الفصل السادس

7 1 0
                                    

لعليّ فهمتُ الآن سبب استئجار كايو لبلاك و ويليام لإنقاذي ، يبدو أنها كانت تعلم بأن هذا سيحدث و سيصبح الأمر لدى شرطة طوكيو !
و ها أنا ذا في سجن طوكيو المركزي في إحدى الزنزانات الجماعية ، بين أخطر المجرمين و المحتالين منهم ضخام البنية و منهم نحيف البنية و وسطها و لكن هذا لا يعني أن ضخام البنية هم الأقوى في الزنزانة ، و هناك من يدخن السجائر و آخرون يقومون بتدخين الماريجونا .. يبدو أنهم رجال مدعومين لذلك تسمح لهم الشرطة بذلك !
لا أعلم لماذا وضعوني هنا على الفور ! لماذا لم يأخذونني للتحقيق ؟! هذا اربكني بشدة و ما كان يربكني أكثر هي النظرات المرعبة لأؤلئك المساجين ينظرون إلي نظرة استحقار و كأنهم يقولون في أنفسهم : " كيف يوضع فتى رضيع مع كواسر ؟ "
بالنسبة لي السجن أخطر من التعرض للاغتيال أو الرصاص الحر أو حتى من الخطف !
فأنت تقف بين مجموعة من المجرمين المتعطشين للدماء و لا يوجد لديك سلاح تدافع عن نفسك به و في أبسط الأمور .. قد تُقتل و أنت نائم !
و عندما حان وقت الغداء أخذتُ طبقي مثل كل سجين انتظر دوري حتى يُملأ طبقي بالبازيلاء و الأرز بالطبع .. سجين جديد مثلي يتعرض للتنمر خاصة إن كان فتى في السابعة عشر من عمره ، يدفعونني بقوة للخلف و يأخذون مكاني حتى أصبحتُ آخر شخص في الدور ، التنمر ليس عليّ فقط !
بل كانوا يتنمر بعضهم على بعض ، حتى أن سجينٌ سمين قام بصفع أحد السجناء فجأة و أطرحه أرضاً في حين أن الجميع يُشاهد لا يعلم السبب !
ليتضح السبب بعد ذلك أن السمين كان يريد وجبة السجين الآخر فرفض و لذلك قام بصفعه و لم يكتفي السمين بذلك فقط ، بل بصق في طبق السجين و أجبره على تناوله !
و لم يكن في وسع ذلك المسكين سوى تناول الطبق ليوفر عناء تعرضه للضرب و الإهانة الدائمة ، لقد شعرت بالحزن من أجل ذلك السجين المسكين و لكن ما باليد حيلة ، ففتى ضعيف مثلي لا يسطيع مواجهة سمين كذاك !
للوهلة الأولى ظننتُ أن ذاك السمين أصلع الرأس و الشارب و اللحية هو الأقوى في تلك الزنزانة حيثُ أنه بعد أن انهى طبقه و سال بعض الحساء على ذقنه حتى أسفل فكه و قام بمسحها بِكُم قميصه و نهض من مكانه ليتوجه نحو أحدهم ، ينظر اليه بغيظ ليمسكه من عنقه حتى رفع قدماه عن الأرض و يتألم حتى لكمه ذاك السمين على معدته ليتقيأ و يصرخ بأعلى صوته ثم يُطرحه أرضاً و يأخذ طبق حسائه و يعود مجدداً طاولته ليتناوله ، ليضرب فتى ذو شعر أحمر اللون و يبدو أنه في السابعة و العشرين من عمره طاولته في حين لفت الجميع أنظارهم نحوه و يبدو أنه بدا غاضباً أما ذاك السمين فلم يُعره الكثير من الاهتمام حيث أنه نظر إليه بطرف عينيه فقط ثم عاد أنظاره إلى طبقه الذي ينتاوله ، كان ذاك الفتى لينهض من مكانه و الغضب على وجهه و يضغط على أسنانه إلا أن ما منعه من ذلك هو فتح باب الزنزانة من طرف الشرطي يدخل قائلاً : " يوموتو ، الرقيب جوني يود رؤيتك . "
و قد ذهبتُ معه حتى انتهى بي الطريق إلى غرفة سوداء اللون تقريباً لا يوجد بها سوى طاولة مقعدان مقابلان لبعضهما و نافذة زجاجية لا ترى منها شيئاً
نعم ، غرفة التحقيقات .. بعد عدة دقائق يدخل ذاك الرقيب المسمى بجوني الذي يبلغ من العمر ما يقارب الثلاثون عاماً ، مبتسماً يجلس على المقعد الذي يُقابلني رافعاً حاجبيه و كأنه يسخر من حالتي ثم يسأل بعض الأسئلة ليتعرف عليّ حول اسمي ، عمري ، مكان إقامتي ، سكني الأصلي .. و غيرها من الأسئلة التعريفية .
ثم بعد ذلك بدأ بسؤاله الأول مستجوباً حول سبب ذهابي إلى مدينة كلنتمونت لوحدي دون بقية أعضاء الشركة ؟ حيث كان يقصد ذهابي عندما وكلت بمهمة صائد الجوائز ! لم أتوقع ذلك السؤال اطلاقاً ! كنتُ أتوقع أن يسأل فيما يتعلق بذهابي إلى هناك مع شركة غولدن كوسميتك و لكن كيف علموا بأمر ذهابي المرة الأولى و أنا لم أقابل عصابة باربو عندئذ
أجبته بأنني ذهب من أجل التنسيق لصفقة بيع منتجات تجميلية هناك و الاتفاق عليها و لكنه لم يقتنع بذلك و سجل هذه بأنها أول كذبة لي بالتحقيق ففي الواقع لم تحدث أي عملية تجارية في تلك المدينة و لا أي اتفاقية لأي شركة !
لم أتوقع كل ذلك ! فمن أين حصل على كل تلك المعلومات ؟! ربما لكان أحد تلك العصابة صرح بمعلومات كثيرة بشأننا و ان جوني يود الاستنتاج فقط لكشف الحقيقة !
و بعد أن أخطأت الإجابة عن السؤال من وجهة نظر الرقيب جوني باشر في سؤاله الثاني و هو سبب قتلي لباربو و ما علاقتي بعصابات تلك المدينة ؟
يبدو أن الرقيب كان يعلم بأنه تم الاتفاق على صفقة تجارية في المرة التي ذهبت بها كايو إلى المدينة و ليس في المرة التي سبقتها ، و ما بدأتُ اتوقعه حول ذلك الرقيب أنه يتعامل مع تنكو و بقية زعماء العصابات في تلك المدينة ، لا أجزم هذا لأنني لا أجد سبباً وجيهاً لذلك ! أو ربما أحد أؤلئك الزعماء يكون رجل أعمال في الواقع و يعمل كعصابة في الخفاء !
لم استطع ايجاد إجابات مقنعة لتلك الأسئلة و بدوت كفتى مسكين تعرض للخداع فكانت تلك وسيلتي لإثارة الشكوك لدى الرقيب كي لا يجزم حول أمري !
و لكنه باشر بسؤاله الثالث و هو إن كانت كايو ضمن شبكة العصابات تلك أم لا ؟
فأجبته : لا . و لكنه لم يبدو مقتنعاً و أخبرني بأن هناك سكان من مدينة كلنتمونت قد شاهدونني و أنا ارتكب عدة جرائم ! و عندما يتم تحويلي للمحكمة سيأتون للإدلاء بشهادتهم !
ثم نهض من مكانه يطرق الباب ليتم إعادتي للزنزانة ، كانت الأحوال في الزنزانة تبدو على ما يرام و قد انتهت تلك المشاحنات التي حدثت قبل أن اذهب للتحقيق .. و لكن أعتقد مؤقتاً !
و عند حلول الساعة الرابعة عصراً تم تكليفي أنا و ذاك الرجل السمين و الآخر الذي تعرض للضرب للذهاب لتنظيف المراحض ، كان السمين متنمراً يصفعني أنا و ذاك الرجل الآخر على رقابنا يأمرنا بالتنظيف بينما هو يقف مكانه يشاهدنا و نحن نقوم بذلك و كلما انتهينا من تنظيف مرحاض ما يبتسم ساخراً حتى تسيل لعابه ، ليتوجه نحو المرحاض و يقوم بالتبول فيه حتى نضطر لتنظيفه مجدداً !
بحق .. لقد أثار غضبي و تمالكتُ أعصابي بشدة و لكن يبدو الرجل الآخر قد ازداد حقده و بغضه نحو ذلك السمين و مع ذلك فقد تمالك أعصابه هو الآخر حتى أن مررنا تلك المرحلة على خير ما يرام و انتهينا من تنظيف تلك المراحض و بعد ذلك توجهنا للاستجمام بعد ذلك العمل الشاق ..
حيث ارتدينا روب الاستجمام الذي يغطي المنطقة السفلية و بدأنا نستجم في حين كان ذلك السمين يستجم جانبي و ما هي إلا ثوانٍ حتى جاء ذلك الرجل و قام بطعن السمين من جانبه الأيمن و سالت منه الدماء ، لكنه لم يتأثر من الطعنة اطلاقاً و بقيَ واقفاً على قدميه يُحول أنظاره لذلك الرجل و يبتسم ابتسامة ممزوجة بالغضب و المكر في حين أن الرجل قد جثى على ركبتيه ينظر إلى السمين و هو مذعور و مرتعب و كان السمين قد أزال السكين من جسده و يبدو بأن الطعنة لم تكن عميقة و هذا ما جعله حياً لا يتأثر بالضربة ، و من ثم أمسك الرجل من عنقه حتى ارتفعت قدماه عن الأرض مجدداً و يقوم بغرز السكين في الجانب الأيمن من رأسه لتتوسع مقلتا عينيه و تسيل الدماء من فمه ليتركه و يسقط على الأرض جثة هامدة ، ذلك كان مصير الرجل الذي أراد الانتقام من التنمر الذي لحق به ..
و لم يكتفي السمين بذلك فتقدم نحوي و قد جعلني احمل تلك السكين بالقوة بعد مشاجرة و لكنني سرعان ما ألقيتُ بها أرضاً و بدأ يصرخ بأعلى صوته مستنجداً برجال الشرطة ليأتوا مسرعين ، و يتهمني بأنني من فعل ذلك !
لأتلقى عدة ضربات من رجال الشرطة بالعُصيّ و يأخذون السمين لتضميد جرحه بينما تم القائي بالمنفردة تلك الحُجرة المعتمة ، و بعد عدة ساعات فُتِحت تلك الحُجرة ليدخل أحد رجال الشرطة قائلاً :
" اتضح بأنك الفاعل حقاً أيها الشقي ، بصماتُ يدك على تلك السكين .. من المفترض أن تبقى هنا بالمنفردة و لكن الرقيب جوني أمر بإعادتك إلى تلك الزنزانة حيث المجرمين و القتلة ، فلتذهب للجحيم بأفعالك ! "
لقد كان كلاماً قاسياً بالنسبة لي ، فأنا لم أفعل ذلك و لكن ثبُتت التهمة عليّ و بالطبع حتى و إن لم يخرج أدلة كافية بشأن الاستجوابات السابقة فبصماتُ يدي على تلك السكين و موت ذلك الرجل كافيان ليُصدر القاضي حكماً يجعلني بهذا السجن لسنوات عدة !
و ربما يكون حكمي هو الاعدام ! من يدري ؟
و لكنني أستحق ما يحدث بي في النهاية أنا قاتل بالفعل ، و ها أنا ذا الآن أعود إلى تلك الزنزانة حيث القتلة و السفاحين ليرمقني ذاك السمين بعينه فور دخولي من الباب بابتسامته المُغيظة .
يقوم بلوح رقبته يميناً و يساراً حتى أصدر صوت طرققة كما قام بطرققة أصابعه متوجهاً نحو ذلك الشاب ذو الشعر الأحمر الذي طرق الطاولة بيده في وقت الغذاء ، يقف أمامه مخاطباً له : " أنت أيها اللقيط ! كنت قد ضربت الطاولة بيدك أثناء الغذاء مما يعني أنك اعترضت على تصرفي انذآك ! لم أتفرغ لك عندئذ لأنني كنتُ جائعاً ، ' بابتسامة بغيظة توحي بالشر ' و لكنني الآن سألقنك درساً سيجعل كل من في هذا المهجع يتعلم احترام الكبار .. أيها اللقيط . " و يُمسك بياقة ذاك الشاب يكور قبضته لضربه و لكن كانت شجاعة ذلك الشاب قد ادهشت جميع من في المهجع فقد استطاع ايقاف اللكمة بيده ليزداد ذاك السمين غيظاً ليصرخ بأعلى صوته : " أيها اللقيط العاه... " لم يستطع اكمال كلامه بعد أن ضغط ذاك الشاب بيده بقوة على قبضة السمين مما سبب له آلاماً ليتأوه منها و هو ينظر للشاب بتألم و بُغض و استمر ذلك الشاب بالضغط على قبضة السمين حتى أفلت ياقته و جثى على ركبتيه ليتلقي لكمة على وجهه أسقطته أرضاً و أطاحت أحد أسنانه على الأرض و سالت الدماء من أنفه كما و اتسخ قميصه الأبيض و الذي تزينه الخطوط السوداء بالدماء التي سالت من مكان سنه الذي فقده ، لينهض من مكانه جاثياً يقوم بمسح الدماء بكُم قميصه ثم ينهض تماماً يقول : " أيها اللقيط العاه... "
لم يُكمل كلمته للمرة الثانية حيث تلقى ركلة أسفل الحزام ليضع يداه حيث رُكل يتأوه من شدة الألم و يعاود الجثو على ركبتيه ثم يتعرض للكمة أخرى كانت قد أسقطت سناً آخر له و قد تورمت عينه اليسرى من تلك اللكمة ، ليتقدم الشاب حتى أصبح خلف ذلك السمين ثم يأخذ ذراعه و يقوم بلويها حتى أصبحت صرخات ألم ذاك السمين أكثر و أكثر ، صرخات تدل على شخص عاجز كالطفل الذي لا يجيد سوى البكاء ، و استمر الشاب بفعل ذلك و بدأ يلقي خطاباً يُعرف عن نفسه به : " أنا رجل من أقوى عصابات هذه المنطقة و المساعد الأول لأقوى عصابة هنا ، كلارك .. كلارك هيربيون . "
ليُصعق الجميع مكانهم و يدخلون حالة من الصدمة و بدا عليهم علامة الخوف ، يحق لهم ذلك .. فعصابة هذا الدعو بكلارك من أقوى العصابات بطوكيو بالفعل و لها ارتباطات و جذور قوية جداً مع الياكوزا و يتلقون منهم دعماً كبيراً ، و كنوع من فرض القوة في المهجع قام أخيراً بكسر ذراع ذاك السمين حتى أحضر صراخه رجال الشرطة مسرعين و كان الرقيب قد سأل عن الفاعل ليُجيبه كلارك بدون تردد و لكن لم يجرؤ الرقيب جوني على فعل شيء فقط كل ما فعله هو أخذ ذلك السمين للمستوصف لتجبير ذراعه و هذا يدل على أن كلارك يُسبب الرعب لرجال الشرطة حتى و هو في السجن ، أتمنى أن لا يكون متنمراً مثل السمين و إلا سأعيش كابوساً في هذا المهجع !
و بعد أن غادر رجال الشرطة ، تقدم المساجين نحو كلارك منهم من يُقبل يده و يوضح له بأنه خاضعاً لأوامره و كل ما يقوله ، و البعض الآخر يضم يديه كالذي يعبد إلهاً يُعبرون له بأنهم خاضعون لآوامره و أنهم منفذين لما يقول ! و أنا أقف مكاني في دهشة من أمري ، لماذا الجميع خاف منه و هو سجين مثلهم ! ينظر إلي قائلاً : " هيّ ، أنت يا فتى لما لم تفعل كالآخرين ؟! "
أخبرتُه بأنني لا أجد سبباً يدفعني لفعل ذلك ! ليتقدم نحوي ثم يبتسم بخبث لتتغير ملامحه فجأة لشاب غاضب كان قد كور قبضة يده ليصرخ غاضباً : " أيها العاهر اللقيط ! " ليلكمني على وجهي أثناء صراخه لأسقط أرضاً و كانت قبضته قوية حتى سالت الدماء من شفتي السفلية و بدت آثار اللكمة تظهر على وجهي ، لم يختلف كلارك عن ذاك السمين فهو أيضاً متنمر عاهر . و بعد ذلك اقترب مني و جثى على ركبتيه يربت على خدي بيده : " لا تخف يا صغيري ، لن أضربك ' ثم يبتسم بخبث يخرج من جيبه كيساً صغيراً و يستمر بالقول ' بل سأجعلك أسوء من
ذلك . " و أنا في صدمة و حالة ذعر خائفٌ من التالي ! فقد كان ذلك الكيس الصغير يحتوي على الكوكائين و يريد مني أن استنشقه و إن لم أفعل سيجبرني بذلك ! كلا ! لن أفعل لذلك ، يكفي أنني ارتكبت خطيئتين ، يكفي أنني خائن و قاتل !
لن أكون مدمناً أيضاً ! الآلهة لن تعفو عن كل تلك الخطايا إن فعلت ! إلهي ، أرجوك انقذني !
أيعقل أن كايو نسيت أمري ! لقد مرت عشرُ ساعات على سجني و لم يأتي أحد من الفريق يقول لي كلمة واحدة فقط تجعلني أشعر بالراحة و أنني لستُ وحيداً ! هذه المرة تم سجني من طرف رجال الشرطة و ليس من طرف عصابة شوارع لتستطيع كايو إنقاذي بتلك الطرق ! لماذا لا توكل لي محامياً !
يتوجب ذلك فهو الطريقة الوحيدة لإنقاذي أو تخفيف حكمي !
و لكن الآن بوجود ذلك المتنمر كلارك الذي قد يُنهك صحتي بلكماته تلك كم أنه و يبدو لا يكن لي خيراً خاصةً و أن جميع من في المهجع على أتم جاهزية لفعل أي شيء من أجله ، يجدر بي أن أفكر بصحتي لا بِحُريتي فعندما تكون في السجن تكون لك أمنية واحدة : الحرية و عندما تمرض في السجن لاتفكر بالحرية و انما بالصحة ، الصحة إذن تسبق الحرية .

يتبع ...

الخطيئة العاشرة || مكتملةWhere stories live. Discover now