ثورة ما بعد الصدمة

65 10 5
                                    

Read&Vote,Follow&Share

بعد ما حلَّ بي وما رأيته، كلما زارتني أمي كنتُ أغطي وجهي بملاءة السرير، لم أرضَ لها أن ترى ما رأيته من قبح وبشاعة، خفتُ عليها بصراحة، صحيحٌ أنني قد لعنتها في نفسي بضعَ مرات، وتساءلتُ لمَ أنجبتني إن كنتُ سأعاني هكذا في حياتي، لكن أيضاً في نفسِ الوقتِ كنتُ أشعرُ في قرارةِ نفسي ألا علاقة لها، في الحقيقة لا علاقة لها، إنَّهُ قضاءٌ وقدر، لكنني أيضاً خفتُ مما قد تراه أن يؤثر عليها، خفتُ أن قد يحصلُ لها أمرٌ ما مما قد تراه من بشاعة، في النهايةِ استسلمت لها، كلنا نعرف خوف الأمهات وعنادهن على الاطمئنان، كانت تريدُ رؤية وجهي وما حدث به بشدة، إنها عنيدةٌ بحق، يا رجل حتى وأنا ابنها لا أعلم كيف أقنعها أنَّهُ من الأفضلِ لها عدمُ رؤيته، بعد إصرارٍ شديد، أريتها وجهي ويا ليتني لم أفعل...

-ما هذا؟ ما الذي حلَّ بك؟ بصدمة ورعب، أراهن على أنَّهُ قدِ اقشعرت أيضاً.

-لا أعلم، لقد فزعتُ عندما رأيتُ وجهي مثلكِ تماماً. منكساً رأسي للأسفل.

-سأذهبُ لأرى الطبيب، لا تتحرك من هنا. بحزم، أظنُ أنَّها غاضبةٌ الآن.

-حسناً.

-أكرر لك لا تتحرك من هنا مهما حدث. قامت بسرعة وخرجت بعد إنهاء كلامها.

لم أجب، بقيتُ متسمراً في مكاني، همهمتُ لها إيجاباً فقط، ذهبت، ولكن كنتُ أستطيع سماع صوتِ غضبها من هنا، دعساتُ أقدامها كانَ صوتها عالياً حتى من دونِ كعبٍ عالٍ، إنها غاضبة على ما آل عليه شكلي، وأظن -بعد الذي مرت به- أنها ستنفجر غاضبةً في وجهِ الطبيب، ما هي إلا مسألةُ وقتٍ فقط.

-ما الذي تعني بأنكَ لا تستطيع علاجَ تشوّهِ ابني؟ صوتُ امرأةٍ تصرخُ من الخارج، أظنُّ أنَّها أمّي.

-سيدتي أنا فعلاً لا أستطيع لقد تهشمت بعضٌ من عظامِ وجهه، أيُّ عمليةٍ سأجريها له سيزيدُ الأمر سوءاً...

-لا يهمني أريد وجه ابني أن يعود كما كان فحسب، ألستَ طبيباً؟ أليسَ هذا عملك؟ إذاً فلتقم به! بصراخ، إنّها غاضبة بحق.

-سيدتي أنا لستُ جرّاح تجميل، وحتى لو كان ما تطلبيهِ ضمن اختصاصي، فكما قلتُ لكِ، ولا حتى في بلاد الأجانب، لن تجدي أحداً سيستطيع إرجاع وجه ابنكِ لما كان عليه، عظامهُ قد تحطمت سلفاً، ما الذي يصعُبُ عليكِ فهمه؟

-كم تريدُ من المال لتعيد ابني لما كان عليه؟ بخفوت، أظنُّ أنَّها تتكلمُ بيأس.

-سيدتي نحنُ لا نعملُ هكذا أرجوكِ افهميني!

-لا يهمني، لا يهمني الثمن. بصراخٍ ثُمَّ بدأ الصوتُ يخفتُ ويرتجف، أظنُّها تبكي، تابعت: أرجوك أصلح وجه ابني...

-سيدتي أقسمُ لكِ لو أنَّ الأمرَ كان بيدي لفعلت، لكن العملياتِ التجميلية ستزيدُ الأمر سوءاً، وحتى إن أردنا استبدال وجهه بآخر، أساسُ وجهه عظامهُ محطمة، لن ينفع الأمر، عليكما تقبل الأمرِ فقط.

خرجتُ حينها من الغرفة، أمسكتُ بفستانِ أمِّي من الخلف، شديتها ثمَّ قلتُ لها: ماما لا بأس، لا تبكي، إنَّهُ ليس خطأكِ، أنا بخير وهذا يكفي، حتى لو تشوه وجهي، فأنا ما زلتُ هنا، وهذا الأهم، أليس كذلك؟ اختتمتُ كلامي بابتسامةٍ بريئة، مع أنَّ وجهي مشوَّه إلا أنَّ ملامح البراءة لا تزالُ موجودة، عانقتني أمِّي وأخذت تبكي بحرقة، بربك ألا تجفُ دموعك، لا تبكي، الأمرُ يفطرُ قلبي حقاً، لا أستحقُ أن تذرفي عليَّ دموعكِ تلك.

-هل أنتَ بخيرٍ حقاً؟ بعد أن انتهت من البكاء.

-أجل لكن آملُ ألا نبقى هكذا فترةً طويلة، عظامي تؤلمني قليلاً. بابتسامةٍ بريئة.

-لا عليك، قامت ووقفت ثم تابعت: ألم أقل لكَ أن تبقى في الداخل؟

-لقد شعرتُ أنَّهُ عليَّ الخروج.

-لا بأس، سأسألهم متى يمكنني إخراجك، ادخل وابقَ في السريرِ لحينِ عودتي.

أومأتُ لها إيجاباً ودخلت، فَرِحاً أن أمِّي قد تخطتِ الموضوعَ إلى حدٍ ما، لكن بدأتُ أتساءل كيف سيؤولُ الأمرُ إليه عندما أعودُ لمزاولةِ حياتي ثانيةً، حينها انتابني جُزءٌ من الخوف، أنا خائف من أن أعود فلا يتقبلني أحد، خائف، خائفٌ جداً، لدرجةِ أنني لا أريدُ أن أخرج، لا أحدَ سيتقبلني خارجاً، هنا هو المكانُ الآمنُ لي، لا أريدُ الخروج، لا أريد...


يتبع...

رجلُ الكيسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن