الفصل الأول: ليس بالخيـار

165 15 9
                                    

«الهُـدوءُ الصاخِـب يمكـن أن يكون طَـوق نجـاة.»


صباحٌ دافئ بدفءٍ أنتجته التدفئة المركزية عبر مشعاتٍ حرارية، ويومٌ متأخر نتيجةَ أسبوعٍ مرهق.
في تلك الشقة غرفتي نومٍ وصالة، إحدى الغرفتين فُتحت ستائرها ولا أحد فيها، والأخرى معتمة وعلى السرير ينفرش شخصٌ ينتقم من باقي الصباحات المبكرة، كأنه يقول: كما أنَّ الصباح لم يهتم إن كنت قد أخذت كفايتي من النوم قبل أن يأتي، ها أنا أتجاهل قدومه اليوم.

وردت إشعاراتٌ متتالية على هاتفه مكتوم الصوت والاهتزاز، تضيء الشاشة وتتالى الرسائل، بعضها على حسابه على الفيسبوك، وأخرى تبعتها بعد ساعةٍ على الواتس أب. ظلت الغرفة هادئة حتى مع شاشة الهاتف التي تضيء كل لحظة، وربما رتم أنفاسهِ الصاخبة هو العنصر الأساسي في هذا الهدوء.

هدأت أنفاسه ما دل على صحوته، تقلب مكانه ثم كشف الغطاء الذي جعله يشعر بالحر، حدَّق في السقف بعد أن استقر على ظهره ثم نهض منزلًا قدميهِ ليحضر هاتفه فرأى الشاشة تضيء، أخذه ونظر إليه والتنبيهات تتدفق، أفزعه عددها ووقف فورًا وانفتحت الشاشة ببصمة إصبعه، كانت الرسائل من أختهِ سلوى على الواتس أب، ومن اسمٍ لا يعرفه على الفيسبوك، ومكالمات أخرى من رقمٍ لا يعرفه.
فتح محادثة سلوى والتي انتهت بتنبيهات المكالمات الفائتة ثم رأى الرسائل التي بدأت بإرسالها في الثامنة والعشر دقائق.

_ إسلام لقد حاولت آية الهجرة إلى تركيا عبر الحدود ولم تنجح.
_ المشكلة أنها كانت بعيدة عن ضحى حينَ قبض عليها الأتراك، كانت ضحى مع عائلةٍ رافقتها ولم يجدو سوى أخذها معهم والإبتعاد كي لا يقبض عليهم.
_ إسلام؟
_ لقد وصلو إلى أنطاكيا فجر اليوم والآن هم في طريقهم إلى مرسين ليتركوها عندكَ.
_ لقد كانوا يحاولون الوصول إليك منذ الفجر ثم قام شقيق آية بإعطائهم رقمي.
_ آية لم تظهر بعد ولم يصل لها أحد منذ الليل.
_ إسلام الطفلة بمفردها مع الغرباء ما الذي سيوصلنا إليهم لو فقدناها!
_ يا إلهي أيعقل أن تبقى نائمًا!
_ لما لا أملكُ رقمَ رفيقكَ؟
_ إسلام.
_ الأمر عاجل.
_ ماذا أفعل بهذه الحال، ألن تستيقظ؟

ثم تلت تلكَ الرسائل الكثير من رموز التصفيق والوجوه الغاضبة، وبعض الشتائم المستورة، عقد حاجبيه بشدة وهو يتصل بها وقد ضرب عقله شيء من عدم الاستيعاب، هو لم يعرف من تكون ضحى إلا من السياق.

فتح المحادثة الأخرى التي عنونت باسم شهد سكري، كانت قد أرسلت له العديد من الرسائل تبدأ بالسابعة والأربعين دقيقة:
_ مرحبًا، نحن مرافقي آية وابنتها وقد بقيت ضحى معنا بعد أن تم الإمساك بآية ولم نكن قادرين على التضحية بكل محاولاتنا والعودة لإعادتها فاستأنفنا طريقنا.
_ قد تعلم كم واجهنا صعوبةً حتى نصل ونقطع الحدود.
_ نريد أن نوصلها إليكَ قبل أن نستأنف طريقنا إلى بورصة!
_ الطريق طويل نرجو أن تجيب بسرعة.
_ ننتظر ردكَ.
_ نحن في هاتاي ونتظرك قبل أن نتابع طريقنا!
_ نحن متعبون ونحتاج أن نستأنف رحلتنا، نرجو منكَ الرد سريعًا.

جَمرة في فؤادٍ خامدWhere stories live. Discover now