العودة ومزاولة الحياة!

53 11 4
                                    

كنتُ قد حفرتُ فكرةً في ذهني، أنني لا أريدُ العودةَ لحياتي القديمة، ولا أريدُ أن يراني أحدٌ بهذهِ الهيئة، ولا أريدُ أن أرى أحداً من الأساس، أريدُ الانعزالَ عن كلِّ العالم، أريدُ للأرضِ أن تنشقَ وتبتلعني...

دخلت عليَّ أمِّي، جلست على طرف السرير، ثم قالت مشيحةً ببصرها عني: لقد قال الطبيبُ لي أنَّكَ تستطيعُ الخروجَ من هنا بعد ثلاثةِ أيام، وغداً ستأتي الشرطة لإقفالِ ملفِ القضية فقد ألقوا القبضَ على من دهسكما أنتَ ووالدك.

-هذا جيد أمي. قلتها مع ابتسامةٍ مصطنعة، لأنني أعلمُ أنها الآن مشيحةٌ بصرها بسببِ بشاعتي، بالكادِ تخطت صدمةَ موتِ والدي والآن لديها أنا المكسور والمشوه صاحبُ العظامِ المحطمة، يا رجل لقد حطمتُ أرقاماً قياسيةً بالمفاجآتِ لتلك المرأة، لقد عانت لدرجةِ أشعرُ بثقلِ الحملِ على كاهلها، نهضتُ من سريري، دنوتُ منها وعانقتُ ذراعها مبتسماً، ثم قلتُ لها بصوتي البريء: ماما كفي عن الشعورِ بالذنب ليس لكِ يدٌ بهذا، إنَّهُ خطأي فلم أنتبه أنني أسيرُ في شارع ولم أفعل ما علمتني إياه عندما أقطعُ الشارع، أرجوكِ لا تبكي، الأمّهاتُ لا يبكين.

عانقتني أمِّي بقوة وأخذت تبكي، لا أعلمُ السببَ هذه المرة، لكنها استمرت بقولِ أنَّها تعدني بعدم البكاء بينما هي تبكي، أظنُّ أمّي مجنونةً بعضَ الشيء، لكنني عذرتها، كانت بحاجةٍ لكتفٍ ما تسندُ رأسها عليه فقط.

وبعد ثلاثةِ أيامٍ بالفعلِ خرجتُ من المشفى، وضعتني أمي في السيارة، وأخذت تقودُ للمنزلِ فرحة، فقد شغلت الموسيقى الصاخبة، وباتت تغني الأغاني وتحركُ يدها مستمتعةً بالأغاني، رغم أنني أكرهُ هذا الجوَّ حقاً لكنني فرحتُ لأنَّ أمِّي تخطت ما حدثَ معها، والآن بعد ساعةٍ من القيادة، طبعاً كنا تأخرنا لأننا جلبنا أكلاً جاهزاً من المطعمِ معنا، لكن المهم أننا في المنزلِ الآن.

بينما نحنُ نتناولُ الطعام كان هناكَ صمتٌ رهيب قد دام بيننا، لربما لأنَّها أولُ مرةٍ نأكلُ دون وجودِ والدي في حياتنا، أقصد كانت والدتي تخطئ كل دقيقتين وتقولُ أنَّها سترفعُ حصةً له ثمَّ تتذكرُ أنَّهُ غيرُ موجودٍ من الأساس، لذا حاولتُ أن أفتحَ موضوعاً معها: ماما! ماما!

-ماما واحدة تكفي، لمَ التبذير؟

-ماما عندما أتعافى تماماً هل يمكنني اللعبُ مع سيري ونوا؟

-سيري ابنةُ جارتنا فيرا ونوا ابنُ جارتنا ماريا؟ وكأنّها مستغربة.

-أجل، إنَّهما صديقاي منذُ الحِضانة! مبتسماً بحماس.

-أجل، أجل. متصنعةً الابتسام، ثمَّ تابعت أكلها بصمت، انتهت، غسلت يديها، ثمَّ دلفت غرفتها ونامت.

أمّا عني فقد ذهبتُ لغرفتي، جمعتُ ألواني وبدأتُ الرسم، لا أعلمُ ما قد يحمله لي الغد، بقيتُ أرسمُ حوالي نصفِ ساعة، ثمَّ غلبني النعاسُ ونمت.

رجلُ الكيسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن