الفصل الحادي عشر

ابدأ من البداية
                                    

****

( فيلة سلمان آل ثنيان )
تجلسان فوق السرير بعد أن خرجت وسن تاركه مساحة خاصه بين الاختين، استكنت اخيراً وكأن الدموع جفت من اجفانها التي تضخ التعب والآلام. وضعت نورة يدها فوق فخذ الآخرى بينما تقول: كيفك أسيل؟ لقد وضعت سؤال بديهي ولكن الإجابة ايضاً واضحة كوضوح اتساق القمر في هذه الليلة. تبسمت ابتسامة طفيفة جمعتها مع اعين مغشاه بدموع، فلم تعد تسمع هذه الكلمة في حياتها بادرت بهز رأسها: الحين تمام. انها تحاول صياغة معيشتها بأقل قدر من الكلمات ومن ثم.. بأقل قدر من الانفعال. تردد على نفسها بأنه يجب أن تتحدث بتلك اللغة الباردة حتى لا تفسد مزاج من أمامها. مسحت على ملامح أسيل الموسومة بكدمات وخدوش موزعة على بشرتها البيضاء النقية... لم تستطع اكمال التحسس لذا أبعدت يدها وشعرت بغصة تكورت في منتصف صدرها.. أخفضت عيناها لأسفل حتى لا تفقد السيطرة وتبدأ في النواح والصياح ولكن رفعتها حين سمعت نبرتها المتسائلة: أمي تطريني للحين!؟ عاودت سؤالها بإلحاح، تحتاج فقط لإجابة تزيح تراكم جبال الهم والجروح الزاخرة داخلها. مرارة ساورتها من سؤال أسيل... لذا ردت بحذر: أكيد تدعي لك... محد يعرف باللي تمر فيه أمي... لتقاطعها بنبرة أكثر تأمل وكأنها تكور يديها بالقرب من الشمعة حتى لا تطفئها هفوات نورة: أقصد تذكرني قدامكم... ولا أسمي صار من المغضوب عليهم؟!
-وشلون تبينها تطريك وأنت أكثر وحدة تدري بموقف أبوي؟! أمي ما عادها مثل قبل... أمي صايره خانعه لكل شيء يقوله أبوي. ابتلعت باقي الحقيقة يكفي ما تعيشه أسيل. هزت رأسها بتفهم بينما داخلها ينزف بأسئلة تكررت عليها دون اجابة... لِم أنا؟ بين جميع الفتيات في العالم أصبحتُ أنا جالبة العار والخزي؟ لماذا لم أكن بشكل مختلف؟!، في مكان مختلف. ماذا لو كانت الأمور على غير ما هي عليه؟ يائسة الى الحد الكافي الذي يطفىء نصف الأمل الذي تولد لدي بعد هروبي.
-أسيل... كيف جيتي هنا؟ سألتها بارتياب واضح وصريح.
-هربت. أربعة حروف اردفت بها جعلت نورة ترفع حاجبيها بصدمة وتسمر ملامحها.. بلعت ريقها الذي جف بعد ما علمت بفعل اختها: منجدك أسيل! وشلون قدرتي تهربين؟! تدرين لو طلال وصل لـ ابوي الخبر وش بيصير؟! مجنونة تخاطرين... بترت كلمات الخوف التي لامست نقاط ضعفها: وش تبيني اسوي! لو جلست أكثر من كذا راح يقتلني... والله بيقتلني... هذا مدمن تعرفين وش يعني محبب هذا هو طلال اللي ابوك زوجني إياه.
-يعني الحل أنك تهربين؟ ووين بتروحين مرده ابوي بيعرف مكانك ووقتها كلنا بنموت مو بس أنتِ... لو صدق تحبين أمي ما سويتي فعلتك وهربتي.. أمي تعبت من بعدك تعرفين أن جاها السكر والضغط! تدرين ولا لا! وأمي ما هي كبيرة حيل ولا عندها الاعراض... أنا انحرمت من دراستي.. كل اللي في دفعتي كملوا جامعة الا أنا.. انحبست في البيت ما اطلع الا عند اقاربنا لا وهذا بعد ما تتصل امي بهم تتأكد اذا وصلت ولا لسى... حتى ما اقدر اجلس في البيت لوحدي ضروري تجلس معي امي.. فيصل.. نواف.. المهم ما اجلس لوحدي خايف ابوك لا اجيب له العار وادخل رجال غرفتي... اخوانك يا اسيل.. ما يقدرون يخالطون الرجال خايفين لا يوصلهم خبر عنك.. حتى أبوي كل أصحابه اللي من نفس قبيلتنا قاطعهم خايف انهم يشمون خبرك... كلنا تدمرنا مو بس انت. صمتت قليلاً تلتقط انفاسها حتى أكملت بنبرة تحسر وندم: يا ما نصحتك وحذرتك بس ما كنتِ تسمعين...
الحياة ما عادت ممكنة، هذا هو الشيء الوحيد الذي أعرفه يقيناً، عني وعن هذا العالم، أنا المشومة بهذا الاسم (العار) الذي يناقض حقيقتي. صاحت أسيل بكبت وانهيار هستيري وهي تضع يديها على وجهها.. إذا كنت سأموت على أي حال فلماذا لا أفعل ذلك على النحو الصحيح؟ لماذا لا أموت وحسب، وأسمح لهم بإلتذاذ وإجادة دور الاهل والأقارب.. بأن يندبوا لشبابي، ويدفنوني في بطنِ الارض، ثم يواصلوا الحياة شأنهم شأن الجميع. أليس هذا ما يريدونه؟ القدرة على المضي؟ أنا التي تقلقهم من مواصلة حياتهم!. امسكتها من اكتافها ووسن الواقفة بجانبها وتمسح على رأسها بخفة، وقد تركت الصينية التي تحمل أنواع من المسليات فوق الطاولة بعد نياح أسيل المتواصل وكأنها في غير عالم. برزت ندوبها وخدوشها الداخلية قد تصاعدت بعد حقيقة ما سمعته من أختها، جسدها يرتعد ولا تستطيع ضبطه، اهتزازات تفوق قدرتها على الاحتواء. بعد مرور ثلاثون دقيقة بالضبط اختفى صوتها ولكن صدرها يعلوا ويهبط وكأن موجات من البكاء قد حبست داخله، عيناها متسمرة على احدى الزوايا وافكارها موقفه على فكرة عودتها الى جحيم طلال الابدي. وسن بصوت هامس: نورة ابيك.
وقفت نورة على طلب الأخرى لتخرجا متوجهتا الى غرفة الجلوس، أغلقت وسن الباب خلفها لتقول وهي تجلس مقابل نورة: وش قلتي لها عشان تبكي هالكثر؟
-قلت الحقيقة.
-وش هي حقيقته؟! اللي خلتها تبكي بهستيريا!
-أنها ضروري تتحمل نتائج افعالها.. حنا كلنا نعاني بسببها.. وهي ليش ما تتحمل؟!
ردت باستغراب من منطوقها: منجدك نورة تقولين كذا... أنتِ شايفه وضعها! الكدمات واثار التعنيف اللي واضحة عليها.. وفوق هذا ما رحمتيها!؟
-لا تتكلمين وأنت مو عايشه معنا! أنا اكثر وحده دافعت عنها... بس أمي اغلى من كل شيء... أمي تعبانه ما عاد تتحمل... وضعنا صاير يصعب على الكافر بسببها... حتى أبوي اللي سواه فيها من حقه وقليل بعد.. لو غيره كان دفنها مكانها! بذمتك لو صار الموضوع في بيتكم عمي أبو سعود بيسكت! طبعاً لا.. لأن الموضوع مو صغير عشان نتعاطف... لو بس احد شم خبر عنها.. كلنا بنوسم بالعار.
مرت ثواني صمت لتردف وسن بعدها بترجي: طيب تكفين لا تعلمين أحد عن مكانها.

لا تحملني خطا ما هو خطاي..لو أنا المخطي كان والله اعتذرتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن