البارت 10

7 0 0
                                    

الفصل 10

.............
عدت الى البيت وتسطحت الفراش واخذت افكر فى امر القضية واتوقع سيناريوهات مختلفة للرد على الحكم فطبيعى ان اهل القرية لن يلتزموا الصمت لان سمعة الفتاة بالتاكيد ستردد على الالسنة واخذت اتخيل ما سيفعله افراد عائلتها وابناء عمومتها وفى النهاية ومن شدة التفكير قررت الا افكر فما يخصنى ما قد يتم ما دمت احكم بالعدل
ازعجنى الناموس وافقدنى الشعور بالراحة فحمدت الله انى لم اصطحب مودة واحمد وما ان تذكرتهم حتى ابتسمت وامسكت بالهاتف واتصلت بها وما اتانى صوتها العذب حتى اذاب واذهب عنى اى ضيق او ملل
قال لها فى هدوء حتى بدت الفاظة رصينة من رجل عاشق ناضج: لا شىء يزيح الهموم عنى سوى وجودك الطاغى فى نفسى فمنذ اول يوم رايتك فيه الا وقد عرفت انك والاحزان ضدان تخرج تلك الاحزانطائعة من القلب وتحلين انتى فى غيمة من ندى شفيف وومضة من حلم رفيف
الحب لم ولن يترك فرصة للعاشقين ان يستاذنوه ان قتلهم فيقتلهم مرة واحدة لا على دفعات فقد مات هو فيها وبها ومنها وهى انصهرت فيه حتى احست انه جزء من غير منفصم . جزء من رجولته الكاسحة ومن عنفوانه الشفيف من برائته الساحرة ومن لسانه الذى يقطر بالشهد حتى وان بمقدوره ان يخرج الحية من جحورها . اسرها بثوقه الطاغى بنفسه ومن عناده المستميت وهى تراه يدافع عن مبداه فى العدالة والاحكام .
كان يعرف انها اذا ابتسمت فمعنى ذلك انها سمحت للشمس ان تشرق وكان يعلم انها اذا ضحكت فمعنى هذا انها تريد ان تعذب النجوم فتتساقط على قدميها وكان يدرك كذلك انها اذا نظرت فمعنى ذلك انها تريد للازهار ان تتفتح واذا نطقت فهى تأذن لنفس الازهار بان تفوح بعطرها ففى نظره اى ملاك اجتمعت فيه كل تلك الرحمات الاها
قالت له : ربما الان اقول لك مؤكدة بانك قد اخترت الراى الصواب بعدم مرافقتى لك
تعجب من كلمتها وانقبض قلبه وكاد ان يسالها ما السبب الا انها عاجلته بالاجابة حتى لا تنهكة بشك السؤال قائلة: عدم مرافقتك لى زاد من شوقك لى وعلا من مترتبى لديك حتى صرت تقول الاشعار وهل لى اجمل من تلك اللحظات وانا الوذ بتلك الكلمات والله ما كنت تنطق حرفا مثلها وانا الى جوارك فالبعد يلهب الشوق حبيبى
اخذ نفس راحة لانها بددت بكلماته كل شك اتاه فور اول كلماتها وعاد يقول لها مغازلا: وهل كنتى فى حالة عطش لرومانسيتى ؟
انا دوما فى حالة عطش فالمحب لا يرتوى ابدا من حبيبه وانا امتدت جذور عشقى من قبل حتى ان ترانى فانا عشقى اعمق
قال لها : كفاك مثل هذه الكلمات فبقدر ان اسعد بها الا انك تشقينى لانى اسب نفسى كيف لى الا المحك من وقتها لكنت وفرت على نفسى عناء البحث وزدت قلبى بليال حب قد حرمته منها بغباءى
ضحكت ضحكتها المالوفة له وقالت له اعلم ماذا افعل الان؟ انا متسطحة فراشك فى غرفة عذوبيتك فى بيت ابيك وبجوارى طفلك فهل كنت تتخيل هذا يوما ؟
تخيل وضعها فانتشى قلبه اكثر وقال : هل حقا ذهبتى الى هناك كما اتفقنا؟
وهل لى ان ارفض طلب طلبته لاجل مصلحتى ؟ انا اعلم انك طلبت ان اقيم فى بيت ابيك حتى يقوم هو برعايتنا وامك ولانك تخشى ان ابقى وحيدة فى بيتنا ولهذا اتيت وانا كلى رضا
قالت له مناغشة اتعلم اننى كنت كلما اتيت لزيارة اختك كنت اغازلك واترك لك رسالة مخبئة لعلك تراها وعندما اتى المرة التى بعدها اتحسس مكان الاولى آملة ان تجدها وتبحث عن صاحبتها وما كنت اخشى ان ينفضح امرى وتنجرح انوثتى لانك بالتاكيد ستعرف من صاحبة الرسالة لان ما كان احد يزور اختك سواى وكل ما كان يهمنى ان تعلم بحبى حتى وان رفضتنى بعدها المهم ان تعلم
واليوم اول ما اتيت الى هناك دخلت غرفة شقيقتك متعلله بانى ابحث عن قلم ولكنى فى الحقيقة كنت ابحث عن خزنة قلبى
لم اصدق ما سمعت منها فهذه اول مرة تحكى لى عن هذا فسالتها بشغف وهل وجدتى حقا ما كنتى تدسيه؟
قالت وابتسامتها قد علت حتى انى تخيلتها وكانها امامى وثغرها بالابتسام قد اشرق : بالطبع وجدته وما ان وقعت عيناى على اقدم رسالة حتى انخرط فى الضحك على حالى فكنت وقتها صغيرة وتعبيراتى غير مرتبة بالمرة
ولاحظت تطور كتاباتى مع تطور نمو عقلى وسنى
قولت لها بشغف اكبر : اقراى على اقدمهم
توترت حتى شعرت وكان حرارة جسدها قد وصلتنى وتلعثمت وهمت بالرفض من خجلها ولكنى اصريت 
وها هى اول راسئلها تقراها الان على مسمعى وانا اوبخ نفسى انى ولو مرة انتبهت (يا حبيبى ام مر اسمك عابرا يزداد من فرط الحنين توجعى . حاولت ان اخفى هواك وكلما اخفيته فى القلب فاضت ادمعى. وفى البعد مرت الليالى بيننا لكن روحك لم تغب عنى فهى دوما معى )
قولت لها ان كانت تلك هى اقدم الرسائل وبحسب ما تذكرين انك كنتى صغيرة فما بال قلبى باخراهم
ضحكت ضحكة عالية وقالت مناكفة فقد كشفت مقصدى: لا تحاول ان تجعلنى اقرا لك غيرها وبعد محايلات وتوسلات منى صفحت عنى وقررت ان تقرا علي ما ستقع يدها عليه عشوائيا على ان تقرئنى كل يوم رسالة
اعترف انها علمت كيف تزيد انجذابى لها ومن اين تأسرنى ولا ابغض اسرى مادام لقلبها ومن قلبها
0 لى لديك ايها الحنين مظلمة تأخذنى لمن بالوصل قد ضنوا . يحلو لهم بكائى على اعتابهم ويطربون لهذا البكاء ويغنوا . لماذا يحلو لهم عذابى وانا من فرط هاوى اكاد افقد صوابى واجن؟
الا رحماكم بقلب يكاد ينفطر قابع بين الضلوع مجروح يئن ؟ يحلم ولو بلحظة عطف منكم الا تعطف قلوبكم الا تحن؟
...............
ما ان انهيت حديثى معها حتى اتصلت على الفور بموسى وقولت له ما فعلته زوجتك كان صوابا لعل البعد يزيد الشوق بينكما
شعر من سرعتى فى الحديث حتى انى لم القى السلام عليه ان بى فرط شوق لمودتى فضحك على وقال مهلا ايها العاشق فهل اضناك فراق يوم ؟ الم يشفع لك الحب انك ستعود الى حضنها بعد يوم او اثنين؟
ضحكت وقولت له ولم يمنعنى خجلى من انه كشفنى : لا لم يشفع لى فالفراق عن الحبيب يشعل النيران حتى وان كنت بجواره فحتى الخصام يعتبر فراق ما دام حرمة لطف الوصال
قال لى: لن اجادلك فيما قولت لاننى عيشته بنفسى فما ان عدت الى بيتى حتى وجدت حنين كاد ان يمزق اضلعى ليس لزوجتى فحسب بل لاولادى وحتى لجدار بيتنا
صمت للحظة ثم عاد يسترسل وكانه كان يلتقط ورقة قائلا: لقد وجدت ان بسمة اخرجت طاقتها المكبوته على الورق وهى التى كانت لا تحب المذاكرة من الاساس ولا تهوى الامساك بلقلم ولو لكتابة طلبات البيت فوجدتها تكتب لى الاشعار لتبث عل الورق شوقها ولا اخفيك سرا فقد زادتنى الكلمات لهيباً والان اصبحت اؤمن بحكمة ان هناك مواقف ربما تحدث لنا بالخطأ الا انها ما كانت الا لتكشف لنا اشياء صحيحة ما كنا نعلمها
رايتها تكتب عن عدم حبها للرحيل وانه ما كانت تطلبه لولا ما عاشته " رحلت وكلى رغبة فى البقاء . رحلت وكلى رغبة ان نبقى معاً ولكن ل خير فى هو ياتى تكلفا وسط ضجيج العمل فانى وان كنت اهواك فلن اقبل مطلقاً ان اعيش على مشاعر اجبرك على الافصاح بها رغم انى على يقين من مكنونها وما كان احتياجى للتفوة بها الا زيادة فى العشق . ولكن ما يلتى اذا كنت وانا معك ارى ظلمة مع ان الشمس تبدو ساطعة
لا اطلب من دنياى امنية سواك انت فانى رزقت بك ولن اتمنى بعدك شيئاً . والان اشعر بشدة اشتياقى اليك رغم انك لتوك كنت تحدثنى وكانك الهوى الذى اتنفسه فحين تغيب اكاد اموت واختنق . اشتاق اليك فاخط  ملامحك فوق اوراقى وانسى نفسى فاقوم واحتضن الورق
من فرط اعجابى كنت شديد الانصات وفى الحقيقة لم يكن الاعجاب بمجرد الكلمات المعبرة والمرتبة وانما كان لشعورى بصدقها حتى انى تخيلت بسمة وهى تحترق شوقا لموسى وتخيلت حيرتها انها خرجت صادقة منها فوصلتنا معبرة وليس هذا فحسب بل كنت معجب بفرحة موسى التى تجلت واضحة فى صوت لهفته وهو يقرا بعمق وكانه هو الكاتب لها فعلمت لكونها صادقة وصلته كذلك ولانه عاشق قرا وشعر بما بين السطور وخلف الكلمات حتى بدا عليه وهو يقراها انها كما لو كانت قصيدة تدرب علي القائها مرارا وتكرارا حتى انه تدرب على وقت خروج الانفاس وعمق الحروف واين يضخم واين يرقق ومتى يسكن الحرف بدا وكأنه شاعر متمرس وما كان هذا الا من فرط حسه وحبه لها دام عليهما ذاك الحب
وبسبب انصاتى بدت وكانى شردت عنه حتى شعرت ان الخيبة تجلت فى سؤاله وهويقول بقلة حيلة وخيبة امل يبدو انك شردت منى ولم تسمع ما قراته فاعتذر لك لانى ما كان على ان اقراعليك شيئا وانت الذى اتصلت لاج لان تقص علي فرحتك اننى انانى
هنا لم استطع كمح ضحكتى فضحت وكاننى اصابنى نوبة هيستيريا
لم يقاطعنى وشعرت انى احزنته او ربما اخجلته ولكنى اسرعت بالتبرير قائلا والله كون عشقك وفرط سعادتك انستك انه ليس خالد الذى يشرد من حديث رفيقه ولكننى ف الحقيقة كنت شديد الانصات وركزت مع كل حرف قراته على مسامعى
قال بفرحة واضحة : احقا ما قولت هل سمعتنى؟ هل شعرت بجمال حروفها ؟ انها حقا تحبنى واننى ايضا ظلمتها
قولت له ايا ما كان فقد كان ولا تحسبه كان وانما انعم بما هو بين يديك فهذا هو الواقع وما اسوء من الخيال فهو يسير بنا نحو احلام وامنيات واهية ولكن الواقع يجسد لنا امنياتنا ويقرب لنا من نحب فتبدوا الصورة واضحة لا محال
..............................
انهيت معه الكلام  وعدلت من جسدى واستسلمت للنوم مدعيا انه لا مجال للتفكير فقد اسعدتنى الدنيا بما يكفى اليوم
بالفعل استسلمت للنوم وما كان يقلقنى سوى البعوض بين الدقيقة والتى تليها استيقظ متاففاً منه
..............
مر اليوم التالى على ما يرام ولم يبدوا لى اى من المشكلات وفى المساء وعندما شعرت بالممل خرجت لاتنزه على النيل لعله يغوينى فيسرق منى وقت الملل
وما ان جلست على اريكة من الرخام حتى انسجمت بالفعل فمنظر الساحل مع مرور بعض الفلاحين فى نهاية يومهم وخلفهم بهائمهم يجرونها بسلاسة وكانها من اعيدا لطريق حفظته حتى كادت ان تسير فيه وحدها. تعجبت رغم ان هذا المشهد لتوه مر امامى الا انى رايته وكانه مشهد غريب على البلدة فقد نزحت نحوها المدنية ورغم ان هناك بقايا للاراضى الزراعية وكذلك بقايا من بعض التراث الريفى الا انها حقا بقايا واصبح الطابع الاغلب هو الحياة المدنية بصورتها المغلفة بالقروية ورغم هذا الا اننى لا انكر ان للعادات والتقاليد اثرها فى حفظ التراث حتى الان وكان المدنية زحفت للمحافظة وهى مقيدة فاصبحت الحياة هنا كانها نوع ثالث بين المدنية البحتة وبين الريف الاصيل جلست اتامل الشوارع الهادئة والطرق التى تطورت وعلى الجانب الاخر وجدت بعض المحال التى تشبه تلك الت عندنا فى العاصمة والتى تتمثل فى محلات البقالة والقهاوى وابتسمت عندما وجدت عن بعد لافتات تشير الى وجود ملهى للاطفال وكذلك محال للالعاب الاليكترونية فحتى هنا لم تترك الاليكترونيات باب
ورغم ان بعملى فى النيابة انتدبت ولكن الحال كان مختلفا لانى انتدبت لمحافظة من محافظات وجه بحرى عروس البحر الابيض المتوسط المدينة المليونية فوقتها تعايشت بدون اية مشاكل بل على العكس كنت اضيع وقت الملل والفراغ بالسياحة فى المناطق الاثرية هناك او فى الجلوس على شاطىء البحر راقب المطافين فلم اشعر بغربة لقرب العادات والمدنية اما الان اشعر اننى وحيد رغم شعورى بالالفة رغما انى لم اتعرف على احد هنا حتى الان سوى ذاك الذى اوصلنى بسيارته
تذكرت موضوع قطع الطريق وضربت جبهتى فتوترى فى استلام العمل والمسكن لم يجعلنى انتبه لمتابعة الاخبار وما كدت اذكر نفسى بضرورة البحث فى الحاسوب او فى التلفاز عن تطورات الحدث حتى وجدت مجموعة من الشباب جلسوا الى جوارى ويبدوا انهم كانوا عائدين من عملهم
شعرت بالغبطة بداخلى فاخيرا سيجلس الى جوارى احد يكسر عنى ملل الوحدة وحاول ان انصت الى حديثهم لعلنى اجد ما يشغلنى
وجدتهم يتحدثون فى السياسة وعلى الاخص موضع قطع الطريق فابتسمت وقولت القدر يعيننى ويرحمنى من عناء البحث
قال الشاب الاول بلكنته الصعيدية الواضحة رغم ملابسه المدنية البحتة : قسما بالله لو لم تكن الحكومة استجابت لنا لاعلنا العصيان عليها واعلنا العزلة تماما فانا لن اوافق ان يندس بيننا رجل اخاف على فتيات بلدتى منه ولا يهمنى ان رضخ بقية المعتصمين لرايى ام لا لانهم لو اصروا على تعينه رغما عنا وهنا كان يقصد الحكومة وبالاخص رئيس الوزراء لكنت فصلت راسه عن جسده فى نفس الساعة جهرا فهذا تارنا جميعا ولن اقبل لاحد ان يضغط علينا فيما نكرهه لعرضنا
صدمت من لهجته الهمجية الثأرية التى يتحدث بها وكانه يتفاخر بما يقول
وجدت الاخر يرد عليه قائلا: والله لكنت انا اول من اساندك وازيح عنك ان احدهم مسك بسوء وحتى وان عينوا ذاك الملقب بمجدى جرجس فهذا لا يختلف عن اك فى شىء فكلاهما وقح لا يؤتمن بينما رد الثالث بنفس الحمية وربما اكثر مؤيدا راى الثانى قائلا: كنت متاكد ان هذا هو رايك يا شنودة فنحن نرفض فاسد بيننا لاجل عرضنا ايا كانت ديانة الفاسد فاعراض بناتنا تشمل المسيحية والمسلمة
ابتسمت فى نفسى وانا اقول: يبقى المصرى الاصيل يردد تحيا الهلال مع الصليب مهما حاولوا زرع الفتن بيننا
عدت انصت لحديثهم لافهم ما اردت فهمه منذ البداية وهو ماذا تم جراء هذا الاعتصام؟
قال رابعهم بغبطة انتظرانى هنا ساشترى نخب انتصارنا
ضحك الجميع وذهب الرابع ليشترى لهما ما ذكره وهنا علمت بنباهتى انهم قد فلحوا فيما ارادوه وقد اتى اعتصامهم بنتيجته الايجابية ولازلت اتابعهم حين اكمل الثلاثة الباقين حديثهم فقال الاول
لن انسى لبديع موقفه من ابنة عائلة الاشراف بل المحافظة اجمعها بكل عائلاتها واولهم الاشراف له هذا المعروف
قال شنودة وهو يرفع من ياقة قميصه كنوع من الفخر حتى صفعه صديقه على قفاه ساخرا منه وقائلا لا تتفاخر هكذا لانى لو كنت مكانه وكانت الفتاة مسيحية لفعلت مثل ما فعل
اكلنى الفضول لافهم القصة ولكن قطع كلامهم وصول صديقهم الرابع وهو يحمل زجاجات المياة الغازية للاحتفال واذ بى اتفاجأ بانه يقترب منى ويقدم لى واحدة فانتبهت وانا غير متوقع هذا الفعل اذن فهم منتبهين من الاساس الى وجودى رغم انى لم اشاركهم اى حديث
وجدته يبتسم ويقول لى بلكنته الصعيدية : مد يدك فهذا لانتصارنا فى ازاحة المحافظ المشئوم
قولت له ممتنا وهممت ان ارفض بادب الا ان اصراره على الكرم لم يترك لى فرصه لاى خيار سو القبول فشكرته ورغم انى لم اتفوه بغير كلمة الشكر الا انه وجدته يرحب بى ويقول اذن انت لست من هناك وبالتاكيد لا تعرف سبب فرحتنا؟
قول له : بل اعلم لانى لتوى اتيت بالامس وكن من ضمن ركاب القطار الذى تم قطع قضبانه
وجدت البقية يعتذرون لى بلباقة قائلين: لا تعتقد اننا همجيون وانما قد عرضنا من قبل رفضنا لهذا المحافظ الا ان الحكومة لم تستجيب فاشعلوا النار فى صدورنا لاننا شعرنا انهم لا يهتمون بامرنا بالمرة وبما يؤرقنا كما شعرنا بالاجبار والصعيدى الحر لا يجبر ولا ينكس له جبين
قولت محاولا النقاش : ولكن كيف رفضتموه رغم انه اول تعيين له هنا فمن اين علمتم بسلوكه
قال احدهم : هنا الاخبار تنتقل كما النار فى الهشيم وهذا الرجل كان معين من قبل كمدير للحى فى نجع حمادى وسمعته السيئة وتعرضه للنساء وتحرشه بهم وصل الينا وكانه كان يعتقد ان الصعيدية تخشى ن تفضح امر التحرش ولانه كان احمق لم يكن يعلم ان الصعيدية حرة ولا تقبل هذا عن نفسها ابدا وانها وقت الشدة تكون كالرجل تماما فاوقعه حظه العاثر على شابة خلعت حذائها وضربته حين حاول ان يتحرش بها اثناء تاديه عملها لانها كانت موظفى فى الحى وهكذا انتشر خبره
ابتسمت له بجمود فانا حتى الان لم اتعرف عليهم جيدا لاسترسل فى الحديث باريحيه ولان فضولى كان لازال بداخلى سالته عن بنت الاشراف التى ذكروها منذ لحظات
هنا كان المسيحة هو المجيب على سؤالى قائلا: كانت هناك فتاة من عائلاة الاشراف وبالتاكيد تسمع عن عائلاتنا هنا فاومأت براسى اينعم فاسترسل مردفاً كانت تدرس فى الجامعة وهنا مهما وصلت الفتاة فى درجات تعليمها فهى فى النهاية لبيتها حتى وان تعينت فى اى وظيفة فهى لا تختار الا ما يناسب كونها ربة بيت اولا وايرا فلا مجال عندنا لمضاهاة الرجل مثلما نرى فى المدينة
صمت قليلا ليتقط انفاسه وعقب قائلا: وتلك الفتاة كانت بالفعل مخطوبة لابن عمومتها ولكنها كانت تستغل ان جامعتها فى المركز فكانت تستخدم ذاك البعد وكانه ساترها فكانت تتحدث باريحية مع شاب قبطى حتى انه اوهمها انه سيسلم لاجلها وكان بديع زميلا لها ولم يرضى بالوضع وبالاخص انه كان يعلم نية وسلوك صديقه القبطى فحذر الفتاه ولكنها لم تستجيب فتركها وعندما كانت على اعتاب قريتها صدمت بانه يمسكها من يدها بقوة ويقودها عنوة الى بيتها ولم يستمع الى سبابها ولا حتى لتهديدها بعائلتها بل ولم يستمع ايضا الى توسلاتها وادخلها بيتها وفى منتصف ساحة دارها نادى على ابيها واخيها وقص عليهما ما حدث وتركها بين ايدهما وبعدها ذهب الى المسيحى وتعارك معه وكاد ان يقتله لولا تدخل المسلمين بينهما فتشابكت هنا ايدى المسيحين والمسلمين وتضامنوا واخمدوا نار الفتنة قبل ان تشتعل فالمجرم هنا مسيحى والرادع له عن فعلته مسيحى مثله والمجنى عليها مسلمة من عائلة الاشراف وهم نفسهم من خلصوا المجرم من يد الاخر الذى يدين بدينه
وجدتنى اسئل سؤال اعتقدت انه لا محل له من الاراب حتى انى سالت واجبت عن نفسى معتقدا انى اقول الطبيعى والمتوقع فقولت: وطبيعى ان الاشراف منعوها عن كليتها وزوجها من ابن عمها على الفور
وجدتهم وكانهم اشمئزوا من اجابتى وردوا بكل اريحية : بالطبع لا فقد قتلها ابيها
تبدلت ملامح وجهى فى لحظة وقولت مستهجنا : قتلها ؟
وجدتهم يجيبون بكل فخر: بالطبع وهل كان عليهم فعل اخر غير هذا ؟ اتريد ان تذهب عنهم هيبتهم؟
ابتلعت ريقى ولم اعرف بما على ان اجيب ولكنى اكتفيت بابتسامة والتزمت الصمت فشعرت ان الوضع هنا ليس بالهين بل القتل لاجل العرض هو الهين عندهم وحمدت الله ان الحكومة استجابة وعزلت ذاك المحافظ والا كانت الدماء لن تتوقف بعد
هنا تذكرت القضية التى قراها بالامس وانى كنت اخشى النطق بالحكم الا اننى شعرت انهم هنا يتفاخرون ان حدث القتل لاجل العرض بل ويتباهون به على الملا ولكن مهما كان فهم لا يريدون ان تتدنس كرامتهم
فركت جبينى فانا هنا بين امرين متضادين فهما يفتخرون بالثار لعرضهم ولكن هذا ان كانت الشائعات قد نالت منهم اما ان قتلوا لاجل الستر فلن يرحموا من قام بفضح سترهم اه يا ويلى من حكم الغد
.......................
شعرت براسى كادت ان تنفجر من شدة التفكير او ربما كان تغير الجو هو السبب او ربما التوتر وانشغالى على زوجتى وابنى لا اعلم الحقيقة الباتة وانما فى النهاية انى مرهق للغاية استاذنتهم وقومت وقبل ان اتحرك سالتهم عن عنوان اقرب صيدلية فقد شعرت انى بحاجة لقياس الضغط وشراء اقراص مسكنة لهذا الصداع
اشار لى احدهم على صيدلية وجدتها قريبة من المكان فتحركت نحوها على الفور وما ان دلفت من بابها حتى استقبلتنى طبيبة بشوشة الوجه شابة يبدو انها فى منتصف العقد الثانى من عمرها تسالنى عما اريد وكانت فيما يبدوا انها تلملم حاجياتها وقد حان موعد مغادرتها الصيدلية على الرغم انه مدون على لافتتها انها على مدار ال 24 ساعة لم اهتم فطلبت منها قياس الضغط وامليت عليها اسم المسكن
وجدت زميلا لها يدخل علينا ويعتذر انه تاخر عليها فوجدتها توبخه لان هذا سيؤثر على بيتها وما اضحكنى داخليا انى انى سمعتها تهمس لزميلها انها تركت عجين الخبز منذ لصباح ليختمر وحان وقت خبزه وان زوجها ربما تعصب عليها ومنعها من العمل نهائيا
وجدته يعاود الاعتذار وهى تنظر له نظرة حادة وكانها لم تتقبل اعتذاره او ربما تنذره بالا يحدث هذا ثانية عادت تباشر عملها معى ولما شعرت انى ربما اخرتها اكثر فسالتها ان كانت فى عجلة من امرها فلترحل وسيباشرنى انا زميلها
ابتسمت وقالت لا شىء واكملت عملها معى و قاست لى الضغط وقالت لى انه مضبوط  فتعجبت وسالتها عن سبب الصداع الشديد فعادت تسالنى وهى تشير لى على عنقى قائلة: ربما الصداع بسبب تيبس او تشنج لعضلات الرقبة فهذا من شانه ان يضغط على الاوعية الدموعية مما يضيق عليها مسارها نحو المخ فمددت بكفى نحو ما اشارت نحو الخلف من عنقى ووضعت يدى وللعجب انى شعرت حقا بمجرد ان ضغط ان هناك الم فقولت لها حقا ما استنبطتى فاشارت لى ان اقترب منها  فاقتربت ثم مدت يدها ووضعتها اعلقى عنقى فى المنتصف فى تلك المنطقة العميقة التى تبدا منها بداية جمجمة الراس وضغطت بشدة ثم حركت اناملها بطريقة دائرية فوجدته وكاننى اتلذذ الالم وشعرت باندفاع الدم فجاة فى عروقى وقولت لها متأوها نعم نعم يبدو ان ما قولتيه صحيح
ابتسمت وازاحت يدها عنى وقالت انت فى حاجة الى تدليك بمرهم خاص بالعضلات واعطنى علبة واعطتنى ايضا مسكنا واوصتنى الا انام على اى وسادة حتى اساعد عضلات العنق على الارتخاء
كنت خطوت اول خطواتى للخارج حتى وجدتها تصدمنى وهى تركض مسرعة خارجة من الصيدلية وكادت ان تتعرقل بذيل فستانها الواسع فوقفت مكانى لافسح لها الطريق فوجدت ان سيارة قد توقفت امامها وركبتها وهى تقدم الاعتذارات المتتالية وكانها تقدم فروض الولاء والطاعة وسمعتها تقول: لا تحمل الهم لقد طبخت قبل ان آتى الى هنا وقومت بتجهيز العجين وتركه ليخمر فما تبقى لى سوى خبزه فلا تقلق
اسلوبها وطريقة حديثها اعمانى ان اتنبه للسيارة الا عندما وجدت صاحبها يترجل منها ويقبل نحوى ماداً يده نحوى بالسلام 
هنا انتبهت فقد كان الزوج هو نفسه علي الذى اوصلنى ليلة امس من محطة القطار فسلمت عليه وسالته عن اخباره فسبقنى هو بالاشارة نحو سيارته ليوصلنى وقال مبررا لتلك الظروف التى جمعتنى به ثانية: لن نستطيع ان نتحكم فى الصدف فها هى جمعتنى بك دون ميعاد او سابق انذار وكدت ان اعتذر الا انه استحلفنى بالله وما كان الا ان رضخت وتحركت معه نحو سيارته فوجدت تلك الطبيبة تنتقل فى عجالة من الكرسى الاماى الى الخلفى تاركة اياه لى 
جلست وانا خجل من وضعى فالقيت عليها التحية مرة اخرة فى خجل او فى حالة قلق لان يظن فى اى شىء والتزمت النظر الى الامام
جلس خلف المقود وانطلق بسيارته وقال لى هذه زوجتى وابنة عمى 
اكتفيت بمجرد ابتسامة وشكرتها على صينية الطعام وانا على وضعى بينما عاد هو يسترسل فى الحديث عن الافتخار بما فعلته الحكومة من استجابة لمطالبهم وانا لازلت التزم الصمت ووجدت ان الامر لم يكن سوى بضعة مترات وكنا وصلنا لبيته واشار لها بالنزول وقال فى حدة: ساعود خلال ساعة لابد ان اجد انك قد انتهيتى من الخبيز لاخذ نصيب امى وابى واذهب لهما
وجدتها تجيبه بنعم ولم تعترض باى حرف
ثم عدنا نسير فى طريقنا متوجهين نحو بيتى الذى شعرت انه بعيد فاستغربت حالى كيف سيرت على الاقدام كل تلك المسافة دون ان ادرى
سمعته يقول: كدت ان اضربها اليوم لانها تاخرت فى موعد خبيزها
قولت له : الرافة فهى تعمل ولتوها عائدة واعتذرت لك وانا شاهد ان زميلها هو من تاخر وقد نهرته على ذلك
قال بحدة: هو تاخر لانه كان يساعد ابيه فى جمع المحصول وتسليمه للتاجر اى انه لم يهمل عمله الاساسى فلماذا ان اهمل فى بيتى
قولت فى نفسى طبيب ويجمع المحصول يا له من تكاتف اسرى ثم اجبته بصزت مسموع: لا ذنب لك ولكن اعطى للظروف مكان
فى الحقيقة بشاشته اعطتنى الفرصة لاسترسل قائلا له : لابد ان تعلم ان هناك فرق بين العطاء بين الزوجين وبين السيادة فالرسول صلى الله عليه وسلم قد رتب العطاء حين قال كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته اى انه بدا برعاية الزوج لزوجته وابناءه وليس بسيادته عليهم وتميزه وانما السيادة تاتى عندما يكون الرجل راعى على اسرته حق رعاية ثم تاتى رعاية الزوجة له ولابنائه وهنا وفى الحالتين تظهر قيمة ان خادم القوم سيدهم او بمعنى اخر ان سيد القوم هو خادمهم افهمت مقصدى ؟
اوما بنعم بطريقة فاترة وكانه على يقين بصحة ما اقول او كانه يفعله لا اعلم ما سر تلك الايماءة الباهتة
عدت اكمل حديثى قائلاً : علامة الحب الصادق هو الفلاح فى تقديمه وقت الغضب كما تقدمه وقت الصلح فالخلاف ابدا ما يفسد للود قضية ولا يفسد ما كان قبله من حب والاحباء هنا فقط نستطيع تمييزهم عن هؤلاء متمثلى الحب لانهم ببساطة ان خاصموا فجروا
وجدته يبتسم لى معلقاً : سيدى القاضى اتعلم انى لم اوافق على عملها الا لانى احبها ولا اخفيك سرا ورغم انى سبقت ووضحت لك ان ابناء عمومتنا يولدون واسماء ازواجهن معروفين سبقا الا وليس فى وسع سوى ان اقول انه الله فقد ادخل الله حبها فى قلبى منذ ان كانت صبية صغيرة بضفائرها وكان الله رتب لنا هذا الحب لنتنغم على الاجبار على الزواج بهذا الشكل فتنشأ بيننا السكينة
لما كنت اعلم انها زوجتى المستقبلية دبت فى الغيرة منذ الصغر وما كنت اعلم ان غيرتى كانت تجعلها تعشقنى اكثر فنشا الحب بيننا دون ان اعترف لها ودون ان اكون فى حاجة الى اى جدهد لاعلم بمقدار حبها
كنت ان خاصمتها كانت تزيد من دلالها وان لم تجد منى رجاء كانت تثير غيرتى باللعب مع ابناء عمنا فما يكون منى الا ان اذهب اليها على عجل واقدم لها فروض الولاء والطاعة لتسامحنى وتخفف عنى نار الغيرة كل هذا ولم انطق اى حرف من حروف الحب ولم اسرد على اذنيها كلمات العشق المنسوجة
ولهذا هى لم تغضب منى الان لانها تعلم ان غضبى ما كان بسبب تاخرها وانما لانى اغار عليها
وجدتنى امام قصة عشق صعيدية صادقة فابتسمت له وباركت له على تلك الزيجة فقال لى وقد اتسع صدره انشراحاً: انها تحمل فى احشاءها اول ابنائنا انه جاء ليوكد اننا روح واحدة حتى اتينا بمن يحمل منا نصف روحى ونصف روحها
الى هنا ووجدتنى قد وصلت الى مكان سكنى فشكرته وترجلت ووعدنى اننا سنلتقى بعيدا عن اى علاقة له بعملى وفى الحقيقة لم اجد مبرر للرفض فوافقت لانى مهما اتعرفت ومهما توطدت علاقتنا فلن اجعل اياً ما كان يطغى او يعلو درجة على امانة عملى
................
حل بى المساء وتسطحت فراشى مؤهلا نفسى للنوم ولكن مرت ساعتان وانا اتقلب ابحث عن ذرات النوم فى الفضاء لعلنى اجدها فاقتنصها ولكن ذهبت محاولاتى ادراج الرياح فانتفض جالسا انفخ متاففاً وكان عقلى اللاواعى يعلم بجلسة غدا فقرر ان يؤرقنى بالتفكير وطرد فكرة النوم من راسى ولكن وفى النهاية استجبت لفطرتى وغفوت سهوا عن نفسى لا اعلم متى وكيف وما همنى ان اعلم المهم ان ذهنى استراح ولو لمجرد لحظات وانفصل عن عالمى الواقعى وعن غربتى رغم انى فى ارض بلادى فصلتنى فطرتى عن وحدتى وجمعتنى بحبيتى فى المنام
فى الصباح ذهبت الى المحكمة ودخلت غرفة المداولة وتذكرت حينها عم حسن الساعى لانه قد حفظنى وحفظ عادتى الا وهو فنجان قهوتى فما ان كانت اول خطواتى تدلف الى الغرفة حتى يلحقنى به
سألت زميلاى عن اسم الساعى فنادى عليه احدهما فجائنى ملبياً فابتسمت لاننى استشعرت انه النسخة الاخرى من عم حسن نفس هيئته وانحناءة جسدة من الشقا ونفس طلته الطيبة الحنونة حتى ابتسامه المتلالاة الغير متكلفة وجدتنى بلقائية ابتسم له واقول له اريد فنجان قهوة وهم ان يرحل بعدما علم بطلبى الا انى استوقفته وقولت له اريد ان تحفظ عادتى كعم حسن فى القاهرة فكان يعلم من الرول ان كانت لى جلسة ام لا فان وجد اننى لدى علم اننى لا اتاخر ابدا عن موعدى فيجهز لى القهوة حتى ان وصلت وجده لتوه وقد انتهى من اعدادها ولا تنزعج من طلبى فقد ادمنت عادتى تلك
ابتسم لى وقال لى كلنا يا بنى مدمنون لعاداتنا وما مصائبنا الا بعادتنا الصالح منها والطالح وهم ان يتحرك فاستوقفته للمرة الثانية وطلبت منه شرح ما قال فربت على كتفى وقال مفسراً: يا ولدى من تعود على النفاق او الكذب او الثرثرة او السرقة او..او... يصعب عليه تغيير ما الفه وتعود عليه رغم انه يعلم ان عادته تلك هى المهلكة له ولكنه لا يستطيع الانفكاك عنها وعلى العكس فمن تعود على العطاء والسماح والغفران لا يستطيع هجرهما رغم ان تلك صفات طيبه الا انها مهلكة ايضا لانها تجعله سهل للناس فى الجور عليه
قولت له وقد اتسعت ابتسامتى الم اقل لك انك مثل عمى حسن فقد كان مثلك يملا صدرى كل يوم اما بدعوة او بحكمة ينشرح لها صدرى ويزيل بها عنى همى
قال: اذن فنادينى عم حسن فقولت له بل يشرفنى ان اناديك باسمك فما هو؟
قال وهو يلقى على التحية ليرحل ليعد لى ما طلبت: رشاد يا ولدى
...............
الان اعتليت المنصة ورفع الحاجب الجلسة ولكن اول ما طلبه هو عدم الدخول بالمتهمين الى القفص الا عند الاذن لهم واشرت الى كل الصحفيين والمحاورين ومراسل القنوات الفضائية بالخروج واصدرت قرار بمنع اى حديث او مقال او اى صورة  تخص القضية المذكورة الا بعد الفصل التام فيها بحكم نهائى والا سيعرض الصحفى و القناه التى يعمل بها للمسائلة القانونية
وما ان اصدرت هذا القرار حتى سمعت صوت الصحفيين وهمساتهم المعترضة او المتسائلة عن السبب كانه طنين النحل الذى لا يهدا فبالنسبة للصحفيين جلسات الجنايات هى عبارة عن شىء دسم يستخرجون من الجلسة الواحدة عدة عناوين تكفى الصحفى عن عمله مدة اسبوع او اكثر فيظل يلوك نفس الموضوع بنوان جديد وربما نفس الكلمات يصيغها بطريقة اخرى ويضبف عليها صورة جديدة وكأن الموضوع برمته يحوى خبرا جديدا وتظل القنوات فى بث نفس الخبر متنافسه مع غيرها التى تبثه هو نفسه كذلك وينتهى تكرار الاخبار بتكرار المكاسب ولا يحصد الخسائر سوى فاعل الجريمة الذى ربما كان من الاساس بريئاً وربما خسر سمعته او وظيفته بسبب تسريب خبر ربما كان من الاساس مغلوط
انتظرت حتى انفضت القاعة وامرت للعسكرى باد يدخل بالمتهمين وناديت على كل منهم باسمه فوجدته يلبى النداء بنعم يا فندم ومكانه يتباهى وجدتهم واقفين رافعى رؤوسهم وكانهم ابطال حرب عادوا منها منتصرين
وقوفهم بتلك الهيبة جعلنى اتعجب اين الحزن على فقيدتهم او اين رهبتهم من المحمة او من الحكم عليهم بالاعدام اين..واين ...فى النهاية علمت ان شموخهم جاء من اعتزازهم بالقتل لرد الشرف ولا فوق هذا مفخرة
اشرت الى النيابة بالتحدث فعرضت على دفاعها واعترافات المتهمين وحاول محاميهم ان يقدم اى تدليس على الدعوى يخص ابطالها بسبب حالة القبض او اى اجراء من اجرءات الدعوى يكون من شانه ابطال القضية برمتها الا انه وللاسف قد سدت امامه كل لحيل لان هم من اتصلوا بالشرطة اضافة الى اعترافهم الصريح
واجهتهم بما قالته النيابة فوجدهم يؤيدون اعترافهم بكل اباء وشموخ فشعرت وكان على صدورهم حجر صوان لا يسمح لمرور نسمات الرحمة الى قلوبهم وبالطبع اعترافهم الق عليهم طريق النقض لان الجنايات ليس بها استئناف
انهيت الجلسة ولا اعلم كيف انهيتها فقد كنت اخشى فور النطق بالحكم ان ينتظرنى اهل عائلته ويقيمون على الحد ولكنى وجدت العكس تماما بل علت زغاريد الزوجة وزوجات الابناء القاعة فاختلطت الدموع بها وكانهم يزغردون لاجل الاخذ بثارهم ويبكون لفراقهم فى نفس الوقت فتعجبت وسالت نفسى اى قلوب هذه
.............
اليوم انا عائد الى بيتى الذى لم اغب عنه سوى ايام ولكن كانى هجرته من دهور عدة وكم استوحشت طفلى وبيتى واتصلت بمودة ابلغتها انى فى الطريق فقفزت من الفرحة وقالت سارحل من بيت والدك فى التو حتى يسعفنى الوقت لتجهيز وليمة شهية لك فبالتاكيد انت جائع لانى اعلم انك لن تفلح فى اعداد اى شىء لنفسك
ضحكت فى نفسى واسرتها فهى لا تعلم ان جوعى لم يكن للطعام بل لحضنها هى واحمد
توقفت بسيارتى امام ذات المحل الذى اعتدت عليه او ربما هو الذى جذبنى بما يحويه
لاول مرة اشعر بفرحة الاب وهو يختار لاطفاله اللعب شعور غريب لذيذ وقتها تذكرت ابى
............
ضمتنى مودة بحب وبلهفة مشتاق وعناق مفارق واخذت اشتم رائحة عبق احمد وكاننى افتقدته لسنوات
قضينا اليوم لم تفارق هى انكماشها فى صدرى ولم اكف انا عن زيادة ضمى لها ولم اشعر باى انزعاج من صوت بكاء احمد ربما على العكس مما كنت اسمع فكنت اسمعه وكانه غناء عذب الالحان
فى المساء اتصلت برفيقاى وانتهزت انهما هنا فى القاهرة وتواعدنا وما ان تقابلنا حتى انهمروا على بالاسئلة وكيف قضيت اليومان وعلام استقريت فى قرارى بخصوص عائلتى
تناقشنا كثيرا وكانت خلاصى رايى انى لن اصطحب مودة لان احمد صغير لا يتحمل الجو هناك ومودة ليس من السهل عليها ان تتكيف بل شعرت ان فى البعد لايام تاثيره الخاص على الزوجين فهو يزيد الاتلحام بزيادة الاشتياق واللهفة ويترك مساحة لكلا الزوجين ليشعرا بقيمة كل واحد عند الاخر وهذا رايى من خلال تجربتى الاولية ولكن لم انفى عن نفسى تغير رايى ربما مع تغير الظروف لا اعلم
وجدت يونس متجهم وكاننى حطمته برايى لانه كان نفس رايه ولكن زوجته بددت ها بتعنتها
شعرت بالاسى لاجله وكذلك شعرت ببداية البلادة بينهما وهذا اول طريق الانفصال
وبعدما قص علينا ذاك الحوار الذى دار بينهما وانها سمعت همساته وقرات شخبطاته قولت له عند اى خلاف يجب على الزوجان ان يراعيا عدة نقاط
* ان يسمع الشريك بحياد الى شريكه
*ان يعترف ويتعرف الشريك بمشاعر شريكه حتى وان كنت غير مقتنع بما تطلبه فهذا شىء وايمانك بمشاعرها الحقيقية شىء اخر وضربت له مثل لكى يفهم مقصدى قائلا: كايمانك بان طفلتك تحب اللعب بالدمى ورغم ان عندها الكثير منهم فى غرفتها الا انها تطلب المزيد وتلح ايضا فهنا انت ترفض لها الشراء وانت مقتنع بطلبها لانها لديها الكثيرولكنك فى نفس الوقت لا ترفض احساسك بصدق حبها للدمى
صمت للحظة وعندما وجدت منه الانصات الجيد اردفت قائلا ولا تنكر على نفسك يا يونس انك ايضا مقصر فكم من مرة تتشاجرا وعند المواضيع الهامة ورغم يقينك بانك المخطىء لا تعتذر فى حين انك تعتذر فيما لا يستحق عنده الاعتذار اذن فانت لا تقيم الامور بشكلها الصحيح وكانك تتكبر عن خطاك
وكانى زدته هما فوجدته صامت ووجه متجهم وكانه يتالم من فرط نفرات عروقه الواضحة فقررت ان اخفف من حمله قائلا: على العموم كل النساء فى النهاية نساء ان اختلفن فى الشكل فانهن يتفقن فى لمضمون وان اختلف مدى المضمون الا اننا لا نستطيع ان نعترف ان طبيعتهن فى النهاية تبدا من نقطة وتتجمع بعد تشابكها فى نقطة نهاية واحدة الا وانهن المسيطر عليهم عواطفهن فتثير مشاعرهن او تتبلد الا انها فى النهاية بدات من المشاعر وانتهت عندها
.................
مرت ايام اجازتى فى القاهرة وعدت الى قنا ولم انكر ان الطريق لازال منهكا لى الا انه ليس بنفس صعوبة المرة الاولى حيث انى عائد وانا مستقر نفسيا الى حد كبير ويبدو ان التعب النفسى من شانه ان ينهك الجسد اكثر من المرض الجسدى لانه يتحكم فى كل اعضاء الجسم . هذا لا يعنى ان الوقت مرة سهلا ولكنى فى هذه المرة لم التهم الوقت فى قراءة عادات تلك المحافظة بينما انمكت فى قراءة ملفات القضايا التى بين يدى
وصلت اخيرا الى المحافظة ووجدت السائق منتظرنى وما ان وصلت الى البيت حتى وجدت عم محمود المسئول عن المسكن وخدمتى قد قام بترتيبه
القيت عليه التحية واخليت سبيله من خدمتى اليوم فانا عائد منهك وساقضى بقية يومى نائما ولا حاجة لى به فليعود الى بيته ينعم بوقته وسط عائلته
وجدته وقد وضع لى فى الرفة اقراص للناموس وكذلك صاعق كهربائى فانفرجت اساريرى وقولت اخيرا ساهنأ بنوم هادىء الى حد ما
مرت الايام على هادئة رتيبه ولكنها مملة لانى وحيد
فوجئت باتصال من محمود ذاك الشاب الذى تعرفت عليه وما ان قبلت دعوته وقابلته جلست معه وانا اتحرى الدقة فى الا احد يعرف هويتى حتى لا افقد هيبتى ولا ادخل الشك فى قلب احد عنى
قال خالد ما كنت اتوقع انك هكذا قاضى ذى سيط كبير
قولت له بعدم فهم لما يقوله: عما تتحدث لا افهمك ؟
قال بابتسامة وهو يظن انى اتواضع : لقد قرات عنك على صفحات التواصل الاجتماعى وكم كنت مفتخرا بك صديق ولن انكرك قولا كنت رغم احترامى لك مسبقا الا انى كنت مثلك احاول الا اتوغل فى علاقتى بك لانك وان كنت تريد النزاهة لنفسك فلانى وكغيرى من ابناء المحافظة نكره القضاه والشرطة
تعجبت من قوله ونظرت له باقتضاب مستفسرا مغزى الكلمة فعاد يشرح لى قائلا بعدما ابدى اعتذاره : اعتذر لقد اسئت التعبير فانا لا اقصد اننا نكرههم وانما لا نستسيغ ان ترتقى افعالنا لتصل اليهم ونعود فى كل مشكلنا الى كبراء عائلاتنا وهم المسئولون والمحكمون وان وصل موضوع للقضاء او الشرطة اعتبرناه عيباً فى حقنا وضعف فى عائلاتنا فهذه هى عادتنا فلا تستاء من حديثى
قولت له وانا ابتسم: لم اشتاء على الاطلاق لانى علمت بهذا من قبل واعلم ان ما شىء يصل الينا نحن كجهة قضائية الا تلك القضايا التى تحدث نتيجة حالة تلبس التى لا فرار منها 
اوما بايجاب كرد على كلمتى
تكررت مقابلاتنا فوجدت انه انسان مثقف وله خبرة بالحياة لا تعكس ابدا قصوره فى التعليم
وهو الوحيد الذى كان يهون على تلك الايام
..........
مرت سنة رتيبة بدات اكره الانتداب لانى فى كل مرة كنت اعود الى بيتى اجد احمد ابنى كبر عمره ولو يوم وتطورت حركاته وانا كالغريب اكتشف الجديد منه بالصدفة
بدات اكره نظرة الرهبة التى يستقبلنى بها اول وصولى حتى يعتاد علي
ولاول مرة انزوى فى مكتبى وبين اوراقى واكتب بمرار : اشعر كانى ميت واعاقب الاحياء عن عدم تعلقهم بى فكيف لى من البلاهة التى اعاقب فيها الحى على عدم شغفه بالميت
لم اعد امتلك من الحنكة والحروف ما اعبر بهما عما يرهق مشاعرى
امسكت بورقة بيضاء وقررت ان اكتب فوقها بعض من الكلمات التى تهيج مشاعرى الغضبى من حالى لعلنى هكذا افسح مجال لصدر للتنفس فما اثقل الهموم
الان اعترف وانا بكامل عنفوان قوتى وعز مجدى . اكتب بعدما صار اسمى يتردد عبر البرامج والاااعات بانى الرجل الحكيم القوى ولكن ولاول مرة اعترف بينى وبين نفسى انى لم اعد بالقوى الذي يتحدثون عنه وانما صرت اضعف ما يكون. اعترف الان انى اريد ان اعود الى ايامى الاولى وبالاخص لاول يوم بعد تخرجى فما كنت سالتحق بالقضاء برمته واخترت المحاماه فما حصلت منها سوى الارق وبعد عائلتى عنى ونظرة الاتهام فى عيون من حكمت بينهم
ماذا جنين من خلف المهنة سوى برودة مشاعرى وتبلدها وحرمانى من فرحتى بابنى وهو يركض ويلعب امامى وانا الاحظ تطوره وابنى حبى فى قلبه ؟
اشعر ان مودة بدات تشعر بثقل المسئولية على عاتقها وحدها . بدات اشعر بحاجتها الى الرومانسية والحميمية فى علاقتنا الا انها صبورة ولكن هلى استغل صبرها وامضى فيما انا فيه ام الحق بنفسى واسرتى؟
اشعر بقيمة كل حرف ابى قاله لى ونصحنى من قبل فالان علمت لما كان يهرب من القضاء بكل اريحية غير منزعج ولا نادم بل شعرت ان انزعاجه انما كان من قوفه لاعتلاء المنصة ومما يخلفها
ابنى اصبح يحتاج الى وقت ليعتاد على وكانى صرت بالنسبة له الغرباء ولم يشعر بعد انه من روحى اقتسمها معى
اصبحت اشعر بالوحدة ليس فقط فى ايام انتدابى بل وانا بينهم وكانهم اعتادوا على غيابى فاصبحوا يتصرفون بتلقائية فى يومهم العادى وكانى لست موجود وهل سياتى على اليوم الذى اشعر ان وجود بينهم اصبح هم عندهم ؟
هل افقدهم رويدا رويدا ام انى فقدتهم بالفعل ؟
دخلت على مودة فقد شعرت بان شىء فى قد همنى وضاق به صدرى فلم اشعر بها او ربما شعرت ولكننى لم ابالى لعلها تقرا وترد على برد يكون لى طوق نجاه
قرات وقرات ومع كل حرف شعرت ان عينيها تزداد جحوظا وه تكاد لا تستوعب ان هذا هو ما بداخلى فقالت لى ما هذا السواد فى عينيك ؟ ان كنت اعلم ان قلبك يعرف للسواد عنوان ما كنت سئلتك ولكن لما كل هذا لتشاؤم؟
لاول مرة اشعر انى اريدها ان تحتوينى اردت ان استبدل معها الدور فلم يعد لدى طاقة للاحتواء او ربما ان الانسان يجىء عليه فترات يأس يشعر فيها انه يهوى ان يتجرد من قوته ويرتمى ف حضن من هو اضعف منه ليعطيه من حنانه الذى من شنه قادر ان يجعله قادرا على المواصلة
وجدتها تضمنى وانا لازلت جالسا فى مكانى لا اتحرك وكاننى اصبحت جزء من الكرسى الذى اجلس عليه
لم اتحرك الا وعندما شعرت بقطرات ساخنة تقع على وجهىومكانت تلك دموعها فقول لها ارجوكى فلا تثقلينى فوق الوجع اوجاع فما اصعب دموعك على
قالت لى وهى تربط عل كتفى: وما اثقل رؤية عيناى لضعفك هكذا ثم سئلتنى وهى تحاول ان تبرىء نفسها مما شعرته منها: اقسم لك ان حبك فى صدرى يعلو يوما بعد يوم وكل ما فى الامر انى شعرت ان الحمل يزداد على كاهلك يوما يعقبه الاخر وما كنت احسب ان هذا يصلك بالعكس مما اردت ولكن كيف يقال ان المرء يشعر بمن يحب وانت لم تشعر بى؟
قولت لها وانا اجاهد لكى احافظ على نفسى ثابتا؟ اشعر بك بابعد مما تتصورين ولكن اخشى ان ياتى علينا اليوم الذى اضمك فيه فيقع بصرى على خربشات قلمك تذمى فيها الحياة معى مثلما حدث مع يونس وزوجته او مع موسى وزوجته
ضمتنى اكثر وبكت اكثر وقالت: لا يغرنك ان قالوا انهم كانوا عاشقين من قبل الزواج فالعشق هو الذى يكبر بالحنين حين الفراق ولا ينتهى بالبعد ابدا ولا تتعجب ان قولت لك ان حياتنا اقوى منهم وان حبنا اعمق منهم حتى وان بداوه قبلنا فالعبرة ليس بمن اسبق ولكن بمن كان اعمق واما عن احمد فهو طفل لا يفهم شىء بعد فلا تاخذ عنه براءته كانها اقرار منه
قولت لها : ولكن انا ايضا اشعر ولا اعتب عليكى فى شىء فصدرى اصبح مملوء باسرار الناس حتى ضاق بها وكاد ان يفيض فلم يبقى لى متسع لاسمع شكوى هجرى لكما وكاننى اهرب من هذه الشكوى بالذات لربما تكون هى القاضية.
وكما يقول المثل ان كثرة البكاء تعلم النواح وتعلم الجفا وتقسى القلب لانها تميت مشاعره فكذلك كثرة الشكاوى تعلم التبلد واصبحت لا اتاثربمن يشكو فعينى ترى ان الكل متهم والكل يتسابق فى اخفاء الحقيقة فخشيت ان ياتى على اليوم الذى لا اتاثر بشكواك او لا اصدقها فارى الكره فى عينك 
ساد الصمت للحظة ثم قالت : ساصطحبك انا واحمد المرة القادمة
رفضت وقاطعت استرسالها فى الحديث وقولت ما كنت اقصد هذا ولا هو امر ملف ولا هو توسل ايضا انما هو حب لكما وشعورى ان وظيفتى هى من تمنعنى عنكم جعلنى انفر منها ولكن....
جاء دورها لتقاطعنى قائلة بابتسامة: اعتبرنا ضيوف عندك فلن انتقل انا واحمد كليا الى هناك ولكن دعنا نكسر الايام بمرة ناتيك ومرة تاتينا واعتبرها سياحة لى
رفضت رفضاً قاطعا وكفانى انى بحت بما فى صدرى فقد شعرت ان همى زال حتى ان حالتى تبدلت واصطحبتها واحمد للتنزه وقضيت اليوم وكانى لم يكن الهم عرف لى طريق

وللجلاد أيضاً دموع Where stories live. Discover now