4. من اجل ابنتي

573 17 0
                                    

-من أجل ابنتى

نظر ماكسيمو إليها , فيما لمعت عيناه بنور غريب, و هو يقول: "تعالى معى!"
امسك بيدها, فشعرت لوسي بذلك التيار الكهربائى, الذى شعرت به عندما لمسها من قبل. سار بها نحو الممر المؤدى إلى المصعد. وقف ماكسيمو وراءها فى المصعد, واضعاً يديه بتملك على كتفيها. بالرغم من إرادتها, اغمضت لوسي عينيها. الأمير الإيطالى يقف وراءها الآن. انه قريب جداً منها لدرجة انها تستطيع ان تشعر بحرارة جسده, اما هو فلا يرأها حتى امرأة.
قالت لنفسها بغضب: "هذا افضل!"
هى لا تريد التعلق بأى رجل. كل ما تهتم له الآن هى كليو, و تأمين حياة لائقة لها باى ثمن.
توقف المصعد عند الطابق الخامس, و قادها ماكسيمو حتى نهاية القاعة . سمعت ضحكاً و طقطقة اوانى من الفضة و الكريستال, و اصواتاً تتحدث الانكليزية و الايطالية مختلطة مع إصداء الموسيقى.

دفع ماكسيمو الباب. توقفت لوسي مكانها, و فغرت فمها. فى الزاوية البعيدة من الغرفة هناك فرقة موسيقية تعزف موسيقى (الشتاء) لـ فيفالدى. تعرفت على اثنين من مشاهير هوليود و على سيناتور. المال و السلطة واضحين فى هذا الجناح تماماً مثل الموسيقى.
توقعت ان ترى جناجاً ضخماً فى الفندق, لكن....
"هذا قصر!"
"لا قصور لدى فى هذا البلد. هذا مجرد جناح ملكى."
بدا ماكسيمو مرتاحاً جداً. نزع معطفه و رمى به على المقعد المزين تحت المرآة المعلقة فى الداخل. مجرد جناح ملكى! لابد من قضاء ليلة واحدة هنا يوازى إيجار سنة كاملة لها.
"هل تقيم حفلة رأس السنة هنا؟"
نظر إليها, و بدت عيناه لامعتين و هو يقول: "سأحتفل قريباً بأكثر من ذلك. أبقى هنا!"
استدار عدد من الاشخاص المميزين ليحدقوا بها. امرأتان بالتحديد: إحداهما شقراء و الأخرى سمراء. همستا لبعضهما البعض شيئاً ما, و هما ترمقان لوسي بنظرات تقيمية. عضت لوسي على شفتها بتوتر, و قالت: "ربما يجب ان انتظرك فى الخارج."
"ستنتظرين هنا!"

بدت النبرة السلطوية واضحة فى صوته, كأنه يفرض الطاعة الفورية. تابع قائلاً: "إن تحدث إليكِ احدهم, فلا تشرحى سبب حضورك."
"حسناً!"
تمتمت و هى تفكر, كيف يمكنها ان تشرح شيئاً, و هى نفسها لا تفهم سبب و جودها هنا؟ راقبته يسير نحو طاولة الطعام و الشراب فى الجناح, و يتوقف مراراً للتحدث مع ضيوفه. كل امرأة فى الجناح بدت مصممة على إثارة انتباهه, بإستثناء المرأتين الانيقتين اللتين لاحظتا قدومها مع ماكسيمو. تقدمت المرأتان بخطى متأنقة متكلفة نحوها, كأنهما نسران كاسران. الشقراء الجميلة ترتدى ثوباً ضيقاً احمر اللون. نظرت إليها بإستهزاء, فأدركت لوسي فجأة انها تنتعل حذاء رياضى باليا, و ان شعرها اشعث, و ثيابها قديمة مزرية. لوت الشقراء شفتيها, و قالت: "ثياب انيقة."
تورد وجه لوسي من الخجل. فهى تعلم ان قميصها القطنى قديم الطراز, فقد كانت لامها. عملها اثناء الليل جعلها تعمد إرتداء ملابس فضفاضة و قديمة, بالإضافة إلى صورة الهرة الصغيرة التى على صدرها تجعل كليو تضحك دوماً. قالت الشقراء بتعالِ و غرور: "ٍسمعت من قبل عن الفقراء, لكن هذا مثير للإشمئزاز. أليس كذلك آسميا؟"
حدقت السمراء الأنيقة بـ لوسي, و قالت: "هيا, ارابيلا! يجب ان تكونى اكثر لطفاً. من المحتمل انها هنا لتنظيف غرفة الحمام."
جمدت اوصال لوسي. و تذكرت كيف كان الأولاد يسخرون منها و هى طفلة. تنقلت امها فى الكثير من الأماكن, و كانت لوسي التلميذة الجديدة فى كل مدرسة تنقل إليها, و مع نظارتيها السميكتين و ثيابها المستعملة, بدت هدفاً سهلاًً للسهرية.
"آسميا! ارابيلا!"
ظهر ماكسيمو فجأة قرب لوسيا. انحنى إلى الأمام ليطبع قبلة على خد السمراء ثم الشقراء. و بسبب اهتمامه بهما رفعت المرأتان رأسيهما بدلال, و كأنهما زهرتان وصلهما نور الشمس.
تراجع ماكسيمو إلى الوراء, و وضع يده على ذراع لوسي قائلاً: "ارى انكما التقيتما بـ لوسيا!"
رمت آسميا لوسي بنظرة باردة, ثم تظاهرت كانها تضحك بنعومة, قبل ان تقول: "آهـ! أهى صديقتك؟ اعتقدت انها الخادمة. كم انت غريب الأطوار, ماكسيمو؟ لِم تذهب إلى الخارج لتحضر المبرغر, بينما تستطيع ان تستمتع بكبد البط فى رفاهية جناحك؟"
من الواضح انها لا تتحدث عن الطعام! كانت تلك القشة الأخيرة فى تلك الليلة المليئة بالاحداث المزعجة. علقت لوسي بنعومة: "تناول كبد البط غير مسموح به فى شيكاغو, آسميا! ولا استطيع ان اتخيل ان اياً كان يجد كبد البط المهروس شهياً, على اية حال."
نظرت إلى السمراء بدءاً من رأسها إلى ثوبها القصير جداً ثم إلى حذاءها ذى الكعب العالي, و تابعت: ".... فهو دسم جداً و مزعج."
ضاقت عينا آسميا, و قالت: "ماذا, ايتها الصغيرة....؟"
قال ماكسيمو: "إعذرانا!"
اخفى ابتسامته, و هو يبعد لوسي بإتجاه احد الأبواب. قالت آسميا بصوت عال, ما ان وصلا إلى باب غرفة النوم: "تكاد الساعة تعلن منتصف الليل, ماكسيمو! لا تنسي قبلتنا عند منتصف الليل!"
قالت الشقراء: "لا! سيقبلنى انا."
أغلق ماكسيمو الباب بقوة وراءهما, و ما ان فعل ذلك, حتى اختفى كل ضجيج الحفلة, و اصبحا بمفردهما فى غرفة النوم. فركت لوسي رسغها, و تمتمت: "آسفة!"
مع انها فى الواقع لا تشعر بأى آسف.
"آسفة..... لماذا؟"
لكونى فظة مع عشيقتك."
حدق بها ماكسيمو, ثم قال بإستهزاء: "هل تقصدين الليدى آرابيلا, أم الكونتيسة بدنفغورد؟"

الليدى؟ الكونتيسة؟ من الواضح ان الالقاب الملكية أمر عادى فى عالم ماكسيمو.
"اختر ما تشاء!"
رفع كتفيه, و قال: "من الصعب ان افكر فى علاقة عابرة مع امرأة ما تجعل منها عميقة."
"أتقصد انك اقمت علاقة عاطفية مع كل منهما؟"
بدا صوتها المصدوم كـ الصرير. تكور فمه عن ابتسامة, قبل ان يقول: "هناك الكثير من النساء فى حياتى, لكن الرجل المحترم لا يتكلم عن علاقاته الغرامية."
"أى رجل محترم؟! إنهما مغرمتان بك. اوشكتا على تمزيق عينى لمجرد اننى معك!"
"اشك بذلك. على اية حال.... إن اختارت اى امرأة ان تُغرم بى, فعليها ألا تلوم سوى نفسها فقط. انا واضح جداً, فأنا لا ارغب فى الاستقرار او فى تقديم قلبى لـ امرأة واحدة. إننى مخلص فقط لثلاثة امور."
شبكت لوسي ذراعيها فوق صدرها, و سألته بنزق: "و ما هى؟"
"الوفاء لعائلتى, و حريتى الشخصية, و نجاح شركتى."
امسك بزجاجة من الكريستال مليئة بالشراب, و سكب منها فى كوبين. حدقت لوسي بالكوب الذى قدمه لها, و قالت: "أسمع! أعلم انها ليلة رأس السنة, لكنى لست فى مزاج جيد. إن أردت الاحتفال, لِمَ لا تسأل إحدى الأميرات فى الخارج مشاركتك ذلك؟"

رفع ماكسيمو حاجبيه بمرح, و قال: "من المؤكد أنكِ لا تشعرين بالغيرة!"
"كل ما فى الأمر أننى اشعر بالآسف عليهن. هذا كل شئ."
"لدى آسميا و ارابيلا تأثير على بعض الجماعات المهمة, و مع اننى فقدت أى اهتمام شخصى بيهما, فأنا لا ارى سبباً لأقطع كل رابط بيننا. أنا اتاجر بالاشياء الفاخرة, و الآن سأحتفل بالحصول على شركة جديدة, رغبت بالحصول عليها منذ سنوات طويلة..... ستصبح الشركة لى فى غضون ساعة واحدة. ربما سمعت بها.... إنها فيرازى!"
فيرازى! إنها معجبة بالحقائب اليدوية التى تنتجها تلك الشركة, و التى يبلغ ثمن الواحدة منها 3000 دولار. إنها حقائب جميلة الطراز, جلدها ناعم كالصوف و صلب كالفولاذ. لكن هل تستحق سعرها؟ 3000 دولار ثمن لحقيبة يد؟! هذا امر فى منتهى الجنون!
بدا كأن ماكسيمو ينتظر تعليقها, فشعرت ان من الفظاظة ان تنقد الشركة التى سيمتلكها قريباً. حاولت ان تبدو مهذبة و هى تقول: "فيرازى, أجل!"
ضغط ماكسيمو باصابعه على الكوب الذى يمسك به, و سالها بنبرة قاسية: "ما الذى تعرفينه عنها؟"
عضت لوسي على شفتها, ثم قالت و هى تتنهد: "عملت مرة فى قسم لأدوات التجميل فى نيمان ماركوس, و بالطبع عرفت حقائب فيرازى. و كأنك تسألنى إن كنت قد سمعت بعطور شانيل او برادا. هل ستشترى الشركة؟ لا شك انها تساوى ملايين."
ابتسم ببرودة, و اجاب: "بل مئات الملايين."
فتحت فمها مندهشة, ثم اقفلته و هى تتمتم: "من الواضح انك تمتلك الكثير من المال."
"من الواضح ايضاً ان الصدق لديكِ اهم من التحدث بلباقة. خذى!"
ما ان سمع طرقة على الباب حتى دفع الكوب إلى يدها, و وضع الزجاجة جانباً, لكى يرى من الطارق. قدم له رجل نحيل يرتدى بذلة رسمية مغلفاً. سألت لوسي: "ما الأمر؟"
اغلق ماكسيمو الباب وراءه, ثم فتح المغلف, و نظر إلى الأوراق. قدم لها المغلف, و قال: "هذا لكِ كى توقعى عليه."
وضعت كوبها على طاولة زجاجية, ثم فتحت المغلف و هى مقطبة الجبين من الحيرة و الاستغراب. سألته: "ما هذا؟"
"اتفاق مسبق على الزواج."
"لكن.... من سيتزوج؟"
"أنا و انت."

نهاية الفصل الرابع

روايات عبير / الاميرة الشريدهWhere stories live. Discover now