11. حب ام انتقام؟

Start from the beginning
                                    

بعد مرور ساعتين, و بينما كانت لوسي تغادر مكتب القاضى فى روما, و بقيت اصوات محامى ألكسندر و صراخهم تتردد فى اذنيها. شعروا فى البداية بالشك, ثم بالغضب عندما اكتشفوا ان محاولاتهم إعلانها ميتة فشلت, لا سيما فى اللحظة التى توقعوا فيها النصر و النجاح. اخيراً اُُجبروا على الموافقة و القبول بالامر الواقع. اصبح ماكسيمو يملك الآن 70% من اسهم الشركة, و لم يعد بإمكانهم شراء اسهم لوسي من غوسبي فيرازي, مما جعل اسهمهم الـ 30% من دون قيمة فى النهاية.
قال ماكسيمو و هما ينزلان الدرج باتجاه السيارة التى تنتظرهما: "انتهى الأمر, كارا! لقد انتصرنا! فقد ونثورت حبيبته و عمله. و فيرازي اصبحت لى الآن."
فكرت لوسي بحزن, صحيح! جدها يموت بمفرده فى فيلا مدمرة مظلمة, و طفلتها الغالية فقدت والدها. يا لهذا النصر! لكن يبدو ان ماكسيمو لا يشعر بذلك, فتعابير وجهه تنضح بالنصر, وابتسامته تشع بالتحدى و القسوة. إنه يستمتع بإنتقامه. جعلها هذا تشعر بعدم قدرتها على التنفس بارتياح. كيف يمكنه ان يكون بهذا الاهتمام و الحنان معها, و مليئاً بالشر نحو رجل مسكين عجوز؟ من هو الامير ماكسيمو دواكيلا؟ اتراها حقاً تعرفه كما كانت تعرف فعلاً كونى آبوت, او ألكسندر؟ لا شئ يبدو منطقياً او طبيعياً بالنسبة لها, و ها هى تتعثر. ما الذى يحدث معها؟
امسك بها ماكسيمو واضعاً يده على مرفقها, مرافقاًً إياها إلى سيارة الرولز رويس التى تنتظرهما.
"هل انتِ بخير, كارا؟"
لم تجبه لوسي.
جلس ماكسيمو قربها على المقعد الخلفى, وما ان انطلقت السيارة لتخرج من الموقف حتى قال: "لوسيا! من الأفضل ألا يمتلك نثورت اى حق بالإدعاء بالنسبة إلى ابنتك. لابد انكِ سعيدة لمعرفتك هذه الحقيقة."
تمتمت: "لم اعد اعرف اى شئ."
ضمت ذراعيها بقوة إلى صدرها, و ادارت رأسها بإتجاه النافذة محدقة بالامطار.
"عندما ينتهون من إجراء الفحوصات الجينية لكِ, لن يبقى امامهم إلا القبول بهويتك, و عندها ستصبح شركة فيرازى لنا."
"أنت تقصد لك."
قال بنبرة واثقة: "سي! ألهذا السبب انتِ غاضبة؟ ألا ترغبين فى ان استلم زماما الأمور فيها؟"
قالت بنبرة عيفة: "اتمنى ان تسامح جدى. إنه عائلتى."
ظهر الغضب على وجهه, و علق قائلاً: "كليو هى عائلتك الوحيدة."
"و هى ايضاً لم يعد لها اب."
"من الأفضل ألا يكون لها والد مثل نثورت."
تنهدت قائلة: "الآن, اصبحنا وحيدتين."
حدق بعينيها, ولم يترك لها فرصة كى تشيح بنظرها عنه: "لن تبقيا وحيدتين لفترة طويلة. يجب ان يكون لديك عائلة, و زوج محب, مخلص, و منزل ملئ بالأطفال."
دخلت تلك الصور فى مخيلتها, تماماً كما تهب الرياح فى العاصفة: المنزل السعيد.... الأطفال.... و الزوج الذى يحبها... لو ان ماكسيمو قادر على إعطائها هذا كله!
للحظة لم تستطيع لوسي ان تتنفس, اما هو فأردف قائلاًً: "بعد طلاقنا سأعرفك على اصدقاء لىّ, و هم رجال صالحون يرغبون فى الزواج و الاستقرار, و ليسو صيادى ثروات."
"على العكس منك."
نظر إليها ماكسيمو و قال: "ما بيننا هو عمل فقط, كارا! انتِ تعرفين ذلك. انا لست رجلاًً يرغب فى الاستقرار. الحب يعقد ما يجب ان يبقى بسيطاً و عادياًً. لكن معظم الرجال لا يفكرون على هذا النحو. لدى صديق فى الريو, بليونير صنع نفسه بنفسه و قد يفكر..."
"لا, شكراً لك!"
غاب صوتها و هى تستدير لتنظر إلى النافذة. بعد ان كادت ان تقنع نفسها انه قد يهتم لأمرها, ها هو يخطط كى يقدمها إلى برازيلى غريب.
"لست بحاجة إلى زوج حنون او منزل ملئ بالأطفال. فقط كليو و انا و الثلاثون مليون دولار. ذلك اكثر من مثالى."
بعد ان قالت تلك الأكاذيب, شعرت انها غير قادرة على الرؤية بسبب الدموع التى تملأ عينيها. غطت جهها و هى تقول: "لم اكن يوماً اكثر سعادة مما انا عليه الآن."
سمعت صوتاً ناعماً, و هو ينزع حزام المقعد عن صدره, ثم شعرت بيديه تنزعان حزام الأمان عنها ايضاً. بعد لحظة, ضمها ماكسيمو بين ذراعيه, و كأنه يلفها بجسمه, ليخفف عنها بدفئه. شعرت بغصة قاسية فى حلقها, كتلك التى شعرت بها حين األكسندر صورة طفلتها و كأنها نفاية. اخيراًً انهمرت دموعها, و اخذت تنتحب.....
ضمها ماكسيمو إليه بقوة, و راح يمرر يده على شعرها. تمتم بكلمات ناعمة باللغة إيطالية لم تفهمها. لسبب ما, لطفه و اهتمامه جعلاها تبكى بشدة اكثر. قالت و هى تشهق: "لماذا تعاملنى هكذا؟ انا لا افهم. كان بإمكانك ان تقدم لىّ قليلاً من الاستقرار المادى مقابل اسهمى, و بدلاً من ذلك اصريت على إعطائى ثلاثين مليون. كان بإمكانك ان تتزوج بىّ و تتركنى فى شيكاغو, و بدلاًً من ذلك احضرتنى إلى قصرك و جعلتنى اميرة... لماذا؟"
"اريد ان يموت الرجل العجوز, و هو يعلم ان كل ما يهمه اصبح لىّ."
هزت رأسها, و قالت هامسة: "بل هناك اكثر من ذلك. لو ان الأمر كذلك, لتجاهلتنى عندما نكون بمفردنا, لكنك تعاملمنى كـ اميرة عندما نكون بمفردنا, و تحاول ان تحقق لىّ كل احلامى."
ضغط ماكسيمو على اسنانه بقوة و هو ينظر إلى البعيد, ثم قال: "انت تبالغين."
"لا! انا لا افعل. نحن عملياً غريبان, لكن منذ ان التقينا, انت تتصرف و كأنك...."
كادت تقول: و كأنك تحبنى, لكنها لم تجرؤ, فه تعلم ان هذا غير صحيح. قال ماكسيمو لها مئات المرات, إنه لم يغرم بها ابداً. لكن افعاله تقول العكس تماماً....
قال و هو يداعب خدها: "ربما افعل ذلك كى ادفعك إلى الاستسلام."
اغمضت عينيها, و هى تشعر بلمسته. إنها متزوجة من امير وسيم, و هى ثرية لدرجة تفوق الخيال, و ابنتها سعيدة, و هناك من يهتم بها. كما ان لديها كل ما تطلبه. لاشك انها تعيش قصة خيالية. لماذا تشعر بالاحباط إذا؟ آهـ! لانها لم تحصل على اهم ما تريده: الحب! الأمير الوسيم لا يحبها, و سوف يفترقان فى غضون اشهر قليلة. ستكبر كليو بدون اب, و ستعيش لوسي عمرها فى فيلا فخمة, كـ اميرة تملك الماس و المجوهرات, لكنها ستبقى وحيدة.
ابتعدت عنه. همست و هى تغطى وجهها بيديها: "من فضلك! خذنى إلى ابنتى."
شعرت أنه يحدق بها, ثم تمتم فجأة: "باستا! كفى! لننهى هذا الحديث."
اينتهى الأمر بمثل هذه السهولة؟ أهو حقاً قوى جداً لدرجة انه قادر ببساطة ان يقرر عدم التأثر بأمور مثل الحب و الحزن؟
تمنت لو انها قادرة على ذلك هى ايضاً.....
مال ماكسيمو إلى الأمام ليتحدث إلى السائق باللغة الإيطالية, و عندما عاد ليجلس قربها قال: "انتِ بحاجة إلى الحرارة و اشعة الشمس كارا. إنها امور تجعلك تشعرين بالدفء من جديد. انت وطفلتك بحاجة إلى الضوء و الهواء. انتِ بحاجة إلى.... الشعور انكِ شابة من جديد, فأنتِ ما زالتِ يافعة و جميلة."
ارتجفت لوسي عندما لامس خدها بنعومة. كيف يمكنها ان تشعر انها شابة من جديد؟
قال ماكسيمو بحوم: "سأخذك فى عطلة."
"عــــطــــلة؟!"
حاولت ان تخنق ضحكة انبثقت من اعماقها, و هى تقول: "هذا امر جيد, لأننى متعبة جداً من التعامل مع كل ما يحدث."
ابتسم لها بمكر, و قال: "ستستمتعين برحلتك كثيراً."
رطبت لوسي شفتيها قبل ان تسأله: "ما الذى تفكر به؟ هل ستلتقى بأصدقائك فى إحدى الجزر الخاصة على الساحل الكاريبى, ام ستبحر إلى جزر اليونان على يختك؟"
هزت رأسها علامة الرفض, و تابعت: "لست معتادة على هذه الأمور, ماكسيمو! لا اتحمل ان يهتم بىّ الخدم, و أن اكون محاطة بـ اصدقائك الذين لا يفهمون لماذا تزوجت بىّ"
"لابد انكِ مجنونة إن اعتقدتِ اننى سأدعو اياً منهم إلى شهر العسل."
حدقت به, و قالت بنبرة صوت بدت اشبه بصرخة: "شهر العسل؟!"
نظر إليها, فرأت عينيه تشعان بالحماس و التفاخر, و هو يقول: "هل تعتقدين اننى نسيت وعدى؟ لا, كارا! ابتعدت عنك لفترة كى اعطيكِ الوقت الكافى لتتخلصى من حزنك."
لامس خدها, و هو يبتسم متابعاً: "لكن صبرى نفد الآن."
شهقت ما ان تابعت اصابعه ملامسة خدها, و استقرت على عنقها.
"الليلة كارا, سأريك ما معنى السعادة الزوجية. الليلة ستصبحين لىّ.... أخيراًً."
مال إلى الأمام, و لمعت عيناه بالتحدى و هو يهمس: "حاولى فقط ان تقاومينى!"

روايات عبير / الاميرة الشريدهWhere stories live. Discover now