الفصل الثاني

ابدأ من البداية
                                    

****

بينما يحرك مسبحته ذات اللون الأصفر الكموني... وبنظرة تركيز متمرسة في أعينها: دريتي بالعفو ولا غيداء ما لحقت تصحيك؟
توقف بؤبؤ عينيها لثواني بعدم فهم هل سمعت لتو كلمة " عفو " أي عفو يقصده هل هناك مرادفات لهذه الكلمة.. غير معنى " سماح أو صفح " !
شتت نظره في الأرجاء حين علم بأنها لم تفهم منطوقه.. تكلم بصرامة دون النظر إليها: أنا يا تاج عفيت عن قاتل أخوك... وش رأيك في فعل عمك!
ارتعدت فرائصها.. ونال الحزن من عينيها منصبًا، فنحدرت منها الهتون.. وتوحدت المشاعر بأسى عميق وغصة جسيمة تقف في البلعوم.
وجه نظره عليها بعد أن حل الصمت: ماني قد الأمانة اللي وصاني عليها أخوي ولا؟
واخيراً تداركت موقفها بنطق كلماتها المضطربة والمتقطعة حين ازدادت دموعها اليتيمة تنحدر بانسياب وإسهاب.. ولا تزال في طور الصدمة: حاشاك.. يا عم.
أكمل متجاهل خيبة أمالها لم يكن شخص عاطفي ولكنه ذو عقلية راجحة: ما ابي ذا الرد يابوك... ابي تقولين وش اللي حسيتي فيه... هل أنا كفو أني اقرر سير حياة بنات اخوي... وش هقوتك في عمك؟!
حاولت مسح دموعها ولكن كالسيل المنحدر من الأعلى لا يمكن إيقافه لترد بنبرة باكية: ما اقيمك يا عم... بس تكفى قولي وش اللي خلاك تتنازل... هقوتي فيك رأسك يابس ما تسمع من احد وش اللي تغير فجأة؟!
تحامل على مشاعره لا تفيض, عيناها البريئتان الدامعة تعجزك عن الصمود...وضع كفه فوق كفها الصغيرة بقسوة لتمالك حزنها.. وبنبرة تتماشى مع الموقف: ربي وحده يعلم وش اللي تغير... والله أنه لا هو ترخيصاً في حق محمد ولا استخفافاً فيه إلا اجراً له وثواباً عند ربه بيلاقيه... هذا ربات ايدي أبوك رحمة الله عليه تركه وهو في عمر الثلاثطعش والله أني ما اعده إلا ولداً لي. اخذ انفاس عميقه ولسان حاله يردد بحسرة: انشهد انه فارق الصف رجال ما كل رجال يوقف بداله... رجالاً على الطيب كساب توسط مجاليس البشر من طيب فعوله.
وضعت رأسها على فخذه الأيسر باستسلام وكأنها جثه هاوية. عيناها كاللؤلؤ تلمع بانكسار. وضع يده فوق رأسها يمسد شعرها برؤوف ويقرأ بعض من الأذكار... تكلم بعد مرور دقيقتان من الصمت: يا بنت مساعد تبين تسمعين كلامي وتفعلين به ولا اسكت.. بس من الحين أقولك ترى مهب جايز لك.
نهضت ببطء لترتكز في مقعدها... رفعت شعرها المنسدل على وجهها المليح.. وهي تبلع مرارات الاحزان والخيبات: اكيد بسمع لك.
تكلم بنبرة مهللة... ليجدبها إليه ويقوم بتقبيل رأسها بحفاوة: الله يحرم هالراس من النار يا جعلك ما تذوقين ضيم.
أكمل بتحفيز بعد أن انتظر تركيزها الكامل لخبره: آل مسفر طالبينك طلابة لولدهم الضابط على سنة الله ورسوله؟
ألا يبدو الموضوع غريب بعض الشيء... ألم يقوموا بالتمثيل الحرفي لمقولة ( يقتلون القتيل ويسيرون في جنازته ). تسمرت عيناها للحظات في خاصته, ثم أردفت بتلعثم: مــ... مين.. تـــ... تقصد أهل القاتل؟!
هز رأسه بالتأكيد: ايه هم بس يا بنتي أنا لي نظرة في الرجال وولدهم باين عليه رجلاً عن مئة رجال... وأنا والله مب جابرك على شين ما تبينه... وإذا تبين شوري والله أني راضي ثمن راضي ثمن راضي على ذي الزِيجة وأنت حرتن في خيارك.
ظلت تنظر في عيون عمها باستنكار وضياع.. لم تلبث حتى اردفت بذهول وبصوت ساخر: وش يبون بقربنا... عسى بس ما يتفضلون علينا بعد ما ذبحوا محمد؟
ليردف العجوز بانفعال: اقطعي... يخسى اللي يتفضل على بنات آل ثنيان... وش ذا القول يابنت أخوي لا تزعليني منك. ثم أضاف بنبرة مختلفة: قولي وش رأيك نعطي ولا الوجه من الوجه أبيض.

لا تحملني خطا ما هو خطاي..لو أنا المخطي كان والله اعتذرتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن