-حسناً.

جلست قبالتي متلهفةً لرؤية وجهي، تباً حتى أنا نسيتُ معالمه منذ أن وضعت الكيس على رأسي، رأت وجهي ونظرت إليه بتعجب، لم تبدي أيَّ ردِ فعل، فقط بحلقت بي، ثمَّ قالت: أيمكنني التقاطُ صورة؟ أريدها للذكرى، فقد أحببتُ وجهك!

-كلا التصويرُ ممنوع.

-أرجوك.

-قلتُ لا!

-وإن فعلتُ هذا؟ اقتربت منّي لاغيةً المساحة الآمنة بيننا، وقبلتني من خدي، ما هذا الذي تفعلينه يا فتاة؟ ولكن بالرغم من خجلي منها وما فعلته، لقد أحببتُ الأمرَ بطريقةٍ ما، لقد كانت قبلتها ناعمةً بحق، أبعدتها عني وقلتُ صارخاً من خجلي: حسناً!

-ستدعني ألتقطُ لك صورة؟

-افعلي ما تشائين، لا يهم.

-أحبُّكَ كاندل!

أخرجت هاتفها والتقطت صورةً لي، إلى هنا انتهى الأمر، غطيتُ وجهي بالكيس ثانيةً، أمّا صوفي فقد وقفت وهي تتمعنُ بالصورة، سألتها: هل أعجبتكِ لهذه الدرجة؟

أجابتني وعيونها على الهاتف: بالطبع، ألستَ حبيبي؟

رُنَّ جرسُ المدرسةِ فجأة، ودعتني ثمَّ قالت: وداعاً سأذهبُ للفصل.

استغربتُ مما فعلته، فقد كنا نتمشى للفصلِ سوياً، ثمَّ إنّها ذهبت راكضة، لماذا هي مسرعة؟ ألديها حصةٌ مهمة؟ مع أنّها أيضاً كانت تتمشى لحصة الرياضيات، هذا غريبٌ بحق، ما الذي يجري؟

دلفتُ الفصل ورأيتها تصرخُ وتتكلمُ مع شبانّه وفتياته: أرأيتم هذا؟ إنَّهُ وجهُ كاندل، يا رجل كيفَ كان وجهه، إنّهُ غريبٌ ومضحك، أهذا ما كنتم تسمونه بالمسخ؟

لوكاس: أجل هذا هو مسخنا البشع!!

ميرنا: لكن كيف فعلتِ هذا يا صوفي؟

صوفي بفخر: هذا هو عملي، إنّهُ أخرقٌ للغاية!

لوكاس: لا أصدقُ أنّكِ فعلتها حقاً.

ميكائيل: لكن ماذا نفعل لو علم كاندل يا رفاق؟

لوكاس: ومن سيخبره؟

ميكائيل: لن يضطر أحدهم لبذلِ العناء، انظر إنّهُ خلف صوفي مباشرة.

تبدلت ملامحُ كاندل عندما رءاهم يصرخون ويضحكون عليه، هنا كاندل قد أخرجَ غضبهُ على صوفي، وصرخَ فيها هادراً: ماذا تفعلين؟ أهذا جزائي لأنني وثقتُ بك؟!

-كاندل؟!

-لقد تبعتكِ إلى هنا راكضاً خلفك، علمتُ ما كنتِ تفعلينه طوال الوقت، صوفي لقد وثقتُ بك، لماذا تخونين ثقتي؟!

-الأمرُ ليس...

-كفاكِ كذباً صوفي، أنا آسف، لكن أريدُ لسري أن يموتَ معي.

سحبتُ صوفي من معصمها إلى سطح المدرسة بعدما أخذتُ هاتفها من يدها، رميتهاُ على سياجِ السطح، وقفت بصعوبةٍ وهي تتألم، لم تكن تتألم بقدر ما هي خائفةٌ الآن، قلتُ لها بصوتٍ عميقٍ بعدما رميتُ الكيس الذي يعتلي وجهي بعيداً: هكذا أحبُّ أن أراكِ، خائفةً من المسخِ الذي كنتِ تضحكين عليه.

-كاندل أنا... باكية.

-لن تؤثر بي دموعكِ الآن، انسي كاندل القديم.

أولُ ما فعلته أنني كسرتُ هاتفها، وتحسباً لأيِّ ما قد يحدث، أخرجتُ بطاقةَ الذاكرة وكسرتها أيضاً، تحت أنظارِ صوفي المرعوبةِ والباكية، اقتربتُ منها، لغيتُ مساحة الأمانِ بيننا، أدارت وجهها عني، ثمَّ قلت لها: صوفي كنتِ تريدين تقبيلي، سأجعلُ هذه قبلتنا الأولى والأخيرة! لذا أريني وجهك.

-أعادت وجهها قبالتي، أغمضت عينيها الباكيتين، اقتربتُ وقبلتها بعنفٍ إلى أن فقدت قدرتها على التنفس، ابتعدتُ عنها ثمَّ قلت: ليس سيئاً، لديكِ شفاهٌ جيدة. لم تبدِ أيَّ ردِ فعل، فقط تبكي بصمت.

بعدَ هذا كلّه، أمسكتُ بها من رقبتها وبدأتُ بخنقها، فعلتُ هذا بدونِ وعيٍّ مني، لقد شعرتُ بأنَّ أحداً ما يخبرني بفعلِ هذا، أخرجتُ كلَّ غضبي المتراكم عليها، انتهيتُ منها وأنا أبكي، ولم أعد لوعيي وما أنا عليه إلى أن ماتت بين يدي، لكن الغريب، أنني لم أبدي أيَّ ردِ فعل، أدرتُ ظهري عليها، وقلتُ لها: كلُّهُ بسببكِ صوفي.

في هذه الأثناء كان الطلابُ قد أخبروا المعلمين، أخذوني لمخفرِ الشرطة، فأنا الآن مجرم، وهذا هو سببُ وجودي هنا حضرةَ الطبيب، أمّا عن أمّي، فقد منعها زوجها من الذهاب، خاصّةً بعدما دخلت في حالةِ اكتئابٍ مما فعلت، وهذه هي قصتي الكاملة.

-عظيمٌ جداً، والآن ختاماً عزيزي أريدُ رؤيةَ وجهك حتى أستطيع التعاون معك.

-أستفعلُ هذا حقاً؟

-ثق بي يا بني.

-حسناً.

وبالفعل أريتُ وجهي للطبيب، وما إن رءاه حتى انفجر ضاحكاً علي، اعتذر ثمَّ قال: أسفٌ بني، لكنَّ وجهكَ غريبٌ فعلاً، لم أستطع كتمَ ضحكتي.

لم أتحمل ما يحدث، قلتُ لهُ صارخاً: كفى!

ارتعدَ الطبيبُ خوفاً، خاصّةً أنَّه رءاني أبكي، قمتُ من على الكرسي، أراد الطبيبُ أن ينادي الحراس، لكنَّهُ أعرضَ عن هذا عندما رءاني أتوجه للنافذة الوحيدة في الغرفة، فتحتُ تلك النافذة اللعينة، ورميتُ نفسي منها، ولأوَّلِ مرةٍ في حياتي أرى غروبَ الشمسِ بهذه الطريقة، لقد كان هذا آخر ما أشاهده.

خلاصة:

كلنّا مختلفون، ولا أحد كاملٌ غير الله، وأغلبنا من يحكمُ على شخصٍ من شكله قبل أن يكتشف شخصيته، قد يكونُ شكلنا مختلفاً، لكنَّ الكلمة السيئة غالباً ما تؤثرُ فينا بسلبية، مهما تناسيناها، ستظلُّ محفورةً بذاكرتنا للأبد، وهذا ما حدثَ مع بطلنا كاندل، لسنا كلّنا بنفس القدرِ من الحساسية، فمثلما هناك من لا يتأثر، هناك من يبكي دماً على وسادته ليلاً، علينا أن نختار كلامنا وأفعالنا بعناية فربما قد نؤذي غيرنا بها، وعلينا ألا ننسى أننا محاسبون عليها في الآخرة.

النّهاية!

رجلُ الكيسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن