الفصل الثالث والعشرون "إضطراب الشخصية الحدية"

27 5 1
                                    

كانت مريم تقف في الشُرفة تتأمل الطيور وهي تطير بحُرية وتسترجع أحداث ما حدث أمس..

تحول الغضب سريعًا لنظرات كنظرات الغرقى وسط المحيط، نظرات مُستفهمة حزينة وغير واعية لما يُقال، قالت بضعف وبعدم فهم:
-أنا مش فاهمة..

حَاولت زينب رسم الأبتسامة على شفتيها وعيناها تُغطيها سِتارة رقيقة من الدموع التي تأبى الهطول كحبات المطر الغاضبة على قوم أكثروا في معاصيهم ولهتهم الدنيا فرمت جراب (كيس) أسود كان بيدها وقالت:
-إيه اللي مش مفهوم؟ أمك كانت السبب في ق••تل الشخص الوحيد اللي حبيته، أمك السبب في التار، أمك السبب في كل شخص اتق••تل ظُلم، أمك السبب في تعاستي لزمن طويل، أمك السبب في تعاسة أهلها وقهرة قلبهم، أمك السبب في اللي أنتِ فيه من تعاسة، أمك السبب في تعاسة بلد كاملة زايد عليها بنتها وتلاتة كمان غير أهلهم، لسه كلامي مش مفهوم؟

أقتربت منها ومُسحت الأبتسامة من على شفتيها لتتحول لتكشيرة حاقدة وقالت:
-أمك الداء اللي صاب البلد وكان السبب في خرابها.

كانت مريم ترمُقها باستغراب وكلما زادت في الحديث زاد معها استغرابها، وشعرت أن حديثها تلاسم يصعب فكها، فقالت:
-أمي عملت إيه لدا كله؟!

كان سؤالها أقرب لتعجب منه لستفهام فقالت زينب وكأنها أخيرًا أدركت خطأها:
-مش وقته الكلام دا.

قالت مريم بغضب:
-حرام اللي بتعمليه دا، بتقولي أن أمي اللي كانت بتخاف تق••تل صرصار ق••تلت وخربت وكانت سبب في تعاسة بلد كاملة، يبقى من حقي أفهم.

أبتسمت زينب أبتسامة بسيطة، وكأنه آن الأون للأخذ بثأرها، فلم يطفأ نار قلبها كم الدماء التي سُفكت ولا كم العائلات التي كُتب عليها التعاسة، فقالت:
-أقعدي الأول.

جلستا الأثنتين فقالت زينب:
-أمك كانت بتحب أبن المدرس بتاعنا...

قاطعتها مريم بتساؤل:
-هو أنتوا كنتوا في نفس المدرسة؟
-وفي نفس الفصل، المهم وهو كمان كان بيحبها وفي يوم أعترفلها بحبه وأتفقوا أنهم يتواصلوا عن طريق رسايل مكتوبة يبعتوها لبعض في كشاكيل الرياضة -أصل والده كان مدرس رياضيات وكنا بناخد عنده درس وهو اللي كان بيلم الكشاكيل- وبما أني كنت المُقربة لخديجة عرفتني، وفضلوا محافظين على حبهم ورسايلهم الخفية، لحد ما في يوم رسالة من الرسايل اللي أمك كانت مخبياهم جدك شافها، ومن وقتها الدنيا قامت مقعدتش، جدك كلم أخوه وعرفه أن جه الوقت اللي ولادهم يتجوزوا فيه وبدل ما حد من برة يدخل العيلة فقترح أنه يكون في أسرع وقت، وأمك عرفت وقررت تهرب مع أبن الأستاذ -أصل الحياة بعيد عن الحبيب أمر من القتل والفقر والعوز- ولما جدك عرف أنها هربت أتصل بالشرطة وهو كله خوف ولكنه أتصل تحديدًا بياسر ظابط لسه متعين جديد ...
-وليه دا بذات؟
-لأن جدك كان يعرفه.
-وأنتِ عرفتي دا كله منين؟

حفنة النرجس Where stories live. Discover now