الثالث عشر

453 32 4
                                    

الخميس, الثاني عشر من أيلول, جبل نامسان, الثالثة فجراً:

عقد تايهيونغ رباط لباس المطبخ أسفل ظهره مترنّماً بأحاديث الآخر التي لا تخمل فلدى جونغكوك حشواً ثرياً من الحوارات الجاذبة التي سلبت شغف تايهيونغ و ألهمته بشخصية هذا الرجل عميقة الحنايا, فكلما وصل تايهيونغ إلى غور قادته غواصته إلى غور جديد في تفرعات لا متناهية, لم يكن تايهيونغ قريب الوصال بجونغكوك في جامعتهم الداخلية إلا أنه يعلم تداول الألسنة السنوي حول جاذبيته الكلامية التي تسبق الوقوع لملمحه فكان دوماً محوراً تستهدفه أحاديث الفتيات و تسهر عليه أعين الجامعة, لم تغفُ مسامع تايهيونغ عن سيرة جماله و لم يغب عنه تشجيع جيمين ذات يوم في السابق له بأن يتقرب من جونغكوك لأنه يظنهما لائقين لبعضهما.

آلمه قلبه في محافل ذاكرته فكل ما مضى كان وهجاً زائلاً لا يدوم له سوى بالأحاسيس الخائبة, في كل زاوية من الكون حزن, خلقنا من حزن, و أطعمت دنيانا كأساً من السم لتنضب به جوعها المتوجس, أخفض تايهيونغ صدره في زفير و حمل بين يديه قدراً ليضعه على النار.

"لقد مضى على صيامي يومين, شعرت لبرهة أنني اعتزلت الجوع" قال تايهيونغ ليلفت جونغكوك بزخ من التساؤلات غير المجابة, أدرك جونغكوك أن هجر الصحة كان عاماً على جسد تايهيونغ فبجانب فقدانه للكثير من بهجته لا غرابة أن يفقد وزنه و طاقته, جافته الحياة و جارت عليه فقضمت من جسده كل مفاتنه و فيض نحوره..

أسفه عليه من فرط الشعور, من جسد أماته وهن السرور, أسفه على روح جامعها الشرور فأنجبت قلباً تقطنه القبور, ويحه على جفن جفت أدمعه فأغرقت نجواه المسعور, أسف جونغكوك على تايهيونغ المغدور, على مساعيه بأن ينجو ولا يفلح العثور ..

"أعلم أن مهالكك تغذت عليك كفايةً لكننا لو كففنا عن أنفسنا حاجتها تبعاً لدمارنا النفسيّ لقتلنا أنفسنا إن ما قتلتنا الظروف.." بحكمة امتزجت بمنطقية عالية الأخلاق و الرزانة, كل ما تقاربت خطواتهم اختزن تايهيونغ إعجاباً أعمق لنخوة جونغكوك الأخاذة, هو فاتن و جليل, قلب تايهيونغ ينشد شيئاً غريباً, غير محسوب العواقب, شيء يأتي في أعطب الحالات و أنقاها, يمتاز بغموضه و بلوحه فجأة, يتسم بالعمق و اللامنطقية في رسوخه, لأنه يوجب التناقض بين المسرّة و المضرّة, يوقظ نفساً شديدة الحساسيّة, روحاً شديدة الأنانيّة

شيء كالحب..

"دعنا نفكر فينا اليوم, لا أريد أن أبالغ في العيش في الأمس, أنا الآن سأعد لنا وصفة الرامون لأنني أجيده" برويّة ابتسم جونغكوك لتفرد تايهيونغ بمحاسن ألفاظه و أسلوب حديثه الآسر, يحتاج جونغكوك إسرافاً في الشروحات حول بنية الحياة ليفهم كيف يمتهن العيش, و كيف يسوّر كشحه من تقاذفات العواطف, و من حمى الخطرات, فالتحدي يبدأ من ذاته قبلما تعلنه الظروف..

الشّيطَان TK ✔حيث تعيش القصص. اكتشف الآن