في محراب العشق

By malkrohi89

511K 10.9K 358

احمل قلبي في حقيبة وأرحل . . أقف في مفترق طرق . . البحر من امامي . . وهاوية حب لا قرار لها من ورائي . . خيارا... More

المقدمة
الفصل الاول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادي والعشرون
الفصل الثاني والعشرون
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
الفصل الخامس والعشرون
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
الفصل الثلاثون والاخير

الفصل السابع عشر

12.7K 309 8
By malkrohi89

صاحت نورا :- انت مجنون
ضحك علي وهو يقول :- وما الضير في قليل من البلل مقابل تناول ألذ مثلجات في استانبول كلها
كانا يقفان تحت مظلة نصبت فوق أحد المتاجر يحتميان من المطر بعد خروجهما مباشرة من سيارة نورا .. بينما ينظران عبر الشارع إلى المكان المقصود الواقع على الطرف الآخر .. تمتمت بامتعاض :- أحيانا أتساءل لماذا أسايرك
أحاط كتفيها بذراعه استعدادا لقطع الشارع وهو يقول ضاحكا :- لأنك تحبينني بالطبع
لم تمنحه جوابا كالعادة كلما تطرق مازحا إلى مشاعرهما ... وكأن أحاسيسها خط أحمر لا يمكن المس به .. وهو كالعادة .. لم يدرك تصلبها بعفويته وبساطته .. أو ربما تجاهله فحسب ..
قال عندما خفت كثافة السيارات في الشارع :- الآن
اندفعا معا عبر الطريق .. وسيل الأمطار يصفعهما بلا توقف حتى وصلا إلى الطرف الآخر .. دخلا المقهى ضاحكين .. وهما ينفضان قطرات المطر عن ملابسهما .. نظر إليها صامتا فجأة فقالت بحيرة :- ماالأمر ؟
ابتسم برقة قائلا :- تبدين جميلة جدا وأنت مبللة بالمطر
احمر وجهها وهي تقول بارتباك :- سأذهب إلى استراحة السيدات لأصلح زينتي التي فسدت بسببك ريثما تجد لنا طاولة في قلب هذا الزحام
ابتسم متفكها وهو يراقبها تختفي في الداخل .. واستدار باحثا عن طاولة فوجد واحدة قرب النافذة .. تطل على الشارع .. جلس معلنا للنادل انه سينتظر حتى تنضم إليه رفيقته قبل الطلب .. ثم دوى رنين هاتفه المحمول مضيئا بكلمة ابي على الشاشة ... رد بهدوء :- مساء الخير أبي ...... لقد سبق وأخبرتك بأنني على موعد مع رفاقي .. ما الأمر ؟
قطب بقلق مستمعا إلى أبيه ثم قال :- أنا لا أفهم .. كيف عادت أسيل ؟ .. لقد أوصلناها إلى المطار هذا النهار وراقبناها تغيب عن ناظرنا في اتجاهها نحو ركوب الطائرة
أتاه صوت والده يقول بتوتر :- إنها لا تقول شيئا منذ وصولها .. لقد قرعت الباب مبتلة حتى العظم .. بدون حقائبها حتى .. ومنذ ذلك الوقت وهي ترتعش شاحبة كالأموات في غرفة أرزو .. سيأتي الطبيب ليراها .. علنا نفهم ما حدث بعد أن تهدأ قليلا .. كنت أرغب بأن تكون موجودا معي في وقت كهذا علي .. أسيل تثق بك وقد تبوح لك بشيء .. لأنها ترفض أن تنطق بحرف واحد
قال علي متوترا :- لن أتأخر أبي ... سأعود إلى البيت خلال ساعة او ساعتين على الأكثر .. أنا متأكد بأن أسيل ستكون بخير
صمت والده للحظات قبل أن يقول بجفاف :- هل ابنة دار أوغلو أهم لديك من عائلتك يا علي ؟
شحب وجه علي وهو ينظر حوله بتوتر .. تابع والده :- أتظنني جاهل بما يأخذ عقل ولدي ووقته ؟؟ أتظنني أكثر إهمالا من أن أحرص على معرفة من يقضي معه معظم وقته هذه الأيام ؟ لم يكن من الصعب أن أعرف والألسنة تلوك سيرة الفتاة .. وتتحدث عن آخر مرافقيها
كان والده يتحدث بغضب وكأنه قد كان في انتظار الفرصةالملائمة لمفاتحة ابنه في الأمر ولم يجد سوى هذه .. قال علي بنفاذ صبر :- لا تصدق كل ما يقوله الناس أبي ... نورا ليست بهذا السوء
هدر والده :- إنها سيئة بما يكفي لأرفض احتكاك ولدي بها
ساد صمت طويل بينهما .. قبل أن يقول علي بحزم :- وأنت تنسى يا ابي بأنني ما عدت طفلا صغيرا .. وأن اختيار أصدقائي ما عاد من شأنك من الآن فصاعدا
تعالى صوت انفاس أبيه الغاضبة .. فعرف علي بأنه قد تمادى في وقاحته .. أسرع يقول :- إهدأ يا أبي .. الأمر لا يستحق كل هذا الغضب منك .. نورا ليست سيئة كما يقول الناس عنها .. إنها مجرد طفلة يائسة إلى بعض الاهتمام .. كل ما أفعله هو مساعدتها لتخطي فترة صعبة جدا من حياتها .. أنت من علمنا الا نتردد أبدا قبل مساعدة من يحتاج إلينا .. نورا تحتاج إلي أبي ... وأنا لن أخذلها في هذا الوقت بالذات .. حتى لو طلبت أنت مني هذا
أخذ والده نفسا عميقا قبل أن يقول :- سنتحدث في الأمر لاحقا علي ... أنت تقول بأنك تساعد الفتاة فقط .. وأنا قلق لأن لأفراد هذه العائلة تأثير مدمر .. لا اريد أن ينتهي الأمر بك يائسا ومنهارا كما حدث لأرزو عندما تكتشف بأنها لم تستحق اهتمامك قط
أغمض علي عينيه قائلا بصبر :- لا تقلق أبي .. أنا لا أحب نورا .. ليس بهذه الطريقة فتوقف عن الارتياب وافتراض الأسوأ نحو مرافقتي لها .. هي ليست سيئة بالفعل .. إنما هي مضطربة وتعاني من الكثير من المشاكل .. لن أنسى هذا أبدا أبي
قال والده بقلق :- حسنا .. لقد وصل الطبيب .. لا تتأخرفي العودة علي .. أحتاج إلى وجودك هنا ..
أنهى علي المكالمة .. وزفر بقوة .. كيف يستطيع الموازنة بين رضا والده .. وعجزه عن التخلي عن نورا .. نورا الرقيقة الطفولية .. التي تبين أنها تحت قناعها القديم الزائف الذي رمته جانبا إكراما له .. تحمل معدنا طيبا ... وقلبا طاهرا يحتاج لمن يصونه فحسب .. ربما من المبكر له أن يصنف مشاعره اتجاهها .. فكلاهما ما يزال صغيرا .. وتنتظرهما سنوات طويلة لبناء مستقبلهما ... إلا أنه حتما يرغب بأن تكون إلى جانبه خلالها .. أن يكونا معا .. ولو كصديقين .. في السعي نحو أهدافهما .. قد يبدو كلامه مبتذلا .. إلا أن ضعف نورا .. ومشاكستها وعنادها .. يشعرانه بالقوة .. خاصة عندما يستطيع احتوائها .. وزرع البسمة في وجهها .. وإزالة تلك العقدة البشعة من بين حاجبيها .. ابتسم متذكرا وجهها الجميل .. وأدرك فجأة أنها قد تأخرت .. اتصل بها فاستبد به القلق عندما وجد هاتفها مقفلا .. نهض متجها إلى العنبر المؤدي إلى الحمامات .. وانتظر حتى خرجت فتاة في مثل سنه من استراحة السيدات وسألها :- عفوا يا آنسة .. رفيقتي في الداخل منذ فترة طويلة .. هلا ألقيت نظرة عليها لأجلي .. سأكون شاكرا لك
نظرت إليه حائرة وهي تقول :- هناك حمام واحد فقط ... لا أحد في الداخل في هذه اللحظة
ضربه عدم الفهم وهو ينظر حوله في صالة المقهى دون أن يرى أي أثر لها .. وعندما سأل النادل الشاب قال له :- نعم .. لقد رأيتها .. عادت إلى الطاولة حيث كنت تنتظرها ثم استدارت مغادرة فجأة .. وكأنها قد تذكرت موعدا مهما آخر أو ما شابه
إلا أن علي قد أدرك بأن الأمر لم يكن متعلقا بموعد آخر .. لقد سمعته نورا يتحدث إلى والده .. وعندما استعاد الكلمات الأخيرة التي قالها .. خفق قلبه بجنون وهو يخرج تحت المطر باحثا عنها ليجد سيارتها قد اختفت .. وقف مكانه للحظات والمطر الغزير يضربه .. مع إحساس من الذعر يخبره بأن نورا أبدا لن تمنحه الفرصة ليوضح لها ما سمعته .. وأنها لن تسامحه أبدا مهما حصل

قال الطبيب الكهل لفريد :- لقد أعطيتها حقنة مهدئة .. لقد مرت بتجربة سيئة كما يبدو .. امنحها بعض الوقت كي تستعيد هدوئها .. كل ما تحتاج إليه الآن هو الراحة والتفهم .. أنا متأكد بأنها ستتحدث بوضوح إن أحست بما يكفي من الاهتمام والتفهم
فور أن ذهب الطبيب .. صديق العائلة القديم .. التفت فريد بعد أن أغلق الباب نحو زوجته الشاحبة والقلقة .. ثم إلى أرزو المستكينة في الزاوية .... قال مخاطبا أرزو :- هل تعرفين شيئا لا أعرفه أرزو ؟
قالت بعصبية:- وكيف لي أن أعرف ؟؟
قال بصرامة :- أنت صديقتها .. لابد أنها قد أخبرتك شيئا قد يفهمنا سبب عودتها بهذه الحالة
:- حسنا .. أنت مخطئ .. كمال هو من كان بئر أسرارها خلال الأسابيع الماضية .. وبالتالي أنا لا اعرف شيئا
لم يبد عليه أنه قد صدقها .. إلا أنه التفت إلى زوجته قائلا :- كيف هي الآن ؟
قالت بقلق :- نائمة بعد أن أعطاها الطبيب الحقنة ... رضوخها واستسلامها له وهو يحقنها وحده يثير قلقي .. لم ارها يوما على هذه الحالة
تمتم محاولا قدر الإمكان الاحتفاظ بهدوئه .. والسيطرة على خوفه الشديد :- لابد أنها ستنام حتى الصباح .. ستكون قد ارتاحت بما يكفي لتشرح لنا ما حدث .. وحتى ذلك الحين .. من الأفضل ألا يزعجها أحد ..
اومأت كل من لمعان وأرزو المتوترة برأسيهما .. وراقبتاه يختفي داخل مكتبه ويغلق الباب ورائه بهدوء شديد .. وقفتا دون حراك وكل منهما تتذكر المشهد المخيف الذي رأتاه عندما قرع الجرس مساءا .. فرأتا أسيل على تلك الحالة عندما فتحتا الباب .. كانت مبتلة تماما من رأسها حتى أخمص قدميها .. ترتجف بشدة وكأن تيارا كهربائيا قويا يصعقها .. أدخلتاها على الفور رغم ذهولهما .. واتصلتا بفريد الذي ترك عمله وعاد إلى البيت فورا وبسرعة قياسية كان هناك .. لم تجرؤ إحداهما على ذكر الكدمات الخفيفة التي رأتاها في ذراعي أسيل وكتفيها .. والآثار الواضحة أسفل عنقها وهما تنزعان عنها الملابس المبتلة .. كما لم يجرؤ الطبيب الذي عرف فريد جيدا كما يبدو ليخمن ردة فعله المجنونة ...
التفتت لمعان نحو أرزو قائلة بجمود :- لو تبين لي أنك تعرفين شيئا وتخفينه عني يا أرزو ندمت .. هل تفهمين ؟
صاحت أرزو بحنق :- لماذا يشك بي الجميع ؟؟ ما علاقتي أنا بعودة أسيل على هذه الحالة .. لقد ودعتها معكم في المطار وعدت دون أن أتوقع رؤيتها مجددا
قالت أمها بجفاف :- أنا أحذرك لا أكثر
تاففت أرزو وهي تصعد الدرج .. وتدخل غرفتها بهدوء شديد .. جلست على حافة الأريكة تنظر إلى أسيل المستغرقة تماما بالنوم تحت تأثير المهدئ فوق سريرها .. وقالت بحزن :- سامحيني أسيل .. أرجوك

هبت أسيل من النوم مطلقة شهقة ذعر قوية .. نظرت حولها .. إلى محيط غرفة أرزو المألوف وقد أدفئتها حرارة شمس الصباح ... فوق سريرها الضيق الحميم.. ترتدي منامة أرزو الوردية .. محاطة بأمان عائلتها ..وكأن ما حدث البارحة لم يحدث قط .. وكأنها لم تحاول السفر والهرب منه فأعادها إليه .. وكأنه لم يعدها بجنة مصنوعة من نار .. كأنه لم يكسر قلبها ثم أحياه بمنعها من الرحيل ..
اغمضت عينيها والدموع تسيل فوق وجنتيها بغزارة .. عادت تستلقي فوق السرير .. تنظر إلى النافذة حيث كانت السماء ما تزال مكسوة بالغيوم رغم توقف المطر .. حاولت فعلا ألا تتذكر ما حدث بينها وبين أسلان البارحة .. ألا تتذكر حديثه إليها .. أحضانه .. وقبلاته لها .. خططه المخزية التي وضعها لأجلها .. ما يؤلمها أكثر هو أنها لو لم تتمكن من التمسك بإرادتها بمعجزة ... لو لم تهرب منه في غفلة منه .. لما قاومته كثيرا وهو يأخذ رهينته منها .. أطلقت شهقة خافتة وهي تهمس دافنة وجهها في الوسادة :- ماذا أفعل ؟ ماذا أفعل ؟
ارتفع رنين الهاتف إلى جوار السرير .. لقد كان هاتف أرزو .. استمر الرنين لحظات ثم انقطع .. لم تكن أرزو في الغرفة كما هو واضح .. وكأنها قد قضت الليلة في مكان آخر .. عاد الهاتف يرن بإصرار .. فتناولته لترد دون أن تفكر .. وقبل أن تقول أي كلمة دوى صوت جمد الدماء في عروقها :- أين هي أرزو ؟ أخبريني الآن .. أين هي ؟
تلاحقت انفاسها عاجزة عن قول كلمة تثبت حقيقة شخصيتها له .. ظلت جامدة تتشرب كل رنة في صوته اليائس والغاضب وهو يقول :- أعرف بأنها معك الآن .. في منزلك .. أريد أن أتحدث إليها الآن .. وإلا فقسما بالله لآتي بنفسي وأخبر والدك بكل شيء
اتسعت عيناها وشهقتها الخفيفة تفضح صدمتها فقال :- ما الأمر ؟ هل تخشين أن يعرف والدك الحقيقة .. بأنك أنت ومنذ البدأ من رمى أسيل في طريقي ليوقعني في حبائلها ؟ ألم تكن هذه هي كلماتك لي عندما اتصلت بي صباح الأمس تتبجحين بنجاحك في كسر قلبي كما سبق وكسرت قلبك ... وأنت تشمتين بي مخبرة إياي عن سفر أسيل .. ألست أنت من ضحك متشفيا متمنية لي الحظ السعيد في مواجهة رفض المرأة التي أحببتها لي .. لم لا تكملي معروفك وتتركيني أكلمها أرزو .. فقط أريد أن أكلمها ..أن أعرف بأنها بخير .. لقد نجحت .. أقر بأنك قد نجحت وأنني افهم الآن ماشعرت به قبل سنوات جيدا .. دعيني أتحدث إليها فقط ..
كانت صوته الأجش يتوسل بطريقة جعلت دموعها تسيل بغزارة .. صمت للحظات طويلة وكأن شيئا قد نبهه .. ثم قال هامسا :- أسيل
أنهت المكالمة ورمت الهاتف جانبا .. انكمشت فوق سريرها تضم ساقيها إليها كما فعلت لساعات تحت المطر مساء الأمس قبل أن تمتلك القوة للتحرك والسير لفترة طويلة قبل أن تجد سيارة أجرة تقلها إلى منزل خالها .. لوقت طويل ظلت على وضعها هذا حتى ارتفعت طرقات خفيفة على الباب .. دخلت على إثرها أرزو التي ابتسمت وهي تراها صاحية .. وقالت :- صباح الخير أيتها الأميرة النائمة .. ألديك فكرة عن الرعب الذي سببته لنا بعودتك المفاجئة بهذا الشكل ليلة الأمس ؟ ؟
اختفت ابتسامتها عندما لاحظت حالة أسيل .. فقالت بقلق :- أسيل .. ما الأمر ؟
رفعت أسيل رأسها قائلة بصوت مختنق :- كيف استطعت فعل هذا بي أرزو ؟ كيف ؟
قالت أرزو بارتباك :- لا افهم ما تقصدينه اسيل .. ما الذي فعلته ؟
لمحت هاتفها الملقى على السرير فوق البطانية ... فأحست بجسدها يقشعر وهي تتجه نحوه .. وترفعه .. لترى اسم آخر متصل بها .. شحب وجهها وكأن الحقيقة قد ضربتها .. فقالت أسيل بمرارة :- ما كان لهذا أن يخطر في بالي قط .. أن تدفعك مرارتك منه .. من رفضه القديم لك .. لاستغلالي في الانتقام منه ... هل أنا رخيصة في نظرك إلى هذا الحد أرزو ؟
قالت أرزو مرتجفة :- لم أفكر قط بأن الأمر سيتطور إلى هذا الحد .. لم أقصد أن أؤذيك قط أسيل
هتفت أسيل بألم :- أنت من اتصل به وأخبره عن سفري
:- لم أفكر أبدا بأنه سيعيدك من المطار ويمنعك من السفر .. لم أتخيل أبدا أنه سيتطرف إلى هذا الحد .. لقد أردت فقط أن أشعر بألمه .. أردته أن يعرف بالضبط كيف أحسست قبل سنوات عندما جرحني .. لقد كنت مجرد طفلة أسيل .. لقد أحببته بجنون .. ورفضه لي كان مؤلما للغاية
هتفت أسيل بوحشية :- لاتستطيعين إرغام شخص على حبك أرزو .. كما لاتستطيعين التلاعب بحياة الآخرين وكأن لا قيمة لها .. هذا ليس من حقك .. أخبريني أرزو ... هل كنت تعرفين بأنه سيكون موجودا على الميناء ذلك الصباح عندما تركتني وحدي متعمدة وسبقتني إلى مركب خالك ؟؟؟ ما الذي فعلته أيضا ؟ هل أنت من أخبره بمكاني عندما فاجأني في حفلة كمال قبل أيام ؟
ازداد وجه أرزو شحوبا مما أجاب أسيل بوضوح عن سؤالها ... همست :- لا أصدق أنك قد فعلت هذا .. لا أصدق
نظرت أرزو إلى الباب لتتأكد من إحكام إغلاقه ..ثم قالت :- لم أقصد سوءا أسيل .. لقد كنت أعرف بأنه مهتم بك .. بأنه يريدك .. عندما رأيته ينظر إليك بتلك الطريقة في الحفلة .. فكرت بأن من الممتع أن أراه معذبا بحب من طرف واحد .. أسلان دار أوغلو العظيم الذي لم يضطر يوما ليحارب لأجل امراة .. عرفت بأنه سيعاني في جريه ورائك لأنك ما كنت أبدا سهلة المنال .. لقد كنت دائما حصينة القلب .. لطالما أخبرتني بأن الشخص الجدير بقلبك يجب أن يكون مميزا للغاية .. عرفت بأن وجها وسيما كوجه أسلان ما كان ليغرك .. بأنك قادرة على رفضه ومقاومته .. وقد كنت محقة .. إلا أنني لم أفكر أبدا بأنه سيتلقى الرفض بهذه الطريقة .. بأنه سيمنعك من السفر .. وأنه سيكون عنيفا معك ..
أجفلت أسيل .. وحدقت في أرزو حائرة فأشارت أرزو إلى الكدمات في ذراعيها قائلة :- لقد ترك آثار يديه عليك .. أنا آسفة أسيل .. آسفة لأنني كنت السبب في معاناتك هذه .. ومستعدة لفعل أي شيء لتعويضك عما فعلته ..
همست أسيل ذاهلة :- أتظنين شيئا في الدنيا بقادر على تعويضي عما حصل
هتفت أرزو يائسة :- لقد انتهى الأمر الآن .. وما عاد أسلان قادرا على الوصول إليك وقد تمكنت من الخلاص منه ... ستتمكنين من السفر بسهولة الآن دون أن يتمكن من إيقافك .. و ستنسين أمره لأنه لن يكون قادراعلى الوصول إليك فور انضمامك إلى جيهان
نهضت أسيل بصعوبة من السرير وهي تقول :- هل تظنين الأمر بهذه السهولة ؟ أن أمضي في سبيلي وكأن شيئا لم يكن .. وكأنك لم تطعنيني في ظهري مرارا ... بأنني لم أعاني الأمرين خلال الأسابيع الماضية بسببك
هتفت أرزو بتعاسة :- أسيل .. أنا
همست أسيل مقاطعة إياها :- لقد كنت مخطئة أرزو .. لقد كنت مخطئة تماما .. أنا لم أكن حصينة كما ظننت .. لست بالقوة التي ظننتها ..
تمتمت أرزو بقلق :- ماذا تعنين ؟
سالت دموع أسيل وهي تقول :- أعني أنك عندما خططت لانتقامك هذا لم تفكري أبدا بأنني انا من سيعاني بسببك .. بأنني أنا من سيخسر قلبه وحياته في اللعبة الحقيرة البائسة التي قمت بها ؟
هتفت أرزو مذعورة :- مستحيل .. انت تمزحين .. لا يمكنك أن تقعي في ..
قاطعتها أسيل صارخة بانفعال :- ولكنني وقعت أرزو .. لقد وقعت وانتهى الأمر .. أنا أحب أسلان .. أحبه إلى درجة تمزق قلبي وكياني كلما فكرت به ..أحبه إلى حد أتألم فيه بجنون وأنا أمنع نفسي الآن من الذهاب إليه ومنحه ما يريد .. أحبه أحبه ... وأنت السبب .. أنت السبب .. وأنا أكرهك لهذا أرزو .. أكرهك ولن أسامحك أبدا
اندفعت أسيل دون تفكير نحو دولاب أرزو الكبير .. فتحت لترمي الملابس هنا وهناك وأرزو تهتف ورائها باضطراب :- أسيل ... ماذا تفعلين ؟
تناولت أسيل سروالا من الجينز ... وقميصا قطنيا ارتدتهما بيدين مرتجفتين وهي تقول بانفعال :- أنا لن أبقى معك في مكان واحد أرزو ... أنا لا أثق بك كفاية بعد الآن لأفعل
قالت أرزو متوسلة وهي تحاول إيقاف أسيل :- أسيل ... ارجوك اهدئي .. دعينا نتحدث بهدوء على الأقل قبل أن تتخذي أي قرار .. إلى أين ستذهبين وأنت على هذه الحالة ؟
دفعتها أسيل بعيدا عنها .. وخرجت من الغرفة .. خرجت لمعان من المطبخ وقد نبهها الضجيج .. رأت أسيل تهبط الدرج بسرعة .. ترتدي ملابس أرزو .. شعرها ثائر وفوضوي .. ووجهها المبلل بالدموع شاحب كالأموات .. هتفت ذاهلة :- أسيل
رأتها تخرج من البيت وأرزو في إثرها تصرخ متوسلة :- أسيل انتظري
نادت لمعان فريد .. الذي بقي اليوم في البيت لأجل اسيل .. فخرج من مكتبه مجفلا ... وسرعان ما كان يلحق بأرزو التي كانت واقفة أمام المنزل ذاهلة .. هتف بحدة :- ما الذي حدث ؟
نظرت إليه بعينين مشوشتين وهي تقول :- لقد رحلت .. لقد رحلت أسيل .. استقلت سيارة أجرة ورحلت
نظر إليها جامد الوجه .. ثم إلى الطريق الخالي .. ثم عاد ينظر إليها قائلا بصرامة :- ستوافينني إلى مكتبي حالا .. وستخبرينني بكل شيء أرزو .. كل شيء .. وإن أغفلت عن أي تفصيل صغير ندمت أشد الندم


قال كمال بإرهاق عبر الهاتف :- إنها بخير .. صدقا يا عماه .. لقد كانت متعبة قليلا .. وهستيرية بعض الشيء عندما وصلت .. إلا أنها نائمة الآن في غرفة جيلان ...
استمع إلى ما كان فريد يقوله .. ثم قال :- أظن من الأفضل أن تبقى هنا بعض الوقت .. أعدك بأنها ستكون بخير .. طبعا سأجعلها تكلمك فور استيقاظها ..
ثم أكمل بتعاسة :- نعم .. أعرف .. هذا ما فهمته من كلماتها غير المترابطة .. لا بأس .. سأطمئنك عليها لاحقا
أنهى المكالمة .. وجلس على الأريكة في غرفة الجلوس ممسكا برأسه بين يديه .. ضائعا في أفكاره حتى أتاه صوت جيلان يقول بلطف :- هل أنت بخير ؟
تمتم دون أن ينظر إليها :- ماذا تظنين ؟
جلست إلى جانبه .. وربتت على كتفه قائلة :- اهدأ يا كمال .. أنا متأكدة بأ أرزو تمتلك تفسيرا لما حدث
رفع رأسه قائلا :- مهما كان تفسيرها فأنا لا أريد سماعه
لم تستطع الاعتراض .. فمازالت تتذكر وصول أسيل المريع إلى منزلهما .. الفتاة كانت منهارة فعليا .. لم تقل شيئا حتى وصل كمال .. بين ذراعيه .. كانت تهمهم بين دموعها بالكثير من الكلمات ... إلا أن تفسيرها لم يكن صعبا على كمال أو جيلان
سألها كمال :- هل اتصلت بأبي ؟
:- نعم .. أخبرته بأن الفتاة ستبقى في ضيافتنا بضعة أيام .. لم يمانع إطلاقا فقد سبق وأعجب بها في المرة الوحيدة التي قابلها بها .. كما أنه يتعاطف بشدة مع يتمها .. وقد أظهر مرارا تقديره لعناية فريد بها
قال كمال بمرارة :- لن يستمر تقديره إن عرف بما حدث
قالت جيلان باحتجاج :- لا تستطيع لوم فريد على ما حصل ..
تمتمت أخيرا :- لا ... لا ألومه هو .. من الأفضل ألا تخبري أبي بحقيقة الأمر ... فليقتصر تفسيرك على شجار سطحي تافه بين أسيل وأرزو
أومأت برأسها موافقة .. سألته عندما نهض واقفا :- إلى أين تذهب ؟
قال زافرا بقوة :- لا أعرف .. سأخرج قليلا .. لن أتأخر .. فأنا أريد أن أكون موجودا عند استيقاظ أسيل ..
خرج من البيت دون أن يستقل سيارته .. سار لفترة طويلة في الشوارع بلا هدف .. كان يشعر بالضياع .. بالقهر والغضب .. بالرغبة بتحطيم شيء ..
قادته قدماه أخيرا إلى مدرسته القديمة .. حيث قضى سنوات طفولته ومراهقته مع أرزو فيها .. جلس على مقعد خشبي مقابل لحديقة المدرسة المسيجة .. والخالية في هذا الوقت من السنة .. وظل لفترة يحدق إليها شاردا ... سمع صوت خطوات تقترب منه .. لم يكن بحاجة للنظر ليعرف صاحب هذه الخطوات .. لقد عرفها من طريقة سيرها المترددة .. من رائحة عطرها المألوفة .. أغمض عينيه قائلا بتعب :- ما الذي تريدينه أرزو ؟
تمتمت بحزن :- ما الامر يا كمال ... هل ترفض أنت ايضا مخاطبتي الآن .. هل أصبحت الشريرة في نظر الجميع ؟ ..
قال دون أن ينظر إليها :- فعلتك لا تغتفر أرزو ...
غالبت دموعها وهي تقول :- ألا أستطيع التماس شيئ من التفهم من أعز أصدقائي ؟
تنهد قائلا :- لا أظنني أستطيع منحك المزيد من التفهم يا أرزو
نظر إليها أخيرا .. وجهها البريء المغطى بالنمش كان أكثر شحوبا من المعتاد .. كانت عيناها البنيتان غارقتين بالحزن والتعاسة ... وشفتاها الرقيقتان ترتعشان في مقاومة مستميتة للبكاء .. راوده ذلك الإحساس المألوف بالرغبة في حمايتها .. في احتضانها بين ذراعيه وطمأنتها بأن كل شيء سيكون بخير .. كما فعل عندما قضت أياما في المصح منهارة بعد زواج الرجل الذي أحبته بغيرها .. إلا أن الأمر مختلف هذه المرة .. لا يستطيع إنكار ما حدث حتى لو حاول .. ليس وذكرى أسيل المنهارة ما تزال حية ومؤلمة جدا في ذاكرته
قال بألم :- كيف استطعت فعل هذا بأسيل أرزو ؟ .. كيف ؟ كيف طاوعك قلبك على رميها بين يدي ذلك الرجل .. أليس في قلبك ذرة من الرحمة .. ؟ هل تكرهينها إلى هذا الحد ؟
هتفت بيأس :- لا ... أنا لم أتعمد أذيتها .. لم أفكر بأنها ستقع أسيرة هواه بهذه السهولة .. كما لم أتوقع أن يفقد عقله ويتجاوز كل الخطوط الحمراء بهذه الجراة .. لم افكر أبدا بأنه سيهتم لأمرها بهذه الطريقة .. بهذه القوة
قال متهكما :- يؤلمك هذا كثيرا ... صحيح ؟؟ أن يقدم ما بخل به عليك لغيرك
سالت دموعها قائلة بانفعال :- هذا غير صحيح .. أنا لم أعد أحبه .. ولا أتمنى أبدا أن يهتم لأمري أبدا .. أنا فقط .. أنا فقط ..
تابع عنها بخشونة :- أنت فقط أكثر لؤما من أن تنسي يا أرزو ..أنت أكثر حقدا من أن تتركي فتاة بنقاء ورقة وشفافية أسيل تسعد ببراءة حياتها ... قد يكون هدفك الأول تعذيب أسلان دار أوغلو والانتقام منه 00 إلا أن جزءا منك كان يغار دائما من أسيل .. لأنها امتلكت دائما ما لم تحظي به قط
وقف مواجها إياها قائلا بحزم :- الصدق .. والطيبة .. النور الذي يشع من قلبها ليضيء ما حولها .. لقد أراد جزء منك إطفاء ذلك النور .. إخفائه إلى الأبد .. كي لا تظلي التعيسة والكئيبة الوحيدة على وجه الأرض ..وقد نجحت .. فالعطب الذي سببته لأسيل المسكينة .. غير قابل للشفاء أبدا .. وأنت لن تفهمي هذا قط .. لأنك لم تعرفي يوما ما هو الحب الحقيقي .. لم تعرفيه ولن تفعلي .. حتى عندما ظننت نفسك عاشقة لأسلان دار أوغلو .. كان الجزء المغرور والأناني والمريض منك هو ما أراد الحصول عليه .. وليس قلبك
هتفت أرزو بألم :- لماذا تحدثني بهذه الطريقة ؟ لماذا تتعمد جرحي وإيلامي بهذه الطريقة
قال بقسوة:- لأنها الحقيقة يا أرزو .... الحقيقة التي لم أغفل عنها قط .. والتي لم تمنعني أبدا من الوقوع في حبك .. إلا أنك كنت أكثر عميا وأنانية من أن تلاحظي مشاعري .. من أن تري بأنني ما كنت لأتركك وأرحل .. حتى وأنا أعرف كل نواقصك
سالت دموعها غزيرة وهي تهمس :- لماذا تفعل هذا الآن إذن ... لماذا تتخلى عني وأنا في أمس الحاجة إليك
قال بحزن :- لأنني لا أظنني راغبا بصداقتك بعد الآن يا أرزو
جمدت مكانها وهي تنظر إليه غير مصدقة ... عندما تابع :- أنت لست أرزو التي عرفتها طوال حياتي .. صديقتي ورفيقة دربي ... الفتاة التي أهتم بها أكثر من أي شخص آخر ..نصفي الآخر .. صغيرتي أرزو .. حمراء الشعر العنيدة والمشاغبة إنما نقية الفؤاد .. أنت لست الفتاة التي أحببتها يا أرزو .. أنت شخص آخر لم أعرفه قط قبل الآن .. ولا أظنني أريد أن أعرفه
حبست أنفاسها وهي تراقبه يبتعد قائلا :- من الأفضل أن تبتعدي عن منزلي خلال الأيام المقبلة .. أنا متأكد بأن أسيل ترفض رؤيتك بشكل قاطع
ظلت تنظر إليه وهو يبتعد حتى اختفى عن أنظارها .. ثم جلست مرتعشة فوق المقعد الخشبي الذي تركه لتوه ..وأجهشت بالبكاء

ناولتها جيلان قدحا من الشاي قائلة برقة :- ستشعرين بتحسن فور أن تشربيه .. أنا متأكدة
كانت أسيل قد أخذت حماما ساخنا .. وارتدت شيئا مستعارا من ملابس جيلان المريحة .. وقد بدأت تشعر بشيء من التحسن والهدوء محاطة برعاية الفتاة التي تكبرها بالسن .. ذات الغريزة الأمومية التي ذكرتها بجهان .. قالت معتذرة :- أنا آسفة لتطفلي عليكم بهذه الطريقة
:- لا تقولي هذا حبيبتي ... نحن عائلة واحدة .. ما كنا لنرضى أنا وكمال أن تلجئي إلى غيرنا في موقف كهذا
وكأنها تمتلك مكانا آخر لتلجأ إليه .. احتست أسيل شيئا من الشراب الساخن .. بينما قالت جيلان بقلق :- أنا آسفة لسؤالي لك أسيل .. هل .. هل فكرت بما ستفعلينه الآن ؟ .. أعني .. أظنك ستحاولين السفر مجددا إلى شقيقتك .. سترحلين تاركة كل هذه الفوضى ورائك .. صحيح ؟
قالت أسيل بحزن :- أليس هذا هو التصرف الحكيم ؟
فكرت جيلان قليلا .. ثم قالت :- إنه التصرف الحكيم بالفعل .. ولكن ..هل هو ما تريدين حقا ؟؟ هل من الصواب أن تذهبي تاركة الأمور معلقة دون حل نهائي ؟ هل تظنين بأنك ستعرفين الطمأنينة لو أنك رحلت تاركة قلبك هنا
همست أسيل :- ماذا علي أن أفعل يا جيلان ؟
تنهدت جيلان.. وربتت على وجنة أسيل قائلة :- أنت من يمتلك الإجابة عن هذ السؤال حبيبتي ... سأتركك ترتاحين قليلا قبل أن يعود كمال ليقتحم خلوتك .. لقد كان في أشد القلق عليك
نهضت مغادرة الغرفة تاركة أسيل تتمدد فوق السرير .. دافنة وجهها في الوسادة .. تنظر إلى هاتفها المقفل المرمي على المنضدة الصغيرة المجاورة للسرير وهي تهمس بألم وحزن :- أسلان

لم تعد المرات التي حاول فيها أسلان الاتصال بهاتف أسيل المغلق قابلة للعد .. رمى هاتفه جانبا بشيء من العنف ... وعاد يحتسي محتويات زجاجة كانت ممتلئة في وقت ما من هذا النهار .. بينما كانت الآن شبه فارغة .. جلس على طرف سريره محيطا رأسه بيديه وآلاف السكاكين تطعن قلبه بلا رحمة .. الألم الذي كان يحسه بالكاد كان محتملا .. ماذا عليه أن يفعل ؟ هل يذهب إليها ؟ هل يقتحم منزل ذلك الفتى وينتزعها من هناك مختطفا إياها مجددا ؟؟ .. وكيف السبيل إلى ذلك .. كيف يمنع نفسه من الإحساس بخسارتها .. بأنه قد فقد كل فرصه بها .. وبأنها ستعود للاختفاء مجددا كما حصل قبل سنوات وكأنه لم يعرفها قط .. هل سيكتب له أن يتابع حياته القادمة كلها راكضا وراء ذكرى ؟؟ .. إلا أنها ما كانت الآن مجرد ذكرى .. لقد كانت موجودة في كل جزء حي من جسده .. في أنفاسه .. في خفقات قلبه .. في نهاية أعصاب يديه وكأنها ما تزال بينهما .. بملمسها الناعم الرقيق ... دى صوتها يتردد في أذنيه .. ناعما .. شهوانيا كما في كل مرة يقبلها بها
أغمض عينيه بقوة مقاوما الذكرى القوية لها بين ذراعيه في المرة الأخيرة .. إحساسه بجسدها يستجيب للمساته .. بدفء بشرتها تحترق تحت أنامله .. بمذاق شفتيها .. بروح أنينها تحت شفتيه
يا الله ... ألن ينتهي هذا العذاب أبدا .. رفع الزجاجة مجددا إلى فمه ليجد بأنها قد انتهت .. فرماها بعنف إلى الجدار لتتحطم إلى شظايا .. نهض متعثرا نحو الخزانة ليخرج زجاجة أخرى .. كم عليه أن يشرب ليمنع نفسه من الإحساس .. من الشعور بالألم ؟
:- أسلان
انتفض جسده عندما سمع الهمس الناعم .. التفت قائلا بلهفة :- أسيل ..
إلا أن المرأة التي أطلت من باب غرفة النوم لم تكن أسيل .. لقد كانت دنيا .. واقفة هناك تنظر إليه بتعاسة .. والدموع تجري مدرارا فوق وجنتيها .. أغمض عينيه بقوة شاتما .. استدار عنها قائلا بفظاظة :- ما الذي تفعلينه هنا دنيا ؟ لا أذكر أنني منحتك يوما نسخة عن مفتاح هذه الشقة
قالت بمرارة :- لا لم تفعل ... ليس هناك من يقدم لزوجته مفتاح شقة عزوبيته .. صحيح ؟.. إلا أن هذا لن يمنعها من الحصول عليه بطريقتها الخاصة
قال بخشونة :- لن تبقي زوجتي لفترة طويلة يا دنيا .. وجودك في حياتي سينتهي فور أن أحصل على الطلاق .. وسأرميك بعدها خارجا كالكلاب
شهقت ألما من قسوة كلماته .. لم يكن يوما بهذه الفظاظة معها .. ورغم إدراكها بأن إفراطه في الشراب ..وما يحس به من ألم هما ما جعلاه يتمادى في جرحها .. إلا أنها صدمت لصراحته ووقاحته في إعلانه ببساطة تخليه عنها .. تمتمت بمرارة :- خلال خمس سنوات مضت .. لم تحاول مرة أن تمنحني الفرصة لأثبت لك جدارتي بحبك أسلان .. خمس سنوات ركضت ورائك خلالها كالمجنونة متوسلة إليك أن تحبني ولو قليلا .. إلاأنك لطالما أدرت لي ظهرك .. لم تمنحني حتى الاحترام الذي يفرضه عليك زواجنا
اشار بيده الممسكة بالزجاجة وهو يقول بخشونة :- يمكنك أخذ جنونك معك ومغادرة هذا المكان .. أنا لا أحبك .. لماذا لا تفهمين .. أنا لم أردك يوما .. ما كنت قط إلا شيئا كريها موجودا في حياتي بانتظار أن اجد المرأة الأجدر بأخذ مكانك
قالت بتهكم مرير :- وأين هي هذه المرأة ؟ .. أنا لا أراها هنا .... ومن مظهرك وأنت ممسك بهذه الزجاجة .. تشرب كالسكير العجوز .. يبدو أنها لا ترغب أساسا بهذا الموقع المبجل في حياتك .. والذي حكمت علي بألا أستحقه أبدا
زمجر هاتفا بها ملوحا بإصبعه :- اصمتي واخرجي من هنا
تابعت بقسوة :- الحب من طرف واحد صعب .. صعب جدا أسلان .. أليس كذلك ؟ أنت تفهمني الآن .. تعرف كيف كنت أشعر وأنا ألاحقك لسنوات كالكلب المسعور الجائع إلى عظمة .. هو ليس بالشعور اللطيف كما ترى
أحس بحرقة ألمه في صدره وهو يتجه إلى النافذة العريضة المطلة على البحر ... وقف هناك ينظر إلى صفحة المياه البعيدة وقد اصطبغت بألوان الغروب .. يتذكر حبيبته واقفة هنا .. في بيته .. أمامه .. مكسوة بالألوان ذاتها .. في انتظار أن يبثها حبه .. لقد كانت هنا .. وقد سمح لها بالرحيل .. أي أحمق هو .. أي رجل ضعيف أحمق هو ليسمح لها بالرحيل
أحس بيدي دنيا تنبسطان على ظهره من الخلف .. وصوتها المتوسل يقول :- أستطيع منحك المواساة التي تطلبها أسلان .. أنا أحبك .. أحبك ولن أخذلك قط وأنت تعرف هذا .. امنحني تلك الفرصة .. أرجوك .. أرجوك .. أتوسل إليك
لم يكن يستمع إليها.. بل لم يشعر بوجودها وهو يراقب الشمس تغوص وراء البحر الواسع .. ظل يتأمل المشهد بمزيج من الانبهار والألم .. أغمض عينيه .. وتنفس بعمق دون أن يشعر حتى بنشيج دنيا الواقفة وراء ظهره .. هامسا بكل ما يشعر به من شوق وحرقة :- أسيل

Continue Reading

You'll Also Like

50.1K 2.8K 27
فتاة بسيطة تحمل ملامح العديدات حُدد دورها في البحث عن عريس للزواج، ولا يمكنها الرفض بسبب ضعف شخصيتها ولكنها قابلته في ليلة ممطرة ودعى نفسه على كوب...
3.8K 170 37
الانفجار... هو تلك اللحظة التي تضع نهاية للاحتقان والصراع المستمر بداخلك... هو تلك اللحظة التي تمنحك الحرية على حساب روحك المتناثرة أشلاءا في السماء...
5.3K 211 22
أنا لست متشائمة .. لست سوداوية النظرة .. أنا فقط مؤمنة أن لكل انسان ثمن ... تشدقك المضني بأنك لست للبيع , لا يعني أن أخلاق الفرسان تتوجك بل أنت لم تج...
7.3M 359K 71
" سَــتَتركينَ الـدِراسة مِــن الــغدِ.. لَــقد سَـحبتُ مـلفاتكِ مِــن الـجامعةِ بـالفعل ..! " " مـالذي تَــهذي به..!؟ " " هــذا مــا لَـدي... لاتَ...