الخطاب الثاني والعشرين: ذكريات

16 4 1
                                    


- حقيقة.. أشعر بالخجل.
لا أعرف ما أود كتابته.. الأشياء فجأة في دماغي تطير، لم أعد أفهم ما يجري و ما يصير.. هل أنا حقا أنا ؟!

- آسفة لروحك..

- حقيقة لست آسفة أبدأ.. روحي ليست آسفة..
ثم إنها الحقيقة الثابتة في حياتي.

تراودني أفكار .. عن ذلك الرجل العجوز بقطار، جلس باطمئنان ينتظر ككل الركاب انطلاق الرحلة.. و في عقله ينتظر ما هو أكبر.
في أية دقيقة، و أية ثانية قد يموت الآن، و هو يعرف أنه سيموت.. كان متأكدا.. فبماذا سيكون قد يفكر في آخر ساعة من موته ؟
في مجانية حياته، في عدميتها  ؟
لا .. كان هذا ما سيفعل مراهق انتحاري.. لكن صاحبنا العجوز هرم حكيم..
في الأشياء التي ندم على عدم فعلها ؟
كان واضحا من ابتسامته أنه راض على كل ما فعل و كل ما لم يفعل..

بدأت الرحلة.. قطار متواضع بدون شبكة إنترنت، موسيقى شرقية هادئة ذو صوت يسافر بك في رحلة أخرى على نفس القطار،  و أناس ..
بدأ ينظر إلى زملائه الركاب .. كأنها أول مرة..

ملاعبة أم لصغيرها الرضيع.. بعد قليل يبكي فترضعه بحنان..
"  هكذا بدأت حياتي "

بكاء طفلة في العاشرة بعد فراقها عن ابيها .. و تذكره ابنته التي ماتت قبل سنتين بداء السرطان..

حديث حبيبين يجلسان أمامه عن الحرب، وينبغي الجزم أن كل شيء على وشك قتل الحب هو حرب، و تذكره قبلته الأولى..

مناقشة عن كمية النفقات التي تم إنفاقها هذا الشهر.. تكاد تكون جدالا حادا بين زوجين.. و تذكره الديون القديمة التي اشترى بها سيارة من نوع قديم جدا من أجل إرضاء زوجته التي تخلت عنه..

سيدة عجوز تنغمس في قراءة كتاب يتحدث عن كيفية استغلال الوقت في تعلم اللغة الألمانية.. و تذكره جمال اللغة الفرنسية لما زار مدينة ليون مع زوجته الميتة..

و هكذا.. تمر لحظات من حياته.. فقط يتذكر ليبتسم.. و فجأة..

تساءل فجأة و لأول مرة، عن هذا الموت الذي ينتظره.. كلنا ننتظره..
ثم فكر بأول نفس سيتنفسه في الحياة الجديدة، و بأنه سينسى كل شيء عاشه في هذه الحياة..
النسيان..
لم يود أحد قتل الآخر، كان فقط عناقا لا أكثر..
تذكره بإمعان .. ثم ثانية ابتسم..
أليس هذا ما نعيش حقا من أجله ؟ من أجل عدم وصول النهاية دون أن نستمتع؟
كيف تودون أن تنهوا حياتكم ؟ بماذا ستفكرون في آخر ساعة منها ؟
---

تَـــوَغُّــلٌ 19Where stories live. Discover now