الفصل الثاني والثلاثون " الفيزياء بين البساطة والدهاء"

34 2 0
                                    

كانت الطرقات عالية ومُتتالية وكأن قطرًا يلحق أحدهم، وسرعان ما تفتح إيمان الباب وتقول بفزع:
- في إيه حضرتك بتخبط كدا ليه؟
ولكن ملامحه كانت هادئة وجدية وهو يقول:
- دا بيت سيف كمال.
لتومأ برأسها وعلامات الخوف بدأت بالتسلل لعينيها وهي تقول:
- أنا والدته حصل حاجة؟
- أبن حضرتك متهم بمحاولة قـ تل عمد لأدم أحمد زميله في الفصل.
وعقب أنهائه حديثه فتحت فاها بصدمة وعينيها تطالعه بعدم تصديق، تشعر وكأن قلبها يكاد يخرج من موضعه من هول الصدمة، تمضي على المحضر وقبل أن تغلق الباب يقول:
- يا ريت أبن حضرتك ووالده يحضروا دلوقت للقسم يا إما هيجي البوليس بحد أقصى بليل.
تغلق الباب بهدوء وعيناها متسربلة بالدموع وسرعان ما تجري على وجنتها بكثرة، تتصل بزوجها وقبل أن يتحدث تتحدث بفزع:
- سيف متهم بقضية قـ تل يا كمال.
ولكنها تنتفض على أثر صوته الغاضب:
- مين؟! أبني أنا؟ أنتِ بتقولي إيه، أنا جاي سلام.
تجلس على أرضية الردهة بأرهاق ودموعها تجري وكأنها نهر في غابة قد غطى عليها القدم، ولكن صوت الباب يُفزعها ورغم طرقه الخفيف فتقوم بصعوبة ولكنها لا تشعر بذاتها إلا وراحة يدها مستقرة على وجنة سيف وهي تسحبه من قميصه بغل وتقول:
- يا خيبت تربيتي فيك، يا رتني كنت مُتت قبل ما أسمع اللي هببته، تحاول تقـ تل زميلك ليه؟! قلتلك هنجبلك حقك وبلاش تتدخل قولتلي أنا هتصرف، هو دا اللي عملته، هو دا التصرف اللي أتصرفته..
ولكنه وقبل أن يستوعب لسعة القلم سقط على رأسه ألاف الصخور من الكلمات وهو لا يفقه شيء، نعم علم أن أدم دخل المستشفى ولكنه لا يعلم السبب، ولكن ما دخل أدم بما تقوله والدته، ولكنها تتابع بقهرة وقلب مُنفطر:
- حرام عليك بقى دي أخرتها هي دي تربيتك..
وقبل أن يتحدث يدخل والده ووجهه لا يبشر بالخير فيكاد سيف يتحدث ويبدي عدم فهمه، ولكن يد والده تكون أسرع منه فتستقر على وجنته ليصدح صوتها في الجدران وينتفض جسده على أثرها فيهوى على الأرض من أثرها، وقبل أن يقترب منه والده توقفه إيمان وهي تنظر لسيف نظرة أخيرة تحمل الكثير من الآلم والحسرة فيشعر بها وكأنها سهام تستقر بقلبه لتوجعه أكثر من ضربهم له:
- يخسارة تربيتي..
ولكنه يجب أن يتحدث فلا يستطيع سوى أن يقول:
- أنا مش فاهم حاجة.
لترمقه والدته باحتكار وتقول:
- حضرتك متهم بمحاولة قتل زميلك في الفصل.
ولكن كلماتها كانت كالصاعقة على مسامعه لينهض بصدمة ويقول:
- مين دا؟
- أدم أحمد..
وقبل أن تبدأ من جديد في لومها يصرخ صرخة قادرة على جذب حواسهم:
- أنا ما عملتش حاجة ليه.
ليخرج والده أخيرًا من صمته ويقول:
- فهمني كل حاجة ودلوقتي.
وكأنه كان ينتظر مثل هذا التبرير ليتشبث به من عواقب التربية الفاشلة وظنه بفشله في تربية أبنه الوحيد، فيجلس هو إيمان وسيف ويبدأ بقص كل ما حدث..

بعد ربع ساعة من قص الأحداث يُنهي سيف حديثه بقوله:
- وهو دا اللي حصل، مستحيل شوية جوزة الطيب تموته.
فتقول إيمان موجهة الحديث لكمال:
- هنعمل إيه دلوقتي؟
- هنتصل بمحامي أعرفه وهو اللي هيقول هنعمل إيه.
ولكنها ما تزال حزينة منه وعليه، خائفة أكثر من ذي قبل فكيف لمجرد أولاد فعل كل ذلك ببعضهم، كيف تصل عقولهم لهذه الدرجة من الدنائة وكره الغير، كيف كان الأنتقام عامي سيف حتى أوصله ليُتهم في مثل ذلك.

حفنة النرجس Where stories live. Discover now