الفصل الرابع عشر

156 6 0
                                    

هو كدوامة كبرى تنتقل وترتحل
تغرق بين ضفافه على مهل أو عجل
بشرارة يبدأ وحربٌ عنه تشتعل
أو تنبري عنه الحياة بسحب الراء والخلل

نحى كل منهما الموسيقى جانبًا، لكنها ما زالت تطاردهما..
في تلك الجلسة التي افترشا فيها الأرض بأريحية، وأمام تلك الطاولة المنخفضة .. جلست بتركيز في ما بيديها من عطور معتقة ..
وجلس هو بتركيز ..فيها.
لم يكن ليرفض سؤالًا منها للمساعدة .. وربما هو من عرض المساعدة وألح، لا يهتم..
لذا فقد جاورها ملبيًا كل تطلبه بين الحين والآخر باستمتاع ليس خفيًا أبدًا .. فحاجبيه المقطبين اهتمامًا بما تفعل وكأنها تخترع الذرة، وإسراعه لإحضار ما تحتاجه هي بحماس .. جعلاها تبتسم وهي تشرح له بشغف عن كل ما تفعله..
_هذه الأنواع من العطور ليست المفضلة لديَّ، لكن بعد دمجها ستجد رائحة مختلفة تمامًا.. مزيجًا من العطر النفاذ في لذعته، والعطر الهادئ في رقته، والأنثوي في سحره!

رجت الزجاجة الأنيقة في يدها قبل أن تنثر قطرات منها فوق بشرة كفها البضة.. لترفع قبضتها إليه بدعوة للاقتراب وتجربة تلك الحالة التي تحكي عنها بشغف وكأنها تعيش رومانسية حالمة مع زجاجة عطر!
دنا منها قليلًا ليميل برأسه ببطء على كفها الممدود .. احتكت أنفه بيدها في لمسة بسيطة غير مقصودة .. لكنها كانت مدغدغة لحواسهما المخدرة بدفء محبب ..
هي لا تعزف .. ولا يوجد أي مصدر للصوت في حدود المنزل أو خارجه في هذه اللحظة.. إذن من أين تأتي الموسيقى؟
رفع عينيه إليها ببسمة صغيرة، ليهمس وكأنه يضيف ملحوظة لخلطتها السحرية :
_وهكذا أخذ المزيج من كفك نعومته.
انبعثت السخونة من وجهها، فسحبت كفها بصرامة زائفة قائلة بتهكم رغم شبح الابتسامة فوق شفتيها :
_أرأيت حين ابتعدت عن الابتذال كيف أنار وجهك؟
قهقه فريد بشدة متلذذًا بردود أفعالها حين يباغتها شعورًا عفويًا يكسر جدار الفتور بها .. فقد أيقن أنها تترك العنان لروحها فقط عندما تفعل ما تحب .. كالعزف أو تجربة ومزج العطور  .. يسيطر الشغف عليها فتظهر بحماس مراهقة في الرابعة عشر لم ترَ من الحياة شيئًا .. ويتابعها مستكشفًا إياها بخفة روح شاب في الثانوية ما زال ينقب عن كل ما هو جميل ومزهر.

قالت متهربة بينما تنهض عن جلستها ممسكة بالقارورة الصغيرة :
_توقف عن الضحك واذهب لتحضر العطور الرجالية، وأنا سأضع هذه في الثلاجة.
استقام متجهًا إلى غرفتها القريبة بينما يسأل :
_أين سأجدهم؟
أجابت دون أن تلتفت :
_ في الخزانة الصغيرة بجانب الفراش، في الجارور العلوي على ما أتذكر.
لم يأخذ الكثير من الخطوات كي يصل إلى مبتغاه في تلك الغرفة الصغيرة كسائر المنزل .. اتجه إلى الجارور العلوي ليبحث به ثم هتف :
_ليست هنا!
أتاه صوتها ببساطة مستنكرة :
_إذًا ابحث في الجارور الثاني!
أعاد الكرة دون فائدة، فأوشك على البحث في الأخير إلا أن هتاف قوي منها أوقفه :
_لا.
تحركت تجاهه مكملة بتوضيح :
_هذا الجارور مغلق، لا أضع به شيئًا.
ثم تحركت تبحث في الخزانة الكبيرة دون إضافة كلمة أخرى .. فنقل عينيه بينها وبين ذلك المغلق .. وقد أثار تجهم وجهها المفاجئ الريبة في نفسه!

هان الودWhere stories live. Discover now