رسالة من فتاة مجنونة - الفصل السابع عشر

112 10 0
                                    

~الرسالة الخامسة~
خذ بيدي وأرشدني..
أنظر لي وطمئني..
أحلم معي وأخبرني..
تلك القصص التي ترويها بكل شغفِ..
وأنصت لما أقول من كلمِ..
سيُخلَد اسمك يوماً هذه ثقتي..
****
-:"كان هذا رائعاً"
استيقظت من تخيلاتها على صوت منار والتفتت لها وهي ترد: "كنتِ رائعة أيضاً"
ابتسمت لها تزامناً مع غلق الستار فالتفتت وتحركت سريعاً قبل أن تختفي خلف الكواليس وعندها رأت نغم التي كانت تعقد ذراعيها بينما تنظر لها ثم تقدمت منها ومع تذكرها لعذابها خلال الفترة الماضية والتأنيب الذي كانت تتلقاه بلا شفقة عقدت ذراعيها هي الأخرى وما أن وقفت أمامها ابتسمت قائلة: "إذاً هل عزفت شيئاً يستحق أن تسمعيه؟"
-:"بل أسوأ.."
اتسعت عينيها مع ردها الذي سرعان ما رافقته ابتسامة شريرة أرعبتها بينما تكمل: "أعني بالنسبة لك بالطبع.."
اقتربت منها أكثر وانحنت قليلاً لتواجهها وهي تردف: "لقد عزفتِ شيئاً يستحق العناء بالنسبة لي.."
ثم اختفت ابتسامتها واستقامت بوقفتها بذات اللحظة التي سمعت بها نداء منار فالتفتت نحوها لتجدها تقف بجوار رجل.. رجل بملامح متجمدة.. حرفياً متجمدة فمقلتا عيناه لا تتحركان وهو حتى لا يرف جفونه كما أنه يقف بثباتٍ شديد وذراعين منعقدين خلف ظهره..
-:"ريم دعيني أعرفك بالسيد عنان السامحي.."
قالتها منار وهي تبتسم بتهذيب ثم أكملت: "هو والدي وقد أراد رؤيتك.."
-:"اقتربي.."
صدر ذلك الأمر من فمه ووجدت نفسها تتحرك كالآلة وتقف أمامه باستقامة بينما هو وزع نظراته ليشملها من رأسها لأخمص قدميها قبل أن يظهر شبح ابتسامة باردة على شفتيه وهو يقول: "آنسة ريم هل أنتِ واثقة أن هذه مرتك الأولى في العزف أمام الناس.."
شعرت بالخوف لكنها ردت دون أن تعي: "كنت أعزف بالمدرسة لفترة.."
مط شفتيه وهو يقول: "سيكون من المشوق تدريسك بالمعهد آنسة ريم.."
انعقد حاجبيها وهزت رأسها بحيرة حتى استطاعت أخيراً استيعاب ما قاله قبل أن ترد: "أنا لا أنوي...."
وقبل أن تكمل التفت وغادر ببساطة ومع تأكدها من رحيله التفتت لنغم وسألتها: "هل أنتما قريبان؟"
ضحكت بسخرية ثم ردت: "هو أستاذي وهو أسوأ مني يا فتاة.. وبم أنه سيصبح أستاذك فاستعدي.."
قالتها ثم تحركت لتغادر فصرخت عليها: "لازلت لن أرتاد المعهد.."
-:"سنرى يا فتاة.."
قالتها دون التفات ثم اختفت من أمامها وعندها رأت والدتها تقف بأحد الأركان وهي تبتسم وما أن اقتربت منها انحنت وهي تتأملها بينما عينيها تمتلئان بالدموع: "انظري لنفسك.."
أحاطت وجنتيها بكفيها وهي تكمل: "والدك كان ليفرح برؤيتك.."
تجمدت ابتسامتها بذات اللحظة التي بدأت فيها والدتها بالبكاء فاقتربت وأمسكت كفها قائلة: "على الأقل أملكك لتخبريني هذا.."
مسحت دموعها وهي تنهض ثم ربتت على رأسها وهي ترد: "أنا فخورة بك.."
ابتلعت لعابها لتهدأ ثم أكملت: "وأنا مستعدة للموافقة على تلك الرحلات.."
ابتسمت وكادت تقفز بسعادة..
-:"لا بالطبع..
تدخلت خالتها التي وقفت بجوار والدتها وهي تكمل: "عزفها بشكل مبهر لا يعني أن نوافق بهذه البساطة.."
-:"مبهر؟!.."
رددتها ريم بصدمة بينما قالت والدتها بهدوء: "إنها ابنتي ويحق لي أن أكافئها كما أحب عندما تعزف بشكلٍ مبهر شكرية.."
-:"لا علينا مناقشة الأمر..."
-:"كان هذا رائعاً يا فتاة.."
كانت على وشك متابعة الشجار حتى سمعت ذلك النداء من إسلام التي احتضنتها وهي تقول: "أنتِ مبدعة.."
-:"أجل أحسنتِ"
بدأت تتلقى كلمات الإعجاب من الجميع وكاد الخجل يتملكها قبل أن تتأمل المكان من حولها ثم سألتهم: "أين مؤمن؟"
-:"لقد غادر.."
استغربت رد ساندي قبل أن تكمل: "أخبرنا أنه سيقابل جده بالخارج ثم سيعود"
****
بصعوبة استطاعت أن تتركهم وتخرج باحثة عنه وهي لا تصدق أن جده أتى بالفعل.. تخيلت أنه ربما أخبره أو والدتها وكان بالمدينة فقرر المجيء.. وقفت تبحث عنه وهي تنتوي جعل والدته تدعوه على العشاء وعندها رأته يقف مع جده والد.. لكن ليس الجد صلاح.. بل الجد طاهر والد والدته وعندها فوراً وقفت مكانها تراقب وحسب فهي سعيدة ولا تريد لشيء أن يفسد سعادتها وهذا الرجل...
أغمضت عينيها وهي تحاول السيطرة على رجفتها بينما تهمس: "لا لقد اكتفيت من النظرات الباردة اليوم.."
لكن قبل أن تلتفت وتتراجع التفتا لها فجأة وكالعادة ذلك الرجل حدجها بنظرة غاضبة تثير خوفها لا تفهم سببها قبل أن يلتفت ويربت على كتف مؤمن ثم توجه لسيارته وغادر فوراً.. تنهدت براحة حامدة الله أنه رحل فهي لا تريد الحديث معه بالتأكيد فهي تكره التعامل مع أحد تعلم يقيناً أنه يكرهها..
-:"كان عزفك رائعاً.."
أفاقت على جملتها التي قالها ما أن وصل لها بينما يبتسم بهدوء ثم تحرك حولها وهو يضع كفيها بجيبي بنطاله مكملاً: "لا أحب أن يتعدى شخص على أفكاري لكنك احتللت مخيلتي وجعلتيني أرسم مشهداً لا أعلم مصدره"
تناست كلياً الرجل المثير لفزعها الذي كان يقف معه قبل قليل وابتسمت وهي تلحقه بنظراته وتسأله: "ما هي تلك الرسمة؟"
توقف أمامها ثم بدأ يشرح بيده ما تخيله: "رأيتك جالسة بذاك الفستان الأحمر على ذات البيانو الأبيض وسط حقل واسع وكبير في نهار مشرق ومن حولكِ تحلق فراشات زاهية وهناك راقصة باليه تتحرك حولك و...."
-:"صوفي.."
قالتها بحماس وهي تطالعه بعدم تركيز قبل أن تتنهد وهي تكمل: "هذا ما تخيلته تماماً.. كيف....."
-:"آآآه ها أنتما.."
التفتا لأكمل الذي اقترب ووضع ذراعاً على كتف كلاً منهما بينما يكمل: "هيا لنحتفل.."
-:"لنبدأ أولاً بإنزال يدك.."
قالها وهو يدفع ذراعه بعيداً عنها ثم سحبها لجواره وهو يكمل بتحذير: "لا نريدك أن تفقدها أيها الصياد فكيف ستوقع عصافيرك بدونها.."
كان هذا شعوراً رائعاً لم تفهم ماهيته لكنها أحبته ولم ترد ترك جواره حتى لا يرحل عنها ذاك الشعور بالتميز..
-:"لا داعي لعدائيتك أنا أمزح.."
رد بها أكمل بمحاولة لتهدئته ووبطريقة ما فهمت أنه يحاول الظهور أمامها بصورة أفضل منه بالذات مع رد مؤمن القاسي: "لم أمنحك إذناً لتمزح معنا.."
حسناً لولا إمساكه بذراعها بتلك الطريقة المتملكة كانت لتفتعل شجاراً معه لحديثه بالنيابة عنها ومرة أخرى بطريقة مبهمة أدركت أن هذا ما يريده أكمل وعندها قررت أن تصمت وترجيء شجارها معه لوقتٍ لاحق.. بدأت عندها تتذكر أن قبل أسابيع كانت معجبة بأكمل وتنتظر اللحظة التي سيقفان بها معاً ويتحدثان.. وبعيداً عن أنها فيما بعد رفضت عرضه بمرافقتها إلا أنها لن تنكر رغبتها قبلها وإعجابها به.. والآن لا يمكنها سوى التساؤل أين ذهب هذا الإعجاب..
-:"ما رأيك ريم؟"
أفاقت لتجد أن رفاقها يحيطون بها فسألت: "عفواً ماذا كنتم تقولون؟"
-:"من أخذ عقلك يا ترى؟"
قالتها مالي بينما تلكزها بذراعها فلم تلتفت للمعنى الخبيث لحديثها واكتفت بالتربيت على رأسها بينما ساندي تقول: "كنا نفكر بالذهاب والاحتفال بك وبنهاية الاختبارات أيضاً.."
-:"لا هذا لن يحدث.."
التفتوا لأستاذتهم التي ما أن سمعوا صوتها وقفوا جميعاً جوار بعضهم باستقامة بينما هي تحركت نحوهم وهي تكمل: "لا توجد أي احتفالات الليلة.. مفهوم؟.."
-:"أجل يا أستاذة.."
ردوا بها جميعاً بذات الوقت فانفجرت والدة ساندي ضاحكة ثم اقتربت تقول: "أستاذة شكرية أنا فعلاً معجبة بك.. أتمنى أن أمتلك ذلك الحس الحازم الذي يجبر الجميع على الاستماع لكلامك.."
وعندها اتسعت عينا مالي والتفتت لشقيقتها وهي تهمس: "إن اكتسبت شيئاً كهذا سأهرب من البيت.."
-:"وأنا سأتبعكِ.."
ردت بها ساندي ولم تكد مالي تضحك إلا ووجدت والدتها تقترب قائلة: "ماذا تقولان؟.."
-:"لا شيء.."
ردتا معاً بذات الصوت بينما تجاهلتهما هي والتفتت لريم وهي تقول: "عزيزتي أشكرك على دعوتك لقد أغرمت بعزفك وأنوي حضور كل الحفلات التي ستعزفين بها.."
ابتسمت ريم بخجل بينما تراجعت والدة ساندي تكمل: "أرى أن تعودوا للبيت فأمامكم الكثير من التحضيرات لأجل رحلة الأقصر وأسوان.."
التفتوا جميعاً لبعضهم وقد أشرقت ملامحهم وقرروا الاستماع لها..
****
-:"لا أعلم لم يكرهني جدك"

رسالة من فتاة مجنونة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن