الفصل الثاني: تَسكيـن

65 13 11
                                    

«في إحـدى المُستويـات يُمكن أن تصبحَ السّعادةُ تمثيـلًا، الضحكـةُ قناعًـا، والاستمتـاع انسـلاخٌ عن الـذات.»

ترجل رجلٌ في عقده الخامس ومن الباب الخلفي نزلت طفلةٌ علَّق إسلام عينيه عليها بينما هو واقفٌ أمام خالد الذي كان يتحدث بكلمات منمقة ليس بالمزاج لسماعها، تقدم أبو جمال وهو يمسك بيد الطفلةِ قائلًا: «السلام عليكم.»

تمتم إسلام وعينيه على الطفلة: «وعليكم السلام!»

كانت صغيرة، ترتدي سترة بنية سميكة نفختها ولكن ساقيها الرفيعتين تشي بصغر حجمها، كان حذاءها متسخًا بالطين، كحذاء أبو جمال، شعرها الأسود القصير منفوشٌ عدا غرتها المنسدلة على جبينها، عينيها واسعتان وأهدابها كثيفة، بوجه بدريٍ يخط التعب أثرًا عليه وبدا أنها كانت نائمةً.

ترك أبو جمال يدها مطمئنًا في حضرة فردٍ من عائلتها وقال: «والله كنا في ظرفٍ لا نحسد عليه، لم أعرف ما يجب فعله في تلكَ اللحظة، العودة لم تكن سوى تضحية بكل الجهود والخطط والأموال، وربما الروح والأهل، معي حريمٌ والمهرِّب كان مستعجلًا على القرار ولم يترك لنا متسعًا من الوقت لنفكر في طريقةٍ لجمعهم، قال أنَّ آية قد تحاول مجددًا في المستقبل وتكون المحاولة أسهل لأنها بمفردها، أرجو أن لا أكون سببًا في إبعاد ضحى عن أهلها!»

نظر إسلام إليه مطاولًا كأنه يسمع تبريراتٍ واهية لا رغبة له بسماعها، ما فائدة التبريرات بعد الآن؟ تجاهل ما يعرفه من صعوبة الموقف الذي كانوا فيه والذي اختبره فيما مضى، وركز على مشاعر الاستياء تجاه فعله، ولكن رغم ذلك حافظ على هدوئه فلا طاقة له لإظهار غيره وقال دون النظر إليه: «قدرَ الله، لعلهُ خيرٌ كما يقول مهربكم!»

انحنى أمام ضحى وابتسم ينظر في عينيها قائلًا: «ضحى؟ كيف حالكِ؟»

أنزلت رأسها أكثر وغرتها تكاد تغطي عينيها، رفعتهما قليلًا ثم عادت لتنظر إلى يديها وقالت: «متى تعود أمي؟»

عقد إسلام حاجبيه بحزنٍ وزم شفتيه وقد مرَّ ضياء في ذهنهِ، لضحى نفس عينيه، نفس نظراته، لم يقوى على النظر إليها أكثر فعدّل وقفته وقال: «لم أتحدث معها بعد ولكنها ستأتي.»

فتح خالد الباب الخلفي للسيارة وأخرج حقيبة آية الصغيرة التي بقيت لضحى وذهب ليعطيها لإسلام فأخذها منه ومد يده لضحى قائلًا: «تعرفين سلوى؟»

أومأت ضحى بالإيجاب فقال: «أنا أخوها الصغير.»

قالت رافعةً حاجبيها بشك: «أتقول أنكَ أخ أبي؟»

أومأ مبتسمًا لها وحرّك يده الممدودة فأمسكتها وتقدمت نحوه فعدل وقفته مخاطبًا الرجلين : «تأمروننا بشيءٍ؟»

قال أبو جمال: «سلامتكم بني، أرجو أن تسمعوا الأخبار الطيبة من آية عاجلًا.»

أومأ إسلام برأسه وقال: «إن شاء الله، تصلون بالسلامة، طريقٌ ميسر.»

جَمرة في فؤادٍ خامدWhere stories live. Discover now