6. طفلة تُقظ الذكريات

617 21 0
                                    

حين قدم لها اليكسندر خاتم الخطوبة, بدأت لوسي تخطط لزفاف احلامها: كنيسة صغيرة بيضاء فى فصل الربيع, تحيط بها الأزهار المتفتحة, و فستان ابيض فضفاض, و قالب حلوى صُنع فى المنزل مع قشدة بيضاء مجلدة للزينة, و اليكس قربها.... لكن ما حصل فعلاً هو زواج رسمى و طلاق كئيب. اما اليوم, فلم تتخيل لوسي مطلقاً انها ستتزوج رجلاً غريباً فى فندق, حيث لا كنيسة و لا قالب حلوى او فستان. عندما استعدت للذهاب إلى العمل بعد ظهر هذا اليوم, ارتدت سروال جينز و قميص امها, و عقدت شعرها كذيل فرس, و لم تضع اى مساحيق او تبرج, إذ لم تتخيل مطلقاً انها تتهيأ لزفافها. لا اصدقاء و لا عائلة, و الشهود الوحيدين هم محامى ماكسيمو النحيل الوجه, و المرأتان الفاتنتان اللتان تحدقان بظهر لوسي بنظرات نافذة كـ الرصاص. من الغرابة انها لم تعانى من اى صعوبة فى التلفظ بعهود الحب و الشرف و الطاعة لـ ماكسيمو. بدا الامر مثيراً للشفقة لمدى سهولته. كررت كلمات القاضى, و هى تشعر كـ انها منومة مغناطيسياً بنظرات ماكسيمو. عيناه سمرتاها و سيطرتا على إرادتها, و كأنهما تحرقانها بقوة اللهب الأزرق فيهما. اخيراً مرر خاتماً من الذهب فى إصبعها, و هكذا انتهت المراسم.

قال ماكسيمو بهدوء, و هو يمسك بيد القاضى: "ستملأ الأوراق الرسمية؟"
"سيتم تنظيم كل شئ. منذ هذه اللحظة اصبحت متزوجاً" نظر القاضى إلى لوسي بإشراق, وتابع: "تهانى القلبية. و اطيب التمنيات لكما معاً."
شهقت الشقراء: "يا لهذا الاحتفال الرائع!"
استدارت لوسي متفاجئة لتراها تمسح الماسكارا المتهدلة بمنديل ورقى, و تابعت: "إنه رومانسي جداً."
اما آسميا السمراء فحدقت بـ لوسي مصدومة. همست قائلة: "كيف تمكنت من القيام بذلك؟" جالت بنظراتها من رأسها حتى حذائها الرياضى, و هى تتابع: "انا اعمل منذ ثلاثة سنوات على تجويع نفسي لـ أبدو نحيلة. اقوم بالتمرينات الرياضية حتى الاعياء, و انفق الثروات على ثيابى, و اتبعه حول العالم آملة بنظرة واحدة منه......" بدا وجها كئيباً و جامداً, و هى تكمل: "...... كيف تمكنتِ من القيام بذلك؟ كيف جعلتيه يحبك؟"
حبست لوسي انفاسها. منذ نصف ساعة, شعرت بالكره نحو الكونتيسة, اما الآن فهى تشعر بالآسف عليها. المرأة مغرمة برجل لا يستحق حبها. إنه مجرد رجل عابث غير قادر على الحب ابداً. ارادت ان تخفف عنها, ان تشرح لها انه لا يحبها.
قالت: "كونتيسة....!"
لكن ماكسيمو امسك بيدها, و حدق إليها بغضب , و كانه ادرك ماهى على وشك ان تقوله.
"تعالى معى, عروسي!"
جذبها بعيداً عن غرفة النوم, إل حيث تُقام الحفلة فى الجناح الرئيسي, و حيث طغت اصداء الموسيقى العالية على هتافات الحضور باللغتين الايطالية و الانجليزية. قال لها بصوت منخفض: "يجب ان يُصدق الجميع اننا مغرمان ببعضنا. لن تفشي سر اتفاقنا لأى كان."
"لكنها مغرمة بك."
سُمع صوت طرطقة الأطباق و الأكواب, فيما كان الحضور يملأون اطباقهم و اكوابهم من جديد.
"اقسمتِ على الحفاظ على كرامتى و على طاعتى, و ها انتِ تحاولين ان تعارضينى."
بدأ ضيوف الحفل المحتشدين فى غرفة الجناح الفخم يعدون بشكل عكسي, ليعلنوا قدوم السنة الجديدة: "عشرة...."
شدها ماكسيمو إليه بقوة, و لمعت عيناه و هو يقول: "و الآن اقتربي منى!"
"تسعة...."
و كأنهما الشخصان الوحيدان فى الغرفة, ضمها بين ذراعيه القويتين.
"ثمانية...."
شهقت لوسي, و هى ترتجف من الاحساس بجسده القوى: "لا, من فضلك!"
"سبعة..."
من فوق الضجيج الصاخب فى الحفلة, تكلم ماكسيمو مباشرة فى اُذنها: "لقد تحديتينى...."
"ستة...."
بدأت مجموعة من الشبان بالتهليل بقوة باللغة الإيطالية.
"..... و اغضبتنى."
"خمسة..."
رأت زوجين متقدمين فى العمر يبتسمان بحنان لبعضهما البعض.
رفعت لوسي نظرها إلى وجه زوجها الوسيم, و قالت: "لكن انا لا اريد..."
"اربعة...."
لامس ماكسيمو خدها, ليرفع رأسها, و ببطء شديد اخفض رأسه نحوها, و هو يقول: "ما الذى لا تريديه؟"
"ثلاثة..."
بدت عيناها زائغتين و هى تبادله النظرات.
"اثنان...."
لم تتمكن شفتيها من النطق لتجيبه على سؤاله. الشوق إليه جعلها تقترب منه و كأن تياراً كهربائياً مسها. إحساس قاومته بكل ما لديها من شجاعة و قوة, فهى لا تستطيع ان تسمح له بتقبيلها. لا تستطيع ان تجعله يبدأ زواجهما بهذه الطريقة. إن فعلت, فمن يعلم اين سينتهى بها هذا الزواج؟
"واحد! سنة جديدة سعيدة!!!"
ساد الجنون فى الجناح كله, و راح الجميع يتعانقون, و يرمون قبعاتهم فى الفضاء. بدأت الفرقة الموسيقية بعزف اغنية (اولد لانغ سين) و قبلها الأمير الاسمر الوسيم....
بدت قبلته اشبه بلمسة ريشة ناعمة. حاولت لوسي ان تبعده عنها بدفعه من كتفيه, لكن ما ان اصبح عناقه اكثر قوة, حتى استسلمت لقوة ذراعيه, حتى استسلمت لقوة ذراعيه, فضمها إليه اكثر, و لف جسدها النحيل بيديه الكبيرتين. شعرت بما يشبه الشعاع يخترق عروقها, و كأن انفجاراً إنبثق منها مروراً باصابع يديها و قدميها. نسيت الضيوف حولهما و نجوم السينما و السيناتور و الجميع. نسيت الثلاثين مليون دولار. شعرت فقط كأنما هذا ما يجب ان يحدث. و كأنها خُلقت لتكون امرأته.... أهى الابدية ام مجرد لحظة فقط؟
ابتعد ماكسيمو عنها, و اخذ ينظر إلى عينيها اللتين تلمعان كنجمتين. همس و هو يلامس خدها: "سي, كارا, سي! ستصبحين لىّ."

روايات عبير / الاميرة الشريدهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن