16. -لن اسامحك..... أبداً

Start from the beginning
                                    

استدارت لوسي لتنظر إلى الرجل العجوز, و تقول: "هل ضربته لمدة يومين؟ كان مجرد طفل!"
لم يشغل فيرازى نفسه بالنظر إليها, كور شفتيه و قال: "غلطتى الوحيدة اننى اطلقت سراحك, . و هكذا كبرت و اخذت شركتى منى. كان علىّ إغراقك فى البحيرة فى كيس للنفايات."
شهقت لوسي, لم تعد قادرة على التنفس. نقلت نظرها بينهما, ثم همست: "وحشان! كلاكما وحشان. لا اريد اياًً منكما... لا اريدكما.... أبداًً."
استدارت لتذهب, فأوقفها ماكسيمو قاطعاًً طريقها عبر الممر الضيق للكنيسة.
"من فضلكِ, لا ترحلى!"
"لماذا؟"
"لطالما طلبتِ منى ان اخبرك الحقيقة, و الحقيقة هى... لوسي....!"
اخذ نفساً عميقاً قبل ان يتابع: "....أنا احبك."
"أنت...... انت ماذا؟"
قال بهدوء: "احبك, تيامو!"
همست: "اعترف بما فعلته بىّ. اريد ان اسمع ذلك من شفتيك."
اغمض ماكسيمو عينيه, ثم نظر إلى وجهها و اخبرها الحقيقة.
"سمعت صوت السيارة و هى تسقط فوق المنحدر, و سمعت تحطم المعدن ما إن ارتطمت. اسرعت إلى هناك و سمعت صراخ طفلة. اخرجتك من السيارة قبل ان تنفجر."
اتسعت عينا لوسي بدون إدراك منها.
"اتقول.... إنك انقذت حياتى؟"
تمنى لو انه قادر على القول انه كان بهذا النبل و الشهامة. هز رأسه و قال: "عندما اخذتك من السيارة, علمت ان فرصتى بالانتقام قد حانت اخيراً. كانت هناك امرأة اميركية تمكث فى فندق عمتى, و هى ترغب بشدة بطفل او طفلة, و هكذا اعطيتها إياك."
لمعت دموع لم تنهمر بعد فى عينيها, و هى تقول: "لهذا علمت اننى مازلت حية طيلة تلك السنوات, لكنك تركتنى اعانى فى دور الايتام, و بقيت منسية حتى وجدت سبباً جديداًً انانياًً لاستعمالى."
"لا, لوسي! لا!."
هز ماكسيمو رأسه بسرعة, و تابع: "أدركت غلطتى منذ زمن بعيد, و حاولت ان اجدك. لكن امك اختفت ببساطة. غيرت عملها, حتى انها غيرت اسمها. لم أستطيع ان اجدك. و عندما بحثت فى ماضى ونثورت من اجل ايجاد اى شئ استعمله ضده وجدتك. إنه القدر كارا!"
همس و هو يمد يده ليلامس شعرها الأسود: "إنه القدر."
كورت لوسي شفتيها الجميلتين بإشمئزاز, و قالت: "القدر؟!! سألتك عن الحقيقة, و توسلت إليك ان تخبرنى بها, لكنك كذبت علىّ. همساتك و هداياك و كل كلامك العذب اللطيف.... كلها اكاذيب."
"لا! لم تكن اكاذيب, كل ما فى الأمر اننى لم اخبرك بكل شئ."
سار نحوها و اضواء الشموع تعكس ظلالاً عليهما, إنه يائس.... يريد ان يلمسها, ان يُقبّلها, ان يجعلها تفهم....
تابع قائلاً: "فى البداية لم يكن للأمر اهمية, و فى ما بعد, شعرت بالخوف."
"كذبت علي."
تراجعت لوسي إلى الخلف, فيما امتزج الألم و الغضب و الارتباك بتعابير وجهها, و هى تتابع: "أخذ الكسندر سنة واحدة من عمرى, اما انت فأخذت طفولتى كلها, و جعلتنى احبك.... لن اسامحك ابداً على ذلك."
ثم استدارت لتسير مبتعدة.
"تزوجينى!"
توقفت على الفور, و عادت لتحدق به, قائلة: "ماذا؟"
شعر بالألم فى عنقه لأنه بالكاد قادر على استجماع شجاعته الماضية و سحره القديم, لكنه حاول بكل ما لديه من قوة: "دعينى اعوض عليك خسارتك."
رفع بيده خاتماً من الذهب الأبيض يحمل فى وسطه ثمانى حبات من الألماس تخطف الابصار, و تابع: "لن اخفى عنك اى سر بعد الآن, و سأمضى حياتى محاولاً ان اجعلك سعيدة. ليس بسبب ما تملكين, بل لما انتِ عليه. احبك كارا! ابقى معى, و كونى زوجتى إلى الأبد."
قطبت لوسي جبينها بحزن و ارتباك, ثم زفرت قائلة: "يا إلهى! أمازلت مستعد للكذب من اجل الفوز بما تريده؟"
"أنا لا اكذب!"
امام القاعة المليئة بالناس, سمح الأمير ماكسيمو دواكيلا لنفسه ان يظهر مدى ضعفه. كل عضلة فى جسده بدت متوترة و مشدودة و هو يمسك بالخاتم امامها. بالكاد بدا قادرا على التنفس, فيما تابع قائلاً: "أنا اطلب منك ان تحبينى, و اطلب منك ان تكونى لىّ إلى الأبد."
ببطء أخذت لوسي الخاتم منه. نظرت إلى حبات الماس المشعة فيه, و إلى الألوان التى تنعكس تحت انوار الشموع.
فكر ماكسيمو, ستسامحنى, و سأمضى ما تبقى من حياتى و انا احبها و اسعدها.
سألته بنعومة: "أ أنت تحبنى حقاً؟"
أجابها: "أجل!"
اغمضت عينيها, و أخذت نفساً عميقاً. عندما فتحتهما, بدتا باردتين تماماً كعينى الرجل العجوز الواقف قربهما.
قالت: "هذا خبر جيد, لأن الرفض سيؤلمك."
رمت بالخاتم الألماسي الكبير فى وجهه, مسببة جرحاًً فى بشرته سال منه الدم بسبب الماس الحاد. شهق الحشد فى القاعة.....
لامست يد ماكسيمو قطرات الدم فى وجهه, و راقبها تستدير بسرعة لتخطف ابنتها النائمة, و تحملها بين ذراعيها و تهرب من الكنيسة و هى ترفل بالحرير.
سمع تنهيدة وحيدة ما ان اختفت, ترددت كـ صراخ الأوز الحزين عبر البحيرة. و إذا بـ غوسبي فيرازى يقول برضى و فرح: "الآن يمكنى ان اموت سعيداً."

انتهى الفصل

روايات عبير / الاميرة الشريدهWhere stories live. Discover now