الحادث...

76 11 7
                                    

Read&Vote,Follow&Share

كثيراً ما تخبرني أمِّي أنني كنتُ حسن الشكلِ في صغري، تخبرني أنَّ كُلَّ أقاربنا والجيران قد حسدوها لأنَّها رُزِقت بولدٍ جميلٍ مثلي، كانَ وجهي أبيض كقمرٍ في طورِ البدر، بشعرٍ جميلٍ ومرتب، حسبَ ما تقولُ أمِّي فأيضاً رائحتي كانت عطرة بسبب أنَّها تستعمل بودرة الأطفالِ وتخلطها بماءِ الزهر ثم تدهنني بها بعد الحمام، كُلُّ من يراني يتعجبُ من شكلي ويتساءلُ كيف لي أن أخلق جميلاً وبإضافةٍ بسيطة أصبحُ جذاباً، كنتُ بريئاً بأعينٍ لامعة، فكان الجميع يحبونني ويتقربون مني.

كما أسلفت، والدي لم أكن أره كثيراً في المنزل، كنتُ أذهب للمدرسةِ وهو نائم، وأعود للمنزل فلا أجده، كان كثيرَ الانشغال، رُبما أراه مرةً في الشهرِ فقط، على الرغمِ من كثرةِ أشغاله، لم يكن معطاءً، كان بخيلاً، أمِّي لذلك كانت تعمل حتى لا أشعر بفرق، لذلك لم أكن آبهُ لوالدي كثيراً إن تواجد أم لا، في النهاية لن أستفيد منه شيئاً.

في عامي الأول من المدرسة نجحتُ بعلاماتٍ ممتازة، كنتُ الأوَّل على مدرستي، وعندما رآها والدي أعجبَ بذكائي، لهذا وللمرة الأولى قرر أخذي ليشتري لي لعبةً ما، ويالسعادتي، ذهبنا وتبضعنا واشترى لي أيضاً مثلجات، لقد كان حلماً بالنسبة لي أن اشتري لعبةً غالية وبعدها أقضي وقتاً ممتعاً، وعند عودتنا من المنزل، طلبَ مني والدي أن أضع اللعبة في غرفتي وأخبرني أنَّه عليَّ مرافقته -بحكمِ أنني أرافقُ أمِّي طول الوقت- لأنه يريد شراء هديةٍ لأمِّي بمناسبة يومِ ميلادها، لقد فرحتُ لهذا كثيراً وتغيرت الصورة النمطية التي كنتُ أحتفظُ بها عنه، وفي طريقنا لجلبِ الهدية، كنتُ أتمشى أمام والدي أدندن بأغنيةٍ ما، ونحنُ نقطعُ الشارع مرت سيارةٌ مسرعة، لحق بي أبي بسرعة، لذلك كان مصيره معروفاً، لقد مات.

غبتُ عن الوعي لفترة، صحيتُ في غرفةٍ ما في مشفى، كان الأمرُ مؤلماً أن ترى جسدك مغطًى بلفافاتٍ بيضاء مليئةٍ بحبرٍ أحمر كما كنتُ أُسميه في صغري، أو ما يعرفُ بالدم، تقريباً قد أُغمي علي 3 مراتٍ بسببِ رؤيتي لكميةِ الدمِ تلك، لكن ما صدمني أكثر، أمِّي ليست بجانبي، أمِّي بعيدةٌ عني، تبكي بحرقة وتصرخُ بأسى، ذلك العويل الذي لن أنساه، "عد عد أرجوك عد، ألم تقسم على أننا سنبقى سويةً للأبد ونربي طفلنا الجميل؟ عُد أرجوك، ألم نتعاهد أن نموتَ سوياً؟ لماذا خُنت العهد وتركتني؟ أهذه نتيجةُ حُبِّي لكَ وعطائي؟ أرجوك عُد" كانت تصرخُ بأشياء كتلك، وانفجرتُ باكياً أنا الآخر، ليس للألمِ الذي اكتسح سائر جسدي، بل لبكاءِ أمِّي المتواصل، ظننتُ أنني بهذا قد أخفف عنها، هراءُ أطفال.

بعد بضعةِ أيام حان وقتُ نزعِ الضمادِ عن وجهي، بصراحة لم أكن محبذاً للموضوع، نزعُ الضماداتِ مؤلم، لكن لا مفر، وهنا صدمةٌ أخرى بعد موتِ أبي، نظرتُ لنفسي في المرآة، وجهي الجميل الذي مدحهُ الكثيرون، تشوه بشدة، حتى ولو سويتُ الأمر بعملياتِ التجميل فإنّه لن يعود أبداً كما كان، أنفي لم يعد لهُ سوى فتحتي تنفس، وجهي كلُّه مغطًى بالدماء الجافة الذي يعتبر نزعها مؤلماً وصعباً، آثارٌ لعجلات السيارة على خدي الأيسر وعلاماتُ حرق، لقد تشوهتُ بالكامل، أردتُ الصراخ، في الحقيقة كنتُ أسمعُ أحداً يصرخ، كنتُ لا أستطيعُ الصراخ، لم أستطع التنفس من الصدمة وهولِ المنظر، لكن بطريقةٍ ما كنتُ أنا من يصرخ!

صدمة، صمت، صراخ، عويل، بكاء، كُلُّ هذا حدثَ في عشرِ ثوان، ومن ثمَّ رميتُ المرآة على الحائط المجاور، تهشمت ونثرت شظاياها علي، وبما أنَّ وجهي كان لا يزالُ حساساً، وبما أنني قذفتها بقوة، ارتدادها كان قوياً بما يكفي لتصيبني شظيتان منها أو أكثر، ويزيد تشوُّهي سوءاً، أظنني أستحقُ هذا، فقد سيطرَ عليَّ غضبي ولم أستطع كبح نفسي، ما إن يسيطر الغضب على المرء، حتى يُفقِدهُ عَقله وصوابه، يجعله لا يرى ما أمامه، وفي النهاية يحصلُ ما لا يُحمَدُ عُقباه، ضُمِدتُ مرة أخرى، وخلدتُ للنوم بعد ذلك، سيزيلون ذلك الضماد الغبي بعد أيام، وسأعود لمزاولة حياتي حينها، حياتي التي لا أعلمُ كيف ستستمر وأنا بهذا الشكلِ العقيم.


يتبع...

رجلُ الكيسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن