين والعمال.
كانت ضحى تحاول إيجاد صفة غريبة بالأشخاص الأتراك حولها، خصوصًا حينَ يتحدثون بطلاسم تشبه الطلاسم التي يتحدث بها عمر وإسلام أحيانًا. يوضح إسلام مقاصدهم من كل ما يقولونه، وتتحدث أحيانًا مجيبة فيكرر قولها لهم بلغتهم، يشدون خدودها، حتى أنَّ سيدة منهن احتضنتها وكانت تبربر بالكثير من الكلمات غير المفهومة، وكان إسلام شاكرًا أنها لا تفهمهم، وقد كان مستاءً جدًا لأنهم تبادلوا القصة وراء وجودها وهو لم يقلها إلا لمديره! شفقتهم بدت لضحى لكنها لم تعرف كيف تفسرها، وفي النهاية علّموها كلمتين رددتهما بسعادة كتعويذة حظ، فتاة حلوة (Tatlı kız - تاتلى كز) وضميرين، وتحول لقب إسلام لأمجا (Amca) بدل عمي. باقي الوقت كانت تلعب في الهاتف أو تشاهد شيئًا على الحاسوب، وأثبتت لإسلام أنها فتاة مطيعة تستحق بعض الأكلات من بيم، كما اتفقا.
يكاد حجم الكيس يوازيها وهي تحمله بنفسها ولأنه ممتلئ بأكياس رقائق البطاطا فلم يثقل عليها، أخرجتهم وصفّتهم على الطاولة، ثلاثة؛ أصفر وأخضر وأحمر، ثم ضحكت قائلة: «كإشارة مرور.»
همهم ثم قال ساخرًا: «وأنا كنت أتساءل أتلكَ النكهات التي تحبينها! كنتِ تختارين الألوان!»
نفت فورًا: «لا الملح لذيذ تقول أمي أنه أكثر طبيعية، وأحبه بالطماطم، والأخضر أنتَ تشتريه عادةً.»
ارتخى جبينه ثم ابتسم متمتمًا: «أوه حسبتِ حصة لي!»
ذهب إلى غرفته ليبدل ملابسه ثم نادها لترتدي بيجامتها الوردية وخرج هو يتفقد الثلاجة وما سيأكلونه، كانت ممتلئة بأنصاف أطباقٍ ولقيماتٍ صغيرة، الثلاث أيامٍ الماضية طبخ طبخة واحدة والباقي كان على الجارة التي ترسل كل يومٍ طبقًا أو طبقين من طبختها، وبأوسع الأطباق! لا يزال هناكَ كمية صغيرة من المعكرونة التي طبخها سابقًا. درويشين من الكبة التي أرسلتها الجارة أمس، طبق صغير من الملوخية الخشنة. طبق أرزٍ مجمع من طبخة البازلاء وسكبة الملوخية! وطبق (مكمور) باذنجان طبخه بنفسه، لم تمتلئ الثلاجة هكذا في هذا البيت أبدًا. سخن الأرز، وأكل المعكرونة لأن ما تبقى حصته ولا أحد سيأكلها عنه، سخن الملوخية والكبة، وأخرج المكمور الذي يؤكل باردًا وقلى بطاطا.
حينَ امتدت يدٌ صغيرة وأخرى كبيرة بساعة على المعصم إلى طبق البطاطا لطم الأولى بإصبعين والأخرى بلطشة قوية وقال: «البطاطا آخر ما سيؤكل!»

أنت تقرأ
جَمرة في فؤادٍ خامد
Romanceيزهر الفؤاد بالأحبة. ما هي المعادلة الصحيحة التي يمكن من خلالها حل معضلة الفراق؟ سطورٌ تبدو خيالاً بالنسبة لي، خيالٌ بالنسبة لكَ، واقعٌ عليهم. 23.03.23 23.07.07 فائزة في مسابقة النوفيلا الحرة نسخة 2023.