19

1.9K 156 11
                                    

أنِرْ دربِي بنجمةٍ من صنعكْ ✨

-----

- بعد ثلاث سنوات -

أجلس بمكتبي تقابلني كومة من الأوراق تنتظر رأفتي بها و التوقيع عليها،  إلا أن كل ما أفعله الجلوس بصمت،  مغمضةً عينايْ أستنشق سُمّ ما تقبع بين كلِّ من سبابتي و الوسطى'سيجارتي'

استمعت يوماً لشخص بائسٍ مثلي بالشارع، قال بأن نفثةً من السيجارة كنفثة تسللت خارجًا من نيرانٍ مشتعلة لألم القلب

لا أعلم إن تجاوزت كلّ مُرٍّ مَرَّ بحياتي سابقًا،  فكلّما تخللت ذهنِي ذِكرى دفنتها رفقة زجاجة الخمر و سيجارتي

ربما بعض المواعيد المدبّرة التي يفرضها أبي، تحت حُجّة رؤية أحفاده قبل موته،  لا يعلم أن ما يتوسَّطُ صدري ذبُل منذ زمن كزهرة أُهمِلت أن يسقيها مالكها فماتت لإدراكها انتقال ساقيها بعيدًا دون اكتراثٍ لما قد يحلُّ بها

أفاقني من خِلوتي بذاتي سكرتيري و إن صح القول صديقي المقرب من تعرّفت عليه بأشد حالاتي المزرية بالحانة،  تبادلنا أحاديث طويلة و أعتقد أننا نتشارك بعض الصفات فكِلانا كان يريد خمد نيران قلبه

و ها نحن ذا معًا بذات الشركة بعد أن عرضت عليه العمل تحت ظلّي بعد استلام شركة والدي للعطور،  و قد وافق بصدر رحب

دخل بخطوات متمايلة و بنبرة متغنجة أردف
" مرحبا آنستي الفاتنة"
قهقهتُ بصخب فعادة هوسوك التغزل بي كل ما رأى وجهي يقابله

"مرحبا أيها الوسيم، ما جدولي اليوم؟! "
استرسلت بابتسامة أنظر لساعة معصمي الأيسر

"أجتماع بالساعة العاشرة، جولة بمختبر العطور للإشراف على المجموعة الجديدة فسنطلقها نهاية هذا الأسبوع،  و أخيرا حفلة إطلاق المجموعة الجديدة نهاية الأسبوع،  همم هذا كل شيء لليوم"

"هل يمكنني عدم حضور الحفلة؟" 
أردفت بابتسامة ساذجة فهذا ما اعتدت اغاظة هوسوك به تهربي من معظم التجمعات،  فلم أعد أطيق الإنخراط بالناس من حولي فلم أعد أستطيع تزييف ابتسامتي و مجاملاتي لأي كان

فانتهى بي الحال إما بالتهرب أو البقاء بوجه جامد اعتادوه من هم بمحيطي

" بربك فاليري إلى متي ستبقين تتهربين و تناشدين العزلة  هكذا"
عاتبني هوسوك بقلق واضح فابتسمت مستمتعة باهتمامه اللطيف ناحيتي أغمضت عيناي مكتفية بعدم الرد لما أردفه فتنهد مضيفا لما قال

"لا مجال لإلغاء أيٍ ممّا تلوته عليكِ قبل قليلا كما أن اجتماع الغد مهم للغاية"
تنهدت بخفة و تذكرت سابقا رغبتي بدفن ذاتي داخل جدولي الممتلئ لعدم توفير فرصة لأختلي بذاتي فيبتلعني التفكير و أعود تلك المثيرة للشفقة التي تخلى عنها حبيبها ببضع كلمات من والدها..!

"ذكرني باجتماع غد"
استرسلت بجديّة أستمع له بتركيز رفقة رفيقتي الوفية 'سيجارتي'

"سيأتي صاحب شركة الأزياء للتعاقد مع شركتنا من أجل مجموعة العطور الخريفية التي سنطلقها سنقوم بالتعاون معهم فهم سيطلقون مجموعتهم الخريفية كذلك،  سيكون مفيدا لشركتنا"
أردف هوسوك بحماس و قهقهت أومئ له بالموافقة

"متى سيأتي تحديدا؟"

"سيكون بكوريا بحدود التاسعة صباحا،  لذلك اجتماعنا سيكون بالعاشرة و النصف"

"حسنا لنأمل أن يسير يومنا غدا بشكل مُرضي"
أردفت أرتدي سترتي الجلدية، خارجة من المكتب فالصداع بدأ يُرهقني،  و أخشى عودة أيامي الخليعة، فأبتغي أن أقتلع رأسي محله لينتهي الألم

"مهلا لقد أحضرت تقريرًا مفصل عن شريكنا الجديد ألا تريدين التطلع عليه"

صرخ هوسوك بي و اكتفيت برفع يدي بالهواء كإشارة أني لا أهتم و خرجت من شركتي تحت انحناءات الموظفين و مجاملاتهم المزيفة بحثًا عن رضا مديرتهم

دخلت شقتي الفاخرة بأحد المباني الراقية فقد انتقلت منذ سنة من بيت والدي فلم أعد أطيق ذات الحي الذي يحوي ذكريات تنهش قلبي فيصعب التجاوز

بتُّ أعشق الوحدة،  الهدوء رفقة أنيستي الوحيدة سيجارتي و زجاجة النبيذ القاتمة

وضعت حقيبتي فوق أريكتي ذات الجلد الرمادي، و اتخذت خطواتي ناحية غرفتي أخلع ما يستر جسدي قطعة تلوَ الأخرى حتى غدوت عارية، دخلت حمامي بعد أن ملئت حوضي بمياه باردة

لم أكن أهوى الإستحمام بالمياه الباردة سابقا فأجتنب المرض ألا يُرهقنِي، لكن احتراق روحي بات يخنقُني فأتخذ المياه وسيلةً لإخمادِ ناري

و ربّما عقاباً لي...

غُصت بجسدي بالحوض البارد و اقشعرّ جلدي لبرودةِ ما حولي، أغمضت عيناي أُجبِر ذاتي الإعتياد على درجة المياه،  و أثناء هذا حدث ما لم يكن بحسباني

تسلّلت لؤلؤة عيني!
منذ الليلة التي استعدت بها ذاتي عاهدت نفسي ألا أبكي مجددا،  و بالفعل قد مرّت سنة و نصف دون عَبراتٍ انهمرت من حدقتايْ
حتى شككت بجفاف عيناي!

فمالِها اتخذت طريقها على وجنتي؟
تلك الدمعة الحارقة أخبرتني الكثير
فقد حادثتي قائلةً:
'لم تتجاوزي فاليري..  لا زال يحتلُّ قلبكِ'

انهمرت دموعي بغزارة بعد مدة طويلة و أطلقت عنانَ دموعي أبحث عن الراحة بإخراج ما طمسته داخل أعماقي..

لا أجد حلاَّ فهل من الطبيعي أن أبقى عاشقةً لمن خان الوعود و بها لم يصونْ؟

MUTEWhere stories live. Discover now