العودة ومزاولة الحياة!

Start from the beginning
                                    

صحوتُ في اليومِ التالي متحمساً، تناولنا فطورنا أنا وأمِّي، ولأننا ما زلنا في إجازة، فكما تعلم أمِّي معلمة، وأنا تلميذُ مدرسة، لذلك لدينا أجازةٌ بعد أنتهاء امتحاناتِ الفصلِ الدراسيِّ الأول، حسناً قد سمعت جارتانا ماريا وفيرا بأننا قد عدنا للمنزلِ بالأمس، فقررت جارتنا فيرا المجيء اليوم، أو هذا ما سمعتُه من والدتي وهي تتكلمُ على الهاتف، قد طلبت والدتي مني أن أبقى في غرفتي بعد ذلك ولا أخرجَ حتى تناديني، امتثلتُ لأمرها واعتكفتُ في غرفتي بعد تناولِ الفطور.

رُنَّ جرسُ الباب عند الظهيرة، قامت أمِّي وفتحت الباب، طبعاً غرفتي كانت تطلُ على غرفةِ المعيشة، فكنتُ قادراً على رؤية وسماعِ ما يحدثُ هناك، دخلت فيرا ونظراتُ الأسى المصطنعة باديةٌ على وجهها، عانقت أمِّي وأخذت تنوح وتمثلُ أنَّها تبكي، كم أكرهُ تلكَ الجارة حقاً، لكنَّ ابنتها سيري -التي هي في فصلي- لطيفةٌ بعكسِ أمِّها.

جلستِ المرأتانِ يتحادثانِ بما حدثَ في الأيامِ الماضية، فسردت أمِّي لها كلَّ شيء، وهي تمثلُ أنَّها مصدومة، كالعادة، فزوجها يعملُ في الشرطةِ أساساً، فمن الطبيعي أن يعلمَ بكلِّ شيءٍ ويخبرها، وهي تعلمُ أننا نعلمُ أنَّها تعلم، لكن لا أدري لماذا لا تزالُ تستمرُ في هذا.

-ما الذي حدثَ لابنكِ؟ هل مات أيضاً؟

-لا! صارخة، لم يمت كلا.بنبرةٍ أخف، قد شعرت بنفسها وهي منفعلة.

-حسناً ما الذي حدثَ معه؟

-تشوَّهَ وجهه وتهشمت بعضاً من عظامه. منكسةً رأسها للأسفل ومشيحةً بنظرها عن الجارة.

-يا للأسف، هل يمكنني رؤيته؟

-أخافُ أن ترتعبي من منظره، لقد بقيتُ يومين حتى تقبلتُ شكلهُ هذا.

(ملاحظة الكاتبة: مشكورة على جبر الخواطر يا حجة)

-لا عليكِ، لا أظنُّ أنَّ الأمرَ سيكونُ بهذا السوء. محاولةً التخفيفَ عنها.

-لا خيارَ لدي، كاندل! تعالَ إلى هنا يا بني!

قمتُ بفتحِ الباب وخرجتُ إليهم، كنتُ قد غطيتُ وجهي بيديَّ سلفاً، كنتُ خجلاً من منظري هذا بصراحة، طلبت جارتنا أن أزيلَ يديّ، لكنني رفضت وهززتُ رأسي نافياً، أمرتني أمِّي أن أزيلهم مخبرةً إياي أنَّهُ لا بأسَ بهذا، وعندما أزلتهم، رأتني جارتنا وابنتها، جارتنا فيرا قد بقيت خمسَ دقائق، أو ربما أكثر، وهي تنظرُ إليَّ مرعوبة، فمها مفتوحٌ كأنهُ مغارة، خائفة، يمكنني رؤيةُ يدها وهي ترتجف، صوتُ فنجانِ الشاي وهو يهتزُ فوق الصحن، سيري قد قامت من جانبِ أمِّها وجلست تتلمس وجهي، أنكستُ رأسي للأسفل، لكنها رفعته ببراءة، أخذت تنظرُ إليَّ بعينينِ تبرقان، ابتسمت ثمَّ قالت: حتى لو كانَ وجهكَ هكذا ستبقى صديقي المفضل، وسأبقى ألع...

-سيري ابتعدي عن هذا المسخِ البشعِ الآن! صارخة.

-أمِّي لكنَّه ليس...

-قلتُ ابتعدي الآن ولا تلمسيه، اذهبي واغسلي يديكِ من هذا القرف! صاحت هادرةً مجدداً.

-أمِّي!

بصراحة كلماتها قد أثرت فيني بشدة، لكنني أبيتُ البكاء، ذهبت سيري لتغسلَ يديها، أمَّا فيرا، فقد قامت برمي كوبِ الشايِ الساخن على وجهي، سقطتُ أرضاً من الألم وبدأتُ أصرخُ وأبكي، ثمَّ داست بقدمها على رأسي وصاحت بي: لا تقترب من ابنتي ثانيةً أنا أحذرك أيها الوغدُ المقرف، لو أنَّكَ مِتَّ في ذلك الحادث ألم يكن أفضلَ لك من أن تعيش؟

لم أستطع الحراك ولا حتى الرد، كان نفسي يتقطعُ فقط من الخوفِ وقدمها التي تهرسُ أنفي، لكنني سمعتُ صفعةً ما، على الأرجح أنَّ أمِّي قامت بصفعها، ثمَّ سمعتُ أمِّي تقول: يكفي هذا، أزيلي قدمكِ اللعينة عن ابني، أنتِ من طلبَ رؤيتهُ رغم تحذيري لكِ.

أزالت فيرا قدمها عني وتقدمت من والدتي، تريدُ ردَّ الصفةِ لها، لكنَّ أمِّي أمسكت بمعصمِ فيرا بقوة، جارَّةٍ إياها خارجَ المنزل، وصاحت في وجهها: لا أريدُ رؤيتكِ ثانيةً في منزلي، اخرجي أنتِ وابنتكِ أيتها المتغطرسة ولا تعودي ثانيةً، سأكسرُ قدمكِ لو أنَّكِ اقتربتِ من عتبةِ بيتي، مهما كنتِ بالنسبةِ لي، لا أحد حتى زوجي نفسه، لن أسمحَ لأحدٍ أن يهين ابني أمامي وأبقى هكذا مكتوفة اليدين، سأربي ابني وأجعلهُ يكبرُ بحبٍّ وحنان، سأجعلهُ يحبُّ الحياة، حتى وإن كان مشوَّهاً فهو ما زالَ لديهِ الحقُ بالعيش، لستِ إلهاً حتى تقرري متى يموت، أفهمتِ؟

-سيري سنعود لمنزلنا، تعالي إلى هنا، وأنتِ أيتها البشعة أمُّ المسخ...

-لم تكمل كلامها حتى إلى أن جاءتها صفعةٌ أخرى من أمِّي، لقد أعجبتُ بهذا حقاً، أخرجت أمِّي سيري من منزلنا، وأغلقتِ البابَ في وجهِ فيرا التي لا تزالُ تشتمنا، تلكَ المرأةُ لسانها سليطٌ بحق، عادت أمِّي ونظفتني ووضعت لي مرهمَ الحروقِ على وجهي، هناك بعضُ الجراحِ العميقة التي قد فُتِحت، لكنها ضمدتها أيضاً، سألتها بأسى: هل أمُّ نوا ستفعلُ مثل أمِّ سيري؟

-لن نعلمَ حتى يزورونا، وإن فعلت لا تقلق، سأريها ما تستحقه هي الأخرى. مبتسمةً.

ابتسمتُ أنا الآخر وقلتُ لها: أنتِ أفضلُ أمٍّ في العالم.

عانقتني وقالت: وأنتَ أجملُ ابنٍ في العالم. ثمَّ انفجرت باكيةً على كتفي، يا إلهي تلك المرأة لا تكفُ عنِ البكاء، لكنني بدأتُ أخافُ من ردةِ فعلِ نوا وأمِّه، نوا صديقي المقرب، لا أريدُ أن أخسرهُ هو الآخر.


-يتبع...



رجلُ الكيسWhere stories live. Discover now