11. حب ام انتقام؟

551 22 1
                                    


تنوعت التعابير التى مرت على وجه الكسندر الشاحب. اولاً تعرف عليها, ثم اصيب بصدمة, تلاها رعب حقيقى, ثم غضب صارخ. لو ان لوسي فى مزاج جيد, لأنقلبت على ظهرها من شدة الضحك.
"لوسي! ما الذى تفعلينه هنا؟"
نظر إليها مطولاًً بدهشة, محدقاً بحذائها الذى يبلغ ثمنه سبعمائة دولار, ثم إلى جوربيها الأسودين و فستانها الصوفى الأنيق. رفعت شعرها بعيداً عن وجهها, لتُظهر قرطيها الذهبيين تحت خصلات شعرها, التى انزلقت من العقدة بسبب رحلتها فى الطائرة. وضعت على عينيها عدستين لاصقتين, و زينت رموشها بالكحل و الماسكارا, أما شفتايها فقد غطتهما باحمر شفاة بلون النبيذ المعتق. حدق اليكس بها و كأنه بالكاد تعرف عليها, ثم ضاقت نظرته و هو يقول ببرودة: "ما كان عليك ابداً ان تأتى إلى هنا."
"لم يكن لدىّ خيار آخر."
امسكت بحقيبة فيرازى, و شدتها إلى صدرها. الأوراق القانونية التى ستنهى حقوقه كـ والد لـ ابنتها موجودة فى الحقيبة بالقرب منها هناك صورة كليو, التى ستجعله اخيراً يدرك انه يحب طفلته. قالت: "لدى شئ اريدك ان ترأه."
ايتعد عن الطاولة قائلاًً: لا ادرى كيف تمكنتِ من جمع ما يكفى من مال لتتمكنى من القدوم إلى روما, لكنك ستغادرين الآن, و على الفور."
إذا, كان يعلم انها فقيرة و تعيش حياة مزرية. جزء منها ظل يأمل ان لا فكرة لديه عن وضعهما, فهذا يجعل جريمته اقل قسوة. لكنه عرف ذلك طوال الوقت, و لم يرفع إصبعاً ليساعدهما. أنه حقاً انانى وغد, لكنه الفرصة الوحيدة لـ كليو كى تحتفظ بـ والد... أليس كذلك؟

"لماذا تريدنى ان اغادر اليكس؟ هل تخشى ان تكتشف خطيبتك امر ابنتنا؟"
امسك اليكس ذراعها بقسوة و خشونة, و هو يقول: "اقولها لكِ للمرة الآخيرة: "انا لست والد تلك الطفلة. هل تفهمين؟"
تنفست لوسي بهدوء, و مدت يدها لتأخذ الصورة. حيث تجلس كليو تجلس تحت شجرة صغيرة اشترتها لوسي بنصف ثمنها ليلة الميلاد منذ اسبوع مضى, و تحمل بيدها حصانها القماشي بيد, و قطعة حلوى باليد الآخرى, و ترسل ابتسامة كبيرة و سعيدة تُظهر اسنانها اللؤلؤية.
قدمت له الصورة و هى تقول: "انظر!"
"ما هذه بحق الجحيم....؟"
توقف عن الكلام فجأة, فحبست لوسي انفاسها. سوف تنجح خطتها. اخيراً سيدرك اليكس اى هدية ثمينة هى كليو.
سينظر إلى الصورة, و يقرر ان يكون رجلاً نزيهاً, و والداً حنوناً.
"اسمها كليو. البارحة كان عيد مولدها الأول. انها طفلة رائعة, اليكس! انها ذكية, لطيفة و مليئة بالمرح, لكنها بحاجة إلى اب..... بحاجة إليك."
ضاقت نظرة عينيه, و رفع نظره إليها ببطء: "يا إلهى! كم تحتاجين من الوقت حتى تفهمى؟ انا لا اريدها, و لا اريدك أنت ايضاً."
فتح يده, و ترك الصورة تقع على الأرض, و كأنه يفعل ذلك بحركة بطيئة. راقبت لوسي صورة طفلتها و هى تطير فى الهواء.
"و الآن, أذهبي من هنا بحق السماء! انا مع امرأة جديدة. انتِ و طفلتك الحقيرة لا تعنيان اى شئ لىّ."
سقطت الصورة على الأرض, و رأت لوسي صورة ابنتها الغالية تُداس من قبل مجموعة من رجال الأعمال المارين, ثم تتمزق تحت حذاء امرأة له كعب كـ المسمار. قالت المرأة المرتدية ذاك الحذاء بنبرة باردة كـ الثلج: "الكسندر! من هذه؟"
شحب وجه اليكس, و قال: "فيوليتا.... حبيبتى!"
سارت المرأة نحوهما بخطوات متعالية, فيما قفزت لوسي لتلقط صورة طفلتها. سحبتها عن الأرض, و ضمتها بين يديها, بعد ان رأت آثار وحل على وجه ابنتها المتورد, كما ان إحدى عينيها بدت ممزقة بسبب حذاء فيوليتا.
"اجبنى, الكسندر! هل تعرف هذه المرأة؟"
اقتربت مصممة الازياء اكثر, و هى تحدق بـ لوسي بغضب واضح. إنها طويلة القامة, شقراء, و تبدو ثرية جداً, جميلة و محبطة.
تلعثم اليكس, و مرر يديه فى شعره بقلق, و هو يقول: "انا لا اعرفها, التقيت بها الآن."
"استطيع ان ارى كيف تمضى وقتك عندما انشغل او اتأخر بارتداء ثيابى!"
"انها غريبة حقاً, و لا تعنى لىّ اى شئ! التقيت بها ذات مرة."
استدار نحو لوسي, و تابع: "و هى ستغادر الآن."
نظرت لوسي إلى وجه اليكس الوسيم النحيل. تذكرت كيف توسل إليها كى تتزوجه, ثم هجرها هى و طفلتها. إنه انانى جبان, ولا يفهم معنى الحب الحقيقى, و المسؤولية التى تنتج عنه. ضاقت نظرتها, و هى تفكر: انت لا تستحق طفلتى!
مدت يدها إلى داخل حقيبتها, قائلة: "اجل! ساغادر ما ان توقع على هذه الأوراق."
خطف اليكس الاوراق من يدها, بالكاد القى نظرة على الوثيقة لمدة لا تتعدى الخمس ثوانى, قبل ان تظهر بوادر الارتياح على وجهه. فرفع إصبعه و هو يرفع يده إلى موظف المقهى, قائلاً: "اعطنى قلماً."
تنهد العامل و هو يحدق به من تحت انفه, و قال: "سي, سينيور!"
اسرع اليكس بالتوقيع على الورقة, متخلياً عن حقوقه كـ والد لـ كليو. راقبته لوسي و هى تشعر بالسقم. فجأة شعرت بيد قوية خلف ظهرها تدعمها. نظرت إلى الوراء و هى تتنهد بحزن.
ابتسمت عينا ماكسيمو لها, لتمنحاها الدعم و القوة. من دون ان يزعج نفسه بالنظر إليها, دفع اليكس الأوراق نحوها, و هو يقول: "شكراً!"
قال ماكسيمو: "لا, ونثورت. الشكر لك!"
استدار اليكس بسرعة, فيما مال ماكسيمو فوق الطاولة الزجاجية, ليتحدث إلى الموظف باللغة الإيطالية. القى الرجل نظرة نحو اليكس, ثم هز رأسه, و وقع على الورقة.
قال الكسندر و هو يبدو مندهشاً: "دواكيلا! ما الذى تفعله هنا؟"
حاول اليكس ان يبتسم, و يبدو غير مكترث, و هو يتابع: "ألا يفترض بك ان تكون فى شهر العسل؟ سمعت انك تزوجت من امرأة تُدّعى انها وريثة عائلة فيرازى. ها إننى اقول لك: لن ندعها تمر امام المحكمة. لابد انك يائس فعلاً لتظن انك قادر على استعمال هذه الطريقة."
توقف عن الكلام عندما رأى يد ماكسيمو على ظهر لوسي, و رأى كيف تتكئ عليه بلا وعى منها, و كأنها تطلب حمايته و قوته.
سأل بنبرة ضعيفة: "ما الذى يجرى هنا؟"
استدار ماكسيمو نحوه, فنقلت لوسيا نظرها من اليكس إلى ماكسيمو, و تساءلت كيف ترأها انجذبت يوما إلى اليكس. إنه اشقر, نحيل, ذو بشرة باهتة, و هو ليس إلا انانياً مقارنة بـ ماكسيمو, زوجها الاسمر القوى الى يبدو كـ البرج امامه.
قال ماكسيمو: "انت على حق و لو لمرة واحدة, ونثورت! انا حقاً فى شهر العسل."
ابتسم اليكس ابتسامة ضعيفة قائلاً: "لم افهم هذا المزاح."
ابتسم ماكسيمو برضي و قال: "هذا ليس مزاحاً. انت خسرت كل شئ, و فيرازى اصبحت لىّ."
سألت فيوليتا: "عم تتحدث؟"
ثم استدارت لتنظر إلى اليكس, و هى تتابع: "قلت لىّ انه ليس هناك اى مجال كى نخسر. قلت لىّ ان لديك شخصاً داخل شركة فيرازى."
صحيح! لديه رجل داخل الشركة, سينيورا! انه هو نفسه. عقد اتفاقاً مع غوسبي فيرازى لاختلاس ملايين الدولارات من شركتك, لذا انا متأكد من انه متأسف جداً على الخسارة."
استدارت فيوليتا بغضب صارخ, و قالت بصوت كـ الرعد: "الكسندر!"
تجاهلها ألكسندر, و هو يحدق كـ المصدوم بـ لوسي و ماكسيمو.
شهق قائلاً: "اهى زوجتك؟ لا يمكن ان يحدث ذلك, فهى لست من عائلة فيرازى!"
"الفتاة الضائعة لوسيا فيرازى!"
اتسعت ابتسامة ماكسيمو, وهو يتابع: "أعتقد انكما تسرعتما بإعلانها ميتة. هذه لعبة القدر! كان بإمكانك الحصول عليها, مع كل الثروة الهائلة التى تملكها."
قفز الكسندر على قدميه بسرعة, و قال بعاطفة قوية: "لوسي! ما يجرى الآن مجرد خطأ. انا احبك, و انت تعلمين ذلك.... طفلتنا الصغيرة. لن تأخذى كالى منى."
كالى؟! آهـ! ماكسيمو على حق كما هو دائماً, حتى فى ادق التفاصيل. اغمضت لوسي عينيها. شعرت كأنها ستفقد وعيها. همست قائلة: "اخرجنى من هنا!"
امسك بها زوجها بقوة. و للحظة اتكأت لوسي عليه, و هى تشعر بامتنان لا يوصف للحماية التى يقدمها لها. صرخت فيوليتا: "ماذا تقصد بقولك إنك تحبها.... ولديك طفلة؟ قلت لىّ إنك عشت وحيداً طوال فترة انفصالنا, و اقسمت انك لا تحب احد غيرى."
اجاب الكسندر بصوت قاصف كـ الرعد: "اصمتى! فأنا لا اتحدث إليكِ!"
استدار ليحدق بـ لوسي بعينين متوسلتين, و هو يتابع: "اغفرى لىّ! من فضلك, لوسي! عودى إلىّ, فـ انا احبك!"
اخذ ماكسيمو الأوراق من الموظف, و وضعها تحت معطفه. قال و هو يحدق بزوجته: "تعالى, كارا! لدينا موعد مع المحاميين."
قال اليكس بنبرة عالية و مليئة بالغضب: "لا! لا! تباً اين هى الأوراق؟ كالى ابنتى, و انا استحق النصف. لن تصمد هذه الورقة فى المحكمة, فلم يشهد احد عليها."
انهى كلامه بضجة ما ان رمت فيوليتا كوب الشراب على وجهه.
هز ماكسيمو رأسه برضى, و قال: "استمتعى بوقتك, سينيورا!"
ضم لوسي إليه, فيما لا تزال هذه الأخيرة مخدرة من الحزن و الصدمة, و قادها بعيداً عن صراخ ألكسندر الغاضب. اخذها إلى الخارج حيث المطر المنهمر, ليذهبا إلى قلب المدينة.

روايات عبير / الاميرة الشريدهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن