تَدَفُّقْ

By HagerPink

79.9K 7.8K 2.9K

يمر الجميع بتجارب جديدة، تكون أحياناً قاسية أكثر مما نتصور، نمر بالفقد ويزورنا الآلم، نشعر بالضغط وأحياناً أخ... More

Part 1..(تَبايُن)
Part 2..(ألــم)
Part 3.. (تَلاشـي)
Part 4..(حُطامُ مَاضـيٍ)
Part 5..(تَخبُط)
Part 6..(دَوَائر)
Part 7..(2 دَوائـر)
Part8..(هُدوء ما قبل العاصفه)
Part 9..(هُدوء ما قبل العاصفه 2)
Part 10..(إنتِشالٌ غَيرُ مُتَوَقَعْ)
Part 11..(المَوجَةٌ التى غَيَرَت السكون)
(Part 12) {3}هدوء ما قبل العاصفه
Part 13..(العـاصـفه)
part 14..(ْصَرخة نُكران )
Part 15..(غُصَةٌ صَامِتَه)
Part 16.. (مُشَوَشْ)
Part 17..( تَــائِــه )
معلومات هامة
Part 18.. (عَودةٌ غيرُ مَحمودَه)
Part 19.. (مُلَـغَمْ)
Part 21.. (إنهيـار)
Part 22(عــودة)
Part 23...(أغــرَق)
part 24..(استغاثة)

Part 20..(نَوعٌ أخر مِن الخُذلانْ )

2.3K 296 161
By HagerPink

"أتعرف كيف يكونُ الخذلان ؟
تكفيك مراقبتي وستعرف  "

                      _____________________

في ذلك اليوم قضي سام ساعاتٍ وساعات في تخيل بعض ما قد يحدث معه مستقبلاً مع الفتي وأخذت تدور الاحتمالات برأسه حتي ساعه متأخره.

كذلك كايند والذي كان سام يظنه نائماً طوال الوقت كان يحدق بسقف الغرفه شارداً في أحداث الفتره الماضيه بتدقيق شديد كما لم تتح له الفرصه من قبل.

ساعات من التفكير واستعادة كل لحظةٍ مرت و مضت بعقله حتي ظن بأنه سينفجر.....

بدأ يفكر ويزن الأمور بعقلانيه وتروي للمرة الأولى منذ إنقلب كل شئ رأساً علي عقب بتلك العاصفة المفاجأه.

أمن الجيد حقاً ترك الأمور علي ما هي عليه ؟!

لما هو مستمر بهذا السكون ؟!

لما هو راضخ وخاضع إلي هذه الدرجه ؟!

لما اكتفي بالبكاء دون عمل أي شيء ؟!

ألأنه صدق رحيلها وكفي بذلك ألماً لقلبه؟!....أم لأنه لم يكن يتوقع رحيلها مطلقاً ؟!
بل حتي لم يسأل عن سبب حدوث ذلك.

فقط كيف توقف عقله عن التفكير إلي هذه الدرجه؟!....نسي أمر أخيه الصغير....نسي كل شئ أخر.

نسي مدرسته....عمله...زملاءه....معلميه.
انقطع عن كل شئ دون قول كلمه واحدة ....وبدون أي وسيلة للتواصل....تاركاً منزله خلفه فارغاً.

لايهمه الان سوي مايك.....
لكنه يكره ترك بعض الأمور عالقه.....فكيف بترك حياته كلها كذلك.

لكن جدياً لا طاقه له بلقاء أي أحد أو محادثته....
فقط كيف سيعود لمجري حياته بدونها وقد كانت حياته والأن فقدها ؟!

شعر بموجه ألمٍ احتلت نصف صدره الأيسر بقوه مضيقه الخناق علي مشاعره المتكدسه بذلك الركن لتحيلها حزناً مقتع
فقط لمجرد ذكر رحيلها....أوتعلمين ما تفعله ذكري ابتسامتك بقلبي المكلوم ؟

تنهد تنهيده حارةً تحمل بعضاً مما يستعر بدواخله مغطياً عينيه بمعصمه مستشعراً ومستنكراً تلك المراره التي تجعل كل ما يدخل أو يخرج من صدره موشكاً علي التحول إلي صراخٍ منتحب....لكن ويال السخريه فهو يشعر كذلك بأن مخزون دموعه قد انتهي.

استسلم أخيراً للنوم بعد أن تفاقم صداعه وحسرته إلي حدٍ غير محتمل فآثر الهروب إلى حيث يصمت كل شئ وإن كان محظوظاً فقد يعفي من صراخ دواخله لهذه الليله.

أما سام فقد سهر بضع ساعات إضافيه محاولاً إنجاز أكبر قدرٍ ممكن من أعماله المتراكمه لربما يقصر ذلك من محاضره توبيخ السمين له صباحاً.

كلٌ يهرب إلى مهربه محاولين جميعاً تناسي حقيقة أن الهروب ليس حلاً.....
وأن حقن الجريح بالمسكن لن يوقف النزيف!

           _______________________________

بطريقه ما مرت تلك الليله الغريبه علي كليهما أخيراً مع خسائر صغيره أبرزها تلك الكوابيس التي داهمت كايند طوال الليل وتلك الهالات التي تتربع أسفل عين سام بعد ليله مؤرقه قضاها في التفكير ما بين كلام صديقه فرانس وتهديد المدير السمين.

لكن هاهما يجلسان علي مائده الإفطار بهدوء وانسجام ورائحه قهوه سام تملأ المطبخ بالعبق الزكي وكلٌ منهما مبتسم مجامله للأخر وفقط لكن القلق ينهشهما من الداخل بصمت

شرع سام فجأه بالحديث مرتدياً أكثر نبرات صوته تفاؤلاً وأعذب ابتساماته:
"إذاً كايند....لقد وعدتك أمس
سنذهب لزيارة مايك اليوم....ما رأيك ؟ "

نبض قلب الفتي بقوة صارخة شديدة الإيقاع وشعر بحلقه يجف فجأه وبدمه يصعد بسرعة إلي دماغه حتي شعر به يشع حرارة....لكنه رغم فوضاه الداخلية أسفر عن ابتسامة صغيرة مومئاً برأسه و حاول جعلها متحمسه بكل ما يملك.

لكن يبدو بأن جهوده باءت بالفشل فسام يقرأه ككتابٍ مفتوح
طوال الوقت
ودائماً ما يجعله توتره هذا  يبدو وكأنه طفل خائفٌ من اخبار والدته بأنه أضاع شيئاً ما.

نعم هو خائف....خائفٌ جداً 

تري كيف سيستقبله مايك ؟!.....هل سيفرح بقدومه ؟

أم سيغضب منه كونهُ أطال الغياب ؟

هل يعلم بما حدث لوالدتهما؟!.....أم سيضطر إلي اخباره بنفسهِ يوماً ما ؟

هل سيبكي عندما يراه ؟

لكن السؤال الأهم هل هو بخير ؟!

ألمه رأسه قليلاً....لا يريد التفكير بأي شيء فقد قضي ليلته المنصرمه يمعن التفكير والأن سيحاول الهدوء فحسب.

قام عن الطاوله مستجمعاً كل طاقته وما حصده من حماسٍ وسط إرتباكه ليفاجأ بسام قد جمع الأطباق وغسلها بينما كان شارداً....حسناً هذا ما يسمي بالحماس.

أمره سام بتجهيز نفسه ريثما يجمع بعض ملفاته التي تركها مبعثره ليله أمس وفي دقائق كانا جاهزان للذهاب.

خلال رحله الطريق بالسيارة اتخذ كلاهما بعض القرارات المصيريه لسببٍ ما وفي صمتٍ مهيب وكأنهما بذلك يصلحان كل ما يظنان أنهما أفسداه بترددهما معظم الوقت.

قرر سام بأن اليوم سيكون اليوم الذي سيكشف به للفتي عن كل ما كان يخفيه ويثقل كاهله لأيامٍ عديدة وحده متمنياً ألا يؤثر هذا سلباً علي نفسية كايند بطريقةٍ ما.

أما كايند فكان يشعر بخزيٍ غريب يغلفه بطريقةٍ مزعجه منذ أيام تجاه حساسيته المفرطه وتأثره السريع عكس سجيته وهو ما ولد إحساساً ببعض الخيبه بأن يهدم ما بناه بشقاء عقب وفاة والده....

فما كان منه الا أن قرر إستجماع ما يملكه من عزيمة ليعيد اتزانه المضطرب وهدوئه المفقود في حضره أخيه علي الأقل...فكر لوهله في تأثير رحيلها عليه وكيف شتت كيانه وحطم صموده فكيف بمايك الذي لم يتخطي صدمه والده بعد  وقد مر أكثر من خمس سنوات.

مجرد التفكير بالأمر آلمه بشده حتي كاد يشعر بالاختناق...فقط ألم يقرر منذ قليل بأنه سيتوقف عن التفكير ؟!

انتبه من شروده علي صوت سام ينبهه لوصولهم فدهش لتوقف السيارة دون ملاحظته ذلك و للمره الثانيه لهذا اليوم يشرد عميقاً حتي ينعزل عما حوله....ربما عليه تدريب عقله علي عدم فعل ذلك فيما بعد.

ولج كلاهما إلى المشفي وبدأت تحيات الصباح تتقافز من أفواه العاملين والممرضين والأطباء تجاه سام لكونه غائب منذ أيام متجاهلين وجود كايند تماماً....

أما سام فكان يخشي أن يسأله أحدهم لماذا تغيب بالأمس ويفضح أمره أمام الفتي و يصبح كاذباً أمامه....لكن لحسن حظه لم يحدث.

ركز قليلاً مع كايند ليلاحظ أن عينيه لم تفارق الطريق بتركيز شديد ثم بدأ يظهر عليه بعض التوتر عندما إنعطفا متخطين باب غرفه مايك القديمه...

تلك الغرفه التي سكنها لما يقرب العام أملاً في أن يغادرها بحالٍ أفضل...ها هو قد غادرها ولكن بحالٍ أسوء مما دخلها حتي.

تنهد سام بثقل ثم توقف أمام غرفةٍ لم يكتب عليها أي شئ توجد وحيدةً بأخر الرواق ولها باب صغير يدل علي كونها غرفةٌ لشخص واحد بخلاف الغرف الكبيرة ذات الأبواب المزدوجه.

أخرج سام مفتاحاً يحمل شكلاً غريباً ثم هم بفتح الغرفه وهو ما زاد دهشه كايند أكثر وقبض خافقة نابضاً بقوة آلمته متسائلاً ما إن كان قد صرخ بهم حتي اضطروا لحبسه.

وعلي عكس ما تخيله كايند....كان المكان هادئاً جداً
بل ربما هادئ أكثر من اللازم.

غرفةٌ صغيرةً للغايه بها سريرٌ طبيٌ واحد ونافذةٌ كبيرة تطلُ علي الحديقةٍ الخلفيه للمشفي وتسمح لأشعه الشمس بالدخول وتقبع بجانب السرير كومةٌ مخيفةٌ من الأجهزه الطبيه معظمها متصلٌ بذلك الجسد الصغير الخامد وصوت جهاز القلب يصدح بالمكان مؤكداً كون الفتى على قيد الحياة.

سرت قشعريرة خائفة بجسد كايند حتي أغمص قدميه مستشعراً تلك الهاله الثقيلة القابعه بالمكان ثم استطاع تحريك قدميه بطريقة ما متقدماً من ذلك النائم بهدوء.

وقف أمامه تماماً متأملاً وجهه بشوق لكنه تفاجأ بكونه قد نحل كثيراً حتي برزت عظام وجهه قليلاً.....شفتاه مائله إلي الأزرق ووجهه شاحبٌ كالأموات.

استمر قلبه بالخفقان بقوة حتي شعر به يريد أن يخرج من صدره.....

كيف وصل مايكي الصغير خاصته إلي هذه الحال؟!

استجمع شجاعته بعد أن بعثرها ذلك المنظر فجلس علي ذلك الكرسي الصغير والذي لاحظ وجوده الان ومد يده ليمسك بكف مايك الصغيرة لتصفعه بروده جسده الشديده وتلك العروق البارزه بكفه بالاضافه إلى لاصقه المحاليل الطبيه التي تكاد تبتلع يديه الصغيره لتزيد شعوره العارم بالاختناق منذ ولج هذه الغرفة.

لولا صراخ جهاز القلب المزعج وسط هذا السكون لأقسم بأن أخاه قد فارق الحياة......

حاول ترطيب حلقه الذي جف تماماً من هول ما رأه ثم شعر بحركة خلفه ليلتفت ليفاجأ بسام الذي نسي وجوده تماماً لكن لا أحد يلومه بأي حال.

عاد ببصره لمايك شبه مشدوه لا يعرف من أين يبدأ تحديداً لكنه يشعر بأن هناك الكثير والكثير مما يريد قوله...حتي وإن كان غير قادرٍ علي التفكير بأي شيء الان.

كان سام يراقب تحركاته بأسفٍ شديد علي حاله و كذلك يحاول إيجاد طريقة للبدأ بالحديث معه لكن كايند سبقه عندما سأل بصوتٍ خفيض وكأنه يخشي إيقاظ النائم خلفه :
"أيمكنني إيقاظه ؟"

شئ ما صرخ برأس سام (ليتك تستطيع) لكنه اكتفي بالابتسام بحسره ثم أجابه بعد لحظاتٍ من الصمت :
"لا أعتقد بأنك تستطيع ذلك "
_"إذاً متي سيحين موعدُ استيقاظه ؟!"

تنهد سام تنهيدةً حاره طويلة سارحاً ومتعمقاً بأفكاره قليلاً .....ثم أجاب بنبره بدت غامضه قليلاً :
"لا أعلم يا صغيري....لا أحد يعلم"

استدعت عبارة سام انتباهه المسلوب فضيق كايند ما بين حاجبيه مستغرباً تلك الإجابة المبهمه ونبرته الغريبه فالتفت بجسده نحو سام متسائلاً :
"ألا يفترض أن يعلم الطبيب المشرف على حالته متي سينتهي  مفعول المخدر ؟!"

انتبه سام سريعاً لما قاله و شعر أنه تسرع قليلاً لتعود ابتسامته المتحسره بشده لتعلو شفتيه ثم أجابه :
"نعم.... كان يفعل...

لكن مايك لم يستيقظ.....

بل ظل نائماً لعشره أيام...

هو هكذا منذ ذلك الحين "

نبض قلب الفتي نبضه كادت تثقب أذنيه :
"ماذا............تـقصد؟!؟"

لم يستطع سام تحمل ذلك التحول المؤلم في ملامحه ونبره صوته لذا قام عن مكانه بعد أن كان جالساً علي طرف السرير مسلطاً نظره  نحو ما بخارج النافذه و معطياً ظهره لكايند مجيباً :
"قال الطبيب بأن حالته الصحية مستقرة وفي ثبات.....
بل ويفترض أن يستيقظ في أي لحظه......
لكن اليوم هو الحادي عشر منذ ذلك الوقت ولم يتغير شئ......
حتي استسلم الطبيب وقال بأنها غيبوبه غير معلومه الأمد.....
ولا شئ أخر يمكنه فعله "

كان كايند يستمع وصدي صوت أنفاسه يتعالي بذعر.....
صدره يصعد ويهبط باضطراب وعقله غير قادرٍ علي استيعاب ما يقال....
فقط كيف يستوعب أن مايك خاصته غائب عن الوعي لأجلٍ غير مسمى......

فقط ما الجريمه التي ارتكبها ليعاقب عليها هكذا......

نسي كيف يهدأ فقد ثارت أنفاسه ولا يعلم كيف يروضها حتي اختنق......

وضع يده اليسري علي شق رأسه الأيمن الذي شعر بأنه تلقي ضربةً عليه بمطرقة من فولاذ من شده الألم الذي تفجر فيه فجأه فنزلق شبه منهار إلي كرسيه بعد أن كان قد وقف منتبهاً وانشغل بالتقاط وتنظيم أنفاسه المقهوره.

انحني بجذعه في جلوسه للأسفل ورأسه بين كفيه محاولاً حمله بعد أن شعر بوزنه يتضاعف من هول تلك المشاعر والأفكار المتدفقه.

كان سام يراقبه بطرف عينه وفؤاده يعتصر لمعاناه كايند أمامه بهذا الشكل.....لكن لا شئ بيده لتقديمه بأي حال سوي أن يكون قوياً من أجله ليشد أزره......

لطالما كان فاشلاً في المواساه والان يحاول أن يقرر أيبقي مع الفتي ليدعمه قليلاً أم يخرج ليتركه بمفرده لبعض الوقت ؟!

وبينما يفكر بأخذ هذا القرار المصيري قاطعه كايند بصوتٍ مبحوح وكأنه استيقظ من نومه للتو دون أن يحرك بصره من علي جسد مايك بنبره يشوبها الألم :
"أليس هناك من شئ لفعله.....أي شئ؟!"

ابتلع ريقه محاولاً ترطيب حلقه الذي جف تماماً متابعاً الحديث متشبثاً بأخر وميضٍ من الأمل بداخله :
"ألا يوجد أي شيء يمكنني فعله لأجله ؟....
شئ غير الانتظار والمشاهده؟ "

كان قد التفت ببصره نحو سام في أخر حديثه ونظراته تصرخ رجاءاً وأملاً متطلعاً لما سيقوله......

أي شئٍ يُبقي وميضهُ الخَفيض مُتقِداً سيكونُ كافياً

شعر كلاهما بهاله الضغط التي حلت بالمكان لتجعل من صوت جهاز القلب كصوت القنبله التي توشك على الانفجار في أي لحظه وكأن هواء الغرفه علي وشك النفاذ

زفر سام بخفه قبل أن يقول :
"ربما يستيقظ عندما يشعر بوجودك......لم يقل أحدٌ بأنه سيبقي هكذا للأبد....بعض الأشخاص يستيقظون بعد اسبوعين وبعضهم بعد شهرين من يدري قد يستيقظُ الان أو بعد قليل......وربما غداً "

لا يعلم لما شعر وكأنه يواسي نفسه بقوله ذلك لكن الجيد أن كلماته قد هدأت من حال الفتي كثيراً فعاد للجلوس بصمت وكأن طاقته قد انتهت واستنزفت بحرب مشاعره المتقدة.

حسناً بالكاد التقط سام أنفاسه فقلبه لن يحتمل من كايند رد فعل مشابه لما حدث يوم وفاه والدته....
لم يتوقع أن تهدأه كلماته لكنه كالغريق الذي سيستنجد ولو بقشه لينجو ولو بكذبة بيضاء صغيره....

لهذا اخترعوا الكذبه البيضاء من الأساس لأنها كالمسكن

صدح فجأة صوت هاتف سام شاقاً ذلك السكون المهيب الذي حط علي الغرفه تغيرت ملامحه لدي ملاحظته للاسم فرد سريعاً وما هي إلا لحظات حتي كان قد استأذن من كايند ليذهب ليباشر عمله مؤكداً عليه بأن يأتي إلي مكتبه ان احتاج إلى أي شيء.

لكنه يعلم بأن الفتي في مكانٍ أخر تماماً.....مكانٍ بعيدٍ تماماً عن هذا المكان.....وعن هذه الغرفه تحديداً وربما حتي عن حقيقه وجودها.

                     _______________________

وضع يده بألمٍ علي صدره ثم أخذ نفساً عميقاً وحبسه قليلاً وما لبث أن أفرج عنه ببطئ لكن الألم لا يختفي.....حقيقة أن يضيق صدرك بهمومك حتي تشعر بأن كل نفسٍ تأخذه أو تخرجه يحدثُ جرحاً صغيراً في صدرك بأداة حاده......هكذا تماماً كان يشعر

التعايش مع ألم الفقد مرحلة صعبه لكن تجاوزها أصعب وقد بلغها عندما فقد والده.....
لكن تأخر نمو أخيه الصغير عقلياً كانت صدمة صاعقة كسرت ظهره ومع ذلك تجاوزها......

لكنه الان بالكاد استوعب كونها رحلت.....
بالكاد استطاع تصديق ذلك بعد أن كذب الجميع
بالكاد استعاد وعيه بعد أن كادت الصدمة أن ترديه قتيلاً
لم يستطع التعايش مع فقدها بعد.....بل بالكاد يعيش الان
لم يقترب حتي من تجاوزها.....
لم يقترب حتي من تخيل نفسه قد تجاوزها والان.....

والان ماذا ؟!

من أين له بطاقةٍ لصدمةٍ أخري ؟!

من أين له بطاقةٍ تعينه علي تحمل صاعقةٍ أخري ؟!

من أين ؟!

تكدست الهموم وتزاحمت مع قلبه اليتيم بصدره حتي حشرته بتلك الزاوية الصغيره ومازالت تضغط عليه حتي يكاد يتوقف.

فقط كيف لشئ مكسورٍ مسبقاً أن يُكسر مجدداً ؟

لا يعلم لماذا لا يستطيع رفع عينيه لمواجهة مايك بعد الان.....يشعر به يعاتبه الان علي تأخره
يعاتبه بقسوه.

يعاتبه علي كل لحظة تأخر بها عليه....كل لحظه تركه بها وحيداً
كل وجبة سيئة من وجبات المشفى
كل مرة رأى كابوساً مخيفاً واستيقظ ليجد نفسه ليس في المنزل....ولا توجد ماما هنا لتذهب خوفه عنه
كل مرة تناول فيها ذلك الدواء سئ المذاق وحرم من الحلوي

يعاتبه علي كثيرٍ من الاشياء لم يكن لها سبباً....ولا يد له بها
لكنه يعاتبه هو 
هو الوحيد الذي يعاقب ويعاقب بشده.

"مايكي.....مايكي اللطيف

أأنت غاضبٌ مني.....غاضبٌ من أخيك الأكبر

لم أعهد غضبك مخيفاً هكذا......هيا كفى دلالاً واستيقظ هيا

أعدك أنك إن فعلت....فسأخذك في نزهه نعم....وأيضاً سأشتري لك الحلوي....كل يوم الكثير الكثير من الحلوي
اتسمعني مايكي.....اتسمعني

ان كنت تفعل...فلما لا تجيب.....لما لا تجيبني مايكي

أأنت غاضب إلى هذا الحد....حسناً إذاً أنا أسف حسناً

هيا لقد اعتذرت.....

أجبني الان

حسناً....حسناً لا بأس لاتجبني....افتح عينيك فقط
اشتقت إليك كثيراً كما تعلم لذا افتح عينيك

لما لا تستمع إلي....أتسعدك رؤيتي هكذا مايكي

ألا ترى بأن هذا يكفي......

ألا تري كم أتعذب مايكي

أتعلم....هذا مؤلم كثيراً

أكثر من أي شيء آخر

أشعر بأنني سأفقد عقلي مايكي......أشعر بذلك

فقط......لما تفعلون هذا بي جميعاً

لما تصرون علي تركي........وحيداً"

                        __________________________

أسرع سام الخطي يحفر الممر حفراً في طريقه إلى المصعد والقلق بادٍ علي كل رقعةٍ من ملامحه....وقف ينتظر المصعد بتوتر ليصل ويفتح أخيراً خرج منه من كان به ليدخل هو مسرعاً ويهم بضغط زر الطابق الأخير قبل أن تنتشله تلك اليد من أفكاره.

تفاجأ بكونه فرانس كان من من خرجوا من المصعد ولم يلاحظه لاستعجاله الشديد :
"مرحباً سام.....صباح الخير
لما العجله ؟"

انتبه له سام أخيراً لتهدأ ملامحه المضطربه ويتنهد تنهيدةً لم تسع من همومه شيئاً :
"ذاهبٌ للقاء السمين اتصل بي منذ قليل....
لم يتوقف عن الصراخ بي أمس وهددني بنقلي إلي مدينه أخري
لا أعلم لم يضيق الخناق علي منذ فترة"

_"لا تلقي بالاً لثرثرتة.....
صحيح أجلبته معك كما أخبرتك...كيف أبلى؟"

وضع سام يده علي رأسه وكأن تذكر موضوعه قد جلب له الصداع:
"نعم فعلت.....كان مصدوماً تماماً فرانس
آلمني رؤيته مفجوعاً هكذا كثيراً
لا أعتقد أنه استوعب الأمر تماماً بعد
لا أستطيع أن أتخيل حتي كيف يشعر الان "

صمت فرانس قليلاً يفكر قبل أن :
"سأجلس معه قليلاً اليوم أثناء دوامك وسأحاول فحص حالته سريعاً.....والان اسرع لمقابله السمين قبل أن يجن جنونه "

_"حسناً معك حق...إلي اللقاء "

لوح له فرانس بصمت وقد شرد يفكر بتأثير خبرٍ كهذا علي فتى في مثل سنةِ وظروفه محاولاً تكون صوره محتمله لما يفكر فيه كايند الان أملاً ألا يؤثر ذلك فيه كثيراً وآسفاً لما آلت له الأمور بعائله صديقهم العزيز رآيان الصغيرة.

                   __________________________

مر الوقت علي جميع من بالمشفى بصورة عاديه الجميع يأتي ويذهب...يدخل ويخرج...يصعد ويهبط وتسير الأمور علي قدمٍ وساق قسم الطوارئ مضطرب كالعاده كساحة معركة وقسم الأطفال كساحة رياض الأطفال والحركة تعم المكان بغض النظر عن الصراخ والبكاء الخارج عن نطاق السيطرة.

لكن غرفة واحدة صغيرة في أبعد نقطة بالطابق الأرضي تلك التي تطل علي الحديقة الخلفيه للمشفي تغرق تماماً في السكون......تضرب قلوب ساكنيها في صدورهم لكن أجسادهم ساكنه وفي صمتٍ ينافس صمت المقابر.

تمر الدقيقة علي الأول كغيرها من الدقائق التي مرت دون أن يدركها أو يشعر بها وتمر ذاتُ الدقيقة علي الثاني كالسنة الضوئية وربما أكثر....فكر وفكر وفكر حتي مَلَ التفكيرُ منه وألمه رأسه....حاول السيطرة على نفسه بطريقة ما قبل أن يبتلعه اليأس والأفكار السوداوية.

حاول استرجاع مبادئه التي تربى عليها ونشأ بذهنه تلك التي يملؤها الأمل والحب والدفئ ورغم كل شيء
.......السعـادة.

أخذ نفساً عميقاً وأخرجه بهدوء متناسياً كل شيء للحظات عله يفكر بطريقة أفضل....بطريقة أكثر تفاؤلاً....يرى حياته بمنظورٍ جديد ولو للحظات.

لكن بالفعل لا يوجد أمامه سوى خيارٌ واحدٌ بالفعل فالاستسلام ليس خياراً ضمن قائمته القصيرة
سيتابع وسيصبح أقوى من أجل مايك....لن ينساه مجدداً وسيأتي كل يوم من أجل زيارته.....بل ربما سيعيش معه بهذه الغرفه.....لن يتركه خلفه أبداً مجدداً
وسيفعل المستحيل من أجل عائلته الوحيدة.

شعر براحة غريبه تستكن صدره البالي من أثر الطعنات وهدأت دواخله وصراخها المزعج وبدأ هدوء الغرفه يتسرب إلى نفسهِ أخيراً بعد صراع دام لفترة أطول من أن يقدرها وبطريقة ما استشعر عبقها الهادئ في المكان.

لوهلة شم عبيرها الزكي في الغرفه وكأنها قريبة منه وكأنها تُثني عليه لسداد موقفه....تؤيده وتمدحه وتدعمه
هي تَحُفهُ وحوله.....هو لم يتخلى عن تلك المبادئ التي ربته عليها....هو لن يستسلم.....هو لن ينطفئ.....وروحه لن تموت.

تسللت عبره يتيمه هاربةً من عينه وابتسامة مرتاحه توجت شفتيه وزفر زفره طويلة بعد استنشاقه لعبيرها بقوة وكأنه يريد سحبه كله من الهواء.

قام من مجلسه الذي يشهد على سكونه لساعات ليواجه مايك أخيراً بابتسامة تربعت عليها راحته التي استعادها أخيراً.

ثم جلس علي السرير مجاوراً ذاك الجسد الصغير متأملاً كل انحنائةٍ صغيرة في وجهه متحسساً كل شيء في وجهه بيده وبيده الأخرى يمسك بكف مايك الصغير باحكام يبث عبرها حقيقة تضامنه معه وبأنه لن يتركه مهما حدث.

هل يتخيل أم أن رائحتها تفوح من مايك.....اقترب منه أكثر واستنشق عبيرها الذي لا يخطئه فاحتضن جسد الصغير بخفه مستلقاً إلي جواره متزاحماً معه في السرير وكأنه ينذره من الان بأن عليه تحمل ازعاجه منذ الان فهو لن يتركه وشأنه أبداً.

بعد ساعتين نزل سام للطابق الأرضي للاطمئنان على كايند ليفاجأ بهذا المنظر.....كلاهما نائم في هدوء وسلام على ذلك السرير الأبيض الصغير ويحتضن كايند جسد الصغير إليه بلطف وتتشابك أيديهما.

ابتسم لذلك بخفه ثم اقترب بهدوء....رغم كل الألم الذي تحمله الصوره بداية من تلك الأجهزه المتصله بجسد الصغير وقناع الأكسجين الملازم لوجهه علي الدوام وصوت جهاز القلب المخيف وانتهاء بحقيقة كونه نائمٌ إلى أجلٍ غير مسمى.....

لكنه شعر بدفئ خاص يحيط بهما بطريقةٍ ما وكأنه يستشعر وجود صديق عمره رآيان و زوجته.....شعر بقوة حب الصغيران لوالديهما وايمانهما بكونهما معهما على الدوام حتى شعر هو بذلك.

#يتبع
               

                        __________3201 words_______         
النجمة بالأسفل وهي تحب أن تضغطوا عليها⭐
لترسلوا للكاتبة بعض الفراشات 🦋
نجمتي تراقبني وأنا أكتب وتعلم كم أنتظر منكم إرسال النجوم 🌠
دمتم بخير 💙

Continue Reading

You'll Also Like

192K 6K 42
"امريتا"
6.6M 231K 25
بنت من محافضه البصرة تجبر لتتزوج من ابن عمها المتزوج....(مكتمله)
32.8K 1.6K 47
غرفة مُظلمة رائحة مقرفه ادين مقيدات ودموع بنت ترتجف خــوف.. قـلـــق.. تــــرقــــب.. تــــوتــــر.. ضــــلام.. انتــــظار.. جسمي يرجف واني اراقب الغ...