دعوة غذاء

1.5K 97 5
                                    


أرندا:
إستفقت في الصباح على صوت هاتفي الذي رن عدة مرات لأنهض من سريري أبحث عليه، نسيت أنني ليلة البارحة وضعته في الحمام لأتوجه إليه، وجدت أربعة مكالمات من أليكس صديق والدي لأرد له الإتصال... في الرنة الثالثة أجاب أليكس بصوت حنون:" صباح الخير أرندا، يبدو أنني أزعجتك، أسف" كنت أمسح وجهي بيدي أزيل أثار النوم لأجيبه:" صباح الخير لك أيضا، لا تقلق كنت نائمة فقط، يا ترى ما سبب هذه المكالمة عمي؟؟" رد علي و يبدو أنه يبتسم :" لقد قلت لك أن لا تدعينى بعمي فلازلت شابا عزيزتي، و اتصلت لأدعوك لتناول الغداء معنا اليوم " إبتسمت أنا الأخرى لأرد عليه:" شكرا يا أليكس، لكن لا داعي كي أتعبكم معي فأنت مشغول" ليجيبني فورا:" لا أقبل الرفض فأنجليكا تنتظرك لتأتي إنها تشتاق لكي ، أما عن العمل أستطيع تدبر أمري، و ايضا لقد اعلمتها البارحة انك ستاتين لغذاء اليوم، إتفقنا!!" حككت فروة رأسي أجيبه ببعض الإحراج:" حسنا، إتفقنا" سكت قليلا ثم سألته :" هل لازلت تسكن في المنزل المقابل؟" ضحك أليكس ليجيبني:"لديك ذاكرة جيد، نعم لازلت هناك".
كان هذا المنزل سبب في عقد شراكة بين شركة أليكسي و أبي،في صيف التاسعة عشرة من عمري قرر أبي ان العطلة سنقضيها في روسيا، و كنا إستقررنا عند قدومنا إلى روسيا في فندق ريثما يشتري أبي منزل، و عند إجتماع أبي مع عدة عملاء في رويسا أتي رفقتهم أليكسي ليعلم فيما بعد من أحد العملاء بأن أبي يبحث عن منزل، ليصرح له أنه يوجد مقابل منزله أحد المنازل معروض للبيع، أرشد أبي و من ثم أصبح هو و أبي أصدقاء في تلك العطلة و تمت بينهم شراكة كونهم في نفس مجال الأزياء. لكن بعد ذلك الصيف لم أذهب لرويسا ولا لذلك المنزل حتى هذه المرة. كنت قد شردت قليلا في ذكريات الماضي ثم إسترجعت نفسي بسرعة ، إبتسمت كأن أليكسي أمامي ثم أجبت :" حسنا إذا نلتقي هناك" اجاب فورا:" أنتظرك لا تتأخري، إلى اللقاء"

أنهيت المكالمة لأتجه لحوض الأستحمام أملئه بالماء لأستحم ،و بعد مدة كنت
إنتهيت من حمامي و إرتديت ملابسي و إتجهة إلى سيارتي للذهاب لمنزل أليكس. عند خروجي من الباب الرئيسي قابلت سيارة الوسيم المزعج من ليلة أمس، تقدمت لأنتظر أيضا معه ان يفتح الباب الرئيسي لمنزله، ما إن إنفتح الباب نظرنا إلى بعضنا لأبتسم له إبتسامة جانبية ثم أتقدم للدخول قبله... أحمق.

كنا الأن نجلس جميعنا على طاولة الطعام بعد أن تعرفت على دانا إبنة أليكسي و أنجليكا، كانت دانا تشبه والدها هي و أندروس غير أن دانا ورثت من أمها العيون الزرقاء. أما إيغور كان يملك شعر أشقر مع عيون بنية، فك عريض بعض الشيئ يغطيه طبقة خفيفة من اللحية، كان يملك جسد طويل و كتفان عريضان دليل على انه شخص رياضي.
بدأنا في الأكل و بعد عدة دقائق وجهة أنجل سؤالها لي:" أرندا، هل تذوقت من قبل الأكل الروسي؟" إنتبهت أن بعد سؤالها لي توجهة كل الأنظار إلي، أومئت لها برأسي ثم إبتسمت:"بلى، كما تعلمين أن أمي روسي لذلك عين لها أبي طباخ روسي كي لا تفتقد بلدها "إندهش كل من أنجليكا و إبنتها و كذلك إيغور أما أليكسي كان يعلم من قبل أن أمي روسية ،لكن لم أرى أي علامة إندهاش من ناحية أندروس.
سألتني أنجل بعد ان وضعت قطعة لحم في فمها "حقا، و من أي مدينة هي؟" وضعت كاس العصير الذي كان بيدي على سطح الطاولة و اجبتها " كانت تعيش في 'سانت بطرسبورغ' قبل أن تتزوج بأبي" وضعت الشوكة أمام صحنها بعد أن تذوقته ثم ردت علي بإبتسامة:" أوه، إنها مدينة جميلة ذهبت لها عدة مرات، سمعت أنها تدعى 'فينيسيا الشمال' " رفعت حاجبي على معلومتها:" حقا لم أكن أعلم" حمحمت دانا لتنظيف حلقها ثم أجابتني :" نعم، هذا بسبب هندستها المعمارية الفريدة" أومأت لها برأسي لأضع قطعة من اللحم في فمي و امضغها.
كنت أضع عيني على الصحن و آكل عندما أتاني سؤال أخر من إيغور:" سمعت أن الطقس في إسبانيا كان حار و عندما أتيتي إلى هنا الجو بارد جدا ، ألم يؤثر عليك هذا؟" بعد سؤاله لي رفعت رأسي أجيب:" قليلا فقط، كما تعلم بما أنني أسافر لبلدان أخرى من أجل العمل يحصل لي هذا كثيرا، لذلك إكتسبت مناعة من هذا" أومأ لي جاعلا من فمه على شكل حرف"o" :" هذا شيئ مذهل حقا، فأنا كلما أذهب إلى مكان غير روسيا أمرض بسبب الإختلال في المناخ" إبتسمت ليرد عليه أليكسي:" هذا بسبب أنك تتهرب للذهاب إلى العمل خارج روسيا و تجعل اندرو يذهب مكانك في كل مرة ، لذلك تستحق ذلك" بعد رد أليكسي لإيغور ظهرت ملامح العبوس على وجهه كأنه طفل ،لأسمع ضحك الجميع عليه و إحمرار طفيف ظهر على وجهه بسبب الإحراج ، مسكت ضحكتي اعض على شفتي السفلي بأسناني كي لا أحرجه زيادة عن اللازم، لكن جاء بعدها صوت أندروس البارد الذي كسر جو المرح ، إعتدل في جلسته ثم إلتفت لي و شابك كلتا يديه و قال :" بما أننا الأن في موضوع العمل، لما لم تصلنا إلى الأن تصميماتك في الموعد المحدد يا أنسة أرندا !؟ " شدد على إسمي في أخر كلامه ثم رفع حاجبه الأيسر ينتظر جوابي، إعتدلت أنا الأخرى في جلستي لأصبح أقابله، وضعت عيناي في عيناه أجيبه :" أسفة على هذا، أعلم أنه خطئ أنني لم أرسل التصميمات، لكننى كنت أمر بوضع صعب بعض الشيئ".... كان ينظر في وجهي... عيناي، أنفي، خداي؛ شعري، ثم شفتاي... ثواني و رفع عيناه مرة أخرى لتقابل عيني ثم ضحك :" وماهذا الوضع الصعب الذي جعلك تأخرين العمل لوقت أخر؟ هاه هل تزوجت؟ أم مات أحد عزيز عليك" قال كلماته بإستهزاء واضح جدا و على وجهه إبتسامة مستفزة .... كلماته جعلتني أتصلب في مكاني، و هذا جعل من قاعة الطعام يسودها الصمت فجاةً بعد إنتهاء أندروس من الكلام ،حتى من أصوات الملاعق و الصحون أو حتى أصوات العائلة و تنفسهم .
مرت ثواني و أنا على نفس الوضع، أقابله في جلستي أستوعب سخريته على وجعي الذي يجعل من قلبي ينزف. أغمضت عينياي أشعر بهما تحذران من قدوم موجة بكاء و حزن أخرى، فتحت عيني التي غطتها طبقة كريستالية من الدموع التي تهدد بالسقوط، أحنيت رأسي لأسمع صوت أليكسي الغاضب و المحذر لإبنه يقول :" ما الذي تقوله اندرو؟؟ و ما دخل العمل الأن ها؟ تكلم" رفعت رأسي و أنا أحاول مسك دموعي لأرد عليهما:"لا بأس أليكسي إنها غلطتي أنني أهملت العمل" ثم وجهت نظري للجالس بجانبي الذي يبدو أنه في عالم أخر وقلت بصوت خافت قليلا :" ستصلك تصميماتك في أقرب وقت ممكن". عدت بكرسي للوراء ثم وقفت أنظر إلى وجه أنجليكا التي كانت تحمل ملامح الشفقة و الأسف في نفس الوقت و هذا جعل من قلبي ينكسر، إبتسمت إبتسامة جاهدت لإخراجها حقيقية ثم قلت لهم:" أسف أظن أنني يجب أن أذهب الأن، شكرا على الدعوة" وقفت أنجل و أليكسي مع إنتهائي لكلامي لتردف:"أسفة حبيبتي على ما جرى" إبتسمت لأرد عليها و في حلقي غصة تريد الخروج ليخرج بعدها صوتي مهزوز قليلا:"لا بأس أنجل"، تقدم أليكس مني و هو ينظر للأسفل :" لم أكن أريد لهذا أن يحصل أردت فقط أن أرفه عليك قليلا لكن..." رفع رأسه ينظر لعيني بنظرة جعلت من حزني ينشرخ أكثر، ثم أكمل " أنا حقا أسف" أومأت له لأشعر بدمعة خائنة تنزل من عيني مسحتها بسرعة ثم توجهة إلى الخارج، إلى منزلي، و بالتحديد إلى سريري.

أَرَنْدَاWhere stories live. Discover now