البارت 8

8 0 0
                                    

الفصل 8

استيقظ خالد فى الصباح مبكرا ولاول مرة يعد لنفسه القهوة ولم يعد لنفسه اى فطور فمودة لازالت رقيدة فراشها ولكنه رغم انه لم يفهم فى امور اعداد الطعام شىء الا انه قرر فى نفسه انه من اليوم لابد له من المساعدة يد بيد فى البيت فقد زاد الحمل ليها ولن يقلها بما لا تطيقه واول شىء قام باعداده هو اعدا صينية فيها فطور لمودة وكوبا من اللبن الدافىء ووضعه بجوارها ولم يرد ايقاظها فقد سهرت لوقت متاخر بطفله ورحل دون ان تشعر به
وما ان خطت اقدامه باب المحكمة حتى انهالت عليه التهنئة فقد تسرب الخبر لكل الموظفين وما ان ولج غرفة المداوله حتى اسرع نحوه عم حسين اساعى وقال له لابد ان اضمك يا ولدى ففتح له خالد ساعديه وقال بل انا من ساقوم بضمك ايه العجوز وقبل جبينه فى حين بارك له الرجل العجوز وسبقته دموع فرحته وقال له بروح اب منذ ان كنت تراضينى وتجبر بخاطرى وانت وكيلا للنائب وانا ادعو لك بالزوجة الصالحة والذرية فانت تستحق فوق ما تتمنى يا ولدى
ربت خالد عن ظهره برفق فقد شعر بحب هذا العجوز بدون اى رياء ومد يده فى بنطاله واخر مبلغ من المال ومد يده للرجل وقال له اما هذه النقود فهى لاجل بشارتك لى بتلك الدعوات التى ل تقدر بثمن اما عن هذه البقية فلاجل ان تعد لكل المستشارين هنا وموظفى المحكمة عصائر البرتقال بمناسبة ميلاد ابنى احمد
عاد يجلس حول طاولته وبجواره اعضاء الجلسة التى ستعقد بعد لحظات وراجع بسرعة احكامهن وتجهمت ملامحه قليلا لتلك القضية التى بين يده وكانت شرعى فزفر بضيق واشار للحاجب برفع الجلسة
وكان المحامون مع موكليهم فى الانتظار فى الخارج فهم يعلمون ن المستشار خالد مكرم لا يتاخر عن موعد انعقاد لساته ابدا ويقيمها باكرا
وللاسف كانت اول جلسة فى رول القضايا تلك التى تافف منها خالد وكان يود ان يؤجلها فنفسه كانت لا تستصيغها البته ولكن لا مفر
كاد ان يشير لكلا المحاميان بان يقدما انفسهما اولا واوراقهما حتى يتسنى له السماح لهما بالحديث بعد ذلك فوجد ان المدعى عليه الاول لم يجلب محامى واخبره انه سيتدث بالنيابة عن نفسه لان ليس له نقود يدفعه اجر لمحامى والله اعلم بحاله
كان خالد يراقب الخصم بعينيه وكانت فحوى القضية باختصار ان هناك زوجة وام قد توفاها الله وكان لديها ثلاث صغار اكبرهم لا يتعدى الست سنوات ومعهم اب مكلوم اصبح لهما الاب والام ورغم انه لازال شابا الا انه من الواضح اثار الشقاء على جسده الهزيل وملامح وجهه المكفهرة وكان برفقته اطفاله الصغار ربما لانه لم يجد من يتركهم عنده او ربما اراد ان يستعطف بهما الجدان لامهم فقد كانا هما الطرف الاخر للخصومة او ربما اراد ان يستعطف بهم القاضى نفسه ولكن ما كان هذا مهم  فكما وصف لنا خالد اعتياده بعدم التاثر بمثل تلك المؤثرات الا ان موضوع الدعوى هو ما اثار حفيظته وهيج مشاعره حقا
كان موضوع الدعوى طلب الابوين نصيبهم من ارث ابنتهما ولكن ليس هذا المهم فطبيعى ان يرثا ابنتهما فهذا شرع اقره لهما الله     
فى عموم جلسات الدوائر الشرعية تتم بسرية فى حضور الخصمين دون علانية الجلسة
وهذا كان مريح لخالد لان يتحدث باريحية .
نظر فى الاوراق واشار لمحامى الابوين فقال فى دفاعه: هذه مذكرة يا سيدى بها صورة من قائمة المنقولات الخاصة بالابنة المتوفاه وهذه صورة من عقد الزواج مثبت فيه مؤخرها ايضاً وهذا اعلام وراثة به ابويها وهذه شهادة وقاتها
نظر خالد الى الابوين وعاد ينظر الى تاريخ وفاه الابنة فوجده لم يتعدى الشهرين فتاذى لهذا وقال سائلا الزوج : وما وجه اعتراضك من تسليمهما ميراثهما من ابنتهما ؟
قال الزوج وقد اغرورقت عيناه: اقسم لك يا سيدى انى كنت خير الزوج لابنتهما وهما يشهدان على ذلك وانى لم اكل من علاجها يوما ولم امل وقد انفقت كل ما املك واستدنت فنفقات علجها كانت ليست بالرخيصة وتاريخ وفاتها لم يتخطى الشهرين وانا ولا زل اسدد فى دين علاجها وفى دين جنازتها فبيتى لم يعد فيه اى جنيها حتى لقوت اولادى هذا اولا اما ثانيا فقد بعت جزء من اثاث بيتى وقت حياة زوجتى بسبب نفقات العلاج والان طالبانى والديها بميراثهم فى ذهبها ومؤخرها وقائمة منقولاتها وانا لا املك من اى من تلك الاشياء شىء وان كان معى ما كنت امتنعت فهل هذا سيعوضنى عنها او سيعوض اولادها بشىء ؟ ولكن ما باليد حيلة وعلى كل حال انا ل اطلب المتناع او اطلب اقراره وانما كل ما اطلبه هو تقدير القائمة وكل ميراث الوالدين ماديا واتاحة الفرصة لى لاسددهم على دفعات لانى لا املك مال وليس بمقدورى ان اعطيهم البقية من الاثاث حتى لا اؤذى ابنائى نفسيا اكثر من هذا فيكفى مصيبتهم فى وفاه امهم هذا من ناحية اما الاخرى فليس لدى غير البقية من هذا الاثاث القليل الرث لينام عليه ابنائى ونظر الى والديها وقال متوسلا هل رايتما انى لا استحق ابنتكما يوما او رايتمونى اكل منها او اتافف او عاهدتونى ان واعدت اخلفت؟
كان الابوان يستمعان ولا يردان عليه وكانه صنم يتحدث حتى انفجرت الام المكلومة باكية وكانها مجبرة على هذا الفعل وقالت وقد وجهت الكلام لزوجها : قولت لك لا اريد من ابنتى شىء فلم يبقى لزوجها شىء وهو لم يكل بابنتنا يوما ولا اريد ان يكرهنى احفادى ولا احرم من صلة رحمهم ولكنك عاندت فهل رضيت الان بما نحن فيه ؟
شعر خالد انها مجبرة ومكلومة فى ابنتها فتاثر بها خاصة بعدما وجدها تتحرك نحو احفادها وهى فاتحة لهم ذراعيها لاحفادها
رق قلبه للمشهد ولم يعرف كيف سيحكم لهما بهذا الارث الحرام
نظر الى الاب القاسى مستهجناً من تصرفه وقال : ان كان يرضيك ان احكم لك بالارث الحرام فهو لك وان شئت فلتتنازل لاجل هؤلاء الاطفال فلك الحرية
قال المحامى خاصته: ولكن اى حرمانية فى هذا يا معالى المستشار فهما ابويها وطالبا بحقهما الشرعى وفق ما حدده الله لهما فى شرعه بنص القران
وجدتنى انظر له بضيق صدر وكررت كلامى للوالد فشعر المحامى انى لا اريد تدخله الان وان يترك لحرية للاب الذى شعر بنفس الرغبة منى فلم يجد مناص من ان يرد بنفسه مرددا ما قاله محامية وكانما ليس لدية اى رد او مبرر سوى الطمع
قولت له : والله انه لميراث حرام وان اردت ان تعلم من اين اتت الحرمانية ساشرح لك فاولا ان الله ما شرع الارث الا لزيداة الترابط وما حدد النسبة الا لمنع التجبر والطغيان وان بحثت فى ايات المواريث لوجد ان الله جبر بخاطر من لم يكن له صلة ولكنه حضر القسمة حتى يطيب خاطره اى ان الارث كان لجبر الخواطر ولعون على المعيشة ولصلة الرحم اى لكل الخصال الطيبة ولوجدنا ان الارث كان محدد لم نبتدعه اما قائمة المنقولات والمؤخر فهو بدعة من البشر والقانون لاثبات حق الابنة وللمحافظة عليها ضد غدر الزمان وليس من شرع الله فى شىء الا لكونه مضى عليه بالرضى والعقد شريعة المتعاقدين ولهذا وجب عليكم الارث فى حق ابنكما الذى آل اليها بمحض هذا التفاق
قال الاب مستنكرا راى خالد او وكانه وجد المبرر لطلبه : لكنى اثثت بيت مال ابنتى بالمناصفة معه اى ان ما اطالب به هو فى الاصل مالى وخاصتى فهل يرضى احد ان اشترى بمالى شىء لبيت ابنتى حتى فى النهاية يتزوج هو باخرى على اثاث بيته الذى اشريته بمالى؟
قولت ساخرا من مبرره: لقد ثبت مال ابنتك فى هذه القائمة منذ توقيع هذا المكبول عليها وكان لك الحرية فى ان تجعل ابنتك تطلبه منه حال حياتها
الاب : ما كنت اطلب هذا لانها كانت زوجته وتتنعم بهذا الاثاث ولكنها الان ماتت
خالد : لكنها لازالت حية بينكما بروحها التى تركتها تنبض فى ابناءها احفادك فلما تصدمهم فيك ؟ ثم انك لم تكذب الزوج عندما قال انه قد باع الاثاث بالفعل لاجل علاج ابنتك
قال الاب بسرعة : لقد باع فقط ما كان قد اشتراه بماله ولكن ما اشتريته انا لازال فى بيته يتنعم به
خالد وقد شارف الغضب ان يسيطر ليه لولا انه تمالك: اى نعيم هذا وابنتك لم يمر على وفاتها سوى ساعات تحصى بل هو كما ترى لازال فى فترة حداده
ساد الصمت للحظة شعر خالد فيها بعناد الاب وقسوة قلبه وانه لا مفر من طلبه ولن يتنازل لاجل هؤلاء الاطفال  فقال له ساقر لك ميراثك ولكن هل توافق على اخذ قيمته وان تعطيه فرصة للسداد ؟
قال الاب بكلمة مقتضبة : اوافق
عاد مؤكدا : سنحدد قيمتها بالحالة التى عليها
اوما الب بنعم دون ان ينطق وفيما يبدو ان نيته كانت تود ان تنصرف نية القاضى لاى شىء اخر يستفيد منه
تم تاجيل الجلسة للتى تليها بعد عرض القائمة على الخبير لتحديد قيمته وبعدها سنقره لك
وانهى الجلسة ورفعها ولكنه ارسل على الفور عم حسين الساعى ياتيه بالزوج قبل خروجه من المحكمة وبالفعل فلح عم حسين فى هذا وما ان اتاه الزوج الا وكان ينتفض خوفا من هيبة خالد امامه
كان خالد فى تلك الاثناء فى مكتبه الخاص فنظر للاطفال واشار لهم ليقتربوا منه واخذ يقبلهم ويربت على ظهورهم وكانه يواسيهم تحت نظرات الاب المترقبة
لم يفهم خالد ذاك الشعور الذى انتابه نحو براءه هؤلاء الاطفال ولكن ما اكده حدثه هو شعوره الجديد بالابوة فقد فاقت شعوره المعتاد
نظر الى الاب وقال له: لا تخشى شىء فانما ارسلت عم حسين فى طلبك لاحل لك معضلتك فبكم تقدر تلك المنقولات التى يطالبك بها الاب ؟ حيث اننى لن انتظر لراى الخبير لانى نويت ان نسدد له فى الجلسة القادمة ولكن ان انتظرت راى الخبير سنعقد الجلسة القادمة لمناقشة القيمة والتى تليه للسداد
تلعثم الاب وبكى ولم يعرف بما يتفوه
قم خالد واتجه صوبه ووضع كفيه على عضده ليشد ازره وقال مالك يا رجل فانت لازلت فى بداية شبابك وبمقدورك ان تسدد كامل ديونك وتبدا حياتك من جديد فالحياة لم ولن تقف يوما على احد فينا فهذه هى سنة الحياه فرد يموت وفرد يولد
اوما الاب بنعم ولازال لسانه معقود عن الكلام
خالد وهو على نفس وضعه : احبس دموعك لاجل ابناءك فهم فى اشد احتياجهم اليك
وتركه وعاد الى مكتبه وجلس فوق مقعده واخرج دفتر شيكاته ودون فوقه مبلغاً من المال وقال للاب اصرف هذا واتى بالمال فى الجلسة القادمة وسد بهم دينك فى الجلسة حتى اصدر الحكم بانتهاء الخصومة بالسداد فى خزانه المحكمة وينتهى الامر
لم يستوعب الرجل ما قاله خالد وهم ان يقبل يده فازاحه خالد وامتنع وقال : والله انى كنت انوى ان اقيم الذبائح لاجل ميلاد ابنى الاول ولكن ربما اتى الله بك فى طريقى لانك واولادك الاولى
..............
كان موسى مع زوجته يقضى معها ومع اولاده اجازته
كن جالسا فى شرفة بيته وكانت زوجته تعد له ما يشتهيه من الطعام  فقام ودلف خلفها وحاوطها من خصرها وهمس لها قائلا : لو كان القرب على قدر الحب لكنت اقرب اليك من حبل وريدك فسلاما على نبض قليبى حين يهتف بعشقك
التفتت وهى فى قمة سعادتها فقد اشبعها ما نقصها من حبه تلك الايام الفائته وحاوطته من عنقه ولامست انفه بانفها ماعبه اياه وقالت له ردا على تلك الشاعرية : اعلم انك تعلم اننى احبك ولكنك لا تعلم اننى احبك اكثر مما تعلم
قبلها بعمق وما قطع تلك الرومانسية سوى خربشة طفله فى ساق امه وهو يشدها من ملابسها لكى تحمله
نظرا له وضحكا بهيستيريا على ذاك العدو الحبوب الذى افسد عليهما لحظة الرومانسية
..................
كانت على الناحية الاخرى زوجة يونس تعيش ايضا احلى رومانسية مع يونس اذ انه لبى لها مطلبها وها هى لتوها قد عادت من جولتها حول شاطىء البحر والتنزه فى المساء بينما كان يونس يراجع بعض ملفات القضايا فى غرفته
جاءته تركض من السعادة ودارت خلفه وهو جالسا خلف مكتبه وقبلته فى جانب عنقه بطريقة توحى بدلالها وقالت له: اتيتك وانا احمل لك صوت البحر فى تلك الودعة وقد وشوشت لها باسرارى فى حبك فهيا اعترف لها انت ايضا لعلها تحمل فى باطنها اعتراف كلانا بحبه
ابتسم لها وقد شعر ببلاهتها وطفولتها ولم يحب تلك الرومانسية المفرطة فعلى الاقل ليس فى كل وقت ولحظة وهى تراه يقرا باهتمام قضايا الناس ومع ذلك لم يرفض لها مطلبها وتمثل الحالمية والرومانسية وهمس للودع
مشكلة يونس مع زوجته كمنت فى نقطتين ضعف لم يفلح فى تخطيهما بعد الاولى تكمن فى شدة حبه وتعلقه بها منذ ايام الجمعة وازداد ارتباطه بها يوما بعد يوم خاصة انها اعطاها كل مفاتيح حياته وهى التى تترف فيها كيفما اشاءت
اما المشكلة الثانية انه ضعيف الشخصية امامها فمن فرط حه لها لم يتعود ن يرفض لها مطلب حتى صارت  كل طلباتها واحلامها هو حق مكتسب يجب عليه ان يلبيه لها دون مناقشة وللاسف كان بلفعل يفعل هذا بدون مناقشة وعن حب حتى صار الحب بينهما عبارة عن افراط منه وتفريط منها
ورغم ذلك واثناء ما كان يهمس هو للودع كما طلبت هى وقعت عيناها على ورقة مكرمشة فيما يبدو انه القاها فى سلة لمهملات الا انها سقطت عل الارض فظنتها انها ورقه تخص عمله ففتحتها لترى ما فيها فقرات كلمات او خربشات شعرت انها منه عن نفسه ينفس فيها عن كرهه لها او عدم سماحه على اجباره على الاتيان بها فبينما هو منهمكا فى الهمس للودع ليرضيها كانت هى تقرا بعمق
ارهقتنى بالعشق حتى تمكنت منى وجئت تساومنى وانا ذليل حبك فما كان تمكنك لى الا لاذلالى وكسر كبريائى ورجولتى وهل يمكل احدنا اغلى من رجولته؟
جئت الان تسألنى السماح وكانك تتجاهل عمق وجعى فكيف؟
اجبتنى لانى طيب ولكن هل لاجل طيبتى بامكانك ارجاع  رجولتى وروحى  التى كنت احبها مثلما كنت احبك ؟ هل فى مقدورك ان تعيدى لى برائتى واطمئنانى وثقتى فيك ؟ هل فى مقدورك ان تجعلينى اعود وارى الجميل فى نفسى وواطمث عينى عن ضعفى ؟  هل بمقدورك ان تعيدى لى عدم رهبتى وقلقى وخوفى من الفراق ؟ وثقتى فى البقاء؟ هل بمقدورك ان تعيدى لى عيناى التى لم تكن تر لا الحب وحلو الحياة بعدما تبدلت ولم تعد ترى الا الدموع والعذاب والخوف من الاقتراب؟
ان كنت تريدى حبى وسماحتى عودى بى الى الدنيا التى كنت اتخيل فيها ان هناك واحدة تصون حبى ؟
كانت عيناها تتسع ذهولا وعدم قدرة لى التصديق كلما قرات حرفا يتبعه حرف وكلما اكملت الكلمة تلو الكلمة فهل هذا حقا شعوره ؟ وهل هكذا هى فى عينيه ؟ وقبل ان تعقب لمحته عيناها وهو يحدق فيها وهى تقرا وكانت تظنه سيقول اى شىء ناكرا انه من كتبها او انها هى المقصودة بتلك الكلمات والعتابات الا انها صدمت عندما وجدت ملامحه باردة وابتسامته كذلك ورد عليها دون ان تساله وكانه يؤكد لها ظنها وكانت اجابته فى كلمة واحدة مقتضبه: صعب اليس كذلك؟
لم تعرف بما ترد واى كلمة تلك التى تعبر عن صدمتها فى مكانتها فى قلبه التى تاكدت الان انها اهتزت ولم تكن فى ذات المكان كما كانت من قبل
ظل ينظر لها بصمت عميق وكانه يعاتبها بعينه وما اصعبه العتاب باعمق الكلمات رغم وجود الصمت
اخيرا انفك لجام لسانها وابتلعت ريقها بصعوبة وقالت متسائلة وكانها تريد ان تنافق نفسها وتسمع منه ما يكذب احساسها : اهذه الكلمات لى ام انك كتبتها كشخبطة مشاعر مثلما كنت تكتب من قبل ؟
ابتسم لها بمرار وقال : وهل كنت من قبل اكتب شخبطة مشاعر الا عنك ولكى
جحظت عيناها وقالت وانفاسها تتصارع: وهل لم تعد تحبنى حقاً؟
صدمتها اوجعته ولكنها فى ذات الوقت عادت واشعلت حبها فى صدره فقد تاكد انه يحبها باكثر مما تفهم وتشعر لانه ما تحمل كسرتها هذه فاجابها ناكرا: بالطبع لا وهى حقا شخبطة مشاعر ولكنى لست بكاتبها انا فقط ناقلها لان عمق كلماتها اعجبنى وهزنى ولكنى لازلت على الهد معك
اخذت نفس راحة فهى رغم غرورها وحبها لنفسها وحبها للحياة فهى تحبه ايضا ورغم انها فى كثير من الحيان تعترف لنفسها ولنفسها فقط انه تكهله اكثر من اللازم باحتياجاتها ومتطلباتها الا ان هذا لا يعنى انها لا تحبه او انها فى مقدورها تخيل هذا بل الابعد عن الخيال ان تخيل انه انفصل عنها وانفك عنه حبها
انتفضت على اثر لمسته الحانية وهو يحاوطها من خصرها ويجلسها فوق ساقيه بينما كان هو لازال جالسا خلف مكتبه وقال مناغشا لها او ربما شعر انه فى حاجة ليعيش معها تلك اللحظة الرومانسية التى عادت فيها الى نفسها وهى تتخيل انه من المستحيل ان يفارقها
ابتسمت له وارتمت فى صدره وكانت قاصدة ان يطمئنها بانها لازالت كما هى وانه لم يقصدها بتلك الكلمات
ابتسم وهمس لها : وها قد عادت قطت الشقية الى حضنى كما كانت تفعل قديما
قالت له : هل كنت انا المقصودة؟
سالته ما جال فى خاطرها رغم عدم اشتهائها للاجابة خشية ان تسمع ما لا تحب او ما لا تتخيله
ابتسم لها بحنان ومسح عن ظهرها ليطمئنها قائلا : لا تنشغلى بما قراتى هى مجرد خربشات تخللتنى وانا اقرا قضية هاجت منها مشاعرى وانتى تعلمين ان القاضى مجبر على واد احساسه وهكذا انا أوأد مشاعرى
اخذت نفس راحة وانكمشت اكثر فى صدره ورددت : ربما احب ان اعيش طلقة فى الحياة وربما اعشق الحياة نفسها واعلم انك قد يضيق صدرك منى ومن متطلباتى ولكنى اعلم ايضا انك تعلم انى لك وبك متيمة
..........................
جلس خالد برفقة زوجته وهو يراقبها وهى تضع طفلها فى فراشه فلتوه غفى وغط فى نوم عميق وابتسم لها قائلا: اصبحت أأنس بصوته حتى ولو كان مجرد صرخات وبكاء
قالت له بابتسامة: هكذا هى مشاعر الابوة والامومة وهكذا هو تطور الحياة وبعد هذا ستقول اسعد لحظات حياتى ونا البى له ما يطلب ثم وانت ترى حفيدك منه
ضمها وقال دام الله علينا الحياة واطالها حتى نرى هذا اليوم وقص عليها قضية اليوم وكيف كره موقف الجد الذى جاء الى المحكمة خصيصا ليكسر خاطر احفاده
اعجب من حديثها ككل مرة فما وجد احد قبلها او بعدها يضاهيها فى احتوائه سوى والده ون كان والده الناصح الامين له هى له خير قلب حنون
حبيبت ام ابنتى لست ادرى لماذا يا حبيبتى اشعرانك ابنتى ؟ حتى ما اسعفنى من الالفاظ لفظ وانا اناجيك به سوى يا صيرتى وكثيرا ما اسأل نفسى هل انتى حبيبتى ام انك ابنتى ؟ هل انا حبيبك ام والدك ام وليدك ؟ هل انا مليكك ام مملوكك او من يهوى ان تستعبديه؟
هالنى الامر فلم اعد اعرف لم استبين كنه مشاعرى اى بهجة تلك التى تغمرنى لانى سوى القاك فلا غرابة
اما ان تسوقنى قدماى لا الى بائع الورد وانما الى بائع الشيكولاته فتلك هى الغرابة . فحتى الوان فساتينك انتقيها طفولية وان نم بعضها على شىء امد يدى الملمه بحركة لا شعوريه وحين القاك تتلقفك ذراعاى بكل قوة
تغيبين فاشتاط لهفة لم تكن لهفة حبيب انها لهفة بوة تحدثينى باقتضاب ينقبض قلبى ماذا بها هذه المرة ؟
يتهدج بالحزن صوتك ويختنق صدرى .افقد اتزانى وكانى اسقط فى هوة
وحين تهدا نفسك تقر عينى تكونى اميرة اهفو ان اقبلك . ان آتيك
حيرتى امرى دون ان تدرى وتلك كانت امورك
.......
جلس فى غرفة مكبه واخرج دفتره يدون ملاحظاته وارائه وربما احاديثه مع نفسه
جاءت كالطفلة تركض نحوه وقالت له : هل ستدون ملاحظاتك ككل ليلة؟
قال لها : ملاحظاتى وربما رايى فى قضية او حتى ادون الثغرات التى اجدها فى الاوراق قبل ان احكم سالته وفى اى نوع من القضايا ستحكم غداً؟
قال لها بملامح واضحة الغضب او ربما الاسى : جنايات
ابتلعت ريقها لانها تعلم ما تعنيه كلمة محكمة جنايات فى صدر زوجها فهو يظل يومان منهك الاعصاب يبدأها من ليلته ساهرا مفكرا وما ان ينهى قراءة القضايا بتمعن التى فى الغالب لا تكون اكثر من اثنين لان الجنايات غير البقية فهى تحتاج الى مجهود من تفكير وبحث وتمحيص وقراءة التحقيقات من النيابة او من تحقيقات لمباحث وربما هناك ايضا راى للطب الشرعى او الطب العادى او من اى فرع اخر من افرع العلوم الحياتية فالامر ليس بالهين وينهيها بعد تفكيره فى الحكم الذى نطقه خوفا من ان يكون تجبر فى الحكم او على العكس ان شعر انه تهاون فيه ولا يفيق من هذا الكابوس الا بعد فترة ليست بالوجيزة ثم ابتسمت حتى لا يشعر بذاك الخوف الذى تسلل اليها وهذا الشعور من القلق من دخوله فى تلك الحالة قالت له بدلال  اذن دون انت هنا واعطينى انا اقرا القديم من كتاباتك وسحبت من فوق مكتبه دفتر مدون فوقه يومياتى فى محاكم الجنايات
فتحته وبدات القراءة وكان ييراقبها مبتسما فهو يعلم انما هى حاولت ان تشاركه السهرة على طريقته هو حتى لا تزعجه وراقبها للحظات حتى وجدها وقد بدات تستغرق فيما تقراه حتى عاد ينظر الى الدفتر الخر الذى هو تحت يده وبدا يدون واول ما دون دون العنوان ( نار ونور)
كان جليا ان تعلقه بها كان تعلقا ملحوظاً احبها واخلص لها وتعاهدا منذ الصغر على الا يكون كل منهما لغير صاحبه وعاشا ايام الطفوله والصبا والشباب على حد وصفه احلى ايام العمر وفجاة يتخذ قراراً مباغتاً خطيرا الا وهو الانسحاب التام ودون رجعة والابتعاد نهائيا الى الابد
انسحب ولم يفكر فى اثر ما تركه خلفه ولكن ما يفيد مادام قد هجر . ورغم انقضاء ما يربو على عشر سنوات على فراقها الا انه لم يزل يبثها على الورق احاسيس قلبه تناجيها ويحادثها ويحاورها ويشكو لها ويأنس بها . وعبر عن كل هذا وذاك بعبارات رقيقات وكلمات متناسقة زمان راقية جميلة يبهرك سحرها وجمال تركيبها وحلو عبيرها وتخال نفسك انك استحضرت معانيها كانك تحلق فوق السحاب
هذه احدى قضايا الفكر توصلت فيها تحريات الشرطة الى ان ذلك المتهم ينتمى الى جماعة تدعو الى افعال تمس امن الدولة وانه يعتنق فكرها ويروج له فصدر امر بضبطه ورسم دائره وكان هذا بداية الحكاية
وبتفتيشه شخصيا ومن بعده مسكنه لضبط ما يحوز او يحرز من اشياء تتعلق بالجريمة وجىء به ومعه دليل جرمه الى ساحة الاتهام ولقد عثروا على اشياء كثيرة كتب . منشورات . اشرطة سمعية وبصرية . مجلات . مذكرات الخ
وفوق كل نوع من المضبوطات رسم دائرة كذلك والغرض انه فى النهاية سيكون بارزا امامه اهم النقاط داخل لدوائر
والان وقعت عينى على تلك المذكرات حتى انى نحيت ما عداها ما احراز اخرى جانباً ونزعتها من بينهم انتزاعاً كى ابدا بها الاطلاع فلقد اعطى لها المتهم عنوان ملفتاً مثيرا للاهتمام كما يثير الفضول ( احلى ايام العمر )
وشغلنى العنوان ترى ما هى هذه الايام الحلوة وهل هذا اعتراف الى ان ما فيه الان ايام صعبة ومرة؟ وهل يعقل ان تكون فى حياة هذا المتهم ايام بهذا الوصف وهو نفسه الذى يحرض على القتل والتخريب وتدمير الممتلكات بل والقول على نحو ما ورد بمحضر التحريات من امن الدولة العليا ؟
لم يكن العنوان وحده هو مرد هذا الاهتمام منى وهذا الفضول او السبب الرئيسى للبدء بها قبل غيرها من المضبوطات الاخرى وانما بسبب ذاك الفضولالمهنى الذى طالما يدفعنا نحن القضاه او حتى المحققين الى الغوص فى نفوس البشر والبحث عما يجول فيها وفى خواطرهم من انفعالات وطموحات او ربما ترسبات فقد يكون حتما او احتمالياً لها اثر فى الكشف عن الحقيقة وهل من شىء اسرع فى البوح عن مكنونات النفس من مذكرات او ذكريات صاحبه؟
لا اكذب ان قولت واعترفت ولو لنفسى انه وقد بهرنى الاسلوب وراقت لى سلاسته مما جعلنى اغوص واتعمق واتوغل بسرعة ولين فى الاورق بل وفى الحروف فكان لكل حرف همسه الخاص به
انها تحكى تاريخاً عاطفياً جميلاً وبدايات حالمة لقصة حب عذرى لم تكتمل فصولها فيها نبضات قلب وخلجات نفس واقرار بحقائق فى لحظة سمو روحانى جميل وتعبير عن اسمى مشاعر الحب وارقى معانيه ومثل رائع على ابهى ايات الايثار وانكارالذات وفى ذات الوقت فقد انطوت على ما يقطع بصحة ذلك الاتهام فى حقه .
لم يكن توغلى فيها بهذه السرعة لتقصى الدليل فحسب وانما لاستقصاء دخيلة نفسه وما يحويه قلبه من هذه المتناقضات
وقرات العجب وكيف لمثل هذا ان يخط ذاك ( قال يناجيها : ساكتب اليك كل يوم ها هنا دون ادنى شك فى ان تصلك هذه السطور او حتى تقع بين يديك مصادفة ولكنه العهد الذى قطعته عن نفسى ومع نفسى الا ابتعد عنك يوما وحتى وان كنتى مجرد كلمة لى الورق
وها انا بالعهد فلا نوم ياتينى حتى اكتب اليك هكذا كل ليلة احكى ما حدث لى فى يومى وما افكر فيه وما يشغلنى واراك بجانبى تصغين الى تهدئين من روعى تلومينى. ثم تبكى لخيبتى وضياعى
اذن الى هنا فالمتهم يعترف صراحة امام نفسه بما لم يستطع ان يعترف به امامنا بل وانكرة بالمرة ولكننى ها هنا وجدت ما كنت انشده وعند تلك لجملة ايضا وضع دائرة واكمل بعدها
روحت اتنقل من صفحة الى اخرى وكأنى دون ان درى ابحث عن اسباب ذلك القرار الخطير لماذا بعد كل هذا الحب قرر ان يبتعد عنها تماما لاجد ان الاجابة تسعى الي دون عناء فقد وجدته فى صفحات تاليات يقول لها : لقد احببتك بحق ولم يزل قلبى ينبض بحبك رغم البعاد وطول السنين واعلمى انى حين انسحبت من ساحة هذا الحب عامدا متعمدا لم اكن ابداً خائنا او كذاباً ولكن لانى اردت لك الحياة وستعلمين ذلك يوما ما ليس من خلال هذه السطور فقد حرمتها على اى حروف من شأنها ان تنتقص من صورتى امامك ومن قدر حبى لك ولكن من بعض الصحف او الاذاعات فاننا نتساقط فى كل يوم كاوراق التوت فى الخريف الحزين وكيف لا والباطل لابد زائل لا محالة
وهنا ايضا وعند تلك الجملة يرسم دائرة فالمتهم يعترف انه على الباطل 
ثم اكمل كتابته عما قراه فى تلك الدفاتر : لم يكن قرارى هذا بالامر الهين او اليسير بل كان كطعنة خنجر مسموم بين الضلوع وجعلنى كملاح تائة فى فى بحر من الضباب وانى لاذكر حيرتك فى اخر لقاء كانه رغم انقضاء كل هذه السنين بالامس القريب ولعلك قد لمحتى فى عينى هذا العذاب حين الححتى يومها فى السؤال ما بك؟ اراك مهموماً شارداً حزيناً وشعرت بقلبك وقتئذ وهو يعتصر الماً ولكنى اشفقت عليك فلم استطع ان اقول لك الحقيقة حتى لا تفجعى فى تقديرك ولا تحزنى لسوء اختيارك
هنا خط خالد ثلاثة خطوط وكتب ملاحظة: هنا يكمن السبب فى انغماسه فى هذه المنظمةة رغم اعترافه بانه على الباطل
ثم عاد يدون ويتابع ما دونه من قبل كاتبا هنا بدا روة صفاء النفس مع الحبيبة
لقد انزلقت قدماى وهويت فى هوة سحيقة مظلمة وكانت بدايات هذا الضياع دون ان تدرى منى وكانه كان عقابا من الدنيا للحظات التى كنت اقضيها بعيدا عنك منفردا فهكذا انتى حبيبت كنتى لى المنقذ
فى سنوات حياتى الجامعية الاولى نفذوا الى عقولنا من اضعف نقطة فيها وسمموا افكارنا واوهمونا ان الارض فسدت وان الناس فسدت والامهات فسدن والاباء ضلوا وصرنا فى ايديهم كالدمى يحركونها كيفما شاءوا وان شاءوا ومتى شاءوا وبعد هذه الورطة لم يكن هناك مفر من الاستمرار فقد جعلوا من انفسهم خصوما وحكاماً فقلوبهم قاسية وعقولهم جامدة وفظاعتهم عاتية وانيابهم مسممة وانتقامهم جبار ولم افق الى هذه الحقيقة الا بعد ان تلخطت يداى بالدماء فقد اشتركت فى القتل والحرق والتدمير والخراب وبيدى قتل ابرياء ويتمت اطفال وترملت نساء وحطمت ممتلكات اما كيف كان ولماذا؟ فليس هذا بموضوعنا الان ومن هنا كان القرار قرارى اتخذته قانعا مختارا فى اول لحظة صدق مع نفسى فلم اعد اصلح لحبيبتى انها حالمة رقيقة طيبة اما انا فاجوف جاف وقبيح
اتدرين يا حبيبتى لماذا تركتك؟ لانى ما اردت لك الا الحياة
والى هنا وقف خالد قليلا قبل ان يدون قائلا عن نفسه : تلك كانت خلاصة مشاعره وقد احسست بها وتفاعلت معها وتذوقتها بعقلى وفكرى ومشاعرى ايضا ويبدوا انها صادقة لانها وصلت الى القلوب صادقة
الان اسأل نفسى هل من حقى ان ادون خلاصة مشاعره التى وصلت لى فصدق المشاعر ليست بحكر على احد
قلب صفحة دفترة صم ورقة تلو الاخرى فارغات وفى نهاية نحو عشر ورقات بيضاء سجل سؤال بعيد عن القضية ولكن ما قراه استدعى ان يسال نفسه هذا السؤال فكلمات المتهم فى مذكراته قد جسدت ملامح حبيبته ولكن يا ترى الى اى حال آلت احوالها ؟ فهو من فرط حبه لها وغيرته عليها لم يذكر حتى اسمها او حتى حرف يعبر عنها ولا وصف كما هو المعهود وكانما غار من الورق عليها او ربما شعر انه يزما ما سيقع لا محال فخشى ان تعرف حبيبته فيكون سبباً فى تدنيسها فى تلك المعارك والاتهامات
الى هذا كان يحبها؟ الم يشفع له حبها ليترك تلك المنظمات لاجلها ؟
كيف تعاملت هى مع واقعة انسحابه بهذا الشكل المفاجىء من حياتها هل اعتبرته خائناً او رفيق سفر تخلى عنها فى منتصف الطريق مجبراً ؟تخلى عنها وسط الطريق فغضت الطرف عن كل ما كان ؟ ام ان قلبها حدثها بغير ذلك؟ هل صدق حدس هذا الشاب بان تقرا حبيبته هذه اليوميات فى يوم ما؟ وهل ان قراتها ستجد نفسها فيها وهل ستعرف انه هو حبيبها ؟ هكذا ربما تختلط ترانيم الحب بالاقرار بالجرم لقد كان حبه وجرمه ناره ونوره
عاد الى الاوراق الاولى والى ما كان يدون ثم دون سؤالاً : ايمكن ان يصل الصدق فى الحب الى حد الاعتراف بالجرم ؟
هل فى مقدور القلب ان يسع كل تلك المتناقضات ؟
ايكون ايكون مستودعا للظلمة وطلقات الرصاص وفى ذات الوقت سراجاً يومض بالنور؟ هل يمكن ان يحوى قواعد للصواريخ والى جوارها غرف متجاورات من دفء ووجد وهيام وحنين؟ ابركان نار قلبه ام طاقة نور
عاد الى تلك الصفحة الاخيرة ودون نفس السؤال واجاب عليه : ولما لا ما دام ان الجرم كان سبباً فى قتل الحب
كان قد انشغل عنها بما دونه واستغرقته احداث القضية وتفاعل معها ونسى تلك المدللّه ونظر لها ولكنه تعجب فوجدها مستغرقة فيما تقراه وعلامات وجهها بدا عليها جل التاثر فنادى عليها الا انها لم ترد لانها لم تسمعه من الاساس فشعر انها تفاعلت مع احداث القضية فاقترب وجلس على مسند الكرسى الذى تجلس فوقه فشعرت به وانتبهت لساعده الذى حاوطها به فنظرت له وظلت صامته للحظات فسالها: ما بك هل انفعلتى مع وقائع القضية؟
قالت: بل حفظتها عن ظهر قلب
فرد متسائلا وكانما اراد ان يعلم كيف سيقع اثر حكمه الذى دونه على مسمع غيره فقالت له : لقد ابهرتنى واكدت لى ما كنت قولته انى لا اخشى على نفسى من جور الزمان لانى متزوجة قاض سيحكم على نفسه اولا قبل ان يحكم علي اتتذكر هذا الحديث بيننا ؟
قال وهو مبتسم وهل لهذا الحديث او تلك الامسية ان تنسى؟ ثم سالها وماذا فهمتى من القضية حتى تحكمى على قبولك بالحكم؟
قالت هكذا اقتنعت وقرات عليه ما كان فى القضية من خلال الاوراق التى بين يديها : بدات القراءة من كلمة الوقائع كما حصلتها المحكمة
حيث ان واقعات الدعوى حسبما استخلصتها المحكمة من مطالعة الاوراق وما تم فيها من تحقيقات وما دار بشانها بجلسة المحاكمة تتحصل فى ان المتهم عمل مساعداً للشرطة فى قسم الترحيلات حتى اشرف على نهاية خدمته راضيا بقليل العيش وكان مسكنه فى حى شعبى مكتظ بالبسطاء الذين لا تخفى عليهم الخافية ولكن تاتى الرياح بما لا تشتهى السفن فتحيد بها عن يد صاحبها فما يقوى على اعادتها عن اعوجاجها وهكذا اتته الرياح فى سمعة ابنته التى كان جل همه ان يوفر لها ما تحتاجه الا انه لم يوفر لها الاحتواء مما جعهلها تبحث عنه خارج بيها فاذا بهاجس من جيرانه يصل الى سمعه يتناول سمعة ابنته التى لتوها بلغت ريعان الشباب فظن اول ما ظن انه افك فابنته رباها واحسن تربيتها ولا يظن ان تشينه ابدا ولهذا التفت عنها ولم يهتم بما سمعه لكنه وللاسف ما عاد من عمله حتى سمعه للمرة الثانية وفعل مثلما فعل فى المرة الاولى ولم يحسب ابدا ان هذا تهاون فى التربية وكان يظنه درء الشبهات لانه لم يكن يستوعب ان نقاء قلبه وحسن ظنه فى غيره وشقاه على ابناءه من شان كل هؤلاء ان يخدعوه ولكنه حصل وبالفعل خانوه حتى اصبح السر جهر يلوكه الناس على السنتهم وينهشوه فى عرضه ولم يعد التزام الصمت بالشىء لهين وسمع ان ابنته تغادر بيه اياما بغية الخدمة فى البيوت لتساعد ابيها فى جهازها وما تاتى به من المال ما هو الا ثمن بغاءها
واجهته زوجته لانها لم تعد تحتمل ما امرها به من التزام الصمت وصم الاذن والقت على مسمعه ما كان من شانه ان يميته وهو حى فقد واجهته بحمل ابنته من السفاح
لم يعد يقوى على الصمود فواجه ابنته التى اقرت بفعلها
حاول ان يتماسك فوجد ان كل ما حوله يحفزه على الانقضاض فزوجته تركته وحيدا يواجه العار بمفرده ولم تجتهد فى مساعدته فى مواجهة كلام الناس بل رحل لبيت اهلها فى الصعيد 
لم يجد لنفسه خلاصا مما هو فيه الا التخلص من سبب الفضيحة وسبب كسرة هيبته فى اواخر ايامه فاذا بيوم ا متاخراً عن قصد فوجد تلك الابنة الضالة مستغرقة فى نومها كما لو انها لم تفعل اى شىء فتنازعته هواجسه ومزقته مصائبه وتذكر هروب زوجته وهو يراقب مكانها الذى اصبح فارغاً فلا سند يقويه ولا انس يهون عليه تدنيس شرفه وعرضه فهاجت مشاعره وسولت له نفسه بقتلها فلم يتمالك نفسه واطبق عليها وهى نائمة وقبض عنقها ولم يرفع كفيه عنها حتى تاكد من انها اسلمت روحها وشعر انه بث قوة شرفه المثلوم وعرضه الذى هتك بيدها وغله من رحيل زوجته وتركها اياه وحيدا
لم يشعر باى رافة بشانها وكيف وكل اصناف الوجع تجمعت فى صدره حتى انه شعر بالفخر من الانتقام فاعترف بسلاسة بفعلته كانسكاب الماء من القربة
كتب بخط واضح مطلب النيابة كعنوان جانبة ووضع تحته خطا وعاد يدون ما طالبت به النيابة : لقد طالبت بالاعدام على المتهم لان الجريمة كانت مع سبق الاصرار حيث انه من المفترض انه لم يكن على حين غرة او ان الخبر لم يكن صدمه فى التو ليذهب عنه عقله بل انه كان مترو حتى ان العتراف من ابنته كان منذ ايام ورحيل زوجته عنه كان كذلك . ولا يجب ان نقر بحقه بالثار حتى لا نقر قوانين الغابة والى هنا وضع نقطة وعاد لاول السطر يكتب رايه اولا ثم حكمه
اما عن رايه فكتب فى عنوان جانبى : راى المحكمة من خلال ما راته من وقائع القضية واعتراف الجانى تحقيقات النيابة وشهادة الشهود من الجيران وبسؤال زوجته وان الجميع اقر بطيبة الاب الجانى واخلاقه وانه دوما ام يعيش بينهم فى حاله لا يحب الخلطة مع احد ولا وقت لديه فهو من بيته لعمله والعكس
وحيث انه عن سبق الاصرار فان من هتك عرضه وثلم شرفه وراى فضيحته راى العين على السنة الناس بها يتهامسون ويتلوكون بها وبمصيبته يتغامزون تارة واخرى يسخرون فهاج غضبه فهو مثلنا من لحم ودم وليس من صنم اجوف لا شعور له وثارت نفسه حتى لم تترك لعقله فرصة لاعمال الفكر وهدوءه واتزانه بل راح يرى فضيحته تكبر بمرور الايام وكلما كبرت كبر معها غله فهى تكبر كل يوم بكبر جنين ابنته من السفاح فها هو كل يوم يعلن الخطية ويعلن رحيل رجولته عنه فاى منا يتحمل هذا ولا يملك لها سترا ولا يستطيع منها فكاكا
كان يسمع الالسنة تلوك سيرته واسمه جهارا وكانه هو من جاهر بالمعصية وشعر ان ما من يوم عمل فيه بكرامة شفع له
كانت نفسه هائجة ثائرة ترهقها قترة لا تعرف سكينة او هدوء فاذا اتجهت الى وأد من جلبت فضيحة وسببت عار يأساً وقنوطاً لا قصاص ولا انتقام مدفوعاً بثورتها الدائمة التى لا تترك مجالا للتدبر والعقل واين التدبر والتعقل وكل يوم العقل ينام ويستيقظ على نفس الفكرة ونفس نظرة الناس فاى سكينة والسنة الناس تحاوطه اذن فنفسه الهائجة فى تخبطها لا تترك مجالا للتدبر او التعقل فهى فى تخبطها لا تعرف اصراراص مسبقاً فيتخلف من الاوراق دليل هذا الظرف المشدد
وضع نقطة وبدا من سطر جديد عنوان جانبى اخر الا وهو حكم المحكمة ثم وضع تحتها خطاً وبدا فى صياغة الحكمة: ولما ذكرته المحكمة من انتفاء شرط سبق الاصرار والترصد فى تلك الجريمة وبالتالى لا يترتب على تلك العقوبة ما ترتبه المادة وخلو ذمته مما حددته المادة كشرط للتشديد فى العقوبة فرات انها تاخذ المتهم بقسط وافر من الرأفة سمحت به المادة 17 من قانون العقوبات لظروف الدعوى وملابساتها وقضت بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل والنفاذ لمد سنة واحدة
ووقع بعدها باسمه المستشار خالد مكرم
ابتسم لها وهو يراها تروى له ما قراته وقد حفظته عن ظهر قلب وكان ابتسامه ايضا لانه راى فى عينيها فرحتها به وفخرها به ولكنه سالها: انتى تلميذة ذكية فقد حفظتى ما هو مدون بكل حذافيره من اول مرة حتى انك رددتيه بحفظ عن ظهر قلب
قالت له وهى لا تزال ملامحها مبهوره به: لقد كتب راى المحكمة بروحك حتى انى شرت انك تكتب عن مشاعرك انت وكانك انت الاب  الملكوم  ثم دونت حكمك بكل عدل وانصاف مراعيا فيه كل الحيادية المصحوبة بالرافة فما اجملك
داعبها فى انفها فقد اخجله بكلمات اطرائها وجذبها من يدها قائلا: هيا بنا لننعم بقليل من النوم قبل ان يستيقظ صغيرنا ويزعج نومنا
ابتسمت له وقالت : لن انام قبل ان اتنعم بضمة حضن عميق فانا فخورة بك واتمنى ان تحقق لى مطلبى
فتح لها ذراعيه وقال لها هلمى الي فانا اكثر منك اشتياقا لضمة منك فبها تهون على كل مواجعى
ابتسمت له وقالت ما تعودت منك ان تتحمل لمواجع وحدك فهات ما عندك والقه هنا وهى تشير الى صدرها
* اتيت اليك حتى اسمعك فاقصص على قلبى وقل ما اوجعك
- لزمت صمتى حين اصغت سمعها
* قالت تحدث لا تخف انى معك
- قولت لها قتلوا فؤادى وشتتوا فيه الهوى
* ان هم فرقوك ها انا جئت لاجمعك
- من لطفها ثغرى تبسم ضاحكا فما كان منها الا ان تبسمت لاجل ان تشاركنى الابتسام ثم الضم بحنان
( قولوا لفاتكة اللواحظ مالها قد سددت نحو القلوب نبالها . فما ضرها والله يمحو اثمها لو اغمدت بين الجفون نصالها )
....................
عند يونس وزوجته
ظنت انها بضمه اياها انه نسى ما كان منها ولكنها سمعته يهمس لنفسه وهى بين احضانه وما ظن انها تسمعه فكان يردد لنفسه التى ظنها انها فى عالم اخر كنت اعتقد ان جل مشكلتى معك اننى مهما سردت لك هموما يبقى الجزء الاصعب مدفون وهو ذاك الذى اوجعنى منك وكانى رضيت به لاجل حبى لك واكراما لقلبك كم كنت اتمنى ان تعشقينى وانا هكذا كما عرفتينى اول مرة انسان عادى فلم اتحمل ابدا نظرية الركض حول نفسى لاثبت لكى انى متميز فكم اصبحت  اهوى الانعزال عنك واخشى ان اعيش وحيدا دونك
فاجاته انها سمعته كما فاجاته انها فهمت مغزى ذاك الكلام الذى دونه فوجد نفسه يقول بحزن وكانه يقر لمسامعها ما اقرته بعينها : من اسوء طرق الحوار الطرق الدفاعية انى اشعر انى طول الوقت والدقائق ليس لدى ما يشغلنى سوى انى ادافع عن نفسى وابرر تصرفاتى  وابرهن على حبى واخلاصى . طيلة لحظاتى وانا برفقتك ليس لدى ما افعله سوى ان ادافع عن نفسى عن حقى فى الحديث وفى الكلام وفى الحب كم قررت كثيرا بعدما شعرت ان قواى الدفاعية فى طريقها للخوار انى لا ادافع بل اهاجم لانى وجدتك مثل بقية البشر تظنين ان من يدافع ويبرهن ضعيف وليس محب وعاشق . كنت اظن انى الابقى فى قلبك لانى الاحب دون غيرى
قالت له وكانها تتحدث بلسان حواء حتى تهرب بذكاء من هذه الحقيقة التى يراها عليها : نحن معشر النساء نعشق من يبرهن لنا على الدوام انه يحبنا عكس الرجال يعشقون من يرفضهم لاننا انانيين حتى النخاع فاهوى الاقتراب منك لانك تبرهن لى عن حبك فى حين ان الرجال يقتربون لكى يدافعون عن رفضهم ضدهم
انتم هكذا معشر الرجال تقتربوا ممن رفضتكم لانكم متاكدين انها تملك مفتاح قبولكم او رفضكم وكاننا نمسك بيدنا كل شىء يخصكم
قال لها ساخرا عما تتفوه به: هل لهذه الدرجة الرفض بالنسبة لمنا معشر الرجال مهم
قالت بكل ثقة : مهم لانه يخصكم لان الركض خلف اكثر شخص يرفضكم اسهل بكثير من اهتمامكم بقبولنا لكم . سهل تتاكدون اننا رافضين خاصة ان اعطيناكم قبول مزيف فتقولون بحدسكم الذكورى وهل قررتم سحب ذاك الشعور هذا الرفض الصريح او القبول المزيف ملكنا وحدنا وبالتالى تظلون تركضون خلفنا
صدم من رايها وقال لها : وهل ما اعطيتينى اياه من حب كان مزيف؟
قالت بصدق: بالطبع لا بل كان قمة الصدق ولكن ما اقصده ان الرجال يركضون ويتشبثون بتلك التى تشعرهم على الدوام انها فى حالة رفض على الدوام لانهم يخشون هروبها من بين ايديهم
قاطعها قائلا: نظريتك وان كانت صحيحة ى الجزء الاول الا انها مخطأة بكل تاكيد فى الجزء الاخير لان من يتكرر عطاوءه دون مقابل ياتى عليه الوقت وتنتهى فرصه وينتهى عطاءه وينتهى ما بيده فيرحل فى صمت غير نادما على الاطلاق
فاجاته بقبله عميقه وكانت هذه اول مرة تبادره هى بتلك الفعله ولكن ربما لشعورها انه حرك فيها حبها وخوفها من تركه اياها عكس ما حاولت ان تبثه هى فيه
..............

وللجلاد أيضاً دموع Where stories live. Discover now