الفصل الأول

Start from the beginning
                                    

وفي نفس التوقيت ولكن باختلاف الأماكن والأحوال , وتحديداً مدينة جدة.
‎بين هبوب الرياح الخريقة والعواصف الرعدية الشديدة التي تطلقها سماء مدينة جده ها هي اخيراً أخرجت ما بجعبتها من أمطار ودِقه وكأنها أم أنجبت مولودها بعد صراخات من الألآم. كان ماكثاً بين طيات الأوراق وجهازهُ المحمول ممسك بين أنامله سيجارته التي لطالما رافقته في لياليه القاسية المكرسة بالأعمال اللا منتهيه. حدقية عيناه تزداد أتساعاً مع كُل كلمة كان يقرأها في تلك الرسالة المليئة بالشفرات حتى قطع تركيزه انفتاح باب مكتبه أغمض عيناه لثواني حتى عاد إلى وضعه دون أن يصرف النظر ولو جزء من الثانية في الشخص القادم باتجاهه فهو يعلم من يكون, لأنها الوحيدة المسموح لها بالدخول والخروج من مكتبه متى شاءت. دخلت برونقها المعتاد مرتديه روب النوم الحرير ذو اللون الأحمر الياقوتي والذي يكاد أن يصل إلى ركبتيها. فهي لا تفرق بين الأوقات في مظهرها فكل وقت هو موعد احتفال ولابد أن تكون بكامل زينتها فلو رآها غريب لتوقعها ذاهبه إلى حفله أو تجمع بسبب كمية مستحضرات التجميل التي تزين وجهها. ابتسمت وهي ترى هيئته المهيمنة متوارٍ خلف المكتب الخشبي.. تعلم قوة تأثيره عليها وضعفها تجاهه. وضعت كوب القهوة الساخنة بجانب الجهاز المحمول وقالت بثرثرتها المعتادة وهي تضع كفها الأبيض ذو الملمس الناعم على ذراعه الأيسر وبنبرة غنجة: قلت أكيد حبيبي مشغول ويحتاج شيء ساخن يشربه في ذا الجو
‎بصوته الرجولي ذو البحة العميقة دون أن يكلف نفسه عناء النظر لها: شكرا
‎ارتسمت ابتسامه عميقه مثلجه لصدرها فقط من تلك الأربعة حروف فماذا لو أكمل جميلهُ ونطق بضعفها لكانت قد بكت فرحاً. حملت الصينية الفضية وسارات من نفس الطريق التي أتت منه حتى
‎أوقفها سماع أسمها: غزل
‎التفتت بكامل جسدها وابتسامة تقبل ثغرها والتي اعتادت أن ترسمها حين يتحدث معها: روحي نامي لا تنتظريني
‎هزت رأسها وهي تكمل السير خارجه من مكتبه، أغلقت الباب بهدوء كما فتحته. هي لا تحبه فقط بل متيمه في عشق تفاصيله. وكيف لا تحبه وهو الشخص الذي ينسجهُ عقلها في روايات وأغاني الحب, فالحب لا يعلن عن نفسه بل تشيء به موسيقاه

‎قصر خالد آل مسفر

‎في احدى أفخم أحياء الرياض يقبع ذلك القصر المتسيد في قلب الحي فكأنه رسمه من رسومات بابلو بيكاسو. وما يميزه عن باقي القصور التي حوله مساحته الواسعة التي تنافس حرم الجامعات الكبيرة فقد كان مقسم إلى أربع قصور على عدد زوجات ذلك الشيخ. كانت تنظر من نافذة غرفتها لم تكن واضحة للنظر فهي خلف تلك الستائر المصنوعة من الأقمشة الفاخرة المطرزة ذات الألوان الفاتحة العريضة فلقد أرادت مراقبته وهو يخرج من سيارته حاملاً على كتفه ( الشماغ ) واضعاً عقاله على رأسه فقد كان شكله مهمل للحد الذي لا يجعله مناسب لدخول القصر فتصرفات ذلك الزوج المستهتر لا تتناسب مع أحلامها، كانت تندب على حظها العاثر في كل مرة توهم نفسها بالبدء من جديد بعد كل خيبة أمل ونزوات, فتجمع شتات نفسها لفتح تلك الصفحة البيضاء التي تعود ممتلئة بألاعيبه وهفواته فقد تشربت من تلك الحقن النفسية المسمية بالبدايات
‎دخل الشق الأيسر من القصر وهو يدندن بأغاني الحب والهيام الذي لا يميز معانيها توقف عن الدندنة حين دخل إلى جناحه بترقب. كان يخطو خطوات ببطء وحذر. القى نظرة على الصالة الواسعة في جناحهما فلم يجد أثرها. قال محدثاً نفسه بأمنية: يا رب أنك تيسرها. أكمل سيره فاتح باب غرفة النوم حتى رآها, كانت جالسه على السرير ذو اللحاف البيج الممزوج بالسكري ارتفعت عيناها اثناء وقت دخوله قامت بتوزيع تلك النظرات الخائبة كدائم الحال. أبتسم ابتسامته المعهودة وهو يقول كلامه الغزلي المكرر: حي الله أم تميم, وش ذا الجمال يا بنت متى بتخفين علينا
‎لم يحرك ولو ساكن فيها ولكنها ابتسمت فهي خجولة أمام ذلك الحبيب. حمد ربه سراً وهو يرى الابتسامة تُنير وجهها: الحمدالله تعدينا مراحل الخطر. بدأ بفتح ازار ثوبه ولكن استوقفه يداها الأنثوية البيضاء مكمله فتح الأزرار، بنبرة ثقه: وين كنت سياف؟
‎بلع ريقه وهو ينظر إلى تلك الأعين الساحرة المخيفة بثقتها: مع العيال تعرفين خذتنا السوالف...
‎قالتها متقصده بتر كذباته التي اعتادت ان يصبها على مسمعيها: شغلك ينتهي الساعة خمسه العصر والحين الساعة ثلاثة وربع الفجر كل ذا سهر مع اصحابك؟! مع أن ذكرت آخر حديثها كانت قد وصلت إلى آخر زر في ثوبه لذلك شعر بأن عليه الانسحاب قبل بدء مشاجرات الأزواج، أبتعد عنها وهو يخلع ثوبه قائل وهو يسير باتجاه الحمام: والله عاد لزموا علي الجية ولا الود ودي أجلس جنبك يا أم تميم وما أفارق ذا الوجه الصبوح. اكمل كلامه بنبرة اعلى، منهي النقاش: جهزي لي ثوب النوم.. اليوم قدامنا يوم طويل عند آل ثنيان عساه خير. مغلقًا الباب خلفه. عضت شفتها السفلية من تصريفاته. ألا يكفيه كذب سحقاً لقلبها الذي لا يستطيع انتشال حبه. فلقد تركها معلقه بين السماء والأرض. ذهبت لتحضر له الثوب المغربي وتبخره بعطر العود العتيق. بعد خمسة وعشرون دقيقة خرج وهو يلف الفوطة البيضاء على خصره وبيده منشفه صغيره تجفف شعره الكثيف توقف حين مدت يدها لتناوله لباسه ولكنه سحبها إلى صدره وهو يربت على شعرها، بنبرة هيام مصطنعة فهو يشعر بالأسف تجاه تصرفاته الصبيانية المتأخرة: لحبيبتي انا ادري ان طبعي غريب، انا بنفسي ما عرف حقيقتي، انا احبك بس عادي لو
أغيب، خليني أحبك على طريقتي.
‎ابتعدت مسافة شبر عن صدره وهي تضربه برفق على ذراعه، باستنكار: لا
والله مابي ذا الحب مابيه هات غيره.
ضحك مبتعد عنها ليرتدي لباس النوم وبسخريه ممزوجة بنبرة
‎الاستفزاز الظاهرة: وأنتِ لقيتي غيره وقلتي لا؟
‎رفعت حاجبها بتعجب من منطوقه وكأنه يعلم بشحهُ في عطايا الحب. هزت رأسها مناصره
‎لاعترافه اللئيم: ايه والله أنك صادق, أنا لقيت غيره! مو أنا ماكله تبن وبالعه العافية
‎قهقه بنبرة أعلى وهو يشير بيده إلى ذلك الحيز القريب منه، بنبرة ماكرة لعوبة: حاشاك يا بنت
‎العم, طفي النور يا بنت فهد وقربي خل أعلمك جنون سياف لاحب. وها هي تتجه إليه بابتسامة
‎متناسيه شعور الغيض والغضب التي كانت تتملكها قبل قليل. فهي أمام ذلك الحب تصبح باذخه في العطاء دون الالتفات للثمن

لا تحملني خطا ما هو خطاي..لو أنا المخطي كان والله اعتذرتWhere stories live. Discover now