الفصل الثالث عشر

141 5 0
                                    

تَراءَى التيهُ في عينيه، قريبٌ بعيد ..
يلوح الوجدُ على مقلتيه .. ويبقى وحيد!

نثر قطرات عطره الرجولي عند جانبي رقبته بهدوء شديد كمن يتجهز لحفل زفافه ..
أعاد وضع قارورة العطر بمحلها بينما يرتدي ابتسامته ببشاشة دومًا ما حُسد عليها.
صديق العريس .. بقمة هندامه في حلة ثمينة تعزز من "هيبته" ..
ربما لم يقترن اسمه بتلك الكلمة كثيرًا .. لكن شخصيته في حد ذاتها ليست بذلك المرح الذي يطفو فوق صفحة وجهة .. بل أنه يخشى ريبة المحيطين عند سقوط بسمته ..
قيل له ذات مرة .. أنه يبدو مرعبًا!

التوت زاوية شفتي خطاب بابتسامة متهكمة على ميل أفكاره وهو يغادر غرفته على عجالة تناقض تمامًا ذلك التريث في تجهزه..
أوقفه صوت والده المتسائل قبل الرحيل :
_هل ستخرج؟
اتسعت عينا خطاب مندهشًا من السؤال وهو يمرر نظراته فوق ملابسة متأكدًا أنه لم ينسَ وخرج بالمنامة، ثم رفع عينيه إلى أبيه مجيبًا باستنكار :
_بالتأكيد لم أتأنق للسير في حديقة المنزل!
لم يظهر الامتعاض أو الغضب على وجه والده لإجابته الساخرة، بل استدار دون مبالاة متجهًا إلى غرفة مكتبه وهو يتمتم بيأس :
_لم أُربِّك.

أشاح خطاب بيده بعدم اهتمام بعد التفات والده وهو يهم بالمغادرة .. إلا أنه توقف قليلًا بتردد .. قبل أن يقول مستوقفًا إياه هذه المرة :
_أبي .. هلا تحدثنا بعد عودتي من الخارج؟
استدار شكري بذهول جلي متفحصًا ملامح ولده وكأنه يتأكد أن لم يصبه شيئًا .. إلى أن نطقها صريحة :
_هل أنت بخير يا خطاب؟
سؤاله المتعجب أشعل الآخر غيظًا، فصاح بحنق :
_بربك يا شكري أشعرني ولو لمرة واحدة أننا أب وابنه!
صمت والده محدقًا به للحظات حتى ظن أنه لن يرد .. إلا أنه تكلم بعد هنيهة قائلًا بإقرار ذاهل وكأنه اكتشف الحقيقة للتو :
_أنت عديم التربية بحق!
تململ في وقفته بتذمر متحكمًا في زفرة طويلة مغتاظة ستجعل مظهره طفوليًا أمام أبيه..
بالطبع لم يتحكم بها كي لا يكون وقحًا!
_حسنًا نتحدث بعد عودتك..
نطقها شكري ثم التفت مكملًا طريقه إلى المكتب، تاركًا ولده يبرطم من خلفه إلى أن غادر المنزل..
خرج مسرعًا ليقفز في سيارة صديقه الذي قال بامتعاض متهكمًا فور رؤيته :
_انتهيت من تأنقك يا عريس؟ هاشم أنهى استعداداته منذ نصف ساعة وسبقنا للحفل!
اتسعت شفتاه بابتسامة مستفزة وهو يرد ببرود :
_صديقك متلهف لرؤية عروسه، علامَ سنتلهف أنا وأنت؟
أعطاه حمزة نظرة جانبية مستهجنة أشعرت الآخر بأنه مكشوف وبشدة .. وبينما يدير الأول عجلة القيادة، كان هو يولج برأسه إلى عالم آخر .. حيث تُباد ابتسامته لتحل محلها صفحة جامدة .. تنجح دائمًا في مواراة ما يعتمل بداخله.
~~~
هي تستسلم ..
روحها تهفو إليه .. وإن عاندت ونصبت خلف السور أسوارًا ..
يغلبها بعبورهم كافة مستوطنًا كل قطعة من قلبها المسكين!
"بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير."
انتفاضة ألمت بسائر جسدها، لم تكد تتداركها حتى تلقتها والدتها في أحضانها بسعادة، من خلفها خالتها التي لم يخفَ عليها امتعاضها وهي ترى ابنها يشهد بمنتهى البساطة على عقد قران ابنة خالته التي رتبت دومًا لتكون من نصيبه..
_مبارك لكِ يا جود.
جملة مقتضبة رغم الابتسامة الخفيفة فوق محياها، إلا أنها ردت بود حقيقي وإن لم تمتنع عن جملة مبطنة :
_بارك الله فيكِ، العقبى لعمر وعالية مع من يستحقانهما يا خالتي.
وعلى ذكر سيرة الأخيرة .. تقدمت عالية إليها بخطوات مرتبكة لتضمها بعد تردد قصير مهنئة :
_مبارك لكِ.
جملتها مقتضبة أكثر من والدتها، لكن نبرة الفرحة بها جعلتها تهم بالرد بلطف، إلا أن الأخرى أكملت فجأة :
_عريسك يناظرنا بغل، اذهبي إليه قبل أن يحرقنا بشعاع ليزر من عينيه.
جديتها في إلقاء الجملة قد تكون مضحكة، لكن جود ارتبكت ..

هان الودWhere stories live. Discover now