13. جولة خاسرة

514 16 0
                                    

ضربة.... شئ ما تحطم.... و ضربة جديدة..... فتحت لوسي عينيها بصعوبة. للحظة مددت جسدها على الفراش الوثير, فهى لا تزال تحلم. إنه حلم رائع جداً: عائلة سعيدة تعيش فى كوخ مغطى بالورد قرب البحر.... بيت ملئ بأطفال يضحكون و يلعبون, و بعد ان يناموا يأتى الأمير الوسيم ليحملها إلى السرير فى الليل, و يجعلها تشعر بأحاسيس لم تعرفها يوماً.
تذكرت رهانهما.....!!
فتحت عيناها بقوة. إنها نائمة فى غرفة صغيرة, مستلقية على فراش ناعم فى سرير معدنى قديم, و مغطاة بلحاف يدوى الصنع. على طاولة قريبة منها, رأت مزهرية مليئة بورود قُطفت صباح اليوم.
جلست و هى تشعر بحرارة اشعة الشمس تتدفق على سجادة مصنوعة يدوياً ايضاً, و تغطى الأرض الخشبية السميكة. لابد ان الوقت متأخر!!
همست بصوت عال: "نجحناًً! نمنا لوقت متأخر, كليو."
لكن المهد فارغ!
ضربة.... شئ ما تحطم.... و ضربة جديدة.....
أين طفلتها؟ قفزت لوسي من السرير. و فتحت الباب, ثم ركضت نحو القاعة. ما رأته فى المطبخ جعلها تتوقف عن اى حركة. حدقت اربعة عيون بها باستغراب. كانت كليو تجلس على السجادة امام المدفأة, و يداها المنتفختان تحملان معلقتين خشبيتين كبيرتين, تستعملهما لتضرب بقوة على قدر نحاسي موضوع رأساً على عقب امامها. رأت بقعاً زرقاء تُلطخ ذقن طفلتها و فمها, ما إن رفعت كليو نظرها إليها ابتسمت بسعادة.
وراء الطفلة رأت ماكسيمو يعد الفطور. بدا وجهه ملطخ بالطحين, ما جعله يبدو رائعا بشكل لا يوصف.
"بونجورنو, كارا!"
وضع طبق الكعك المغطى بالعناب, و شدها إليه قليلاً.
قبل خدها الأول ثم الثانى, و قال: "اترغبين فى بعض القهوة؟"
هزت لوسي رأسها, و هى تشعر بالدهشة و الارتباك.
"اجلسي! اتريدين القشدة و السكر؟"
قالت: "أجل."
جلست على كرسي قرب طاولة المطبخ. لم تفهم ما يجرى امامها, خدعته لمدة اثنتى عشرة ساعة فى رهانهما, فـ اين رده على ما فعلته؟
"هل نمتِ جيداً؟"
احضر لها فنجان قهوة مع القشدة و السكر. من دون ان يحاول لمسها, ثم ادار ظهره, و بدأ بترتيب سلة النزهة.
تمتمت: آهـ....! أجل."
رشفت رشفة من القهوة.
وضع ماكسيمو بعض السندوتشات الملفوفة و أنية الطعام الفضية فى السلة, و قال: "يبدو الطقس رائعاً اليوم. فكرت فى الذهاب إلى النزهة بعد ان تنتهى من تناول قهوتك. إنه طقس حار بالنسبة لهذا الفصل."
نظر إلى بيجامتها الحريرية, و تابع: "اكثر حرارة مما عرفته منذ زمن بعيد جداً."
شعرن كأن حرارتها هى ترتفع جراء نظراته, وكأن الأمور عادت إلى ما كانت عليه بينهما فى السابق. إنه يقصد إغوائها بهذه النزهة.
بسرعة وضعت خطة دفاع عن نفسها. سترتدى اقرب ما يكون إلى بذلة التزلج, و ستبقى ابنتها بقربها طوال الوقت. إن عطست كليو, ستدعى انها على وشك الاصابة بالزكام, و إن تثاوبت ستقول إنها بحاجة إلى النوم, و كلا السببان جيدان لإعادتها إلى المنزل.
لا شك ان طفلتها ستحميها. و كأنه كليو فهمت نواياها, إذ زحفت نحوها, و رفعت إليها ذراعيها. التقطت لوسي ابنتها, و ضمتها إليها بقوة. رأت ان خديها ملطخان بالعناب. بالنسبة إلى زير نساء لا خبرة لديه مطلقاً بالأطفال, يبدو ان ماكسيمو يعرف كيف يُسعد طفلتها.
من الموؤسف انه ليس والد كليو!
تجمدت لوسي مكانها بسبب تلك الفكرة. يكفيها سوءا انها تفكر دائماً به, لكن ان تتمنى ايضاً لو انه والد طفلتها, و هو الرجل الذى اقسم على عدم التفكير مطلقاً بالاستقرار.... إلى اى حد من الغباء يمكن لقلبها الأعمى ان يصل؟
قالت لقلبها الضال: "كفى! توقف عن ذلك الآن!"
"هل قلتِ شيئاً ما كارا؟"
يا إله السموات! هل نطقت بتلك الكلمات بصوت عالى؟
"كنت اتساءل فقط متى استيقظت كليو؟"
"منذ ساعتين."
شهقت قائلة: "ساعتان؟ لماذا لم توقظنى؟"
رفع ماكسيمو كتفيه, و مد يديه بطريقة معبرة قائلاً: "سمعتها تتحدث فى المهد, و كنت مستيقظاً بكل الأحوال اراجع بعض ارقام المبيعات من مكتب طوكيو, فقلت لنفسي انكِ ترغبين فى البقاء فى السرير إلى ما بعد وقت نهوضك المعتاد."
انها المرة الأولى التى تحظى فيها برفاهية النوم صباحاً منذ ولادة كليو. شعرت لوسي انها تنبض بالحياة فهى مرتاحة جداً. لكنها لم تفهم.... تتخلى ماكسيمو عن ساعتين من الاثنتى عشرة ساعة الأخيرة, ليتركها تنام.
"شكراً لك! لكن كياستك لن تساعدك لتربح."
النوم الإضافى جعلها اكثر استعدادً لمواجهة المعركة.
اضافت: "ارتكبت اول غلطة."
ابتسم و اجاب: "سنرى! إن كنت قد انتهيتِ من شرب القهوة, هل يمكنك الاستعداد للذهاب؟"
تفوهت كليو بمقاطع حروف لا معنى لها, و هى تلوح بالمعلقة الخشبية بسعادة.
ابتسم بحنان للطفلة, و قال: "ما الذى تقولينه؟ اتريدين ان نُسرع؟"
ضحكت لوسي لهما, ثم جمدت على الفور.
تردد إحساس فى اعماقها, اشبه بشعاع من نور الشمس ينعكس عبر نوافذ ملونة. هذه هى الحياة العائلية التى حلمت دائماً بها: "طفلة تضحك, و مطبخى دافئ, زوج وسيم. هذه هى السعادة...."
قالت لنفسها بيأس و حزن, انها وهم كبير.

روايات عبير / الاميرة الشريدهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن