البارت 2

28 1 1
                                    

الفصل 2

اتصلت به لانى لم اكن لأرد عليه واقطع مع ابى حديثه وما ان قولت مرحبا وجدت نزيفاً من الاهانات والسخريه وقد سمعت صوت يونس معه فضحكت عليهما وقولت لهما انا قادم يا قاضيا السوء
ركبت سيارتى وما ان توقفت امامهما وقد تواعدنا ان نلتقى فى نادى القضاة فكان لا زال امامنا فى حدود الساعة لاول جلسة فى رول القضايا
جلسنا واول ما طلبت طلبت فنجان من الشاى الساخن بالنعناع فقد ادمنته بسبب امى الت تزرعه لنا خصيصاً فى اصيص بلكونة بيتنا
قال يونس بسخرية علي وقد وجه حديثه لموسى : طبعا ولما لا يطلب شاى بالنعناع  فهو لازال عريسا وقد تناول فطوره على اكمل وجه
اكمل يوسف الحديث بنفس السخرية: اراهنك يا يونس انه ذهب ايضا لبيت ابيه لياخذ منه قسط من الطاقة الايجابية وقسط من الارشاد النفسى اليس كذلك؟ وكان قد وجه اخر حديثه الي
فاجبته ببلى وانا مبتسم ومسرور من غيرتهم
قال موسى ليت لنا والد مثل ابيك
عقبت على جملته مستهجنها : وهل لم يكن ابيكما مثلى ؟ وهل احتجتماه فى اى وقت ولم تجدونه؟
موسى: بالطبع لا ولكن مهما يكن فكونه يقوم بدور ابينا شىء وكونه يكون ابى الاصيل شىء اخر
عقب يونس : بالفعل فيكفى انك ان احتجته فى هذا الصباح ذهبت اليه بدون استئذان وبدون ترتيب مواعيد وتحدثت باريحيه فهو نعمه فى حياتك ربى يحفظه لك
قولت لهما: ماذا ستطلبان من النادل فهو ات  الينا
طلب كلاهما بعض السندوتشات السريعة ومعها فنجانين من الشاى بالنعناع ايضا فقد عشقاه هم الاخران لتعودهما شربه من يد امى
وضع النادل الشاى والسندوتشات وتناولت انا فنجانى وارتشفت شرفة وانا اسالهما اين كانت اول جلسة لكما بالامس
اشاح الي موسى وهو يمضغ الطعام بضيق وقال : لا تذكرنى قد كان يوما عصيبا لا اتمنى عودته
ابتسمت وقولت لماذا؟ واجبت عليه فى ذات الوقت مثلما قال لى ابى : لا تقلقا فالوضع لن يستمر بل ستعتاد القضايا وشهود الزور وثقل النطق بالاحكام
موسى : لقد كانت اول جلسة لى فى دائرة الجنايات تخيلا
يونس: طبعا اتخيل لان جميعنا سيمر على كل الدوائر فانا اتوقع المزيد حتى الاستقرار
سالت موسى على نوع القضية فاجابنى قائلا: كنت قضية قتل دفاع عن النفس ولكن ليس هذا ما همنى ولكن ما جذب انتباهى هو القاضى اولا وثانيا فاولا وهو جالس على المنصة وامامه المدعى عليه فى القفص ومحميه يدحض بكل الوسائل الجريمة ليؤكد وصفها انها لم تكن عمد بل كانت دفاع عن النفس لاحظت ان القاضى لم يهتم بكلام المحامى والشهود بقدر ما اخذ يوجه له لاسئلة من واقع اعترافات وسرد القضية من ملفات النيابة فى التحقيقات فشعرت ان يطيل بلا جدوى ولكنى لاحظت انه يتعمد اثارة الزعزعة فى نفسه ليخرج منه الحقيقة فالوقائع مبهمة والمدعى لم يمت بعد ولكن حالته متاخرة ومن اقوال النيابة وتقارير الاطباء ان المدعى عليه قتل باسلحة كانت مجهزة اخرها من حوزته ولم يتحرك لياتى بها فشعرت انى كنت غبى عندما شعرت بانه يطيل دون جدوى ووجدته يركز فى وجه المدعى عليه ومن زيع احداقه وتوتر اعصابه وتلعثم لسانه ففهمت انه يؤكد لنفسه حدثه فى انه كان القتل عمد وانه هو من استفز المجنى عليه ليبدا نحوه حتى يحول القضية الى قتل غير عمد دفاعا عن النفس وقد استطاع ان يكشف عدم توافر عنصر المفاجاة وبالتالى ثبوت العمد عليه على الاقل فى اول درجة للقضية
قولت له : حقا مثلما قال لنا ابى عندما جلسنا معه وقال لنا ان القاضى لابد له ان يتعلم كل العلوم ومن ضمنها الطب النفسى ليفهم نفسية المتهم وكي هى حالته وقت ارتكاب الجرائم فربما ادت به حالته للبراءة وربما العكس
يونس: نعم وحق اتذكر كل حرف قاله فى ذاك اليوم
.............
مر حوالى شهران وكلا الثلاثة يتنقل من دائرة لاخرى ومن شرعى لجنائى لجنح لمخالفات الخ
حتى جاء يوم اعتلاءهم المنصة بانفسهم وليس كتدريب
قام خالد فى الصباح بعد ليلة كاملة كان رفيق القلق والتوتر
وقد شعر بهذا مودة ولكنها لم تحاول ان تفتح معه اى مجل للحديث وتركته يفكر بنفسه حتى لا يشعر بتطفلها وربما كثرة اسئلتها تؤرقه اكثر
حل الصباح ونظر فى المنبة الموجود جوارها على الكومود فوجدت الساعة السابعة فقامت تتسحب على اطراف اصابعها وعلى الرغم انها على يقين انه ليس نائم وانما يتصنع النوم الا انها لم ترد ازعاجه
دلفت الى المطبخ وجهزت له الفطور وهمت ان تذهب اليه لتوقظه الا انه سبقها ووجدته قد توجه الى المرحاض لياخذ حمما دافئاً وما ان خرج الا وتحركت نحوه وقبلته وباركت له المنصب وجذبته من يده نحو الطاولة الا انه اعتذر وقال لها من فضلك يا مودة اود فنان قهوة اولا حتى استطيع ان افتح عينى فبداخل راسى طبول
لم تعترض ككل مرة ولبت طلبه على الفور فهى تعلم بحالته وانها ان جادلته لن يستجيب
اخذ فنجانه ودلف الى البلكونه لعله يستنشق هواء نقى يفرج همه
اخذ يفكر فقد اتطلع على اوراق معظم القضايا ليلة امس واليوم سيكمل البقية
اتصل بصديقيه فوجد حالهما افضل منهما فانزعج من نفسه وتسائل لما كل هذا الهم والغم فى صدره
سالهما عن سبب انفراج اساريرهما  فقالا له لقد بدا يعتادا الامر وكل يوم يتعلمون الجديد ويزيد خشوعهم اكثر
قال لهما لقد قاربت ان اصاب اما بالجنون او بالاكتئاب فالامر ليس بالهين بالمرة
انهى فنجان قهوته ولم يتناول فطوره كل هذا ومودة تراقب فى صمت
خرج وذهب الى المحكمة ولاول مرة يجلس عضو يسار وكانت ساقيه ترتعد ولو علم بهذا اى متهم لاشفق على القاضى الذى يحسبه جلاد
انتهت اول قضية ورفعها الرئيس للمداولة تحت مراقبة وصمت خالد
فى غرفة المداولة : عضو اليمين يا الهى لم اصدق اننا كنا بصدد الف وخمسمائة قضية فى رول اليوم
رئيس الجلسة لى : لا تقلق يا خالد فستعتاد هذا الكم من اليوم فهكذا هى معظم قضايا الجنح
ابتسمت له ابتسامة باردة ولم اعلق
قال: من الواضح انها قتل غير عمد فكل الادلة تثبت ان المخطىء هو المرحوم فهو الذى عدى الطريق السريع فى حين غرة من سائقى السيارات وفى وسط عتمة الليل ولم ينتبه ان سرعة الطريق تسمع للسائين بالسرعة وان شاشات الرادار لم تسجل اى تجاوز سرعة للمجنى
كنت اسمع واتخيل الحكم وكيف سيتقبله اسرة الميت
اكمل عضو اليمين سيأخذ حكم بستة اشهر مع وقف التنفيذ لانه لم يوجد له اى صحائف جنائية اخرى له وان الخطا ليس من الاساس منه
بينما قال رئيس الجلسة لا سنحكم بالبراءة فكيف نحكم عليه بستة اشهر بايقاف التنفيذ والخطأ ليس بخطأه بالمرة وانا اعلم انك ربما تود تهداة حقن النفوس ولكن هل لارضى اهل الميت اظلم غيره ؟ بالطبع لا فنحن لا نعرف شفقة فى الحق ولا ظلم فى العقاب
كنت انصت وادون كل حرف فى ذهنى حتى ان جلست مثله فى المنتصف اكون مثله حكيم
فى الحقيقة اعجبت برباطة جاش الرئيس ووافقته الراى
اعلن الحاجب عادة الجلسة للنطق بالحكم وعدنا للمنصة واخذت ارقب اعين اسرتى المجنى والمجنى عليه فرايت فى الاولى نظرة اعين تطلب الشفقة والرحمة فى الحكم بينما رايت العكس تماماً فى اعين اسرة الاخير فوجدتهم كما لو تمنوا ان يصدر الحكم عليه بالاعدام مع انهم بالتاكد على دراية بالحد الاعلى ولاقصى للحكم من محاميهم ولكنه الغل
راقبت رئيس الجلسة دون ان التفت له فسمعت نبرة صوته وهى تنطق الحكم فى ثبات دون تلعثم او خوف ونطق بحكم البراءة ولملم ملف القضية على الفور وقام من مكانه عائدا لغرفة المداولة دون ان يبصر اى فرد من الاسرتين وكانه كان ينطق الحكم ف فراغ من الناس فلم يتاثر بالتهليلات من اسرة لمتهم ولا عويل البكاء من اسرة الميت
........
عدنا الى غرفة المداولة مرة اخرى وكانت الساعة تعلن وقت غروب الشمس
نظر ف ساعتى وتذكرت مودة التى اعتادت الا تاكل دونى فحزنت لحالها فهى بالتاكيد حتى الان دون طعام والوقت طال عليها
امسكت هاتفى وشرعت فى الاتصال بها لأأمرها ان تاكل هى ولا تنتظرنى الا ان انتبهت على نداء رئيسنا المستشار وهو يقول لى هذه وهذه وهذه ....لك ادرسها ودون حكمك
وفعل مع عضو اليمين نفس ما فعله معى
بالطبع كانت ملفات قضايا اليوم التالى ثم قال لى بهدوء وكانه ابى من اليوم عليك ان تعتاد العمل من نار وانك ستتاخر لدراسة ملفات القضايا وستعرضها على غدا وسنتناقش فى الحكم الذى ستدونه
هنا كادت انفاسى تتلاحق فقد جاءك الموت يا تارك الصلاه ولا محال من الهروب
تقاسمنا القضايا واخذت نصيبى من الملفات وذهبت الى غرفة الاسترحة انا وصديقى عضو اليمين بينما ذهب المستشار الى غرفة كبير المستشارين
والمضحك فى الامر انى وجدت رفيقا دربى قد سبقانى الى الغرفة
ما ان رآنى يونس الا وجاءته هيستسريا ضحك وقد فهمه موسى فضحك هو الاخر فتحركت نحوهما وجلست برفقتهما وسألتهما بهمس وملامحى تحمل الاستياء من سخريتهما وقولت : ما الامر هل وجدتما فى ملمحى شىء جديد لم تعتادا عليه ومبعث للسخرية؟
يونس لازال يضحك بينما موسى استطاع ان يحجم من سخريته واجابنى قائلا وهو يحاول ان يلتقط انفاسه من اثر الضحك : كنا لتونا نذكرك ونقول هذه اول مرة يتاخر فيها العرييس عن عروسه وانها لا حول لها ولا قوة ظلمت وهى لازالت عروسا وكنا من قبل نحسدك عندما كنا فى النيابة فانت كنت تتاخر دون قلق بينما نحن كنا نبدو منزعجين على بيوتنا
وكان ان جد امر فى الفجر كحادثة ومن المفترض ان النائب يذهب بسرعة للحادثة ليعاين الواقعة كنا نستاذنك باستصدار الامر لك بدلا منا فانت الوحيد العزب بيننا اما الان فصرت مثلنا بل وعريساً وبالطبع تود ان تعود لبيتك مبكرا فخذلك العمل
فى الحقيقة لم استطع اخفاء معالم الضيق على مودتى وانا الذى كنت بالفعل افكر فى نفس الشىء قبل ان اقابلهما
لتوه يونس هدا من ضكه واردف مكملا علىكلام موسى: ليس هذا وحسب يا موسى بل هو اعتاد الا ياكل خارج بيته وكانت امه ترسل له السائق بسندوتشات وكانه لازال طالباً اماالان فهل ستفعل مودة مثل الذى كانت تفله امه ام انه سياتى ويجلس الى جوارنا ويعتاد على طلب الطعام من المطاعم
موسى بسخرية: او ربما يفعل مثلنا ايضا ويطلب من عم حسن الساعى ان يعد له هو السندوتشات
...............
مرت حوالى خمس ساعات ونحن منهمكين فى ققراءة القضايا
كنت اقرا وادون حكمى بالقلم الرصاص حتى اعطى الفرصة لانه ربما لا يحضر المتهم فيصير الحكم فى مواجهته غيابى
سمعت موسى وقد كان يلاحظنى ويتابعنى انا ويونس وهويسالنا كم معكما والى اين وصلتما
اجبته: كان مجموع الرول الف وخمسمائة وربما يزيد قليلا وقد جعل المستشار نصيبى ستمائة ملف ولم يراعى انى لازلت جديدا
بل لانه يعلم انك جديدا اراد ان يعمقك اكثر هكذا قال يونس
موسى: وبما حكمت؟
اجبته الاغلبية العظمى براءة
تعجبا كلاهما وقالا حتى الغيابى تعطيه براءه؟ وهل قرات ملفاتهم؟
ليس هناك من يقرا ملفات الغيابى ولا يعطيها براءة
ضحكت وقولت لهما القاضى الذى يحكم وهو جاهل هو قاضى جهنم سواء يجهل الوقع او يجهل القانون فهما فى الاثم سواء
تمام يا عمنا الشيخ هكذا سخر منى يونس
قولت له : انها جهنم وليس هراء فان قولنا انك ستحكم بنفس المعدل هذا ثلاث مرات فى الاسبوع فربما على مدار عمرك القضائى يصل بك الحال لان تكون قد حكمت فى حوالى مليون قضية
هز يونس راسة بمعنى تمام
اكملت انا: اتعرف محكمة يوم القيامة كيف سيكون شكلها ؟ ساشرح انا لك كصورة مصغرة
وجدتهما انصتا لى وكانى مذيع حرب من ارض الواقع ورغم احساسى انى اكهلتهم بالهموم ولم اكن اقصد هذا الا انى اشحت بهذا الاحساس خلف ظهرى واسترسلت اشرح لهما فصداقتهما عندى تستحق هذا فلهما فى رقبتى حق التذكرة
قولت لهما لنقل ان كل منكما حكم فى مليون قضية على مدار عمره كقاضى وبالطبع ستبلغ اكثر ولنقل الحد الادنى
كل منا سياتى يوم القيامه وشغله الشاغل كيف يفوز بحسنات فهذا اليوم هو يوم النجاه او الهلاك وطبيعى ان الكل سيبحث عن النجاة ولو على حساب غيره حتى وان كان امه اواباه اوابنه
جميعنا سنتلكك لبعضنا البعض ونتحفز ونجادل ونحن كما نجاهد غيرنا سيجاهدنا غيرنا بل من سيجاهدوننا اكثر لاننا سياى لنا الناس مثانى كل اثنين فصلت بينهما فى قضية سياتى  ويقول لى اننى ظلمته ويطلب حقه من الله
وجدت موسى وقد تجهم وجهه لانه هو من كان اولنا شعورا بالخوف من المهنة وكان ينظر الى نقطة فى الفراغ بشرود وكانه يرى من هم يقتصون منه صوب عينيه ويراهم رؤية العين بل ويرى المشهد متجسدا امامه
لم اعطيه بالا وصممت على الاسترسال قائلا: هل يخيل لكما مليون قضية بخصمين وربما اكثر لان من كانوا يعولهما الخصمين سيعقد ذنبهما فى رقبتى ايضا سياتون جميعا ويقتصون منك ؟
هل يعقل او يخيل لكما اننا سننجو من مليون قضية ومن امثر من مليون شخص جاء ليقتص ؟ هل نحن كاملين؟ وكيف نكون كاملين ونحن على يقين اننا قد حكمنا فى اشياء ظلم ولكن ليس لنا حيلة فالقانون طبقناه والقانون هو من ظلم وحتى وان سلمنا وحكمنا بروح القانون فاننا نحكم بروحه هو وفى المقدار الذى حدده لنا
نظرت فوجدت يونس وكانما اصيب بالعدوى من شعورموسى فاخذ يسعل وهو يتحسس عنقه وكانه لتوه نجا من اخر كان يقتص منه ويقبض على عنقه
اوهمتهما انى لم انتبه لما اصابهما واكملت للمرة الثانية او ربما الثالثة على التوالى : وحكم الادانة علينا سيكون ( خذوه فغلوه ) فهل انا او انتما قادرون على هذا؟
موسى وهو يبتلع لعابه : وما الحل فنحن حقا نبذل ما فى طاقتنا  حتى لا نجور فى احكامنا ولا نظلم ؟
اجبته : اذن كل ما هو مطلوب منا ان نقرا القضية لنصل الى اقصى نقاط الحقيقة وابعدها اى علينا ان نقرا قضايا غيرنا لاجل قضيتنا نحن فنحن مع كل حرف نقره او نكتبه اما اننا نقترب من جهنم او اننا نرسم خط نجاتنا
قالا لى ويحك يا خالد والله جعلتنا نهوى ان نعطى البراءة حتى للاحكام الغيابية
قولت لهما نافيا المعنى الذى فهماه من فعلى: لم اقصد ان الين وارخى بل كتبت البراءة لاعطاء الفرصة ليس الا فالحكم على اى حال ليس نهائى اما ان كان نهائى فلابد من حكم حاسم عادل
............
عدت الى بيتى متاخرا وكنت فى حالة لا يرثى لها فقد اكهلتنى القضايا هموم ولاول مرة اشعر انى لابد ان امحو كل هذا وان ارسم ملامح الهدوء لان هناك من هى فى حياتى لا تستحق ان اظلمها بثقل همومى
ما ان خطت اقدامى البيت حتى اجبرت على الابتسام فما راته عينى يسر القلب قبل العين فقد وجدت مودتى قد جهزت البيت وعطرته واعدت طاولة لطعام باشهى الاكلات التى احبها واضاءت الشموع لتضفى جو رومانسى على المكان ولم اتعجب من اين لها علمت بتلك الاصناف التى افضلها لانى استنتجت بالاهة انها ربما سالت امى او ربما علمت من خلل احاديثها مع اختى قبل الزواج فطبيعة عملى فى النيابة جعلتنى استنتج الاجابات من الظواهر ولا اكهل نفسى او من حولى بكثر الاسئلة التى لا حاجة اليها
ولكن ما احزننى هى تلك المسكينة التى طال انتظارها لى حتى وقت متاخر حتى انها غفت وهى تنتظرنى فى غرفة الطعام
تحرك نحوها وهممت ان انادى عليها بهدوء حتى لا ازعجها فوجدتنى وقفت امامها مليا اتاملها فابتسمت فقد كانت هادئة حتى وهى نائمة ملامحها تبعث فى النفس الطمانينة فتعجبت كيف لتلك الصغيرة التى ليس لها اى خبرةبالحياة ان تسلبنى رشدى هكذا وانا القاضى الصارم فخلصت انها نتيجة لقلة خبرتها فهى تعاملت معى بعفويتها وفطرتها وبرائتها فلم تشوب تصرفاها الدهاء والحيطة وهذا اقصر طريق لكسب القلوب
نظرت اتامل خصلات شعرها الناعمة فوجدت احداها وقد تمردت عن البقية فانسدلت على جبينها غطت احدى عينيها وما ان اقتربت اكثر حتى تخلل انفاسى رائحة عطرها لذكية الهادئة فهى حتى فى عطورها لم تتكلف
مددت يدى امسح عن جبينها وشعرها بهدوء حتى لا افزعها فاستيقظت واول ما فعلت استقبلتنى بابتسامتها الحنونة التى تورد به ثغرها وامسكت كفى وقبلته وقالت متسائلة لتطمئن على : لماذا تاخرت لقد قلقت عليك؟
اسندتها بيدى حتى قامت وضممتها لصدرى وحاوطتها بكلا ذراعى وقولت لها: اعتذر منك فقد كانت قضايا غدا كثيرة
ابتسمت وقالت تستفهم ببراءة: كنت اعتقد ان القاضى ينهى عمله مبكرا فقد حضرت مع ابى جلسة من قبل تخص علام وراثة فوجدت القاضى وقع على الاوراق واقرها ولم ياخذ دقائق معدودة
اسلوبها العفوى اضحكنى من اعماق قلبى حقاص وقولت لها القاضى ربما ترين عمله قصير ولكن م ترينه هو الخلاصة وليت كل القضايا اعلام وراثة بل ان القاضى يردس القضية ورقة ورقة والتحقيقات التى جاءت بشانها حتى ينطق فى النهاية حكمه التى تعتقدين انه لا ياخذ وقت وربما هو حقا لم ياخذ وقت ولكن هذا بالنسبة لوقتك انت اما من وقته هو فقد اخذ الكثير للقراءه والدراسة والتمعن وان ما تسمعينه هو خلاصة مجهوده التى ربما تكون شهور
لم تحاول ان تجعلنى اندمج فى الحديث طويلا عن العمل بل سحبتنى من يدى وهى تقول لقد جهزت لك الحمام وما ان تخرج ستجد كل الطعام قد جهز مرة اخرى بعد اعادة تسخينه
قبلتها من جبينها على مجهودها وتركتها وابدلت ملابسى ودلفت للحمام  فوجدتها قد ملئته لى واضافت العطر فى الماء حتى اصبحت جدران الحمام كانها طليت بالعطر فابتسمت على اهتمامها وندمت على ايام كنت فيها ارفض الزواج ولم اعطى لنفسى فرصة لارى مثلها ولكنى طمئنت نفسى بان كل شىء له وقته المقدر له فكان وقت مجيئها الى حياتى هو وقت اعتلائى منصة القضاء لعلمه جلا وعلا بقدرتها على التهوين على واحتوائى وتبسيط الامور لدى وما ان انساب الماء الدافىء فوق جسدى حتى شعرت بحاجتى الحقيقية اليه فقد بدا جسدى يستجيب للاسترخاء وبدا الارهاق يفارقنى بينما بدات القوة تتملكنى وشعرت ان ارهاق اليوم كان لم يكن وكانى لم اعشه ولو للحظة
سمعتها تطرق الباب علي لتخبرنى انها جهزت الطعام فاخبرتها من الداخل انى انهيت حمامى
العجيب انى شعرت وكان معدتى تنوء بالجوع حتى كادت تصرخ رغم انى لم اكن اشعر بهذا منذ دقائق
اخيرا جلست معها حول الطاولة وبدات اتناول طعامى وما ان تذوقته حتى ابتسمت واطلقت صفيرا يعبر عن شدة اعجابى بما طبخته لاجلى فتهللت اساريرها وقالت متسائلة رغم ان اجابتى قد وصلتها : احقاً اعجبك الطعام ؟ علمت انك تحب كور اللحم المشوية والمكرونة بالصوص الابيض وصوص الجبن ومدت يدها نحو صحن اخر وتناولت قطعة من استيك اللحم وقالت تذوق هذه ايضاً فقد تبلتها بتوابل خلطتها بنفسى
قضمت من يدها قطعة اللحم واخذت اتناول بنهم وكانى بطنى تصارعنى على السرعة
قولت لها كنت اظن انى لن اتذوق اى طعام شهى الا من يد امى وحتى شقيقاتى ما كنت افضل ان اكل من يدهن حتى ان طبخن هم اعدت امى لى طبق بيدها مخصوص ولكن اليوم اعترف انك تضاهين امى فى المذاق والمهارة
تهللت اسريرها ووجدتها تمضغ ببطء فهى نحيفة غير محبة للاكل فامسكت ملعقة مملوءة مكرونه وقولت لها اداعبها كطقلة صغيرة افتح فمك ودسست الملعقة كلها وهى تضحك حقا كما الاطفال فوجدتنى الاحقها بكرة لحم واتبه بشريحة كبد مشوية فاشارت بعينيها الجاحظتين انها لا تقدر على كل هذا ولكنى لم انصت لها وتابعت اطعمها
انهينا الطعام ولم افعل مثلما كنت افعل فى بيت امى ادلف الى غرفتى على الفور بل ساعدتها فى رفع الاطباق من فوق الطاولة وانا مسرور من تعاون لها
قالت بمرح تناغشنى بعدما راتنى وقد لبست مريلة المطبخ وشرعت ان اغسل انا الاطباق: يا الهى ليت المحامين او وكلاء لنيابة او المتهمين حتى ياتون الان ويرون ان قاضيهم الصارم الذى ترج القاعة باكملها عند دخوله او عند كلامه يقف الان يغسل الاطباق
ضحكت ورميت عليها قليل من الماء والصابون وقولت لها : لقد ذهب وقارى بسبب صغيرة مليحة واعترف لكى انهم ان كانوا راوك لاعطونى عذرى
ابتسمت بخجل واخذت منى الاطباق تجففها
اعددت لى فنجاناً من الشاى بالنعناع الاخضر وكنت قد سبقتها الى غرفة النوم وتسطحت الفراش
قالت لى وهى تمد يدها بالفنجان الساخن: لم تعلم كم كانت فرحتى عندما علمت انك تعشق الشاى بالنعناع الاخضر مثلى
قولت لها وانا ارتشف الشاى: وهل تعشقينه مثلى ساخن؟
قالت: بالطبع فمذاق الشاى لا يكون الا وهو ساخن وان برد فقد طعمه فانا مثلك انهى فنجانى ولازال الفنجان تنبعث منه الابخرة
قولت لها ستتعجبين ان اخبرتك بشىء
اشارت بوجهها بمعنى نعم ولم تنطق فقولت لها : رغم حبى للشاى بالنعناع الاخضر الساخن الا ان فى عملى معظم الوقت ان لم يكن فى كله اشرب الشاى او القهوة باردة جدا فوقتى فى عملى ليس ملكى لاتذوق ما احبه فيضيع بين اسئلة متهمين او قراءة اوراق قضية او رسم خطوط عريضة لاصل الحكاية والتفكير فى خفاياها ووضع احتمالات وتاكيدات الخ مما يجعلن اشرد بذهنى حتى انسى الشاى وفى البداية كنت انزعج واطلب من الساعى ان يعد لى غيره ومرة بعد اخرى وجدتنى استحى اطلب منه هذا لانه ما ان ياتينى بغيره حتى افعل به ما فعلته مع الذى قبله وفى النهاية اشعر انى حقا فى حاجى لارتشف الشاى فاشربه بارد مضطر
مسحت على راسى توسينى ومالت نحو وجههى وقالت: اه لو يعلموا ان ذك القاسى امامهم هو فى الاصل ذو قلب حنون الى ابعد الحدود ما كانوا تخابثوا واخفوا افعالهم ولقدموها لك طواعية لانك كنت ستساعدهم على الخلاص فى اى حال من الاحوال
شددتها لحضنى وقبلتها بعمق واطفات نور المصباح الموضوع فوق الكومود وقضينا ليلة سعيدة نسيت بين احضانها اى تعب

وللجلاد أيضاً دموع Where stories live. Discover now