ما بعد الابتدائية

27 6 0
                                    

بعد ما حصلَ في حفلِ التخرجِ آنذاك، قررتُ وضعَ الكيسِ على رأسي حتى لا يعرفني أحد، وحتى لا يتنمر عليَّ أحد، كرهتُ كلَّ شيءٍ من بعد ماحدث، حتى أنني كرهتُ نفسي، سيري انتقلت إلى منطقةٍ أخرى، ونوا ذهبَ لمدرسةٍ خاصّة، أما أنا فقد قررت أمّي أن تسجلني في مدرسةٍ حكوميّة لتخفيف المصاريفِ قليلاً عليها، لم أبدِ أيَّ اهتمام إلا إنني لم أعترض أيضاً، لكنني بعد ما حدث، وضعتُ كيساً ورقياً على رأسي، وقررتُ الاعتكافَ في غرفتي لبعضِ الوقت.

مرَّ عليَّ يومان وأنا في غرفتي، لا أفعلُ شيئاً، لم آكل، ولم أنم، فقط جالسٌ على الأرض، متكئٌ بظهري على السرير، لا يشغلُ بالي شيء سوى سيري، جفت دموعي من كثرةِ البكاء، في النهاية لم أكن ذلك الشخص الذي يستحقها، أنا فقط شخصٌ بشع لن ينظر إليّ أحد، سأبقى هكذا، منبوذاً من قبل المجتمع، لا أحد سيتقبلني أو سيحبني سوى أمّي، هذه هي الحقيقة.

طرقت أمّي الباب مراراً، لم أكن أجيب، حاولت فتح البابِ أيضاً لكنني قد أقفلته سابقاً، لذلك قد صاحت من خلفِ الباب: كاندل أيُّها الغبي! أتظنُّ أنَّ جلوسكَ هنا سيفرق مع أحد؟ أنتَ تفكر الآن بأن لا أحد مهتمٌ بك أليس كذلك؟

رفعتُ رأسي، لم أرد لكنني كنتُ أستمعُ لها بكلِّ هدوء، لاحظت هذا ثمَّ تابعت: إن كان لا أحد يرحبُ بوجودك، إذن افرض وجودك عليهم، لقد خلقكَ الله لسببٍ ما، لا يحقُ لهم الاعتراض على هذا!

حركت كلماتها شيئاً ما فيّ، قمتُ من مكاني وفتحتُ الباب لها، استقبلتني بعناقٍ قوي، ثمَّ قالت ببحةٍ من البكاء: أيُّها الغبيّ لقد افتقدتك...

-أنا أيضاً يا أمّي.

كانت أمّي هي الشخص الوحيد الذي يعطيني هذا النوع من الطاقة الإيجابية، لا يوجدُ شخصٌ مثلها في هذا العالم، أشكُ أنَّه سيكون هناك شخصٌ يتفهمني هكذا، بل ويحفزني حتى، إنّها نعمةٌ يجبُ أن أشكر الله عليها!

طبعاً طوال فترةِ العطلةِ الصيفية لم أكن أخرجُ من المنزل، لذلك سأتخطى هذه الفترة وأنتقلُ فوراً لفترةِ العودةِ للمدرسة، عودتي كانت شيئاً عادياً، أمي توصلني، أودعها، وأدلفُ المدرسة بكلِّ هدوء، الطلاب يتهامسون بشأني وشأنِ الكيس الذي فوق رأسي، لكنني لا أهتم، يأتي صبيٌّ ما يبصقُ في وجهي ويخبرني أنَّ الكيس عفن وأننا في مدرسة ولسنا في حفلةٍ تنكرية، لكنني أيضاً لم أبدِ أيةَ ردةِ فعلٍ لما يحدثُ حولي، لقد اعتدتُ على هذهِ التصرفات، مضايقاتٌ ومحاولاتٌ ليجعلونني أنزعُ الكيس عن رأسي، لكنّهم فشلو فلا شيء سيغيظني بعد الآن ويجعلني أدافع عن نفسي وشكلي، رويداً رويداً خلال الشهرِ الأولِ من الدراسة، لم يعودوا يتكلمون معي لبرودي هذا، لذلك ظننتُ أنني نجحتُ في فرضِ وجودي عليهم.

-هذا جيدٌ كاندل، إذن قد استطعت التخلص من تنمرهم!

-كلا أيُّها الطبيب، لم يستسلموا بهذهِ السهولة للأسف...

-مثيرٌ للاهتمام، ماذا فعلوا؟

هناكَ أحدٌ من الطلابِ في الفصلِ الثاني علم أنني ابنُ المعلمةِ ليا من المدرسةِ الابتدائية، لقد كان معي في نفسي الفصل آنذاك، سدعى لوكاس، لهذا أخبرهم عني وكيفَ كنت وكيف شكلي، وتكلم عن مشاكلي الأخيرة في المدرسة، بعد هذا زادو من حدةِ تنمرهم، أصبحوا عنيفين بشكلٍ ما، لكنني أيضاً لم أبدِ أيةَ ردةِ فعل، كنتُ بارداً جداً، كان هذا يستفزهم ويشعلُ فتيلَ غضبهم.

علموا بأمرِ سيري -الفتاةِ التي أحب من الابتدائية- لذلك قرروا أن يستعملوا هذا ضدي، وجدوا فتاةً تشبهها في مدرستهم.

-هل كنتَ واقعاً في حبِّها؟

-رويدكَ أيُّها الطبيب، إن كانت تشبهها في الشكل فلا يعني هذا أنَّها ذاتُ الشخصية! بالطبع لم أحبّها.

-أيُ نوعٍ من الأشخاصِ قد كانت؟

-كانت متعجرفة ومتكبرة، ربما تشبه سيري لكنها لم تأخذ منها سوى الشكل، أما شخصيتها فهي بعكسها تماماً.

-عظيم ماذا حدثَ عندما وجدوها؟

كانوا يريدون أن أقعَ في حبّها، لعبَ عاملاً في هذا الفتى الذي كان في فصلي -أقصدُ لوكاس، بات يحاول إقناعي بشتى الطرق لكنني كنتُ أرفض، قال أنّها ستتقبلني وهذا الكلامُ الفارغ، فأخبرته أنني لا زلتُ صغيراً على هذا ولا أريدُ الارتباط، وأنا بالأساس أحبُّ سيري فقط ولا أريدُ غيرها، والأفضلُ بدل هذا الهراء أن نركز على دراستنا حتى ننجح في الاختباراتِ النهائية، امتعضَ حينها ولم يعجبه ما قلته، أيّ أنَّ خطتهم فشلت مجدداً، لكن هيهاتَ أن يستسلموا.

-ماذا فعلوا؟

-تخيل أنَّهم فهموا المغزى أنني لا أريدُ الارتباط لأنني صغيرٌ الآن! ضاحكاً.

-هل انتظروكَ حتى تكبر؟

-أجل، لا أعلمُ ماذا رضعوا وهم صغار حتى يكونوا بهذا الغباء، آهٍ يا رجل.

-أكمل من فضلك.

بعد أن فهموا المغزى هذا حاولوا معي في السنةِ الثانية من الإعدادية، قالوا أنَّها تحبّني وتريدني وأنَّها تراني مميزاً بين الجميع، فقلتُ لهم الآتي: دعوها تقولُ هذا الكلام لي إن كانت جادةً في هذا، أنا لن أذهب لها، أليست هي من تريدني؟ إذن فلتركض ورائي وتلحق بي، وإن رأيتُها جادّةً فعلاً فسوفَ أخرجُ معها وألبي طلبكم.

قالوا أنّ هذا لأجلي وأنَّهم لا علاقة لهم بهذا، بل هم يريدون لي أن أعيد إحياء قلبي لعلّني أبتهج بعد فراقِ محبوبة طفولتي، أمّا هم فلن يجنوا أيّ شيءٍ من وراءِ هذا (ملاحظة الكاتبة: غسلوا يدهم)، فأخبرتهم أنّهم هم من جاءوا لي يطلبون مني مواعدتها، لذلك ظننتُ أنَّها رغبتها، تعجبوا من أنني واعٍ لهذا الأمر، فانصرفوا بعد فشلهم.

-هذا جيد، وماذا حدثَ بعد هذا؟

-جاءت لي الفتاةُ بنفسها في السنةِ الثالثة!

-أعتقدُ أنّها جريئةٌ قليلاً لتفعلَ هذا.

-كلا بل هم من قام بحشوِ رأسها لتفعلَ هذا.

-جميلٌ جداً، ماذا حدثَ بعدها؟


يتبع...

رجلُ الكيسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن