17. لن أنساك!

544 15 0
                                    

فى منتصف الطريق نحو ميلانو, استيقظت كليو باكية من اجل حصانها الأحمر, و ادركت لوسي بخوف انها تركته خلفها فى الفيلا.
غادرت الفيلا بسرعة, يائسة بشدة كى ترحل, قبل ان يتمكن ماكسيمو من اللحاق بها و إقناعها بالبقاء, و قبل ان يكرر كذبته بأنه يحبها. تلك كانت محاولته الأخيرة التى تخلو من اى إحساس بالرحمة, لكى يهزم جدها من جديد.
تركت ثوب زفافها و التاج و عقد الالماس الذى لا يُقدر بثمن على سريرهما, ذلك السرير الذى شهد لحظاتهما السعيدة, و حزمت بعض الثياب لها و لـ كليو, و اخذت حقائبها الثلاثة من ماركة فيرازى. لم تعد تريد الثلاثين مليون التى وعدها زوجها. ليتقاتل ماكسيمو و جدها على شركة العائلة حتى القيامة, فهى لا تريدها. ستعود إلى شيكاغو حيث تجد للاشياء معنى واضحاً. لكن الأمور ستكون مختلفة هذه المرة.
حقائبها الجلدية تساوى آلاف الدولارات حتى فى سوق الاشياء المستعملة, و هذا سيؤمن لها مال يكفى لتدفع الإيجار, و لتضع رصيداً صغيراً فى المصرف للحالات الطارئة.
لن تعود إلى عملها السابق فى محطة الوقود. ستذهب إلى المكتب الرئيسي لسلسلة محطات الوقود, و تشرح لهم ما حدث لها مع داريل. كما ستبدأ بالالتحاق فى دروس مسائية. قد تحتاج إلى عدة سنوات لكنها ستدرس فى الليل اثناء نوم كليو, و ستحصل على إجازتها الجامعية. و ستصبح موظفة فى مكتبة المدرسة, لتعلم الأطفال ان يحبوا الكتب, تماماً كما كانت تحلم.

اعتقدت لوسي فى السابق ان كونها اما يعنى ان عليها التخلى عن احلامها, لكن فى الأسابيع القليلة الماضية تعلمت ان ذلك ليس صحيحاً. قصص الأحلام تحدث فى كل زمان, و ليس هناك نهاية للعيش فى حلم ما. لم تتأخر بعد على تحقيق كل ما ترغب به, و بإستثناء حلم واحد فقدته إلى الأبد: ان تحب ماكسيمو و تعيش معه.
حتى بعد ان ادركت انها تركت الحصان الأحمر هناك, لم تكن قادرة على العودة و مواجهة الرجل الذى كذب عليها و حطم قلبها. ضغطت على دواسة الوقود, و بكت هى و ابنتها طوال الطريق حتى وصلت إلى المطار فى ميلانو. استعملت خمس بطاقات مالية مختلفة, لتتمكن من شراء بطاقة سفر إلى شيكاغو.
انتهت من مرحلة التأكد من الحقائب, و مرت امام حراس الأمن, ثم وجدت مكاناً مظلماً للانتظار. انه منتصف الليل. حاولت تهدئة كليو و مساعدتها على النوم على كرسي طويل بينما كانتا تنتظران طائرة الصباح. اصبحت قاعات المطار مهجورة و معظم المتاجر فيه مقفلة, بإستثناء بعض الإعلانات العادية من مكبر الصوت, لم يكن هناك إلا الصمت و الهدوء... و بكاء طفلتها.
لم تتمكن كليو من النوم و لم تتوقف عن البكاء. لمعت الدموع على خديها المكتنزين, و راح جسدها الصغير ينتفض من التنهدات.
ضمتها لوسي إليها اكثر محاولة ان تخفف عنها, لكن هذا كل ما تستطيع القيام به كى لا تنتحب هى ايضاً مع طفلتها.
حاولت بقوة ألا تُغرم بـ ماكسيمو. حاولت كثيراً, لكنه جعل من المستحيل عليها الا تفعل. اعتقدت انه قوى جداً, و حنون جداً, و عظيم جداً, و رائع جداً. لكنه دمر حياتها بأخذها من عائلتها عندما كانت طفلة.
"هل دمّر حياتك حقاً بفعلته تلك؟"
همست تلك الفكرة برأسها
أجابت نفسها بغضب: "بالطبع فعل ذلك!"
ثم جمدت مكانها.
صبى غاضب محطم القلب فى الثانية عشر من عمره انقذها من النيران, و اخذها لتنشأ بين يدى كونى آبوت, امرأة حنونة رائعة احبتها كثيراً. قرأت لها القصص, و اعدت لها الحلوى, و قبلتها لتبعد عنها المخاوف. و علمتها كيف تكون نزيهة, محبة للحياة و العمل.
كم كانت حياتها لتكون مختلفة لو انها نشأت و كبرت مع رجل بارد محب للثأر و الأنتقام مثل غوسبي فيرازى؟
قالت لنفسها بغضب: لا اهمية للأمر الآن! ماكسيمو كذب عليها, و اقام علاقة جسدية معها و يعبث بقلبها. أما الأسوأ من ذلك كله فهو ادعاؤها بأنه يحبها.
الأمير العابث لن يحب احد مطلقاً. قال ذلك فقط من اجل التمسك بفوزه و نصره على غوسبي, و لكى يهزم الرجل العجوز الذى يكرهه.
"وحوش!!"
همست بذلك بصوت عالى. الحمد لله انها تمكنت من الابتعاد مع ابنتها قبل ان تتعلق كليو بـ ماكسيمو. و قبل ان يعيشوا حياة سعيدة معاً, و قبل ان.....
انفجرت باكية و الدموع تنهمر على وجهها.

روايات عبير / الاميرة الشريدهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن