لَمحة

4.1K 128 25
                                    

كوريا المُتّحدة – 1970:

تبزغ الشّمس في القلب قبل الأصبحة, حين يكون لها فرصة إمداد البشر بقرض مجانيّ من السّعادة وسط العالم الماديّ, الذي يبتاع فيه كل شخص نفحةً من سروره, ليتزوّد بما يمهل له يوماً إضافياً يعين بها حياته, فليس الجميع بتأهب لمفارقة الدنيا, قد يأتي الموت بين رمشات الفصول و بين تقلبات الليالي, و جري الساعات, لينزع عن كفوف البعض مخالب التمسّك بالحياة, و يعفيهم من شعورهم, و أفكارهم و يخبرهم بأنهم أنهوا الاختبار المبدئي في الحياة, و أن صلابة أجسادهم أصبحت أقوى من عاديات الدنيا, يلزمها الامتحان الأقهر, لتتقهقر, أو تتحمل..

فرط التقشّف الذي يعانيه الكوريون من دباجة الاستعمار, أطفأت شموع أرواحهم بالخلاص, أبهتت أصوات المدافع مسرّة نجواهم, فأصبحوا كالموتى دخلاء على دنيا ليست لهم, و حورّهم جوعهم حتى باتوا ريباً حول تأنسنهم, جمدتهم بوارج الحرب فجفّت عن وجوههم الرحمة, و التبسهم الجشع و التنافر حتى كاد المحتّل يصدق استسلام أفواههم عن الصراخ أو التمرد, الثورة على المغتصب لحرمة بلادهم كانت أمراً وحيداً تشرّع فيه أصواتهم للبيان, تقاذف الهجاء و الهتاف لطلب التحرر كان ردعاً لمن استملك عرش غيره, لكنهم, كانوا حتى لا يضربون, كانوا يائسين, ذابلين, كانوا خامدين فشعر الاحتلال أنهم في فجأة قد يثورون, أو أنهم يدبرون مكيدةً, تجرف من المغتصبين كل عتادهم الحربيّ.. و الحقيقة تسخر على اعتقادات البشر المحدودة, و تلقي نفسها مرّة في كل حادث, فالقمع الذي عاشوه اعتادوا عليه, للبقاء, للوهن, للخضوع..

يسجل الزمن في كل اعتداء حدث في التاريخ, سيناريو واحد لنتائج الحروب, و يذكر في اللائحة, استفحال الفجور بين الفئة الأضعف, و إن تيح لي القول, أن كل ملحمة تخرج الآلاف بآلاف الخسائر, فيفقد هؤلاء عنصر التأدب, و ينحون نحو الجرائم, و التخفيّ, و كذلك, تشكيل العصابات..

عصابة –غالون- المؤسسة من خمسة أعضاء سريين, بينهم كان كيم ليونارد, الرجل الذي قارب ضفة الستينات في عمره, ولم يقدّم لولديه, كيم سوكجين, و كيم نامجون, أي قرشٍ يلحفهم ملابساً, أو يشبعهم تخمةً, أو حتى, يكسوهم بهجةً, الابنان كانا يكبران بينما يشاهدان غارات المستعمر و المقاوم, تمطر السماء فوقهما دماً, فيفترش العنف أخيلتهما, كيفما أرادا طرده, عاد ليجتلسهما, و الأقسى الذي سيكافحانه, كانت فضيحة والدهما, ليونارد, حين سيعلن لهما أنه عضو في عصابة أجرام..

-غالون- كانت عصابةً سريّة متقنعة باسم "حزب غالون المقاوم", كان الحزب الكوريّ المناهض الأول الذي يشيع الوعي بأهمية إصلاح الوضع و الجهاد في سبيل استعادة الوطن, كان يدعو الآخرين للانضمام إليه بهدف تأسيس جيش يبطش جنود التسلّط الأجنبي, و حين قام "حزب غالون" تنجد نصف الشعب, و أقبل إليه للانضمام و رفع راية الاستقلال, بغير علم, أن انضمامهم إلى الحزب, لا يعني زوالها, يعني ابتدائها..

الشّيطَان TK ✔حيث تعيش القصص. اكتشف الآن