Part 06 عصرة قلب

ابدأ من البداية
                                    

كانت عصرة قلب...ليس قلب حبيبها الذي في يدها فقط...بل عصرة قلبها المنتحر هي و قلب كل من شاهد اللوحة أو قرأ القصة...

كانت عاشقة ثرية أحبت خادما و ككل قصص الفوارق الطبقية في القرون القديمة انتهت قصتهما بموت عظيم...والدها أمر بقتله و ليمزق نياط الأمل التي تعلق قلبها داخل صدرها أرسل لها قلبه بعد أن اقتلعه من جثته...لم يدرك أنه بقتل المعشوق قتل العاشق كذلك ..و أن الأرواح إذا ما ارتبطت...كان الموت الفراق الوحيد لهما...

فما فعلته العاشقة كان أنها اعتصرت قلبه حتى سال الدم على إناء باهض كالثمن الذي دفعه هو مقابل حبه لها...ثم مزجت السم مع دماء قلبه و ارتشفته منتظرة أن يتم دفنها بجواره ...

ميلينوي كانت تعتقد دوما أن ذلك ليس عادلا...ما فعله المجتمع مع النساء قديما و كيف كان الحب أو الحياة جريمتان لا تليقان سوى بالرجال...و ما كان ليس عادلا أن ترى النساء اليوم بعضهن لا تزلن تتخفين داخل معاطف الرجال حمية من المطر....ألم تتحمل النساء العناء و الكفاح لقرون حتى يضمنوا أن تعلوا مكانة النساء في هذا الجيل ؟...لما لا تزال ترى هذا إذن ؟ و لما لم تفهم النساء بعد أن المرأة عدوة نفسها قبل أن تكون عدوة غيرها؟ ..

لو قررت المرأة يوما أن تنظر لنفسها على أنها المجتمع و ليس  جزءا مهمشا منه لتغير العالم...

كانت ميلينوي تقف بجانب سالفاري أمام اللوحة بطولها الذي يجعلها تصل لمستوى كتفه فقط....كانا يحدقان بهذه اللوحة و التي تعد الثالثة منذ أن دخلا المعرض....هو يحدق بها كأنه يأخذ جرعة من تصفية الذهن ...وهي تحدق بها و تضم يدها لصدرها بنظرات مقتضبة كأنها تود الصراخ أو تمزيقها ..لكنها أخذت نفسا عميقا لتهدأة أعصابها و قد نجحت بعد عدة محاولات..مع ذلك لم تختف تقضيبة حاجبيها و دون تفكير عبرت عن رأيها الصريح بصوت ساخر :

" كان بإمكانها قتل والدها قبل قتل نفسها ....كان التأثير سيكون أفضل...الناس الآن لن يتذكروا عاشقة انتحرت بعد حبيبها لأن هناك آلاف القصص الشبيهة...لكن حتما سيتذكرون عاشقة نحرت عنق والدها بعد أن قتل حبيبها..."

قالتها بنبرة دفاعية رغم ما تحمله من السخرية و كانت تحدق باللوحة كأنها تود الدخول لذلك المشهد و همس النصيحة هذه في أذن العاشقة كهمس الشيطان...

و لأن سالفاري لاحظ ذلك ظهرت إبتسامة خافتة على شفتيه و ضاقت أعينه العسلية ككل مرة يبتسم فيها بصدق و هذا أمر يجدر به إخافته...أن يبتسم بعد سماع شيئ دموي كهذا...حينها تابعت هي كأنها تود إثبات المزيد مما قالته و بنفس السخرية اللاذعة التي كانت ملائمة لهالة التكبر حولها :

" لو نحرت عنق والدها قبل قتل نفسها لتم تخليدها ...سيتحدثون عنها بالسوء...لكن سيتم تخليدها و هو أمر ربما كان سيخدم النساء في ذلك القرن و ما بعده...فعوائلهم كانوا سيفهمون أن العبث مع إمرأة يعني الموت....هي حتما اختارت التوجه الخاطئ..."

نظارات و وشومحيث تعيش القصص. اكتشف الآن