رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الثامن والثلاثون

ابدأ من البداية
                                    

:"لكن قدومها برفقتك كان سيسعدها أكثر"
قالتها ثم التفتت عنه تطالع حديث فادي مع سيرين وهي تهمس: "لا أصدق أن المتعجرفة تتحدث معه بهذا الانطلاق"
:"لديه طريقته بكسب من حوله بالكلمات"
التفتت تطالع مؤمن الذي اكمل:"اقنعيه بالعمل معي وأعدك بمكافأة"
نظرت له باستنكار وهي ترد: "وهل تخالني أنتظر منك مكافآت يا هذا؟!.. ثم لم لا تحاول أنت إقناعه؟"
:"لقد حاولت لكنه رفض"
انعقد حاجبيها باستغراب ثم التفتت تطالع فادي كانت تدرك أن مزاحه وطريقته العفوية بالتعامل مع من حوله تخفي حزنه الدفين وهو شيء منطقي نظراً لما حدث من ذلك المختل الذي كان يعمل معه.. لكن شيئاً ما بداخلها أخبرها أن هناك شيءٌ آخر يزعجه لكن رفض فرصة كالعمل مع مؤمن ليس أمراً مطروحاً ولهذا عادت تطالع مؤمن وردت: "سأقنعه أنا"
*****
تحركت نحو الحمام لتجدد وضع أحمر شفاهها كما طلبت منها إسلام قبل أن تتركها.. عندما عرض أكمل أن تحضر معهم الاجتماع المبدأي استغربت فلا علاقة لها بالصفقة لكن مع وجودها حمدت الله فأكمل يتوتر وينسى أحياناً بعض الأمور ووجودها يساعده قليلاً.. طردت أفكارها الحالمة بتلك اللحظة والتصقت بتنيفذ تعليمات إسلام بالحرف عندما وجدت ماريان فجأة تدخل الحمام لم تعرها أي اهتمام في البداية واستمرت بما تفعله..
:"تبدين جميلة!"
قالتها فردت دون التفات: "شكراً لكِ!"
:"لولا أنك لست نوع أكمل المناسب كنت سأغار منك.."
عندها فقط التفتت لتجدها تواجهها بابتسامة مستفزة وهي تكمل: "أكمل لا يحب ذوات البشرة الداكنة"
فكرت بضرب رأسها بالحوض ودفن جثتها خلف المرآة لكنها تمالكت نفسها وردت: "غريبة.. مع أنه يبدي إعجابه بلون بشرتي على الدوام"
اتسعت ابتسامتها المستفزة قبل أن تقترب منها وتهمس: "لا تصدقيه فهو مخادعٌ كبير"
ثم تحركت لتغادر المكان تاركة إياها تقبض كفيها بغضب قبل أن تلتفت وتنظر للمرآة بخيبة أمل وحسرة فرغم علمها أنها تستفزها إلا أن حديثها آلمها وليس بعيداً عن الحسبان.. فما الذي قد يعجبه بها على أي حال..
****
بعد الجولة النيلية اتجهوا لأحد الأسواق وهناك اجتمعوا بأكمل وساندي قبل أن يتجهوا لأحد المقاهي ذات الجلسات المميزة على النيل بمفروشات على الأرض بكل الجهات مع وسائد للجلوس عليها.. تجمعوا جميعاً بمكانٍ واحد وقد أشعل لهم العامل النار بالمنتصف..
:"أتعلمون بم تذكرني تلك الجلسة؟"
قالتها إسلام فالتفتوا لها جميعاً قبل أن تكمل: "بتلك المرة التي ذهبنا بها إلى دهب"
:"أجل عندما سرق أكمل سيارة"
شهقت سيرين والتفتت لأكمل الذي رد على كلام فادي سريعاً: "لم أسرقها لقد استعرتها من مقر شركة والدي هناك"
:"وماذا يعد هذا غير أنه سرقة"
قال فادي بسخرية فلكزه أكمل بينما يلوح لساندي ذكرى ما حدث يومها..
&&فــــلاش بـــــاك&&
:"إسلام بدلي القناة.."
قالتها بملل فالتفتت إسلام لها ترد: "أخبرتك لن أبدل القناة قبل نهاية الحلقة"
التفتت تطالع التلفاز حيث تبث حلقة لأحد المسلسلات الهندية المملة وتأففت وهي تقول: "بحق الله إنهما ينظران لبعضهما بهذا الشكل منذ بداية الحلقة هذا سخيف حقاً.."
التفتت تنظر لريم التي كانت ساهمة فاقتربت منها وعندها التفتت لها فسألتها: "ماذا بكِ؟"
:"أجل تبدين غريبة منذ طلبتِ النوم معنا"
طالعتهما بصمت أولاً لثوانٍ وعندما قررت فتح فمها أخيراً سمعوا صوت شيءٍ ما يرتطم بالنافذة.. نظرت لها إسلام باستغراب فنهضت واقتربت من النافذة تطالع المكان في الأسفل لتجد أكمل وهيثم ومؤمن وفادي يقفون أسفلها..
فتحت الزجاج وألقت بجسدها خارجاً وهي تقول بحدة وهمسٍ مسموع: "هل فقدت عقلك أيها الأحمق ماذا تفعل هنا؟"
:"لما تخصيني وحدي بالسباب والحنق هناك ثلاث حمقى غيري"
رد بها أكمل بذات الطريقة بنفس اللحظة التي وجدت بها إسلام بجوارها بينما هيثم يقول: "انزلن"
:"هل تمزح؟!"
سألت إسلام بصدمة بينما اقتربت ريم وردت: "إن رأتنا خالتي ستقتلنا"
اقترب فادي من أكمل وقال بحدة: "أجل هذا ما قلته تماماً"
دفعه أكمل ورد: "اخرس يا جبان.."
ثم أشار نحو الباحة الخلفية للفندق وهو يكمل: "سننتظركن عند البوابة الخلفية الحارس نائم فأسرعن"
غادروا بعدها فالتفتت تطالع إسلام التي بدا عليها الحماس وريم التي بدت متوترة..
:"لا يمكننا تركهم فقد يقعون في المتاعب"
قالت إسلام فردت ساندي بسخرية: "يا لحنية قلبك.. إذاً ابقيا وأنا سأذهب لتوبيخهم وإعادتهم لغرفهم"
كادت تتحرك لكن ريم أوقفتها وهي تقول: "أنا أفضل أن نذهب معاً فأنتِ بالتأكيد ستتشاجرين مع أكمل وقد نقع بمتاعب أكبر عندها"
وبالفعل بعدها ببضع دقائق تسللن جميعاً عبر البوابة الخلفية للفندق ومررن من الشاطيء للطريق ليجدوهم يقفون بجوار إحدى السيارات
:"ماذا تفعلون؟"
سألت ساندي ثم طالعت السيارة الضخمة التي تسع ثمانية أشخاص وهي تسأل: "ومن أين لكم بهذه السيارة؟"
:"من مقر شركة والدي"
رد أكمل فظهرت الصدمة على محيا الفتيات الثلاثة..
:"لا تخبرني أنك أخذتها دون علمه؟!"
سألت إسلام فمط شفتاه ورد: "لن يضره ما لا يعلمه"
وقبل أن تبدأ ساندي شجاراً معه أسرع يشرح: "اسمعوا هناك حفلة مقامة بأحد المطاعم القريبة وقد أقنعتهم بالذهاب"
قالها وهو يشير للفتيان فرفع فادي كفه يرد: "أنا لم أقتنع بعد"
:"اخرس أيها الجبان"
قالها أكمل قبل أن يلتفت لهن: "ما رأيكن هل تأتين معنا؟"
:"أجل.."
التفتت ساندي لإسلام التي أكملت: "ماذا؟.. سنذهب ونقضي ساعة أو اثنتين ونعود قبل أن يشعر أي أحد وكأن شيئاً لم يكن"
نظرت ريم لمؤمن وقالت: "هل أنت موافق على هذا؟"
حرك كتفاه ورد: "أنا أشعر بالملل لذا وافقت"
:"أجل لقد كانت صدمة لي أنا أيضاً"
قالها أكمل ثم التفت لساندي يردف بخفوت: "هيا الآن يا شرسة سنحظى بكثيرٍ من المتعة"
ضربته بقدمها بساقه وبينما هو يتأوه وقفت تفكر قليلاً قبل أن تتنهد وهي ترد: "حسناً لكن سنقضي ساعة واحدة ونعود بعدها"
&&&&
:"هذا جامحٌ جداً"
قالها رائف ما أن توقفت ساندي عن سرد ما حدث ثم تنهد يكمل: "ليتني كنت معكم"
أخرج هيثم هاتفه ورد: "تعال سأريك ما فاتك"
شهقت إسلام وهي تقترب منه وتسأل: "هل معك التسجيل؟"
أومأ لها بينما رائف يقترب ليجلس بجواره فالتفتت سيرين تسألها محاولة إدعاء البرود: "ماذا حدث بعدها؟"
كتمت ساندي ضحكتها ثم تنهدت وهي تتذكر..
&&فــــــلاش بـــــــــاك&&
كانت تقف بتوتر رغم أنها كانت مستمتعة.. كانت خائفة أن يكون الحفل مشبوهاً لكنه كان جيداً لحدٍ كبير الكثيرين صعدوا وعزفوا وغنوا بعروض رائعة ولكن رغم هذا كانت خائفة أن يقعوا في المتاعب.. نظرت لساعة يدها ثم التفتت لهم تقول: "لنكتفي بهذا ونعود للفندق قبل أن يلحظ أحد"
:"لنبقى قليلاً بعد"
ردت بها إسلام فكادت توبخها لكن أتى صوت مقدم الفقرات من على المسرح قائلاً: "الآن سنختار مجموعة عشوائية لتصعد للمسرح وتغني.."
بدأ الضوء الأبيض الكبير يتحرك بالمكان مع صوت قرع الطبول
:"يا لسوء حظ الحمقى الذين سيصعدون سيتحولون لنكتة الحفل"
قالها أكمل بسخرية قبل لحظة من توقف الضوء عليه هو ورفاقه الثلاثة وعندها لم يتحمل فادي وانفجر ضاحكاً لدرجة أنه بصق العصير بفمه بينما ابتسمت ساندي بشماتة وردت: "هيا اصعدوا يا حمقى"
بدوا جميعاً متوترين ورفض مؤمن في البداية لكن هيثم سحبه وصعدوا جميعاً فالتفتت ساندي لإسلام قائلة: "هل أحضرتِ الكاميرا معكِ"
كانت بالفعل تخرجها من حقيبتها بينما يتحركن ليقفن قرب المسرح..
:"على الأقل فادي وهيثم كانا معي بالفرقة المدرسية بصغرنا"
قالتها ريم بينما فادي يأخذ مكانه على مقعد الطبول وهو يحاول جاهداً التوقف عن الضحك بينما هيثم أمسك بالجيتار وأكمل أمسك المثلث وعندها انفجرت ساندي ضاحكة وهي تقول: "إسلام صوري أكمل بالذات"
وقف مؤمن خلف مكبر الصوت وبدأ العزف وهو يقرأ الكلمات من الشاشة أمامه
جى من بلاد البعيدة لا زاد ولا مية..
وغربتى صحبتى بتحوم حواليا..
وانتي تقوليلى بحبك..
تحبي إيه فيا
؟..
وده حبه إيه ده اللى من غير أي حرية..
يونس فى بلاد الشوق آه ياولد الهلالية..
بتونسنى دموع العين وأنا سايب اهاليا..
ياعزيزة يابنت السلطان لو يتغير الزمان..
وقابلتيني فى أي مكان..
كنت أعشق من غير ما تقولى يونس..
كنت هقول اهو ده المحبوب..
ويدوب قلبي قبل ما ادوب..
آه ياولد الهلالية لا عليا ولا بيا..
أنا يونس ونسيت مين يونس والدنيا مالت عليا..
قلبي ضايع مين يلاقيهلى بيني نسيته حدا اهلي..
ينفع احبك من غير قلبي ماتردو عليها وعليا..
&&&&
:"أنت موهوب بالفطرة يا ابن عمتي"
قالها رائف وهو يطالع المقطع المسجل وقد انضمت له سيرين والجميع يشاهدونه بينما فادي يرد: "أنا أحاول محو عار تلك الليلة من ذاكرتي منذ سنوات ويأتي هيثم بمقطع بسيط ليحطم كل محاولاتي"
:"لماذا يا فادي عزفك جميل؟.."
قالتها سيرين ثم التفتت لريم وأكملت ببرود: "عزفه أفضل منكِ"
لم تكترث لها فقد لاح ببالها عندما غنى مؤمن بذلك اليوم كانت مصدومة ولم تصدق أنه فعل ذلك حقاً لكن سرعان ما سرحت بالكلمات فقد كان يطالعها بينما يغني كأنه يوجه لها تلك الكلمات ولم تفهم السبب وقتها.. الآن يمكنها أن تفهمها..
لقد كان يخبرها بحقيقة ما سيفعل وهي لم تفهم وقتها..
*****
:"أين أنت يا هذا؟!"
ابتعد عن المجموعة بينما يرد على مكالمة حازم قائلاً: "قل مرحباً على الأقل يا رجل"
:"مرحباً أيها الأحمق والآن أخبرني أين أنت؟"
تنهد فادي ورد مغيظاَ: "أنا في أسوان.."
:"آه.. هكذا إذاً.. يا لك من خائن أنت ومجموعتك"
ضحك فادي ثم رد: "لقد أتت السفرية دون ترتيب صدقني"
:"لا بأس استمتع لكن ما أن تعود لنجتمع ونتحدث"
:"بماذا؟"
:"لقد علمت ما حدث بشأن عملك"
قالها حازم فاختفت ابتسامة فادي بالتدريج قبل أن يسأل: "كيف عرفت؟"
:"ذهبت لأسأل عنك هناك عندما لم أتلقى منك رداً"
ارتفع حاجباه وهو يقول: "يا لسوء حظ مرعي"
:"لقد كانت لكمة واحدة بمنتصف وجهه لا تقلق"
ضحك بخفوت وجلس على أحد الوسائد القريبة بينما حازم يكمل: "دعك من ذلك الوغد.. لقد فعلت خيراً بترك العمل معه"
أجل هو فعل خيراً.. لكن ماذا بعد؟.. كيف سيعيش؟.. سيبدأ في البحث عن عمل من جديد وهو متأكد أنه أياً كان لن يكون بأجرٍ أفضل من سابقه.. وهذا في حالة إيجاده ومدخراته القليلة لن تساعده لفترة طويلة..
عاد يطالع الظلام الدامس أمامه بينما يفكر أنه تخيل بقدومه إلى هنا سينسى كل تلك المتاعب التي تحيط به.. لكن هيهات.. هو حتى لا يمكنه النوم وقد قضى الليلة الماضية يطالع السقف بشرود على عكس مؤمن الذي ذهب بنومٍ عميق.. كان يحسده على تلك القدرة وعلى الكثير وأهمها تلك التي جلست بجواره بابتسامة واسعة.. فكر بالابتعاد في البداية متحججاً بالمكالمة ولكن دون أن يفكر وجد نفسه يقول: "سأغلق الآن وأحادثك فيما بعد حازم"
:"حسناً لكن لا تنسى يجب أن نلتقي فور عودتك"
:"لا بأس"
رد بها ثم أغلق الخط فقالت: "كيف الحال سيد مكتئب؟"
التفت لها ورد: "أنا لم أعد مكتئباً"
مطت شفتيها وهي تتأمله ثم أومأت برأسها وهي تقول بسخرية: "واضح جداً على وجهك"
ابتسم ثم نظر للفراغ أمامه ليجد الكلمات تخرج من فمه دون أن يشعر: "أنا فقط لا أعلم ما علي فعله تالياً ريم"
:"يمكنك فعل الكثير.."
ردت بها فطالعها وهي تكمل: "لقد أخبرتك مراراً ابحث عن مكان يمنحك تدريباً للحفر على الخشب أنت موهوب بالفعل وبحاجة فقط لشهادة مع بعض المهارات"
:"وماذا سأفعل بعدها؟"
سألها فابتسمت وهي ترد: "تفتح عملك الخاص يمكنك أخذ قرض بضمان شقتك أو أطلب من والدتك المال"
ضحك بسخرية وحرك رأسه يقول بيأس: "أنا وأنتِ نعلم أنها سترفض"
:"إنه حقك فادي.."
التفت يطالعها بينما تكمل بصرامة: "هو مالك وهي سلبته منك لتنشيء مشروعها وحقك عليها أن تسترد على الأقل جزءاً منه الآن"
أطرق ببصره كان يعلم أنها يستحيل ستمنحه أي شيء.. فهي لا تجيد الادخار وتنفق كل مالها على الثياب وعمليات التجميل كما أنها يستحيل أن تبيع شيئاً ثميناً يخصها وستتحجج بالنقود التي تنفقها على تعليم إيلام وهو لن يتمكن من فتح فمه..
:"حسناً دعك من هذا.."
عاد يطالعها فأكملت: "لم رفضت العمل مع مؤمن؟"
انعقد حاجباه ورد بحدة: "لا بالطبع ريم"
:"لماذا؟"
نظر لها باستغراب وهو يرد: "أنتِ تذكرين ما حدث عندما عملت مع حازم"
صمتت فقد عايشت سخرية بعض زملائهم منه وقتها لكنها اقتربت تقول برفق: "الأمر مختلف الآن ستعمل بشركة ومؤمن أخبرني أنه يخطط للكثير من أجلك"
:"لا أريد شفقة من أحد"
رد بها بعصبية وفكر بالنهوض لكنها طالعت عمق عيناه لتلجمه وتوقف غضبه وهي تقول: "فادي نحن أصدقاء وأخوة لا توجد بيننا مثل تلك الكلمات"
ثم ابتسمت وأكملت: "لن أضغط عليك فأنا لا أريدك أن تنزعج وأن تقضي وقتاً ممتعاً.. لكني لن أتركك إلا عندما تعدني أن تفكر بالأمر"
بقي يطالعها بصمت ثم أومأ لها فصفقت بيديها بحماس..
:"يا لك من مزعج.."
التفت يطالع مؤمن الذي أكمل: "لقد قضيت الليلة الماضية كلها أحاول إقناعك وأنت توافق على طلبها بهذه البساطة"
:"وهل تقارن نفسك بي؟!"
سـألت ريم بتفاخر فأسرع هو يقول: "وعدتها أني سأفكر بالأمر وحسب"
:"حسناً انهضا لنتناول العشاء"
قالها مؤمن فنهض بالفعل مع ريم وتحركوا يعودوا لمكان جلوس مجموعتهم..
****
في اليوم التالي
كانت تجلس بغرفتها تطالع الفراغ أمامها بصمت بينما أظافرها تنغرس بكفيها من فرط الغضب.. بعد أن عادت من الخارج تأكدت من أن والدها قد أخذ أدويته وهو مرتاحٌ بنومته في الفراش ثم اتجهت لغرفتها وجلست بها دون أي كلمة محاولة محو الصورة العالقة بذهنها ومع يأسها من النجاح بهذه المهمة المستحيلة بدأت بالتفكير بما عليها فعله.. لم يكن إخبار أي شخص بما رأته أمراً متاحاً لكن الصمت سيكون مستحيلاً فإن كان المشهد كارثة فعدم اتخاذ إجراء ضده سيكون مصيبة..
سمعت صوت الباب الخارجي يُفتَح ويُغلَق.. كانت فطيمة قد غادرت منذ الصباح لذا افترضت أن تكون هي لكن الباب فُتِحَ ودخلت والدتها ومع دخولها تذكرت ما حدث..
كانت بحاجة لشراء دواء لوالدها وقد أخذت فطيمة كل أموالها النقدية وبسبب أن اليوم بداية شهرٍ جديد فجميع الماكينات الآلية لسحب المال كانت مزدحمة لذا فضلت الذهاب لوالدتها لتأخذ منها ما تحتاجه.. المحل كان مزدحماً والجميع يعملون لذا لم ينتبه لها أحد عندما اتجهت لمكتب والدتها ولأنها كانت على عجلة بسبب تركها لوالدها وحيداً فتحت الباب دون استئذان لتُصعَق وهي ترى أحد العمال يمسك بيد والدتها ويقبلها وهي تبتسم له قبل أن تراها بالتأكيد..
كان مشهداً صادماً وقد جعلها تشعر بأن صاعقة ضربت رأسها.. كانت مستعدة لافتراض حسن النية بكل الطرق لكن عقلها الغبي منعها هذه المرة.. منذ فترة تلحظ عليها تصرفاتٍ غريبة.. تعود للبيت متأخرة وتتحدث على الهاتف لفتراتٍ طويلة وأصبحت نادراً ما تجلس معهم.. لكنها كانت تكرر على نفسها بأنها مشغولة وحسب..
لكن تلك الوقفة الخجولة والنظرات الهائمة منها مع عيون ذلك القذر التي كانت تتأملها بفجور ما كانت لتصفها بالبريئة أبداً..
ولأنها لم تتحمل غادرت فوراً.. دارت بكل مكان حتى وجدت ماكينة صرافة غير مزدحمة وعادت بعد شراء الدواء فوراً للبيت..
الآن وهي تراها أمامها لا تعلم ما عليها قوله أو فعله.. بعقلها لا توجد إلا صورة والدها وهو مستلقي بإعياء بفراشه.. وبصدرها لا يوجد سوى الغضب العارم..
اقتربت منها وحاولت أن تبتسم وهي تقول: "عليا..."
لم تتحمل ونهضت تبتعد عنها بينما ترد: "توقفي.. توقفي لا أريد سماع أي شيء منكِ"
وقفت بطريقها وحاولت الدفاع عن نفسها بقولها: "الأمر ليس كما تظنين لقد كان..."
كان من الصعب عليها سماع أي تبرير منها لذا هتفت بغضب: "لقد كان ماذا أمي أخبريني عن السبب الذي قد يمسك به يدك ويقبلها بتلك الطريقة الحميمية و..."
:"لقد كان يطلب يدي"
كانت والدتها مصدومة أكثر منها من ذلك الاعتراف وقد رأت هذا بوضوح على وجهها لدرجة أن هذا ما ساعدها على استيعاب الجملة فيستحيل أن تتبدل حالتها بثانية من محاولات التبرير والإقناع للصدمة التي تلجم اللسان إلا بعد أن تقول جملة كارثية كالتي سمعتها.. تحشرجت أنفاسها بصدرها قبل أن ترد بذهول: "أمي أنتِ متزوجة من والدي!"
ابتلعت لعابها بصوتٍ مسموع قبل أن تنتفض وهي تقول بغضب: "أجل أنا متزوجة منه.. ولكنه طريح الفراش ومريض منذ سنوات وأنا سئمت هذا الوضع"
تراجعت بظهرها وهي تهز رأسها علّها تستفيق فهي بالتأكيد تحلم..
:"أنتِ بالتأكيد تمزحين؟!"
همستها دون أن تعي قبل أن تشعر بيديها على كتفيها فنظرت لها بينما تقول بهدوء مغيظ: "عليا أنتِ لا تزالين صغيرة.. لا يمكنكِ أن تفهميني أو..."
:"أنا لست صغيرة.."
هتفت بها وهي تزيح يديها ثم أكملت بغضب: "وإن كنت صغيرة فأنا كبيرة كفاية لأدرك أنكِ مستعدة لخيانة والدي المريض وتحاولين تبرير الأمر لي دون أن يمنعكِ أي خجل أو حياء"
تلقت صفعة بعد جملتها تلك فتراجعت والغضب والبكاء يجبران جسدها على الانتفاض كادت أن تقسم بإخبار جدها ومؤمن لولا صوت السعال القوي الممزوج بالنداء باسمها..
:"عليا.."
لم تتمهل واتجهت سريعاً لغرفة والدها لتجده يجلس ويسعل بقوة ووجهه شاحب.. اقتربت منه تحاول فهم ما أصابه لقد تركته قبل قليلٍ فقط بعد أن أخذ الدواء ونام..
اتسعت عيناها وهي تتخيل أن يكون سمع حديثها مع والدتها والتفتت تنظر لها فبدت هي الأخرى مرتعبة قبل أن تتحرك لخارج الغرفة وهي تقول: "سأتصل بالإسعاف"
اقتربت عليا تسنده قائلة: "أبي اهدأ.. أخبرني ماذا أصابك؟"
التفت لها وشهق شهقة طويلة ثم سقط بظهره على الفراش ينتفض بعنف فصرخت: "أمي أسرعي"

رسالة من فتاة مجنونة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن