الفصل الرابع وعشرون "تهبط من التل"

29 6 2
                                    


فتحت مريم الجراب الموضوع على إحدى كراسي الرودهة وأفرغته من محتواه فوجدتته يحتوي على فستان أسود اللون ذا أكمام شفافة وتنتهي بسوار يبلغ طوله سبعة سنتي مترات يهبط بوسعان ويتوسطه حزام أسود اللون فأرتدته على عجل، ولم تنشغل بالحزام فوضعته بأهمال على رقبتها وفتحت الباب بعدما أخذت هاتفها...

كان يستند على باب السيارة يُشبك أصابعه لتُعانق بعضها بعض ونظره مصوب نحو باب المنزل وعيناه تشع بالحزن
"ماذا سأقول، وكيف سأخبرها؟.. لن أخبرها حتى نصل للمستشفى ولكن هل يجب أن أُمهد لها الموضوع أم أُدفعه بسرعة؟"
أستعاد تركيزه عندما لمح طيفها يتقدم منه، فتح باب السيارة وتمركز أمام عجلة القيادة وجلست بجانبه، فبادرت بالقول وهو يقود السيارة متوجهًا للمستشفى:
-بابا أتحسن؟

ورغم أن السؤال متوقع ولكنه وقع عليه مُباغتًا وعلى حين غرة، ففتعل عدم الأنتباه وظل مصوب نظره على الطريق، فعاودت مريم السؤال مرتًا أخرى ولكن صوتها تخلله بعض الخوف والقلق، فقال مُحاولًا مجارتها في الحديث:
-ماتخفيش، كل حاجة هتكون بخير.

شردت في الطريق وهي تُراقبه من النافذة
"هل يمكن أن يكون قد أصابه مكروه؟ أو توقف قلبه عن العمل.."

ولأنها لا تتحمل لفظ "وفاة" فستبدلته "بتوقف عن العمل" فهكذا نحن نؤمن بقوة الكلمات ونخاف من كلمات محددة وليس عندنا مانع من التفوه بما يعادلها في المعنى
فعندما نخطأ لا نقول "أسف" ولكن نقول  "i'm sorry"
وعندما نقع في الحب نستشعر "أحبك" ورغم أن "i love you" توافقها في المعنى ولكننا لا نستشعرها
وغيرها من الكلمات فنحن نؤمن بقوة الكلمات ووَقعها في النفس، وكأنها شعرت بأنها أذا قالت "توقف قلبه عن العمل" سيمحي حقيقة أنه توفى، فنحن لا نؤمن بالكلمات فقط بل نخاف منها أيضًا.

أوقف السيارة وخرجا منها متوجهين إلى المستشفى، سارا معًا على طول الممرات، وعند غرفته وجدت الجميع مُتجمع، جدها وأعمامها وزوجاتهم وأبنائهم، ورغم منع رحيم الحفاد والنساء من الحضور ولكنه لم يقدر على منعهم، كانت تنظر له بجمود وبداخلها يُكَذب ما يرى، أمسك غيث يدها بهدوء ونظر مباشرتًا لعينيها وقال بصوت ذا نبرات حزينة:
-مريم عمي يوسف توفى..

فهو يرى أن توفى أقل وجعًا في النفس من مات، ولكن الغريب أنه لم يرف لها جفن وظلت تنظر له بجمود دون حديث، وبمرور خمس ثواني كان الجميع يقترب منها ويحاول مواستها وبعضهم يُعانقها ولكنها ظلت واقفة كما هي لم تتحرك قيد إنملة ومازال هو ممسك بيدها، ينظر لها بحزن وهي تنظر لللاشيء بجمود...
تحررت منهم وأفلتت يد غيث وسارت بهدوء عندما رأت جُسمانه يخرج من غرفة العناية المركزة على السرير المتحرك مغطى بالكامل لا يظهر منه شيء، وقفت أمام جُسمانه ونظر غيث للأطباء وطلب منهم الأنتظار، أزالت الغطاء من على وجهه وأخرجت يده وأمسكتها براحة يدها بحنان ودنت منه تتمعن في ملامحه تنتظر أن يقوم من موضعه ويُفاجأها، تضغط على يده بحنان وتقترب من وجنته تقبلها، تقول بهمس يكاد يُسمع:
-بابا مش هتمشي، أنتَ اللي فاضلي أنتَ وعدتني أنك مش هتسيبني لما ماما مشيت، قولتلي أنها في السما وهندعلها مع بعض وهي هتسمعنا، لكن أنا مش هعرف أدعي لوحدي..

حفنة النرجس Donde viven las historias. Descúbrelo ahora