الفصل التاسع

175 5 1
                                    

قيلت في الحماقة وها أنا ذا أحاجيها .. فلكل داء دواء يستطب به .. إلا المحبة أعيت من يداويها.

_اسمعني يا بني آدم، فعلنا هذا لأجلك!
صاح بها فريد بغيظ مُحدثًا شقيقه الثائر على الهاتف، فأتاه رده بصياح مقابل وإن كان بشكلٍ أقوى :
_لا تتمسك بدور المصلح ذو النية الصافية رجاءً، فكلانا يعلم أنك لم تقصد إفادتي وتلقيني درسًا .. أغلق الآن قبل أن أتفوه بكلمات لن ترغب بسماعها.
أوشك فريد على الحديث مبررًا رغم علمه بصحة قول أخيه، قبل أن يقاطعه الأخير هاتفًا بنفاذ صبر :
_انهِ المكالمة يا فريد قبل أن أنهيها أنا في وجهك، فصدقًا أنا أتمسك بآخر شعرة تعقل لكونك أخي.

تنهد فريد بندم .. لم يتوقع أن يؤنبه ضميره بذاك الشكل في لحظة كتلك!
لكنه رد بهدوء تاركًا إياه حتى يهدأ قليلًا ليتسنى له خلق حوارًا صحيحًا معه :
_حسنًا يا أخي .. وداعًا.

نهض عن جلسته المنفردة في ذلك المنزل التابع للشركة التي يعمل بها .. مستعيدًا ما حدث خلال السويعات الماضية بعد اشتباكه الكلامي مع شقيقته إلهام هاتفيًا، وما تلى ذلك من إخلافها لاتفاقٍ سابقٍ بينهما تعهدا ألا يخلا به أبدًا .. لكن من حديث أخيه خلال مكالمتهما العاصفة تلك استشف أنها لم تخبره بكل شيء .. وهو شاكر لها على ذلك رغم سخطه الشديد عليها لفعلتها تلك.
أزاح ستارًا شفافًا بعض الشيء ليقف أمام الشرفة الواسعة المطلة على أحد شوارع العاصمة المزدحمة ..
باهتة ..
جميع الأماكن باتت باهتة في نظره ..
هل توقع لانبهار البدايات أن يدوم؟
صدقًا هو حتى لا يعرف إن كانت حقيقة الأمر باهتة ككافة شيء في نظره، أم أن بهتان روحه هو ما يطغى على جل ما حوله!

كطفلٍ صغير ظن أن في ابتعاده عن قيود عائلته حرية فوجد نفسه وحيدًا مشرد النفس والفكر .. يشتاق لتربيتة حانية من أمه تخبره بأن كل شيء سيكون على ما يرام ..
لمَ النضج مرهق إلى هذا الحد؟
لمَ لا يمكنه العودة والارتماء بحضن والدته باكيًا معتذرًا عن ظنه في البُعد عنها الملاذ؟

مرت دقائق طويلة على وقفته مُطبقًا جفنيه في حاجةٍ ماسة للراحة .. ومن يراه بهذا الوضع يظنه رائقًا مستمتعًا بتلك النسمات الباردة، لا ينقصه سوى كوب من مشروبه المفضل لتكتمل لوحة الاسترخاء في نظر الجميع!

لم تنقطع حالته المتجمدة إلا من رنين هاتفه المُلح .. وقد علم هوية المتصل دون مجهود في التفكير ..
ومن سواها قد يحاول الوصول إليه وهي قد دمرت أواصر الأخوة بين ثلاثتهم لحين لا يعلمه إلا الله ببضعة كلمات سقطت على رأس أخيهما كالقنبلة!
ورغم كل هذا .. هو ليس مستاءً منها أبدًا، فهو المخطئ والمسؤول الأول والأخير عن الأمر وإن عاونته هي في الكتمان .. وكأن الأمر يخصهما فقط ليخفياه عن شقيقهما المعذب لكل هذا الوقت!
هو المذنب وهي من تحاول الاتصال به لتعتذر ..
لتبرر إخلافها لوعدٍ لم يكن من المفترض أن يقطعاه من البداية!

هان الودWhere stories live. Discover now