الفصل الثاني والاربعون

32.9K 332 101K
                                    



"كُل شيء يمر؛ لكن ليس كُل شيء يُنسى"

سارت عينيها بإتجاه يده الممسكة بكأس الشمبانيا، حتى رست على ذلك الرجل في عقده الخامس، ولكنه ذو هيئة شامخة تنضخ بالريب والتوجس مقرونةً بخوف غير مفهوم، تعطي الإذعان والخضوع الغير مشروط.. إذ يمكنك أن تستشف عنه نزعة فحش تثير الفضول.. كان يتوسط الحضور ويمسك بيده اليسرى، النبيذ المعتق مجهز خصيصًا لهذه الأمسية.. وإبتسامة ساخرة تلازمه.. وإلى جانبيه، ذراعه الأيمن عبدالملك.. وفتاته غرام.. الملتصقه به على الدوام حتى لا تفقد بريق مكانتها.. كـ "عاهرته المفضلة"
هنا حيث يقفون في الحديقة الخلفية للمنزل.. كانت فرقة موسيقية تعزف لحنًا راقصًا. كان بعض المدعوين يرقصون على منصة مزدانة بالزهور، وآخرون قد اتخذوا مكانهم أمام موائد طويلة ملأت بشتى الأصناف، وأباريق مترعة بنبيذ معتق.. والبقية يقفون أمام طاولات عملاقة يحاوطها سبعة بالكثير ويتبادلون الاحاديث.. عدا طاولة السيد التي كان يحفها الكثير من المدعوين والأصدقاء.. خالجها وفيرًا من مشاعر الارتعاب.. فتولاها خوف شديد نفض أطرافها.. واصفر وجهها وهي تحدق في ذلك الرجل الخمسيني الذي يبعد عنها أشواط.. بينما كان منشغل بالوفود التي تأتي لتلقي عليه التحية.. ونظرت بجزع الى ماجد الذي يحثها على المضي قدمًا لتعريف والده عليها.. إلا أنها اسرعت بهز رأسها بالنفي.. وقالت متلعثمه: خلاص ماجد مو لازم.. أصلا انا بروح الحين..
قاطعها وهو يخاصرها.. وابتسم ابتسامة طفيفة: ابغى dad يشوفك انا دايم أتكلم له عنك.. يفكرني اختلق هالامور.. تعالي بس سلمي عليه.. ونجلس شوي بعدها  you can go.
وزادت رجفة فاهها.. حين سحبها الاخر يقدمها لتسير قبله.. ويديه تكبل خصرها النحيل.. واعتملت الذعر في صدرها، وشعرت بالأسى على حالها.. وهي تقاد من قبل ماجد.. بلعت ريقها، اثناء تقديمها لداخل الحشد.. والأجساد تتنافر من حولها.. وما أن وقفت أمام جلالته.. حتى ابعدت ناظريها من عليه في حيرة من عدم تقبلها لشخصه.. لم يكن متنبه على ابنه فقد كان يتحدث مع إحدى المدعوين باسترسال جلي.. وإندثرت في أحضان ماجد.. تواري جسدها المنتفض.. فزاد ماجد بإحاطتها.. وقال بصوت متوسط الدرجة: dad.. Dad!
التفت حين تنبه على صوت ماجد.. فالتفت الجمع اليهم في ذات لحظة استدارت السيد.. رفع حاجبه.. مصغر عينيه في تركيز جلي.. لتلك الفتاة التي تمعن النظر في أبنه دون أحاطته بإهتمام رؤيتها.. فرمقها بنظرة متأملٍ وهو يسير بخطوات محسوبة حتى اصبح على محاذاة ابنه.. وأنبأه حسه بأنها فتاة من الطبقة المخملية بسبب كل ما يحيطها من هالة ارستقراطية ونظرات داهية.
القى بتركيزه على أبنه.. الذي قال وهو يمهد على ظهرها بخفة: هذي ليان اللي كلمتك عنها.
ورنت إليه بطرفٍ فاتن.. ومدت يدها بتردد حين مد يده نحوها.. وما زاد مخاوفها هي الأنظار التي حطت عليها.. فدنا منها وحياها وصافحها.. وضغط على يدها اثناء استشعاره بانتفاضة كفها المحتضنه بيده.. فقد كان يتحسسها.
وبنبرة غليظة.. وساخرة بعض الشيء.. ولا يزال ممسك بكفها: ليان خالد!
وحملقت في ناظريه.. وهاج كامن مخاوفها.. ولكنها بلعت ريقها وطأطأت رأسها دون أن تردف بكلمة.. رسم إبتسامة وهو يفلت كفها.. ويعود دافن كفيه في جيوب بنطاله.
وران إليها بلحظٍ متمعن متأمل، فراعه ما شاهده من سطوع جمالها. أذهله هذا الرواء منعدم النظير الذي نضح من قسامتها، ولكنه أشعل فيه الكثير من المكايد.. وما ابطأ أن قال بهدوءٍ واتزانٍ.. وهو يضرب على كتف أبنه بخفة: ماجد كلمني عنك كثير.. يشرفني قدومك في هالمناسبة المميزة.. وان شاء الله مو الأخيرة! ليت رجلك تأخذ على المكان. وعقد إبتسامة جانبية طفيفة.
فنظرت إليه مليًا ثم أجابت بصوتًا مهموسًا: شكرًا.
توسعت إبتسامته بلؤم، رافع حاجبه: ماجد يستاهل كل خير.. وواضح انك طيبة وبنت ناس.. تشرفينا في أي وقت.. والحين بتركم تنبسطون..اتمنى يناسبك جوّنا.
عبرت طلاقة على محياه.. وهو يردف ببشاشة: اكيد بيناسبها.. ليان cool تحب جو الحفلات.. right ليان؟
واغتصبت ابتسامة حتى تلين ملامحها الجزوعة من أنظار سطام المنصبه عليها.. وتلك الابتسامة التي تعلو ملامحه الخبيثة.. فردت في حذر وإرتباك وهي تهز رأسها، واختلست النظر إلى وجه السيد فرأت شفتيه القويتين المطبقتين، ورأت العينين الجامدتين، وقرأت ما لم تفهم في تلك الاسارير: ايه.
اردف السيد وهو يتناول كوب آخر من النبيذ، رافعه قليلًا: have fun.
وسمعت كلامه، وجاهدت لتقول ما ينبغي أن يقال، لكنها بدلًا من ذلك أغضت بعينيها، ثم أحدتهما إلى وجه ماجد، على أمل خلاصها من الاضطراب التي تشعر به حين تحط ناظريها على سطام.. المنتصب بالقرب منها.
وحين هم ماجد بمرافقتها.. إلا أنه توقف اثناء سماع عقيرة والده يهتف بأسمه، ويشعل سيجارته الكوبيه: ماجد!
ابتعد عنها.. مقترب من والده.. الذي همس في أذنه بشيء من الخسة والهزل النمق: المرة الجاية هات أمها معها.
زفر بإشمئزاز.. وعبست ملامحه وهو يكرر: disgusting.
وسار بخطوات سريعة برفقتها.. وبينما كانا يبتعدان.. تقدم عبدالملك في تلك اللحظة بهدوءٍ وثقة، وقد التفت الى رئيسه.. الذي لا يزال عينه لم تزيح من عليهما.. وما أن اختفا بين الحشد.. بلهجته المتهكمة التي أصبحت ملازمة له لا تفارق طبعه، وكأنها خلةٌ أو سجيةٌ!
-ابغى معلومات شاملة عن البنت.. والكمخه اللي معها.. اتصل عليه بعد شوي.. خله يجي مكتبي.
-ابشر طال عمرك.
اغذت في السير،  متفادية الحشود المنتشرة في كل حدبٍ وصوب.. تشعر بدوار يفتك ذرات القوة التي تتسم بها.. من الجو المشؤب.. والمكان المعمور بسواد مظلم شعثاء موحش وحالك مقفر، يجتمعون مع الشياطين قسرا جمع منقهر.. مدنس من مناظر ماجنة خليعة، باعوا لأديانهم بالزهد من سحت، أسفروا الفسوق والانحلال بالعدوان والأشر.. اذاعوا بالمعاصي وارتضوا.. بدلوا الحرام حلالًا فزنوا بالرذيلة والأهواء فيهم معتبر.. والإفك فيهم غير مستتر.
نظرات حطت عليها من رجال يقاربون والدها في العمر أو يفوقونه سننٌ.. اوقفتها يده التي امسكتها من معصمها.. وتراجعت للخلف قليلًا الا أنه وقف قبالها.. وقال مستنكر: what is wrong with you؟!
وهزت رأسها تخرج دجانة أفكارها الشنيعة.. شعرت بالغضاضة، شعرت بأنها خاطئة، وأن كل شيء صالح قد زال من حياتها، وأنها انخفضت إلى الدرك الأسفل، وأنه لم يبقى لها سوى العقاب.
وتعالت كلماتها إلى مسمعيه.. بنبرة ساخطة مضطربة: انا بروح من هنا.. ما راح اجلس اكثر من كذا..
وقاطعها بانفعال وهو يشد على عضدها: بعدي ما جلست معك.. ولا تكلمنا.. I hardly look at you.. ايش فيك ليان.. are you scared!؟
وهتفت في نفور وانكار للمخاوف التي تطرق عليها: لا.. I'm not afraid.. بس ما ابغى اجلس هنا.. الجو ما ناسبني.. وغير هذا بابا تعبان وابي ازوره.
واقترب منها أكثر.. وحملقت في عينيه بثقة، فاحتضن ملامحها بكلتا يديه.. ملصق جبينه بجبينها، وأخذ يتجرع أنفاسه منها واليها.. غمغم بصوت خافض: شوي ما راح نتأخر.. عطيني فرصة sit with you.. وحشتيني ليان.
ذكر آخر حديثه ببسمة تنم عن صدق مشاعره الجياشة.. التي خلقت لها وحدها.. وقبلها في وجهها ويديها.. فأحتضنها.. ولم تبد حراكًا وهي بين احضانه.. فإلى أين تقودها قدماها؟ إلى اين يفضي بها غرورها؟ ومتى تستفيق؟ هل تتراجع أو تقذف بنفسها في الأتوان؟
على مفرق طريقين ألفت ليان نفسها. إلى اليمين ظهرٌ وعفةٌ ونقاءٌ.. وإلى اليسار فحشٌ ودنسٌ ورجسٌ.. فإلى أيهما تتجه الغانية؟ إنها على مفرق طريقين تقف.. والقدر ينتظر!
وابتعد وران اليه ملامحها الجامدة.. وارجع خصلات شعرها للخلف.. فأمسكها من كتفيها.. هامس: ايش رايك نروح الجهة الثانية محد فيها و sit together.. في هدوء؟!
اغضت بطرفها في قبولٍ لعرضه، إذا انها تحتاج الى خلوة بعيدة عن ازعاج الحشود.. أحاط خصرها بيده وهرعا الى الجهة الأخرى للفناء.. حيثُ السكينة تطوق الناحية.
ارتشف مطلق أنفاس عميقة من سيجارته المتهشمه.. واصاخ الى الحارس صاحب الرقم130 حيث كان متذمرًا من سهرات الأنس التي تقام ولا يأخذ نصيبه في مشاركة اختلاس النظر، كونه يحرس الفناء الخلفي كما كلاب الحراسة الموزعة على كامل اسوار القصر.. فلا يحق له اللهو، كما يحصل بعض الحرس المنتشرين في الحديقة الداخلية سلوة التبصر في هز القدود والارداف، حيث عري وتفسخ ومفاتن عاجية.. في محاولة لإحياء روح الانتشاء والنزف.
فرفع حاجبه من سؤال الاخر: وشلون شفت العمة تهول صح يا انه عليها ***.. وعض على شفته السفلية بلؤم وخسة: تجنن.. ولا؟!
القى الآخر تركيزه على مطلق منتظر الإجابة.. ولكنه حك فروة رأسه بخرق: انا ما شوف الا خشتها.. غير كذا مالي قدره عليه.
قهقه بخفه.. بعد سماع تأففاتهما من تصرفاته الملتزمة في عمله.. وقال ذا الرقم 209، وهو يضربه بخفه على صدره: مطلق أنت صاحي ولا مهبول!.. والله لو انا منك كان سويت الهوايل واللي يصير يصير.. ماسك حالي من مبطي.. دايم اشوفها وهي تسبح.. والله لو ما اخوها الثور موجود أو طويل العمر.. كان طفرت معها.. هذي اللي صدق تستاهل تموت لجل قربها.
اغتصب مطلق ابتسامة على محياة، بطريقة تشابه تعابيرهم الرذيلة.. تلفظ بتأني والدخان يطفو في الأجواء مع كل كلمة يردف بها: هالله هالله.. في هذي صدقت.. الاخلاق شينة والتقاسيم زوينة.
زم شفته رقم 130.. بسخط: لا نقدر نلمس بنت ولا نناظر! تعرفون لو طويل العمر يخليني اركب مع العمة.. ثم اخفض نبرة صوته.. حتى هتف، بعد أن التفت يمنة ويسرة: وعزة الله اني اغتصبـ.. 
قطع كلمته من تحمحم رفيقه.. اثناء قدوم ماجد وليان جهتهما.. واحتدت ناظري الحسن الباسلة.. وطفق يتأمل وجهها المصفر، ويدها المرتعشة، وملامحها المتشنجة.
واقتربا منهم.. واسرع الرقم 130.. بالسير جهة الكراسي ووضعه بعدما طُلب منه ماجد.. فجلست.. ودنى منها.. متصفح أمائرها، وحين أراد أن يردف.. قاطع عليه رنين هاتفه.. زفر بإنزعاج.. وقال وهو يتناول هاتفه من جيب بنطاله: you want water؟!
هزت رأسها نافيه، وتشد على قبضة يدها بقلق.. وجالت عينيها فيما حولها.. وعبست ملامحها حين حطت على الحرس ذو الأنظار الثابتة عليها.. وازاحت عيونها الى الامام.. ووضعت رجل فوق الأخرى.. وما أن انتهى ماجد من مكالمته.. حتى قال بتملل: سطام يبيني.. انتظريني ما راح اتأخر.. Ok؟
هزت رأسها متماسكة اعصابها المشدودة.. فقبلها على جبينها ثم سار بخطوات عجلة.. حيث كان والده في المكتب الخاص به.. برفقة غرام.. كانت قد حسبته اكثر سكرًا مما كان. فقد تخطى الطاولة المنخفضة وقبض عليها من عنقها، أمام جميع الحضور.. حيثُ كانت تشرب من زجاجة الوسكي مباشرةً.. كانت من قلة الحذر بحيث بسمت بسمة هازئة، وهي تتمايل في سيرها اثر السكر.. مقادة من قبله.. كما لو كانت حيوانه الاليف.. ودخلا المكتب.. فدفعها حتى التصق ظهرها بالحائط.. وصرخت ضاحكة بألم، متوجعة.. وبدت له غاية في الجمال، وجهها الساحر، وعينيها البنية الغامقة، الكبيرتين اللتان يخيل اليه أنهما تقولان أشياء كثيرة، وجسدها ذي الحنايا الساحرة برخاصتها الرقيقة.
فرأته يكور قبضته ويقوس مرفقه، فصاحت: آسفه، آسفه يا *****.. سامحني!
قالتها بضحكة ثمله. فضربها في بطنها، فسقطت على السجادة، وتداعي للسقوط عليها. ولهثت غرام لتسترد أنفاسها. فسكر من نفسها المعطر، وأخذ يساقط ضرباته على ذراعيها وأردافها.. وساقيها الطويليتن الحريريتين المذهبتين. واشبعها ضربًا كما كان يفعل مع كثير من عامليه.. ولم يكن يعرض جمال غرام لاي ضرر.. فلا سن مكسورة، ولا أذن مجروحة.
كانت تضحك من حنجرتها ضحكًا متقطعًا، وهي مصلوبة على السجادة، وقد انحسر ثوبها المفضض فوق فخذيها. وبين ضحكتين، كانت تستثيره متحدية: خذني يا ***** بسرعة و*****.. بليز ..*****!!
ونهض وهو يعيد ترتيب مظهره.. وكانت متعلقة بساقه، الا أنه حركه دافعها للخلف قليلًا وهو يقول بصوته الرخيم: اوقفي يا ****.
تبسمت وهي تقفز على قدميها، ببراعة حورية، فالفت نفسها وجهًا لوجه مع السيد. ورسمت خطوة رقص صغيرة وهي تدندن بصوت طالبة ساذجة.. وتعلقت بعنقه: ما اوجعني.. ما اوجعني!
فتبسم تلك الابتسامة اللئيمة.. فكان جمالها يحميها كدرع سحري.. وقذفها فتأوهت بألم.. حين طُرق الباب.. وقال وهو يستدير جهة الباب: ادخل.
ودخل ماجد فألقى نظره على تلك الفتاة التي همت جالسة على الكنبة العريضة، رجل فوق الأخرى.. وتدخن الهيروين.. ثم ثبتها على والده وفطن إلى مظهره من التصلب، فانتصب واقف أمامه.. وحدجه سطام بنظرة صارمة، وقال باستجواب: جبتها!؟
وحملق فيه بلا فهم: What you mean؟!
تبسم بخسة وهو يتقدم إزاء ابنه.. وامسك بياقة الاخر بخفة: كم مرة أقول لك.. فكر قبل ما تخطوا أي خطوة!! مو أي بنت **** تجيبها بيتي! فهمت؟
-بس ليان..
وارتجفت غرام فتوقفت عن رشف الهيروين.. وتوسعت حدقيتيها في ماجد الذي ضرب على وجهه من سطام.
اخفض ناظريه لأسفل.. ودمعت عينيه باضطراب وحرج.. وقد أغشاه الذل واليأس.. وقال سطام بنبرة هادئة.. بينما يسير باتجاه مكتبه.. وينفض يده: اخلي سبيلها.. وخل أي واحد من الحرس يوصلها وجهتها.. وأنت الزم مكانك.. سمعت!
شد على قبضة يده وطأطأ رأسه.. ثم مشى خارج.. ويمسح مدمعيه بسخط وقهر.
قبل قليل.. حيثُ تجلس جامدة كالتمثال. كانت شاخصة إلى الأمام، وتحرك قدمها بخفة.. بينما شعرها يتموج بإتجاه الرياح.. وهي تستمع الى همسات الحرس الذين يقفون خلفها.. تمالكت اعصابها.. حين هم الاخر بإصدار أصوات قذرة.. وضحكات خسيسة.
قال 209.. بدناءة وضيعة، وبصوت شبه مسموع لتتمكن من سماعه: تعالي عندي بتلقين عازتك.. ماجد ما يقوى.. 
وقاطعه الاخر وهو يضربه على صدره بخفه: يمكنها ما تبي العسر.. تبي الناعم!
ضحك بخفة وهو يقترب قليلًا خلفها: ايه بس أنا بريحها.. صدقني بيعجبها.
تقدم الحسن بعد أن دهس سيجارته.. وهو يقول بصوته الاجش.. ويدفع الاخر للخلف قليلًا: اسكت.. شكلها بنت ناس.
وطفق 209 بسخرية جلية وضحكة وقحة: بنت ناس! لو هي بنت ناس ما كانت هنا الا بنت..
ولم يكمل كلماته.. الا وهي تصفعه بكل ما أوتيت من قوة.. وعيونها قد توسعت في تحدي ونفاذ صبر.. وبادلها الاخر الحملقة بصدمة جعلت الجميع مدهوش.. ولكن الحارس فقد صبره وتقدم ناحيتها الا أن الحسن و206 اسرعا في إمساكه.. ولكنها تقدمت بدورها.. ولكمته بإحتدام.. صرخت بعالي صوتها: بنت ناس غصبن عليك يا كلب.
ولكن لم يجرأ على مسايرتها.. حين ران اليه ماجد.. بلع ريقه وافلت نفسه من مسكة الاثنان.. وأغض بصره لأسفل.
دفعته بكلتا يديها بإشمئزاز.. والتفتت جهة ماجد الذي أردف: فيه شيء؟
-ليش تأخرت؟!
لثم جبينها.. وحدق في عينيها: آسف.. بس خلاص تقدرين تروحين.. بخلي واحد من السواقين يوصلونك...
قاطعته رافضه: لا.. أنت توديني.. ماني راكبه مع احد منهم!
قبض على كلتا كفيها، وبنبرة هادئة: I am sorry.. بس سطام يبغاني.. طيب خلاص خذي المفتاح وروحي عند سيارتك أو بيتك اللي تبغيه!
-لا ماجد لا.. مثل ما جبتني توصلني.. ما راح اروح مع غيرك!
القى نظره على الحسن.. ثم أعادها الى ليان: هذا سواق اختي.. اركبي معه افضل شيء!
وشدّت اعصابها، وبرز على محياها المليح وغر لاذع: اسمع انا ما جيت وتركت ابوي.. عشان حضرتك تتركني هنا مع واحد من هذول.. لا تلمسني.. أنت اللي بتوصلني لعند سيارتي فاهم!
مسح ملامحه.. وهز رأسه رافض.. مبتعد عنها. رفعت حاجبها وهي تراه يقدم المفتاح لـ الحسن ويبتعد.
واعادت شعرها للخلف بموجدة واشتداد.. فاستعرت أوار غيظها، وأخذت تحرق عليها الأرم وهي تتابع ابتعاد ماجد.. فهزت رأسها زامة شفتاها.
تقدم الحسن ناحيتها.. وانثنى بنظرة إليها: تفضلي طال عمرك.
وحدجته بنظرة تفيض منها اللؤم والاحتقار والاستهجان..  وتمتمت بشتائم وهي تسير برفقته.. واثناء وصولهم للمركبة.. تقدم ناحية مكان السائق، الا أنه لاحظ حركة مريبه منها.. وهي تتلمس شنطة السيارة كما يفعلها رجال الشرطة.. لإبقاء بصماتهم، إن ساورهم الشك من صاحب المركبة.
فتعجب من تصرفها، وأخذ يخزن الملاحظات ويدون الشكوك.. ودنت السيارة من المنزل، فقال من غير أن ينظر إليها: وين الوجهة!؟
ومدت اليه هاتفها.. وكانت في شغل بتفكيرها، كانت تفكر في ليلتها والخوف مستحوذ عليها، وكانت تتضرع الى الله أن يحفظها ويصونها ويدرأ عنها كل مكروه.. وتبتهل في سرها الى الله أن يحميها.
لقد رأى الخوف ينزف من مقلتيها، حتى وأن حاولت ستره.. بأعينها السليطة الا أن رجفة شفتها لم تهدئ ويديها التي تضغط على بعضها لم تنكف.
دمع جامد تخفيه في الأحداق، وانساب مثل الضوء في الأعماق.. يذوب الصوت في دمها المراق، تخبو الملامح.. كل شيء في الوجود.. لا شيء يخفف من وطأة ما حل بها، كيف ارتضت بالذل والخزي.. ألهذا سعت وإلى أي نتيجة حصلت!
زم شفته حين ران اليه تنشيقاتها.. التي تحاول قدر الإمكان كتمها.. هلعًا يعصف دواخلها، فيجعلها تخور في مقعدها.
هو متأكد بأنها جديدة على المكان، وإن أمر إخراجها هي من سلطة سطام.. فكيف يقبل بدخول شخص لا يمتلك اسورة الدعوة!
وتوقفت السيارة أمام احدى المقاهي المعروفة في مدينة الرياض.. ولكنها بقيت في مكانها دون أن تنبس بكلمة.. وحين أراد أن يردف بسؤاله.. كانت سيارة فاخرة تعبر الطريق وتركن في المواقف المخصصة لزبائن المقهى.
فأستكنت بصريه على موقع لوحة السيارة الفارهة.. لقد ظهر المخفي أخيرًا ظهر بوضوح وجلاءٍ.. عجبٌ شديدٌ أحاطه.. وبدأ يحيك الاستنتاجات.. أدرك بأنها ذات رفعه بسبب عدم وجود لوحة بالأساس.. أي أنها تملك تصريح من الحكومة.. وليست أي وساطة.. بل وساطة قوية ومرموقة.
ورفعت حاجبيها بذهول من تأمين السيارة.. والتفت موجه فوهة السلاح عليها.. وبسط كفه لها.. دون أن ينبس بكلمة.
-ايش تبغى!؟
قالتها في شيء من اللافهم والاضطراب من السلاح الموجه عليها، الا ان نبرة العصيان لم تزح من لسانها.. مال رأسه قليلًا.. وقال بحدة ظاهرة: الاسورة!
ولم تفهم ما يعنيه.. فهي لا تعرف بأن جميع حضور امسيات آل فياض.. يكبلون بأسورة من الألماس دلالة على دعوتهم.. وقبل خروجهم يوجه السلاح على رأسهم.. ويطالبون بإعادتها.
-ايش تقول.. أي اسورة.. ابعد عني ترا مو فاضية لك.
وتوسعت حدقيتيها.. حين تقدم بسلاحه ناحيتها.. وكرى: ولا انا فاضي لك.. عطيني اللي عندك وتسهلي.
وصرحت بهياج: غبي أنت ما تفهم.. وش اسورته.. اسمعني زين.. ترا فاهمه جوكم.. فابعد عني عشان لا اسوي لكم مشكلة. وعضت على شفتها.. حين خرج من مكانه.. وفتح بابها.. واستقل بجانبها.. وقد تراجعت للخلف.. وتدير عينيها على جزع كالظبي ملتفتًا من الذعر.. وأشد ما تخشاه سفك دمها بيد الأثيم ذي الغدر.
قال بصرامة: شلون دخلتي الحفلة.. بلا اسورة؟!
واسرعت بتلعثم وعيونها جحظت فيه: جيت.. جيت مع ماجد.. اتصل عليه واسأل.
ثم قالت بصرامة وعيونها قد انخفضت على فوهة السلاح الموجه اليها: ابعد سلاحك عني.
وتابع حديثه: من بنته؟! 
وهنا جمدت معالمها.. وخفق قلبها خفقان الذعر.. فأوجست منه خيفة.. وبقيت في اشتداد وتمسك بعدم الإفصاح.
وشهقت حين أمسكها من ذراعها وصوب سلاحه على منتصف صدرها، حيثُ يقبع ذاك الخفاق الفازع.. واشتدت عروق رقبته، فبرز غيضه: علميني من بنته.. ولا تحاولين تتذاكين علي.. خابر هالحركات! لك في الحكومة قرابة!؟
وكثير من التهرب الذي تمالكها، وجنون الفرار قد لاح امام عينيها.. سارعت على حين غرة.. على امل ابعاد السلاح في غفلة منه.. الا ان حركاته الرشيقة قلبت الطاولة.. فحاوطها بذراعه المستحكمه.. كسلسلة حديد في قوتها.. ودفعها ليصبح ظهرها على صدره.. وسلاحه قد غرس على خاصرتها، ودنى من أذنها.. بفحيح حازم مريد: قلت لك لا تحاولين تتذاكين علي.. شفتي هالسلاح!.. طلقه منه محدن درا عنك..
فصاحت بنبرة شراسة وحشية التي تشف عن سحنتها المتعاظم: ما تقدر لا أنت ولا اللي اكبر منك.. لو بس حاولت تأذيني.. كلكم بتروحون ورا الشمس.
وابتسم بسمة متواطئة جدية، كما لو انه روى حكاية طريفة. وارتعشت حين شد قبضته.. محشورةً في قبضته واحضانه.. واحتدت نبرته: لك عشرين ثانية إن ما عطيتيني هويتك.. بترجعين من مكان ما جيتي بس جثة هامدة. وعلا صوته بنبرة أكثر خشونة: واحد.. اثنين.. ثلاثة..
وعيل صبرها في تلك الفينة وضاق صدرها، فتنفست الصعداء من شدة ما نالها من الكرب.. الخوف عذاب يبرد أطرافها فيثلجها.. ويهز ثباتها .. وهاج كامن هدوئها في انتفاضة غير معهودة.. بلعت ريقها.. وانكمشت على نفسها.. ادمعت عينيها.. ويديها تنتفض بينما تفتح شنطتها.. مدت له رخصة قيادتها.. فتناولها. دون أن يفلتها من قبضته..
انزلقت بصريه على أسمها الرباعي.. كصفعة مدمية ناولته إياها الحياة.. يبدو أنها الحقيقة التي لا مراء فيها، ناهيك بالعبرات، وناهيك بوقع المشهد عليه. ولم يتمالك نفسه عن التفجع.. ألم هائلٌ يلم به.
أفكار سحيقة تتهافت على مداركه.. فجيعة حلقت به لأعلى سماء سابعة فسقط بلا تريث.. ألم اجتاح صدره من هول ما توصل اليه.. واشتد عرقه النابض فأحمرت عينيه.. ورأى بعين مخيلته وجه صديقه ورئيسه.. فشد على اعصابه.. إنه في مأزق، والحبل مشدودٌ على مخنقه، فما العمل؟ وما العمل؟
فـ سطام سيكشف أمرها وينتقم، ولكنه لن يفسح له المجال، لن يدعه ينعم بهذا الإنجاز.. فهو سيقاتل دفاعًا عن عرض صديقه، وهو لن يطلق درءًا للفضيحة. ثم يسدل ستارًا صفيفًا من الكتمان على ما حدث، حتى لا تنتشر الفضيحة فيسمع بها القاصي والداني.
وما لبث أن تنفس الصعداء كأنه يبعد أوشابًا علقت بنفسه.. وتدارك وضعيته معها.. وسريعًا ما ابتعد عنها.. وحملق في ناظريها.. بحمق وحدة.. وقال مشدد على كل حرف يردف به، دون أن ينظر فيها ويعيد رخصتها: تعرفين وين كنتي! تعرفين؟ قال آخر كلمته بصرخة اقشعر جسدها من شدة علوها وحدتها.
طأطأت رأسها نافية على عجل.. في صدمة منطوقه وتصرفاته اللامفهومة.
اختزل الاكسجين داخله، فأردف بنقمة: ليش جيتي! ماجد ماسك زلة عليك؟
فجزعت أشد الجزع، واستعر القلق في أحشائها.. غير أن جزعها انقلب في مثل غمضة عينٍ وفتحتها إلى دهشة وشدةٍ.. بلعت ريقها.. وهزت رأسها بنعم.
فحدجها بنظرةٍ غاضبةٍ، وكأن حقده ما انفك يبحث عن العلل، وأجاب: وش هي؟!
خارت كامن قوتها.. واصفر وجهها.. قرع قلبها يزداد تقلقل.. فنكست طرفها، وهمت مدامعها..  وتمتمت بصوتٍ خفيضٍ مهموسٍ: صور.
زم شفته مغمض عينيه.. وهز رأسه مغيظًا، وناولها ظهره.. وبنبرة صارمة حازمة أردف: مخيرة بين أمرين.. إما أنك تنفرين بجلدك ولا عاد ترجعين.. وإما أن تستمرين وتغوصين في هالوحل.. وتصيرين وحدة من..
وقبل أن يكمل مدت يدها لتصفعه.. إلا أنه امسكها وشد عليها.. وقال بتشديد منطوقه، دون أن يحول ناظريه من عليها: أجل لا ترجعين.
افلت يدها من قبضته.. فشخصت فيه مصفرة اللون.. متوترة منفعلة.. ولم تلبث الا أن فتحت باب السيارة خارجة.. بخطوات عجلة.
أنه مستعد لمواجهة أسوأ النتائج حتى القتال، فهو لن يتردد عن حماية عرض صديقه.. فمهما كانت النتيجة والضرر الذي سيحل عليه.. إلا أنه سيتكلف بذلك تمامًا.

لا تحملني خطا ما هو خطاي..لو أنا المخطي كان والله اعتذرتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن